16. كيفية أتخاذ القرار (٢)
وكما توقعتُ… حدث ما كنا نخشاه.
“انتظر، انتظر لحظة!!! نحن نسير بسرعة جنونية!!!”
“وهل تُعدّ هذه سرعة جنونية أصلاً؟!”
“أيتها السائقة المجنونة…”
“آااااااه!!!”
“نهاهاهاهاااااك!!”
انطلقت بنا العربة المنجمية بسرعة هائلة.
كنا نشعر بالهواء الرطب والحار داخل المنجم، وكأننا نركب قطار ملاهٍ خطير.
ومن حين إلى آخر، بدا وكأن وحوشًا ما ظهرت في الطريق… لكننا كنا ننطلق بسرعة تجاوزت قدرتهم على التفاعل.
“آااه!! لا يوجد طريق أمامنا!! لا يوجد طريق!! سينباي سوجونغ!!”
“حسنًا!”
ولحسن الحظ، حين كان الطريق ينقطع فجأة، كانت تشوي سوجونغ تستخدم قوتها في التحكم بالرياح لترفعنا في الهواء.
ورغم أننا نثق تمامًا بها، إلا أننا كنا نرتجف بمجرد تخيّل العودة إلى الجري المجنون بعد كل طيران آمن…
“…ألم يُقال لنا إن وحوشًا ستظهر؟”
“…أووغ… نحن أسرع من أن تلحق بنا الوحوش… أووورغ!”
“تقيأ هناك، من فضلك.”
كنت أرتجف وأنا أنظر إلى نا يوري التي وبّخت نا يوهان بلا رحمة.
ثم، “طَرق”، عادت العربة إلى المسار…
وعادت تلك الابتسامة المنتفخة بالزهو والاعتداد لتعلو وجه كيم كانغ ها.
“لننطلق!”
“لااااااااا!!!”
وهكذا، واصلت رحلتنا فوق العربة المتمردة إلى نهاية هذا الدهليز…
***
“أووغ… أوورغ…”
“هل أنت بخير؟”
“أنا بخير… أوغ… لا، لستُ بخير…”
كنت أُربت على ظهر نا يوهان، الذي بدا وكأنه سيتقيأ أمعاءه من فرط المعاناة.
لم يهدأ إلا بعد فترة طويلة من القيء والغثيان.
“…في طريق العودة، أنا من سيقود.”
“أجل… أرجوكِ…”
ربّتّ على ظهره مرة أخرى بشفقة.
نادراً ما أرى نا يوهان في هذه الحالة من التوسّل.
سعل قليلاً وهو يعدّل نبرته، ثم وقف منتصبًا.
“لا بد أن شيئًا يشبه السندان موجود في هذا المكان… إنه المفتاح لإنهاء هذه الزنزانة. فلنبحث عنه.”
وبمجرد صدور التعليمات، بدأنا نبحث في المنطقة المحيطة بدقة.
ولم يمضِ وقت طويل حتى عثرنا على سندان أسود مصنوع من خامٍ معدني داكن.
“وماذا نفعل بهذا؟”
“الأمر بسيط. كانغ ها، اضربي هذا السندان بمطرقتك بكل قوتك.”
“أمر بسيط!”
وما إن سمعت كيم كانغ ها ذلك، حتى ابتسمت بفخر وأخرجت مطرقتها العملاقة.
ثم بلا أدنى تردد، هوت بها على السندان.
كووونغ!!
اصطدم السندان بالمطرقة محدثًا صوتًا مدوّيًا رهيبًا.
وبالتزامن، بدأ الكهف يهتز.
ددددد—
وانهارت أجزاء من الأرض إلى أسفل، لتتشكل مواقد وقوالب وأدوات كأننا في ورشة حدادة.
ومع تمركز السندان في الوسط، ارتفع حجر من الأرض، وتكوّنت تدريجيًا درجات كأنها تشكّل مذبحًا.
وبينما كانت الصخور تكتمل في شكل مذبح واضح، انبعث صوت من العدم.
<يا من تحمل دماء الحِرَفيّين، أثبتْ مهارتك!>
بمجرد أن سمعنا الصوت، ابتسم نا يوهان بخفة.
