16. كيفيّة اتخاذ القرار (١)
كنت أبتسم بكل ما أوتيت من قوة، كأن شيئًا لم يحدث، وأقضي أيامي كما لو أنها عادية تمامًا.
وفي خضم ذلك، صنعت حلوى البيبيرو مع نا يوري.
كانت نا يوري تضحك ببراءة وكأن الطبخ معي يمنحها سعادة خالصة، وكانت تستعرض أمامي أنواع البيبيرو التي صنعتها.
“رششّتُ حبيبات السكر على الشوكولاتة الوردية!”
“جميلة!”
“وهذه صنعتُ البسكويت نفسه على شكل قلب ثم سكبت عليه الشوكولاتة، وتلك غلفتُها بشوكولاتة قوس قزح، وهذه–”
“لحظة… أليست مكوناتنا مجرد بسكويت عيدان وشوكولاتة بنية؟ كيف صنعتِ كل هذا؟”
“بالحب!”
“بالحب؟!”
ثم قدّمتها كلها لي قائلة.
“جميعها لكِ يا ناهيون!”
“…أما من حلوى للآخرين؟”
“آه… سأبدأ في إعدادها الآن!”
“هاها…”
نظرت إليّ بعينين متلألئتين فالتقطت واحدة منها وأخذت قضمة على استحياء.
كانت حلوة…
لكن الحلاوة تلك، المغمورة بالعاطفة، كانت شديدة حتى شعرتُ أن الطعم المر بدأ يصعد إلى حلقي.
“واو، رائعة!”
“شكرًا لكِ.”
بعدما انتهينا من إعداد الحلوى، أهديتُ أولًا واحدة لكل من تشوي سوجونغ ولي هانا.
وبما أن تشوي سوجونغ أخذتها بهدوء، يبدو أنها – بخلاف الهالوين – قررت عدم إثارة أي فوضى تنكرية هذه المرة.
وهو أمر جيد، فمن المرهق لها أن تجهز المقالب كل مرة.
ثم وزعت ما تبقى من البيبيرو على باقي الأصدقاء.
في الأحوال العادية، كنت سأُعطي نا يوهان واحدة مميزة وخاصة…
لكن ليس هذه المرة.
فالدلال والتودد له لم يعد لهما فائدة تُذكر.
“أختي، هذا لذيذ!”
“حقًا؟”
تهرّبتُ من نظرات بارك سي وو بينما ابتسمت بحرارة لكانغ يو.
أما بارك سي وو، فكان يحدق بي بنظرة غريبة.
أتمنى فقط… ألا تنطق بكلمة، بارك سي وو. هذه المرة فقط.
وربما، لأنه قرأ مشاعري، فقد ظلّ صامتًا تمامًا.
شعرت ببعض الراحة… وبعض اليأس أيضًا.
وكأن العالم يهمس لي بأنه لا مهرب من هذا المصير.
وبينما مرّ شهر نوفمبر سريعًا، وجدنا أنفسنا فجأة في منتصف الشتاء… واقترب ديسمبر.
“ناهيون، هل حدث لكِ شيء؟”
كان نا يوهان هو من سألني أولًا إن كنت بخير.
رغم أنني بذلت جهدًا في التظاهر باللطف معه، ربما لأنه لاحظ أنني لم أُعامله معاملة خاصة كالسابق؟
“لا، لم يحدث شيء. لماذا تسأل؟”
“لا أعرف، فقط…”
لكنه بدا غير قادر على تحديد السبب بوضوح، وتلعثم قليلًا.
هدّأت نبض قلبي الذي ارتبك للحظة، وابتسمت له بهدوء.
“لديّ بعض القلق، هذا صحيح.”
“عن ماذا؟”
“عن اقتحام زنزانة المفتاح. من يدري، ربما يظهر الوايلد هنتر مجددًا.”
“…معكِ حق.”
أومأ نا يوهان متفهمًا، ثم عبس فجأة وكأنه اتخذ قرارًا جادًا.
شعرت بقلق غريب يتسلل إليّ…
“كيم كانغ ها! كيف هو الوضع اليوم؟”
“بخير، اعتمد عليّ!”
ثم شرع نا يوهان في التحضير بشكل رسمي لاختراق زنزانة المفتاح، وكان يجري في كل اتجاه بحيوية.
المشكلة أنه أضاف إلى جدوله المزدحم بندًا جديدًا: “مضايقة كيم كانغ ها.”
“أكثر!”
“أكثر؟!”
“ضعي فيه كل ما تملكين!”
“وضعت كل شيء!”
“ضعي فيه روحكِ أيضًا! لا تنامي! النوم ترف!”
“ألا ترى أنك تبالغ؟!”
“قلتِ لا تحتاجين لمزيد من المواد؟ هل أقطع عنكِ الدعم إذًا؟”
“سأطلب إسبرسو إضافي! أقسم أني سأصنع أفضل عتاد!”
لكن… هل كانت كيم كانغ ها مسكينة حقًا؟
لا أظن.
