11. كيفية تحديد الهدف (١)

 

***

 

“- إذن، سيتم إرسال بعض الطلاب إلى الميدان.”

 

بمجرد انتهاء الحصة، وبعد أن تغيبت عن حصة الصباح بحجة وجود عمل، فجّرت إيغدراسيل هذا الإعلان الصادم بين الطلاب.

 

“تجنيد إجباري؟! لكننا لا نزال في السنة الأولى!”

 

“سمعت أن الوضع خرج عن السيطرة بسبب الحادث الأخير… يبدو أن الأمر حقيقي.”

 

“هل سنتمكن من التصرف كما ينبغي…؟”

 

غرق الصف فجأة في أجواء مشحونة بالجدية. التوتر ارتسم على وجوه الجميع بوضوح.

 

وكان ذلك مبرَّرًا. فهم أنفسهم يدركون أنهم، كطلاب سنة أولى، لا يزالون في مرحلة مبكرة جداً، مجرد “كتاكيت” لم تكتمل جاهزيتهم بعد.

 

حتى طلاب السنة الثانية الذين خرجوا بالفعل للتدريب العملي، كانوا يعودون مصابين بجروح خطيرة أحيانًا… فما بالك بنا؟

 

“كان يجب ألا أختار تخصص الصياد…”

 

“هل يمكنني تغيير تخصصي الآن؟”

 

“إذن، سأُعلن الآن عن الأسماء!”

 

وبمجرد أن علت صيحة إيغدراسيل لتقطع سلسلة التذمرات، خيم الصمت التام على الصف.

 

مرّت أصابعها على جهازها اللوحي، ثم بدأت تذكر الأسماء واحدًا تلو الآخر.

 

“كانغ ناهيُون، نا يوري، نا يوهان، مين جاي يون، شين باران، بارك سي وو، لي هانا، تشوي سوجونغ! هذا كل شيء.”

 

“آه، إنها نفس المجموعة المعروفة! ربما سيكون الأمر على ما يرام، أليس كذلك؟”

 

“لكنهم ما زالوا من طلاب السنة الأولى… أليس ذلك خطيرًا؟”

 

وسط هذه الآراء المختلفة، حافظ أفراد مجموعتنا على هدوئهم، وذلك بفضل التلميح الذي قدمته لنا إيغدراسيل قبل أيام.

 

لكن ذلك لم يمنع شعورًا طفيفًا بالتوتر من أن يخيم علينا.

 

وأنا أيضًا لم أكن استثناءً.

 

لأن هذه الحلقة… كانت آخر حلقة أتذكرها من القصة الأصلية.

 

رفعتُ نافذة نظام “الميتا” الخاص بي:

 

[نقاط الميتا: 39112]

 

 

كنت قد رسّخت بالفعل مكانتي كبطلة رئيسية، وبما أنني كشفت عن نظام الميتا، فقد أصبح التركيز عليّ أكبر من أي وقت مضى.

 

ونتيجة لذلك، ارتفعت نقاط الميتا بشكل كبير.

 

…مع أن الجدل حول “كوني لستُ عذراء” قلل من تلك النقاط إلى حدٍّ ما.

 

“عودوا سالمين! انتبهوا لأنفسكم!”

 

“لا تقلقوا.”

 

كانغ يو، رغم كونه من الأقوياء ضمن طلاب الصف A، لم يُدرج اسمه لأنه لا يزال صغيرًا جدًا، وكان قد التحق بالأكاديمية مؤخرًا، فاعتُبر غير مناسب لهذا النوع من المهمات.

 

يبدو أن إيغدراسيل رتّبت الأمور بهذه الطريقة لتفي بوعدها لي.

 

طمأنتُ كانغ يو، بينما أحاول تهدئة نفسي أيضًا.

 

لكن، هناك أمر واحد كان يؤرقني.

 

هل سينجح فك اللعنة عن لي هانا قبل خروجنا إلى الميدان، كما جرى في الرواية الأصلية؟

 

‘…لقد حدثت مشكلة.’

 

‘الخطأ خطئي.’

 

‘ارفع رأسك، ميخائيل. إنه تقصير مني. لقد هاجم الوايلد هانتر طائرتنا أثناء نقل المعدات. لذا يبدو أن فك اللعنة سيتأخر قليلاً.’

 

‘مستحيل…’

 

‘قد نضطر إلى المضي قدمًا بفك اللعنة دون توفر جميع المواد اللازمة.’

 

 

ما لم يحدث في الرواية الأصلية وقع الآن.

 

تعرضت طائرة النقل التابعة لعائلة فالدير لهجوم من قبل الوايلد هانتر، مما أدى إلى تعطيل خطة فك اللعنة.