ثم التفت إلى كيم كانغ ها وسألها.
“كانغ ها. أحضرتِ المعدات التي صنعتِها من قبل، صحيح؟”
“نعم!”
“قومي بتقديم إحداها هناك.”
“هناك؟”
“في العادة، يُفترض أن تصنعي المعدات فورًا هنا لتقديمها، لكن ذلك سيأخذ وقتًا طويلاً. لذا جعلتكِ تجهزينها مسبقًا.”
آه، الآن فهمتُ سبب إلحاح نا يوهان عليها لصنع المعدات طوال الفترة الماضية، وحتى استثمر فيها الكثير من المال.
حقًا، المال يحل المشاكل. وإن لم تُحلّ، فلعلّك لم تنفق ما يكفي بعد.
“هذه… هي التي صنعتِها وأنتِ لم تنامي أسبوعًا كاملًا، أليس كذلك؟”
سألتها وأنا أتذكر كيف لم أرها تغفو ولو للحظة. فأومأت بالإيجاب.
“صحيح تمامًا!”
ثم ابتسمت بثقة.
“لكني لا أندم على شيء. لهذا خرجت روائع حقيقية!”
“روائع؟”
“نعم. صنعتُ أدوات متنوعة. سيف يضاعف القوة الهجومية، ودرع يصدّ كل الهجمات لمدة خمس دقائق…”
“…مذهل.”
“أنا مذهلة بطبيعتي!”
قالت كيم كانغ ها ذلك بابتسامة مشرقة، لا تحمل أي شعور بالخجل أو التواضع المصطنع.
ورغم أن ثقتها كانت تبدو للوهلة الأولى كغرور، إلا أنها لم تكن سوى نتيجة طبيعية لمهارة لا يمكن لأحد إنكارها.
“عملتِ بجد فعلاً.”
قال نا يوهان.
“إذًا، أي قطعة ستختارين في النهاية؟”
“هممم… الدرع جيد، والسيف جيد، والقوس رائع أيضاً…”
“اختاري واحدة فقط. وأذكّرك، ما إن تُقدَّم، لا يمكن استرجاعها مجددًا.”
“لم تذكر هذا من قبل؟!”
“أتعلمين كم من الموارد استهلكتُ لأجلكِ؟ هيا، قدّمي واحدة على الأقل.”
تنهّدت كيم كانغ ها، وعجزت عن الرد.
ويبدو من الطريقة التي كانت تضغط بها على جبينها أنها كانت تخوض صراعًا داخليًا هائلًا…
وبعد قليل من التفكير، فتحت مخزونها، وأخرجت سيفًا مزخرفًا مصنوعًا من الذهب.
“هذا ما أعجبني أكثر من أي شيء. طالما طُلب مني إثبات مهارتي، فلأقدّم أفضل ما لدي!”
“حسنًا.”
صعدت كيم كانغ ها درجات السلم الصخري، واحدة تلو الأخرى، حتى وصلت إلى المذبح ووضعت عليه السيف.
“وداعًا، يا سيفي الحبيب…!”
“كفى درامية.”
“أنت لا ترحم فعلًا!”
كان نا يوهان قاسيًا بعض الشيء كعادته.
وما إن وُضع السيف على المذبح، حتى بدأ يرتفع قليلًا في الهواء ويلتمع بضوء ساطع.
ثم سمعنا صوتًا يتردد من العدم.
<هممم… هذه الخامات… كلها من الدرجة الأولى.>
<وهذه المنحنيات، والزخرفة، والتشطيب… كلها مصنوعة بلمسة دقيقة للغاية.>
<والأهم… الأداء! إنه سلاح قتالي متكامل لا غبار عليه!>
بدت النبرة منبهرة بصدق.
<مذهل… عملٌ حقيقي من يدٍ ماهرة. إنك تستحقين مفتاح الاختبار…!>
تزايد وهج السيف فوق المذبح، حتى أصبح الضوء مبهرًا حد الإغلاق اللا إرادي للعينين.
وبمجرد أن فتحنا أعيننا ثانية، كان المفتاح الأسود قد حلّ مكان السيف، يطفو فوق المذبح.
“إنه المفتاح!”