يبدو أنها تتظاهر بالتذمر، لكنها في الواقع تستمتع بذلك.
بل لعلّ عينيها قد تلألأتا من كثرة المواد الثمينة التي يُسمح لها باستخدامها كما تشاء.
نا يوهان كان يزودها بكل ما تطلب دون أدنى تردد، ويستثمر فيها بسخاء.
حين حاولتُ تقدير تكلفة ما أنفقه، استسلمت وتوقفت عن العد.
الشيء الوحيد الذي تيقّنت منه… أن نا يوهان برجوازيٌ حقيقي.
لا أعرف ما الذي يخطط له تحديدًا، لكنه نا يوهان… فلا بد أن لديه خطة ذكية لتخطي الزنزانة.
وبعد أيام قليلة، دعا نا يوهان جميع أعضاء الفريق إلى غرفة التدريب بعد المدرسة، وبدأ عرضًا تمهيديًا.
“زنزانة المفتاح هذه المرة هي: مِحداد الأقزام. وموعد افتتاحها: ليلة عيد الميلاد.”
“في ليلة الميلاد تحديدًا؟!”
“لننتهِ منها بسرعة، ونحتفل معًا بعيد الميلاد!”
ابتسم نا يوهان وهو يرد على تعليق كل من شين باران ومين جاي يون، ثم واصل.
“مِحداد الأقزام يشبه منجمًا. سنركب عربات تعدين ونجوب أرجاءه، لكن هناك وحوش من خامات المعادن تعترض الطريق، وأحيانًا تكون الممرات مقطوعة.”
“إذًا، يبدو أن قدرتي ستكون مفيدة~”
“نعم، سنعبر الأجزاء المقطوعة باستخدام قدرتك الهوائية، وسنسحق وحوش المعادن لنشق طريقنا.”
قالها نا يوهان وهو يهز كتفيه بثقة.
“وبالمناسبة، سيكون معنا معاون هذه المرة أيضًا.”
“كيم كانغ ها؟”
“نعم، هل كان واضحًا لهذه الدرجة؟”
“كنت تخطط لذلك معه منذ أيام، وكيم كانغ ها نصف قزم بعد كل شيء.”
قال بارك سي وو ذلك، فأجاب نا يوهان بابتسامة محرجة.
“من الأفضل أن نستعد مسبقًا. هذه الزنزانة تتطلب الكثير.”
“ما الذي تحتاج إليه تحديدًا؟”
“جوهر تقنية الأقزام؟”
“هاه؟”
“شيء من هذا القبيل…”
حوّل نا يوهان الحديث متعمّدًا، بصوت مبهم.
“بالمناسبة… كيف هو وضع طائفة البرج مؤخرًا؟”
“في الواقع، يبدو أن الوضع أصبح أكثر هدوءًا هذه الأيام. وهذا ما يقلقني أكثر… لا بد أنهم يُخططون لأمر ما…”
“صحيح، حتى أعضاء طائفة البرج من طلبة الأكاديمية بدؤوا فجأة في الامتناع عن الحضور، وهذا أمر يثير القلق.”
علّقت شين باران ونا يوري بذلك، فأجاب نا يوهان بجدية.
“لو كان بمقدورنا الحصول على دعم عائلة فالدير، لكان ذلك رائعًا… لكن تلك العائلة نفسها خضعت لسيطرة الطائفة.”
“همم… يبدو أن الآنسة نيكا مشغولة كثيرًا هذه الأيام، فقد بدا وجهها شاحبًا للغاية…”
علّقت مين جاي يون، فأومأتُ موافقة.
“صحيح. ولعلّ لذلك السبب بدأت تطلب من الجميع أن يصبحوا خُطّابًا لها.”
‘أنت! كن خطيبي!’
‘آآه!!’
تذكّرت المشهد المحرج الذي رأيت فيه نيكا وهي تسرّب طلبات الخطبة أينما ذهبت، وضحكت ضحكة باهتة.
‘همم؟ لقد جئتَ في الوقت المناسب! إذًا فلنقم بحفل الزفاف مباشرة!’
‘أعتذر، سأذهب الآن.’
‘ إلى أين؟!’
‘أعتذر!’
بل إنها ذات مرة لاحقت أحدهم تطلب الزواج، وبدأت بينهم مطاردة غريبة…
…ذكرى لا أرغب في استحضارها إطلاقًا.
“هل تنوي تلك المرأة تأسيس حريم خاص بها؟”
قالت شين باران، غير مصدّقة، ثم أضافت.
“على أي حال، سأحاول الاستفادة من أختي بارِن للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات.”
“شاكر لكِ.”
أومأ نا يوهان برأسه ممتنًا، ثم صفق بيديه ليجمع انتباه الجميع.
“حسنًا، هذا كل ما في موجز المعلومات! هيا نبدأ التدريب!”
“حاضر!”
أثناء تمرّننا باستخدام جهاز المحاكاة على مواجهة وحوش المعادن، استغليتُ استراحة قصيرة لاستدعاء نا يوهان على انفراد.