 

“هل هذا يعني أنه من المستحيل فك اللعنة؟”

 

داخل غرفة نيكا.

 

اجتمعنا جميعًا هناك بعد تلقي استدعاء عاجل. وكانت المواد اللازمة لفك اللعنة مبعثرة في أرجاء الغرفة.

 

“همم… لا، لا أقول إنه مستحيل تمامًا.”

 

“فلتكوني واضحة إذًا.”

 

“ميخائيل، أحضر صندوق أحجار المانا.”

 

تشوي سوجونغ، التي كانت متوترة منذ وصولها، ضغطت بأسلوبها الحاد.

 

أما نيكا، فلم تعبأ بها، بل بدأت تتفقد الصندوق الذي جلبه ميخائيل.

 

ثم أخرجت منه صندوقًا صغيرًا وضعته أمامنا وفتحته.

 

في الداخل، كانت هناك أحجار زرقاء بحجم قبضة اليد… لكنها كلها متشققة أو محطمة.

 

“انظروا. هذه أحجار أكوامارين، مملوءة بطاقة الماء. كانت أهم عنصر في عملية فك اللعنة، إذ تلعب دور ‘الحجر الضاغط’ لاحتواء الطاقة الشريرة.”

 

“لكن… لقد تضررت نتيجة هجوم الوايلد هانتر.”

 

“هل لا يمكن تعويضها؟”

 

“لقد حصلنا عليها بشق الأنفس. لا يمكن ضمان المدة التي قد تستغرقها إعادة تأمينها.”

 

“إذن، ما العمل؟ قبل قليل قلتِ إن الأمر ليس مستحيلًا. هل يعني ذلك وجود بديل؟”

 

“صحيح. ما البديل؟ قولي فقط، وسنفعل أي شيء.”

 

نظرت نيكا نحونا، ثم أومأت بصمت.

 

“البديل… أن يحلّ إنسان مكان حجر الأكوامارين.”

 

“إنسان؟”

 

“أولاً…شقيق ناهيون الصغير،”

 

“هاه؟”

 

“نحتاج إلى مساعدتك.”

 

“أنا؟”

 

“نعم. أنت تمتلك مانا مائية قوية بما يكفي لتعويض الأكوامارين بدرجة ما. صحيح أنه لا يمكن استبدالها تمامًا، ولهذا…”

 

ثم نظرت نحونا بعين متفحصة، وفتحت مروحتها لتغطي فمها بنعومة.

 

“نحتاج إلى غارة.”

 

“غارة؟ تقصدين غارة وحوش؟”

 

“نعم. وجود كانغ يو سيجعل من الممكن كبح اللعنة باستخدام المانا المائية، ولو بطريقة غير مثالية. ولكن، بما أن هذه الطريقة غير تقليدية، فمن المرجح أن يحدث تمزق في الفضاء، وستخرج الوحوش المتكونة من اللعنة لتهاجم المصابة بها، وكل من يحاول فكها.”

 

“يعني يجب علينا إيقافهم.”

 

“بل يجب القضاء عليهم. لدينا فقط ثلاث دقائق. إن استمرت اللعنة أكثر من ذلك، ستُصاب لي هانا بعجز دائم. كما أنها ستكون في غيبوبة مؤقتة طوال عملية فك اللعنة.”

 

ثم وجهت نيكا كلامها إلى لي هانا بنبرة ساخرة.

 

“يعني أنكِ ستتخلين عن كل شيء وتتركين حياتكِ بين أيدي من تعتبرينهم أصدقاء. هل يمكنكِ تقبّل الموت على أيديهم إن فشلوا؟”

 

توقفت لي هانا لحظة… ثم أومأت بهدوء.

 

“بالطبع يمكنني.”

 

حين أجابت دون أدنى تردد، شعرتُ بشيءٍ غريب في صدري.

 

أجل، هكذا كانت لي هانا دومًا.

 

إنسانة تؤمن بالآخرين، وتتكل عليهم، فتزداد تألقًا.

لذا، كانت تزداد بهاءً في عيني.

 

أما أنا… فأظل مشوشة، أرتاب في الآخرين، وأدفعهم بعيدًا.

لم أستطع قط أن أكون مثلها.

 

…لعل الشخص الأقرب إلى معنى “أشعة الشمس” هو هي.

 

ضحكت نيكا ضحكة صاخبة بعدما سمعت جواب لي هانا.

 

“هوهو، يا لكِ من حمقاء!”

 

“حقًا؟”

 

“نعم، لكنني أُحب الحمقى من هذا النوع. لا تقلقي، سأبذل قصارى جهدي.”