قلتُ بانبهار، ليكتفي نا يوهان بابتسامة واثقة وهزّ رأسه إيجابًا.
“كنت أعلم أن كيم كانغ ها ستنال الاعتراف. ولحسن الحظ، لا يبدو أن جماعة الوايلد هانترز تعرقلنا هذه المرة… إنه لأمر مريح.”
“…حقًا.”
لاحظتُ أن كيم كانغ ها تتردد وهي تنظر إلى المفتاح، فصحتُ بها.
“أه، كانغ ها. هل يمكن أن تعطيني المفتاح؟”
“هم؟ نعم طبعًا!”
هزّت رأسها موافقة دون تردد، ثم مدت يدها والتقطت المفتاح الذي كان يطفو فوق المذبح.
وما إن قبضت عليه، حتى بدأ المفتاح المصنوع من خامٍ أسود غريب يطلق وميضًا ويتقيأ جواهرًا متلألئة، سرعان ما ملأت المذبح بألوانها البرّاقة.
راقبت كيم كانغ ها الأحجار الكريمة بدهشة قبل أن تبتسم وتسلمني المفتاح.
“تفضّلي!”
“شكرًا لكِ.”
أخذتُ منها المفتاح، وفي تلك اللحظة، صاحت نا يوري بحماسة.
“انتهى الأمر إذًا! ولحسن الحظ، انتهينا في الوقت المناسب!”
“لنذهب إلى حفلة عيد الميلاد…!”
“موافقة!”
وصلتني أصوات الحماسة من مين جاي يون وشين باران من خلفي، لكنني لم أتحرّك.
…لا، لم أستطع أن أتحرّك.
لاحظ رفاقي توقّفي المفاجئ، فتلفّتوا خلفهم وقد بدأ الشك يتسلل إلى قلوبهم.
“ناهيون؟”
رغم أنني سمعتهم ينادونني، إلا أنني بقيت أحدّق في المفتاح المصنوع من أنواع مختلفة من المعادن النادرة، ثم عضضت شفتي السفلى بصمت.
كان نا يوهان يحدّق بي أيضًا.
وفجأة، تذكرت الوقت الذي قضيناه معًا.
لو أنني تابعت السير معه في نفس الطريق، لشعرت بالاطمئنان.
لشعرت بالراحة.
…لكن لا يمكنني فعل ذلك.
فأغلى ما أملك موجود في الاتجاه المعاكس تمامًا لذلك الطريق.
ولهذا،
“الآن، تورنيتو.”
“-مفهوم.”
زززز!!
بمجرد أن نطقت بتلك الكلمات، أحاط بي حاجز من البرق.
وما إن ظهرت تلك الهالة، حتى تحرّك الآخرون بسرعة بالغة.
“تورنيتو!”
“وضع قتال!”
“ناهيون، تعالي إلى هذا الجانب!”
ظنّوا أنني في خطر، فسارعوا لإنقاذي.
لكنني بقيت واقفة بهدوء خلف الحاجز البرقي، أحدق إليهم دون أي طلب للمساعدة… ودون أن أبذل أي محاولة لمنعهم أيضًا.
بدت عليهم الحيرة.
نا يوهان ناداني بصوتٍ منخفض، أقرب إلى التوسّل.
“…ناهيون؟”
“…نا يوهان.”
اقترب تورنيتو من جانبي، ووقف بمحاذاتي.
حينها، تجمّدت ملامح نا يوهان كمن رأى كابوسًا في وضح النهار.
“ناهيون !”
“ما الذي تفعلينه، ناهيون؟!”
صرخت نا يوري بصوت مختنق، أما شين باران فصرخت بدهشة غاضبة.
“كانغ ناهيون! عودي إلى هنا!”
حتى بارك سي وو بدا وكأنه فهم شيئًا لكنه رفض تصديقه، فصرخ بي بانفعال.
“ناهيون!!!”
واندفع بسيفه، مصطدمًا بحاجز البرق الذي تطايرت منه شرارات لامعة.
“…هذا مستحيل.”
رأيت عينيه ترتجفان من خلال وهج الشرر.
“لن أعود إلى الأكاديمية بعد الآن.”
التعليقات لهذا الفصل " 164"