11. كيفية تحديد الهدف (٦)

 

 

أخذتُ نفساً عميقاً.

 

 

‘ذلك الوغد… حفيد إيرنتوس.’

 

‘توجد شائعة تقول إن إرينتوس كان يُجري أبحاثاً معمقة حول ما يُسمى بـ’الطاقة الروحية’.’

 

‘ربما قد ورث أحدهم تلك الأبحاث.’

 

اتضح أن الفرضية التي ذكرتها نِيكا في وقتٍ سابق كانت صحيحة.

 

ويا للمصادفة… أن من ورث تلك الأبحاث بالذات هو ذلك الحقير مصاص الدماء!

 

لا شك الآن، إن الطاقة الروحية وتلك الكلمات المريبة التي ظل يرددها بارك يولهان، كانت متصلة ببعضها البعض.

 

في تلك اللحظة، وبعد أن ظلت صامتة تستمع إلينا، علقت تشوي غارام بلهجة مستهجنة:

 

“أجل، ذلك الحفيد… بدا أن إيرنتوس كان يُدلـله كثيرًا. فكيف انتهى به الحال منحرفًا إلى هذا الحد؟”

 

“لست أدري…”

 

يبدو أن العلاقة التي جمعت إيرينتوس وبارك يولهان كانت أعمق بكثير مما كنا نتصور.

 

تذكرت كل تلك المرات التي كنت ألتقيه فيها، وكل ما كان يقوله من هراء عن “إنقاذ العالم”، و”الاستثنائيين”، و”انتقال البوابات”، أمورٌ لم أفهم منها شيئاً.

 

هل كان إرينتوس مهتماً أيضًا بهذه المجالات الغامضة؟

لكن… لماذا؟

 

وأنا غارقة في أفكاري، بدا أن الحوار بين الباحثة وتشوي غارام قد انتهى، فنهضت من مكانها ولوّحت لي قائلة..

 

“أراكِ غداً، ناهيون.”

 

“أجل، إلى اللقاء!”

 

لوّحت لها بابتسامة خفيفة وأنا أراقبها تبتعد بخفة.

لم أكن أتوقع أن أصادف دليلاً بهذه القيمة.

 

إنها الآن، من بين جميع الأشخاص الذين يمكنني الوصول إليهم، الأقرب صلةً بارينتوس.

 

وإذا حالفني الحظ، فقد أتمكن من الحصول على تلميحات حول الطاقة الروحية.

 

لا بد أن ألتزم قربها غداً، وأغتنم الفرصة لطرح المزيد من الأسئلة.

 

…وأدركت فجأة أني لم أعرف حتى اسمها. يجب أن أسألها عن ذلك أيضاً.

 

اتخذتُ هذا القرار، ثم بدأت أرتشف العصير عديم النكهة أمامي حتى أنهيته دفعة واحدة.

 

“أوووه، مقرف…”

 

“أووغ…”

 

“لا تتقيئي هنا! إذا أردتِ التقيؤ فافعليها هناك، في سطل فضلات الجيش! أوه، اللعنة…!”

 

تجاهلت هذه الضوضاء التي دوّت بجانبي…

 

تحمّلي قليلاً يا تشوي غارام، هذه حياتكِ الآن.

 

 

***

 

[تمت إضافة شظية من القصة]

 

[شظية القصة / غير مقروءة]

 

 

خرجت الباحثة من مركز التوزيع، ثم مررت بأطراف أصابعها على السوار الذهبي في معصمها الأيسر.

 

ملمس السوار المحفور بشكل غير منتظم منحها نوعاً من الطمأنينة.

 

لم تكن تتوقع أن يُذكر اسم بارك يولهان هنا، ولهذا انسحبت بسرعة عندما تفاجأت.

 

خطرت ببالها صورة مصاص الدماء الذي جاءها منذ مدة وأعطاها هذا السوار بنفسه…

 

‘لقد حصلت عليه بشق الأنفس! طالما أنكِ تملكين هذا، فلن تتورّطي مع أوراكل بعد الآن!’

