كانت الجراح البادية في أنحاء جسده توحي بأنه قد تعرّض لإصابات بالغة، فشدَدتُ على أسناني دون أن أشعر.
– ألستِ تريدين لهذا الصديق أن يظلّ بخير؟ ما رأيك أن نعقد صفقة؟
– وماذا تريد؟
– من يدري؟
– تكلّم بسرعة.
حاولت التماسك قدر المستطاع بينما أحدّق في الشاشة. أما الطرف الآخر، فكان يضيع الوقت ببرود، حتى لفظ ما يريده بعد دقائق.
– غدًا، الساعة الثامنة مساءً، تعالي وحدك إلى هذا العنوان.-
– (العنوان)
– سنعيد إليكِ ميخائيل.
– حسنًا.
وافقتُ مبدئيًا على طلبه.
– آملُ ألا تفكّري في أي حماقات.
كانت تلك آخر رسالة وصلتني منه، ثم انقطع الاتصال تمامًا.
وقفتُ طويلًا أمام باب غرفتي أحدّق في تلك الرسالة الأخيرة، ثم وضعتُ الجهاز في مخزوني.
فتحتُ باب غرفتي ورميت الكيس البلاستيكي الذي كنتُ أحمله عند المدخل.
“أولاً…”
عليّ أن أطلب المساعدة.
بالطبع، لم تكن لديّ أدنى نيّة للذهاب وحدي. لِمَ أذعن لطلبات هذا الغريب عديم الهوية؟ من يدري ما قد يحدث إذا ذهبتُ بمفردي؟
سارعتُ في خطايَ نحو غرفة نيكا.
“هل أنتِ هنا؟”
طرقتُ بابها طرْقًا خفيفًا، ففتحت نيكا فالدير الباب بخطى سريعة، وقد بدا عليها التعب من الهالات تحت عينيها. لا شكّ أنها منشغلة بأمورٍ أخرى أيضًا.
“ما الأمر؟”
“الثعلب… أقصد، ميخائيل، تمّ اكتشاف كونه جاسوسًا.”
تصلّب وجه نيكا عند سماع الخبر. بدا أنها كانت تتوقع أمرًا كهذا. تمتمت، “إذًا…”، ثم أشارت لي بالدخول.
“ادخلي أولاً.”
“حاضر.”
دخلتُ غرفتها، وكان من الواضح أن العمل كان جاريًا فيها.
كانت كرات الاتصال السحرية مبعثرة في كل مكان. أزاحت نيكا بعضها جانبًا، ثم نظرت إليّ بوجه صارم وقالت:
“حدّثيني. ما الذي حدث بالضبط؟”
“جهة يبدو أنها تابعة لطائفة البرج تواصلت معي. أرسلوا صورة لميخائيل وهو مقيّد ومُعصّب العينين، وطلبوا مني أن أذهب بمفردي إلى مكان محدد غدًا إن أردتُ له النجاة.”
“وطلبوا هذا منكِ أنتِ تحديدًا؟”
“نعم. مجرّد تخمين، لكن أظن أن أتباع البرج لديهم نوع من الهوس بي، يسمّونني ’المنقذة‘ وما شابه، لعلّ هذا السبب.”
“همم…”
أغمضت نيكا عينيها بهدوء. وقبل أن يخيم السكون، تلألأت كرة الاتصال بجانبها بضوء مفاجئ.
بدت منزعجة من المقاطعة، لكنها تناولتها دون كلمة وبدأت بالتشغيل.
سرعان ما ظهر ظلّ شخص في الكرة، كأنّه تمثال شمعي يتماوج.
“ما الأمر؟”
– الشيخ الثالث ظهر داخل أحد مباني طائفة البرج. كيف نتصرف؟
“على الأرجح، لقد جُنّد من قِبل اوغاد البرج منذ زمن. لا حاجة لإعادة تجنيده. تحقّقوا مجددًا مما إذا كان بين الشيوخ الباقين من يعمل لصالحهم.”
– مفهوم! بالمناسبة…
“قل ما لديك.”
– الشيخان الثاني والخامس يدّعيان أن على السيّدة نيكا تحمّل مسؤولية ما يجري، ويقترحان تنصيب قائد جديد للعشيرة…
“ذئاب تتصيّد الفرصة لا أكثر. تأكّدوا ما إذا كانت لهم صلة مباشرة بالطائفة، وإن لم يكن، راقبوهم؛ فإن ظهرت عليهم نيّة التواصل، اعتقلوهم فورًا.”
– حاضر!
“تجنّبوا القتال المباشر قدر الإمكان. الكثير من الشيوخ تمّ ضمّهم إلى البرج. ولو جُمعت حصصهم معًا، لأصبحت تضاهي تقريبًا حصّتي في مشاريعنا التجارية. تبًّا… لقد أحكموا خطّتهم بدقة.”
– سنعمل على ذلك!
“أبلغوني إن حدث أي جديد. أقطع الاتصال.”
– أجل!
وما إن أنهت نيكا المكالمة حتى حطّمت كرة الاتصال بقبضتها، فتطايرت شظاياها الزجاجية في كلّ اتجاه، وبعضها انغرس في يدها. ومع ذلك، لم تُظهر أدنى انفعال، ثم التفتت إليّ قائلة بهدوء.
“حتى عائلة فالدير وصلت إلى هذه الحالة بسبب طائفة البرج.”
“…ماذا؟”
“يبدو أن الطائفة كانت تُمهّد للاستحواذ على فالدير منذ زمن بعيد. احتمال كبير أنهم كانوا يعلمون بشأن ميخائيل من البداية.”
“مستحيل…!”