 

“شكرًا لك.”

 

“همم، لكن قولي لي… هل تهتمين بأن تصبحي من عائلتي؟”

 

“آسفة… لا.”

 

“…توقفي عن ازعاج هانا.”

 

زمجرت تشوي سوجونغ غاضبة، لكن يبدو أن نيكا قد أعجبت بالفعل بـ لي هانا…

 

حسنًا، بالتوفيق، سينباي.

 

بعد ذلك، شرعنا في تجهيز الدائرة السحرية اللازمة لعملية نزع اللعنة، بمساعدة نيكا وخدمها.

 

قبل بدء الطقس الفعلي، أخذت نيكا لي هانا معها، وقالت إن هناك أمورًا يجب أن تقوم بها أولًا.

 

ما إن غادرت لي هانا حتى بدأت تشوي سوجونغ ترتجف بقلق.

 

“هل ستكون بخير؟”

 

“ستكون كذلك. وإن لم يكن… أنتِ تعرفين. ما أستطيع فعله.”

 

“…نعم، شكرًا لكِ.”

 

لكنها استمرت بعضّ شفتيها، وكأنها تعاني.

 

شعرت بأن الأمر لن يتحسن إن تركتها على حالها، فجلست بجانبها وربتّ على كتفها محاوِلةً طمأنتها.

 

نظام الميتا. قدرتي.

 

إن فشلت عملية نزع اللعنة — أو حتى بدت عليها بوادر الفشل — فلن أتردد لحظة في إنفاق كل نقاط الميتا التي أملكها من أجل لي هانا، من أجل أختي الكبرى.

 

لقد جمعت تلك النقاط من أجل هذه اللحظة.

 

من أجل حماية أحبّتي، من أجل أن أكون أقوى.

 

“لا تقلقي.”

 

ابتسمتُ لها بثقة.

 

“سأحميها، مهما كلّف الأمر.”

 

ابتسمتُ ابتسامة تعكس عزيمتي على الحماية.

 

حين رأتني، كادت تشوي سوجونغ تبكي، وقالت بصوت خافت.

 

“…هانا هي أول صديقة لي، وهي التي أنقذتني من التوأم.”

 

“أنقذتك…؟”

 

فوجئت. لم أكن أتوقع أن تشارك تشوي سوجونغ سرًا كهذا معي.

 

هل بدأت تثق بي إلى هذا الحد؟

 

لقد حاولت سابقًا قتل نا يوهان حين ذكّرها بماضيها وأجبرها على مواجهته. لذا أعلم كم هو مؤلم بالنسبة لها.

 

ومع ذلك، فهي الآن تشاركني ماضيها بإرادتها.

 

“ضحّت بحياتها لأجلي. ابتلعت اللعنة عن طيب خاطر، فقط لأجل أن تُحررني.”

 

“…..”

 

“لذا أنا… أستطيع أن أفعل أي شيء من أجل هانا. لا شيء مستحيل. هانا كانت أول شخص يمكنني الوثوق به.”

 

“سينباي…”

 

“آسفة، لم أقصد أن أشتّت تركيزكِ. لنستعد.”

 

هززت رأسي ونظرت لها بابتسامة، ثم أمسكت يدها.

 

“لا، لا تعتذري. سنُنقذ هانا سينباي، مهما كلف الأمر.”

 

“…نعم.”

 

أجابت بصوت مختنق بالبكاء، لكنها كانت حازمة.

 

بعدها، واصلنا التحضير بهدوء.

 

ما إن انتهت التحضيرات، حتى بدأت نيكا باختيار الأشخاص الذين سيؤدون دور حجر التثبيت.

 

ثم بدأت بإصدار التعليمات.

 

“الاقتراب من اللعنة خطر، لذلك يُستبعد المتخصصون في القتال القريب. وأنت، أيها المحارب، قوّتك قد تسبّب اضطرابًا في الطقس السحري، لذا تُستبعد كذلك!”

 

“…آسف لأنني لا أستطيع المساعدة.”

 

“أنا أيضًا… آسفة.”

 

بما أن كلًا من بارك سي وو ونا يوري من المتخصصين في القتال القريب، فقد استُبعدا بطبيعة الحال.

 

وبدا أن بارك سي وو تحديدًا، وهو المولود ليكون محاربا ينقذ الآخرين، يشعر بخيبة أمل عميقة لأنه لا يستطيع المساعدة الآن.

 

“أنا… لدي مهارة امتصاص اللعنات…”

 

“تفكرين في امتصاص لعنة كهذه؟ إن كنتِ لا ترغبين في الموت، فأنصحك بالكف عن ذلك!”