 

 

بفضل هذا السوار، أصبحت قادرة على التعاون مع الوايلد هانترز رغم كونها مجرد إنسانة، على عكس الماضي…

 

مرّت أصابعها على النقوش الغائرة، فاستحضرت ذكرى مؤلمة…

 

ذلك اليوم الذي اضطرت فيه للانفصال عن بارك يولهان.

 

كان ذلك منذ نحو خمس سنوات.

 

‘السيد إيرنتوس… لقد توفي.’

 

لكن الحقيقة؟

إيرنتوس قد قُتل.

 

والجاني؟ كان أحد الباحثين من داخل نفس المختبر.

 

‘أنا… لا أعلم… لا أذكر شيئاً… لم أكن أريد هذا…!’

 

‘إنه محق. نحن لا نملك القدرة الكافية لقتل شخص مثل إرينتوس. هل تتوقع أن يتمكن باحث بسيط من قتل صياد من الرتبة S؟ هذا غير معقول.’

 

‘لكن… نتائج التحليل أثبتت وجود بقايا من الطاقة الروحية. لابد من وجود كيان خارجي قد تدخل.’

 

‘لماذا…؟’

 

‘هل يوجد كائن روحي يمكنه التدخل في شؤون البشر؟ ولماذا يستهدف إيرنتوس بالتحديد؟’

 

 

 

بعد انهيار مختبر يونغين، أُنشئ مختبر صغير جديد، وكانت الأبحاث المتعلقة بـ’الطاقة الروحية’ تُجرى فيه بسرية.

ولكن…

 

‘آآآااه—!’

 

‘م-ماذا يحدث؟!’

 

‘نُرجّح أن الكائن الذي قتل السيد إيرينتوس، يتنقل الآن عبر أجساد المضيفين! وهو يقتل الباحثين واحداً تلو الآخر! بما أن الاستحواذ لا يتم إلا على البشر، يجب عزل كل من في الداخل فوراً!’

 

‘اللعنة، كيف سنفعل ذلك—غغغ…!’

 

حين استعادت وعيها، كان جميع من في المختبر قد ماتوا.

بعضهم طعن بعضًا بلا وعي، وتراكمت جثثهم بأعين مفتوحة لا تزال تحدّق.

 

نظرت إلى أسفل فرأت سكينها مغروسة بعمق في بطنها.

كان الألم أشبه بالحرق.

 

بدأ وعيها يذوب…

 

‘ما الذي حدث هنا على وجه الأرض؟!’

 

كان طفلاً صغيراً يركض داخل المختبر، ثم تجمّد في مكانه مصدوماً من المشهد، لكنه سرعان ما تمالك نفسه، واندفع نحوها…

 

ذلك الطفل الصغير آنذاك… كان بارك يولهان.

 

بفضله، بقيت على قيد الحياة.

 

ولحسن الحظ، لم يكن لديها ما يكفي من القوة لطعنه أيضًا وهي تحتضر.

 

بعد دفن رفاقها والكتمان على سبب وفاتهم، كان أول ما فعله بارك يولهان هو أن يبعدها عنه…

 

وعن أبحاث إرينتوس.

 

أخذها إلى مكان محاط بدوائر سحرية معقدة.

 

وهناك، استطاع أخيرًا أن يشرح لها الموقف بايجاز.

 

‘…الذي تسبب في هذه الكارثة يُدعى ‘أوراكل’.’

 

‘…أوراكل؟’

 

‘نعم. على الأرجح لم يحاول قتلك لأنه تأكد أنك لا تملكين أية معلومات مهمة في ذاكرتكِ. لذا من الأفضل أن تنسحبي من هذا الأمر عند هذا الحد.’

 

السبب في نجاتها حتى الآن، كان ببساطة لأنها كانت تؤدي الأعمال الثانوية.