“لا يمكننا الاعتماد على الشرطة أو السلطة في هذا الشأن. يبدو أن طائفة البرج سيطرت على أذرع كثيرة من خلف الستار. فالدير تتكوّن من عدّة فروع، ولكلّ منها مسؤولية عن جانب من الأعمال أو السياسة. والآن، يبدو أن تلك الروابط بدأت تنهار… تبا لهؤلاء الشيوخ العجائز.”
ارتسمت على وجهي علامات التوتّر، فقد كانت الأوضاع أسوأ بكثير مما توقعت.
…يبدو أن الطائفة قد نصبت شركًا هائلًا لم أُدركه إلا متأخرًا.
“في هذه الحال، لا خيار أمامنا سوى الاتّكال على القوى الفردية.”
لا مفر.
لم أكن أرغب في طلب المساعدة لأمرٍ كهذا، لكن…
تنهدتُ وأخرجتُ جهازي.
– إغدراسيل، لديّ أمر أرجو فيه مساعدتك. هل يمكننا اللقاء؟
إن كانت الجهة الأخرى ستلعب بقذارة، فلا بأس أن نكشف نحن أيضًا عن أقوى أوراقنا.
طلبتُ من إغدراسيل المجيء إلى غرفة نيكا، ولحسن الحظ، لم تمانع رغم انشغالها، واستجابت فورًا.
وما إن دخلت الغرفة حتى أظلم وجهها من شدّة الجوّ المتوتّر.
“ما الذي حدث؟”
أخبرتُ إغدراسيل بتفاصيل ما جرى.
“– ولهذا، سأتوجّه غدًا إلى العنوان الذي طلبوه.”
“بمفردك؟”
“كلا.”
نظرتُ إلى إيغدراسيل بابتسامة خفيفة.
“لا أنوي مطلقًا أن أُقاد كما يشتهي ذاك الوغد، لذا… أرجو مساعدتكِ.”
إيغدراسيل، التي كانت تنظر إليّ بتمعّن، قابلتني بابتسامة مماثلة.
“حسنًا، أن يطلب التلميذ المساعدة طوعًا… أمر يفرحني كمعلمة.”
“…حقًا؟”
“خاصة وأنتِ يا ناهيون، لطالما كنتِ تميلين إلى كتمان الأمور وتحملها وحدكِ عندما تسوء الأوضاع.”
“……”
هل كنتُ كذلك فعلًا؟
وجدتُ نفسي أراجع مواقفي الماضية دون قصد.
صحيح… في أثناء التدريب، كانت إيغدراسيل تكتشف على الفور متى أشعر بالإعياء، حتى وإن حاولتُ إخفاءه.
وكانت تعنفني قائلة: “لا تخفي الأمر، أخبريني مسبقًا.”
ربما… هي الوحيدة التي شعرت بذلك فعلًا.
“لا يمكنني التدخل بشكل مباشر في الموقع الذي حدده أولئك المنتمون إلى طائفة برج. على الأرجح، لديهم عيون تراقبني أيضًا.”
“حتى قدوم إيغدراسيل إلى غرفتي قد يكون قد رُصد بالفعل.”
اومأت برأسي موافقة على اضافة نيكا.
لم يكن ذلك بالأمر المستبعد عن تصوّري.
“من المحتمل أنهم يتوقعون أنني سأتحرك بأي وسيلة لإنقاذ ميخائيل… لكن ما يهم حقًا هو إن كنتُ سأذهب وحدي كما طلبوا، أم لا.”
كنتُ أدرك بوضوح سبب إصرارهم على “الذهاب وحدي”. لا بدّ أن هناك شيئًا يريدون إخفاءه عن أعين الآخرين.
لذلك…
“سيدة إيغدراسيل، هل يمكنكِ أن تمنحيني مؤقتًا صلاحية قيادة بعض الصيّادين؟ أحتاج لأشخاص بارعين في السيطرة على الأهداف البشرية.”
كانت خطتي واضحة.
أتوجه إلى الموقع، أكتشف السرّ الذي يحاولون إخفاءه، أبلغ إيغدراسيل، ثم أنقذ ميخائيل وأهرب بأمان.
نظرتْ إليّ موافقة، وفي زاوية بصري، لاحت لمعة من نظام “ميتا”. وقد عقدتُ العزم.
“هل لن تخبري رفاقكِ بما يحدث؟”
توقفتُ عن شرح التفاصيل عند سماعي لسؤال اغدراسيل.
كان من الصعب عليّ أن أُشركهم في هذا…
“لأن هذه مشكلتي وحدي… ولا علاقة لها بالمفاتيح.”
الأمر يتعلق بي شخصيًّا.
لذلك، شعرت أن طلب العون من إيغدراسيل فقط هو الأمر الصائب. فهي معلمتي، ومن واجبها إنقاذ تلاميذها.
هكذا فكرت.
لكنها لم تشارك وجهة نظري، وردت بعينين متفحّصتين وصوت هادئ.
“مشاركة الهمّ مع الأصدقاء ليست ضعفًا، بل قوة. وأيضًا، هؤلاء الصغار الذين ترافقينهم اليوم أقوى من معظم الصيادين الحاليين. لمَ لا تستفيدين منهم؟”
“……”
حين بقيتُ صامتة، واصلتْ كلامها بنبرة إقناع.
“الرفاق وُجدوا ليكونوا سندًا وقت الشدة.”
“لكن…”
“الاعتقاد بأنكِ قادرة على إصلاح كل نقاط ضعفكِ وحدكِ… ذلك ما يُسمّى بالغرور. وستدفعين الثمن يومًا ما.”
ابتسمتْ ابتسامة حزينة، ثم أضافت.
“إنه درسٌ من مجربة. فكّري فيه كحكمة من عجوز عاشت أطول منكِ.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 159"