 

“…حاضر.”

 

كانت مين جاي يون واثقة بأن مهارة امتصاص اللعنة ستكون مفيدة، لكنها استُبعدت على الفور، ما جعلها تشعر بالإحباط.

 

“وأما خطيبي… هممم… الأمر معقّد…”

 

“….ماذا؟ ولماذا تنظرين إلي هكذا؟”

 

“تسأل وكأنك لا تعرف.”

 

“أنا فعلًا لا أعرف، لماذا؟”

 

“للأسف… إنك ضعيف. من الأفضل لكَ مواجهة الواقع.”

 

“…هـه، أعني… لا، ليس صحيحًا…”

 

“هل تجيد المراوغة؟ ستكون هناك هجمات بعيدة المدى أحيانًا.”

 

“أنا جيد في المراوغة!”

 

“حسنًا، إذًا شارك. نحن بحاجة للمزيد من الأشخاص. وأنت، شقيق ناهيون!”

 

“آه، نعم! حاضر!”

 

“ستأتي معي إلى مركز الدائرة السحرية! استخدم كل طاقتك لقمع قوة اللعنة!”

 

“حاضر!”

 

وبحسب الخصائص السحرية، استُبعد من لا تتناسب طاقتهم مع المهمة.

 

تقرر أن يكون كل من تشوي سوجونغ، شين باران، نا يوهان، وأنا، من يؤدون دور الحجارة المُثبّتة الإضافية.

 

ويبدو أن نيكا حصلت على إذن خاص، فقادَتنا إلى أحد الفصول الدراسية المهجورة.

 

رغم أن الغرفة كانت واسعة، إلا أن المساحة بالكاد كانت تكفي لرسم دائرة سحرية بهذا الحجم والتعقيد.

 

وأخيرًا، اكتملت الدائرة السحرية لنزع اللعنة.

 

شكلها كان بالغ التعقيد والدقة.

 

كان هناك دائرة خارجية كبيرة تُشكّل الإطار، وفي المنتصف دائرة صغيرة منقوشة بكلمات كثيفة، وبينهما ثلاث دوائر متوسطة.

 

نحن الأربعة الذين نؤدي دور الأحجار دخلنا إلى الدوائر المتوسطة.

 

أما نيكا، فدخلت مع لي هانا ونا يوهان إلى المركز.

 

تمدّدت لي هانا وسط الدائرة المركزية بصمت.

 

بدت هادئة بدرجة مريبة، كأنها لا تشعر بأي خوف…

 

…أو لعلها ببساطة، تثق.

 

وضعت نيكا ونا يوهان أيديهما برفق على بطن لي هانا.

 

“لنبدأ!”

 

“نعم!”

 

بدأت الدائرة السحرية تتوهج تدريجيًا.

 

سطعت بلون أزرق بارد، وسرعان ما انخفضت درجة الحرارة داخل الغرفة.

 

بدأت نيكا تحرّك يديها بحذر، ملامحها مركّزة للغاية.

 

لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ الضوء الأزرق يتحوّل تدريجيًا إلى اللون الأحمر، ثم اشتد احمراره حتى بدا كأنه حديد مُحمّى.

 

“…حار جدًا…!”

 

شعرت بطاقة مجهولة — أو ربما بقوة اللعنة — تملأ المكان وتسخنه فجأة.

 

لكن الحرارة لم تكن إلا البداية.

 

أخذت ترتفع بسرعة، وبدأت الدائرة السحرية تشعّ وهجًا أحمر شديدًا، ثم تحوّل اللون إلى السواد، كما لو أن الحمم قد تجمّدت وتحجّرت.

 

وووش، وووش…

 

بدأ شيء أسود، يشبه المادة الهلامية، بالتسرب من مركز الدائرة السحرية، محيطًا بـ لي هانا.

 

تلك كانت اللعنة التي ابتلعتها من أجل تشوي سوجونغ.

 

كيف تحمّلت ذلك طوال هذا الوقت؟

 

مجرد رؤيتها يُقشعرّ له البدن.

 

لي هانا أصدرت أنينًا خافتًا من الألم، وبدت ملامح نا يوهان متوترة.

 

كان السائل الأسود يزداد كثافة وسرعة، حتى تشكّل كتلة متماسكة.

 

كراك، كراك…

 

صدر صوت غريب من تلك الكتلة.

 

“استعدوا للقتال!”

 

صرخ نا يوهان، بينما أمسكتُ بسلاحي بهدوء.

 

عليّ أن أركّز.

 

أنا مفتاح هذه المعركة.