 

كانت عضوًا ضمن الفريق البحثي، لكنها لم تشارك سوى في المهام الأساسية كالبحث الأولي، ولم تكن تعرف سوى بوجود ما يُسمّى بـ’الطاقة الروحية’.

 

‘حتى الحاجز السري الذي وضعه الجد إرينتوس تم اختراقه. لا أعرف كيف، لكن ذلك الكائن صار متعلقًا بشكل غير طبيعي بكل من له علاقة بهذا البحث في الآونة الأخيرة. أنا أنوي الاستمرار في البحث، ولكن مع تجنب تعقب أوراكل.’

 

‘ألا يوجد أي شيء يمكنني فعله؟’

 

‘لا. ما دمتِ بشرية، فلن تتمكني من الإفلات من سيطرته. بل على العكس، سيستخدمك كأداة للحصول على المعلومات من بقيّة الباحثين. لا يوجد شيء أسهل من السيطرة على جسد سبق له أن تعرض للسيطرة مرة.’

 

عيناها المعتمتان، بلونهما القريب من لون حجر الجارنيت الأحمر، لمعتا بغضبٍ مكبوت.

 

‘سيكون هناك أيام تفقدين فيها ذاكرتك. وقد يكون الأمر مؤلمًا. ولكن أرجوك، تحمّلي. من أجلنا،… ومن أجل العالم.’

 

صورة بارك يولهان في ذلك اليوم لا تزال محفورة بوضوح في ذاكرتها.

 

عيناه، وكأنها أضرمت فيهما النار، كانتا تتوهجان بعزمٍ بدا وكأنه سيلتهم العالم بأسره.

 

تلك النظرة، لم تستطع أن تنساها أبدًا.

 

حتى عندما كانت تتعرض لتلاعب أوراكل، وحتى عندما شعرت بالعجز، كانت تتمسك بالحياة فقط لأنها كانت مسحورة بتلك العينين.

 

 

***

 

نظرتُ جانبًا بغيظ نحو الشخص الذي كان يسير بجانبي.

 

“تبدين محبوبة للغاية، أليس كذلك؟”

 

“حقًا؟”

 

بعد العشاء، الذي كان بلا طعم تمامًا، أعدت الفتيات الثلاث اللواتي تناولن العشاء معنا إلى المقر، ثم خرجت في نزهة قصيرة.

 

ولسببٍ ما، تبعتني تشوي غارام كظلّي.

 

الغريب أن كل باحث نصادفه داخل المعسكر، كان ينظر إلى تشوي غارام بإعجاب واحترام بالغ.

 

“سيدة تشوي غارام!”

 

“سيدة غارام، بخصوص خصائص الوحوش الجديدة التي ظهرت…”

 

“قلتُ لكم إنني تركت مجال البحث منذ فترة.”

 

ورغم أنها بدت منزعجة من تلك التفاعلات، إلا أنها كانت تقدّم نصائح صادقة لكل من سألها.

 

وبعد أن يسمع الناس إجاباتها، كانوا يعودون مبتهجين وكأنهم أدركوا شيئًا عظيمًا.

 

حينها فقط، تذكّرت التقييمات التي تُقال عن تشوي غارام:

 

“الباحثة العبقرية الذي اخترعت مرشّح GAH.”

 

“أسطورة حيّة في الأوساط البحثية.”

 

لو فكّرتُ في الأمر بهذه الطريقة، ربما لتفهّمتُ ردود فعل الآخرين…

 

ولكن فكرة أن الناس يعظّمون إنجازات أولئك الذين تركوني وحدي، ولّدت في داخلي مشاعر كريهة.

 

“…هل هو مميز إلى هذا الحد؟”

 

“ربما.”

 

ردت عليّ بنفس الطريقة الباردة التي تحدثتُ بها.

 

“كل هذا لا يهم.”