“ماذا هناك؟”
“أريد أن أطلب منكَ شيئًا…”
ترددت للحظة. تساءلت: هل ينبغي لي قول هذا؟
لكن لا مجال للتراجع الآن. لحل هذه المسألة، لا بد من مواجهتها وجهًا لوجه.
تجنّبت نظرته الفضولية، ثم استنشقت نفسًا عميقًا واستجمعت عزيمتي.
“يوهان… هل يمكن أن تعهد إليّ بحفظ المفاتيح؟”
“المفاتيح؟”
“نعم.”
“هل ثمة مشكلة؟”
عند سؤاله، عضضتُ شفتي.
أن أكذب عليه مجددًا… أمر مؤلم.
“فقط… الوايلد هنتر يعتقدون أن المفاتيح بحوزتك، أليس كذلك؟ لذا…”
“تفكرين عكسيًّا. لو احتفظتِ بها، فلن يستطيعوا سرقتها مني حتى لو أمسكوا بي.”
“بالضبط!”
بدا نا يوهان مترددًا للحظة بعد سماعه اقتراحي.
“كنت أتساءل لِمَ استدعيتني فجأة… يبدو أنكِ فكرتِ طويلًا قبل اتخاذ هذا القرار.”
“أجل، الجو مضطرب جدًا هذه الأيام… شعرت أن الوقت حان لاتخاذ خطوة.”
“صحيح، الوضع ليس مريحًا فعلًا.”
هز رأسه موافقًا، ثم حدّق في عينَي بثبات.
اضطررت لأن أشد قبضتي كي لا أشيح بنظري عنه.
رغم أنّ الكذب أحد مهاراتي، فإن الكذب عليه بالذات… كان صعبًا جدًا.
وبعد لحظة، أخرج نا يوهان المفاتيح من مخزونه.
“خذي.”
“…!”
“أنا أثق بكِ، ناهيون. أرجوكِ، اعتني بها جيدًا.”
“…نعم.”
فتحت كفّيَّ وأمسكت المفاتيح بحذر.
رنين احتكاكها فوق راحتيّ كان نقيًا ولامعًا.
وبينما كنت أتأملها بصمت…
“ناهيون! يوهان! أين أنتما؟!”
وصلنا صوت نا يوري وهي تنادينا.
“آه، ها هي تنادينا. لنذهب.”
استدار نا يوهان باتجاه الصوت قائلاً، فأومأت.
وقبل أن أضع المفاتيح داخل مخزوني، قبضت عليها بشدة.
كانت تشبه الأشواك وهي تنغرس في راحة يدي.
***
ليلة عيد الميلاد… داخل الزنزانة.
تمتمت شين باران بتذمّر.
“نقضي ليلة عيد الميلاد في اقتحام زنزانة؟ يا له من احتفال…”
“صحيح… لكن لا خيار أمامنا.”
“أعلم! حسنًا، بما أن الوضع هكذا، فلننتهِ منها بسرعة!”
“موافقون!”
بينما كانت مين جاي يون تواسي شين باران بابتسامة، التفت إلينا نا يوهان وقال.
“هل الجميع جاهز؟”
“جاهزون!”
“حسنًا، كما تعلمون، هذه هي كيم كانغ ها. معاوننا لهذه المرة.”
“أتشرف بلقائكم!”
قالت كيم كانغ ها بنظرة متوهجة، ثم نظرت نحو مدخل الزنزانة حيث ظهر منجم ضخم، وبدت عليها علامات الإثارة.
أظن أنها مأخوذة تمامًا بهيئة المنجم من الداخل.
ورغم أن تصرفاتها غريبة بعض الشيء، فإننا اعتدنا عليها، فتجاهلنا الأمر وأكملنا استعداداتنا بسرعة، ثم انطلقنا نحو البوابة.
لم تمرّ سوى لحظات، حتى وصلنا إلى ساحة فارغة كما ورد في موجز نا يوهان.
في وسطها، وُجدت عربة منجم ضخمة، وتحتها سكة حديدية تمتد بعيدًا في العتمة.
عند رؤيتها، تفاجأت نا يوري.
“إنها عربة منجم حقيقية!”
“يا لها من آلة عجيبة… كيف تتحرك؟”
أخذت كيم كانغ ها يتتفحص العربة من كل الزوايا، وما إن فهمت طريقة تشغيلها حتى صاحت.
“اركبوا! سأتولى القيادة!”
“…بحذر. مفهوم؟”
“بالطبع! مَن أكثر حرصًا على السلامة مني؟”
“قليها وأنت تضعين يدكِ على ضميرك.”
“ضميري حي، صدقوني.”
نا يوهان ونا يوري ردّا عليها بنبرة باردة.
ورغم أن نا يوهان ظل يؤكد على أهمية السلامة، بدا أن كيم كانغ ها لم تعر ذلك انتباهًا يُذكر.
هل تعريفها الشخصي للسلامة… مقبول فعلًا؟
الشك تسلل إلينا جميعًا.
“إذًا، ننطلق الآن!”
التعليقات