 

“أنتِ لستِ من يحق له قول ذلك، أليس كذلك؟”

 

“ربما. لكن، أحيانًا حين أرى نظرات الإعجاب هذه، أتذكّر كل ما تخلّيتُ عنه.”

 

“……”

 

“آسفة. أعلم أن هذا الاعتذار لا يكفي.”

 

لم أعلّق على كلامها .

 

“أنتِ حقًا حمقاء. إن كنتِ ستندمين، فلماذا تخلّيتِ عنه أصلًا؟”

 

“أتفق معكِ.”

 

تأملنا غروب الشمس في الأفق في صمت.

 

وسط ضجيج المعسكر، لم يتبادل أيّ منا كلمة لبرهة.

 

ثم قطعتُ الصمت.

 

“…أخبريني، كيف كانت أمي؟ أي نوع من الأشخاص كانت؟”

 

“هل ترغبين حقًا في معرفة ذلك؟”

 

“نعم. حتى حين بحثت عنها، لم أجد معلومات كثيرة. بالمناسبة، لماذا تعلّقتم بذلك الفلتر إلى هذا الحد؟ هل كان بهذه الأهمية؟”

 

“أجل، كان مهمًا.”

 

ضحكت تشوي غارام بخفّة، ونظرت نحو الأفق.

 

“لنجلس. يبدو أن الحديث سيطول.”

 

“…حسنًا.”

 

جلسنا على صخرة جانبية في مكان ناءٍ قليلًا، بعيدًا عن الزحام، لكنه لا يزال ضمن حدود المعسكر.

 

وبعد لحظات من التحديق في حركة الناس، بدأت تشوي غارام تروي الحكاية، ببطء شديد.

 

“نحن… أعني، أنا وأمك، كنا مما يُطلق عليهم جيل الأيتام الذين خسروا أهلهم بسبب الوحوش، بعد ظهور بوابات الانفجار المفاجئ.”

 

وهكذا، بدأت قصتهما تتدفق بهدوء…

 

***

 

كما تعلمون… حين بدأت البوابات الطارئة بالظهور فجأة، في البداية، كانت العاصمة والمناطق المحيطة بها الأكثر تضررًا. 

 

ربما أنتم الآن لا تفهمون هذه المفاهيم جيدًا، ولكن في ذلك الوقت، سقط عدد هائل من سكان سيول وإنشيون.

 

كان الوضع أشبه بحالة الطوارئ الحالية، حيث انفجرت البوابات بشكل عشوائي تمامًا.

 

يُقال إن إرينتوس بذل جهودًا جبارة لوقف توسع البوابات نحو غيونجين، وهذا ما أبطأ انتشارها قليلاً، لكن الوضع كان فوضويًا.

 

أمام هذه الكارثة، الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا من العمر ما يعدو الرقم، والذين شاهدوا الناس يُقتلون أمام أعينهم، كان من الطبيعي أن يولد لديهم حلم واحد..

 

قتل الوحوش، وإنقاذ الناس.

 

وكان لديّ الحظ في أنني استيقظتُ كـمستيقظة.

 

أصبحت قادرة على أن أصبح صيادة.

 

لكن والدتك لم تكن كذلك.

 

…ولو نظرتُ إلى الماضي، لقلت أنه ربما كان من الأفضل لو لم نستيقظ نحن الاثنان.

 

ربما كنا سنُبقي على ذلك الحلم المجنون كذكرى طفولية فقط، ونعيش حياتنا بشكل طبيعي…

 

على أي حال، دعينا من الهُراء.

 

أتدرين أين بدأ كل شيء؟

 

حين لم أحتمل رؤية آهيون مُحطّمة بعد عجزها، جلبتُ لها حلمًا جديدًا: أن تصبح باحثة.

 

رغم أن ذلك كان كمن يحاول تمرير جمل من ثقب إبرة، إلا أنه كان السبيل الوحيد أمام شخص عادي للارتباط بعالم البوابات.

 

وهذه كانت بداية كل شيء.