خطرت ببالي فجأة قصة كان قد أخبرني بها نا يوهان من قبل.
‘للمعلومية، والدتي مسجلة. لقد أبرمت عقدًا مع كيان ما، وهي تراقب كل ما يجري في هذا العالم وتسجل ما له مغزى. ومن يدري، قد تكون تلك السجلات تُحوَّل إلى لعبة وتُعرض على كائنات كونية ما.’
ما هذا؟ هل تزعجها حقيقتي ككائن استثنائي أيضًا؟
كتمت شوكةً من الضيق كانت تهمّ بالخروج من قلبي، وابتسمت مجاملةً وأجبت بالموافقة.
في تلك اللحظة، ظهرت بوابة القصر الكبير أمامنا. وبينما كنتُ أدخل من الباب الذي فتحته نا يوري لي، سألتُها.
“متى ينبغي أن أذهب لرؤيتها؟”
“آه… تقول إن الوقت هو الآن.”
الآن؟!
تفاجأنا كلانا من الطلب المفاجئ، وبدت علامات الارتباك على وجهينا. ما هذا الإصرار العجيب؟
لكن نا يوري بدت محرجة وهي تنظر نحوي، فابتسمتُ ببساطة ووافقت.
واصلنا السير داخل القصر المُرتّب بدقة، إلى أن وصلنا أمام باب ضخم.
“سلميني الحقيبة! وبعد أن تنتهي من الحديث مع والدتي، تعالي مباشرة إلى غرفتي.”
“حسنًا، شكرًا!”
ترددت نا يوري قليلًا وهي تتسلّم الحقيبة، ثم همست في أذني.
“هي… شخصية غريبة بعض الشيء، لكن لا تحمل سوء نية. إنها ليست سيئة إطلاقًا…”
“…؟ حسنًا!”
ما الذي يجعلها تقول هذا؟ ما نوع هذا الإنسان بالضبط؟
سلّمت الحقيبة إلى نا يوري، ثم وضعتُ كلتا يديّ على الباب الضخم وفتحته بدفعة واحدة.
في تلك اللحظة، شعرتُ بقوة مجهولة تسحبني.
هذا الشعور…
إنه يشبه تمامًا الإحساس الذي شعرتُ به عند دخولي إلى فضاء الميزان الأسود…
لم تتح لي الفرصة حتى لأُكمل التفكير. ابتلعتني الظلمة تمامًا.
حتى عندما أغلقتُ عينيّ أو فتحتهما، بقي بصري محجوبًا بسواد تام. وكأن شيئًا ما يمنعني من “الرؤية” بحد ذاتها.
ثم تبدلت رؤيتي فجأة، فور أن سمعت صوت أحدهم.
“آه، مرحبًا بكِ.”
بمجرد أن وصلني ذلك الصوت، بدأت الظلمة التي تغطي عينيّ بالتلاشي.
وحين فتحتُ عينيّ، وجدت نفسي وسط مكتبة هائلة، تتطاير فيها الكتب والأوراق.
أضواء براقة تشبه زجاج النوافذ الملوّنة، كانت تنهمر من الأعلى، مضيئةً أعمدة ذهبية وبيضاء داخل المكتبة الضخمة.
الشخص الذي خاطبني كان جالسًا على كرسي في مركز المكتبة، بدا وكأنه عرش فخم.
كانت تجلس براحة وهي تعقد ساقيها، والكرسي المرتفع جدًا جعلني أضطر إلى رفع رأسي عاليًا لأراها.
“…والدة يوري؟”
“همم، بدلًا من ذلك، نادِني ‘نا يورام’. أو، إن أردتِ، المسجلة.”
“السيدة المسجلة؟”
“هممم، اللقب غريب بعض الشيء… لا بأس.”
رغم أن تعبيرها بدا غير راضٍ، إلا أنها نقرّت خدها برأس قلم الريشة عدة مرات، ثم تحوّل وجهها إلى ملامح باردة وكسولة.
بدا ذلك التعبير الممل وكأنه قد التصق بوجهها مثل علكة يابسة.
لكن ما إن التقت عيناها بعينيّ، تحوّل ذلك التعبير فجأة إلى ابتسامة غريبة مليئة بالفضول.
“إذًا، أنتِ من تُطلق على نفسها بطلة رواية ذكورية؟”
“…عذرًا؟”
“كما أرى، نمطك هو ذاك تمامًا. نوع من الروايات رومنسية، لكنها بشخصية ثانوية مدمجة بجنسيات مختلفة، مع لمسة من التقمص. وفوق ذلك، ذلك الإحساس الذي يقول ‘لماذا تعاملونني هكذا؟’. أليس الوقت قد حان لتُدركي أنك البطلة بالفعل؟”
“…ما الذي تتحدثين عنه؟”
هذه المرأة… شيء فيها غريب. “تقمص”، “رواية رومنسية”…؟
“أنا فقط أقدّم لكِ نصيحة. في الحقيقة، أنا أحبك! من قرائكِ الأوفياء، إن صح التعبير! بالمناسبة، أنا من معسكر ‘دمدم’! الرجل لا بد أن يكون صلبًا ومخلصًا، أليس كذلك؟ على كل، الروح الموجودة الآن مختلفة عن نا يوهان الأصلي، لذا من المحبط قليلًا أنه قد أحب فتاة أخرى في عالمه.”
شعرتُ أنها لا تتحدث كشخص يعيش معنا في هذا العالم، بل كأنها تشاهدني من بُعد، كمتفرجة.
شعور كهذا… أعرفه.
نعم.
إنه نفس الشعور الذي شعرتُ به عندما كنتُ أقرأ التعليقات في نظام الميتا.
“أحم، همم! على أي حال، إذا اعترفتِ بأنكِ صاحبة قصتك الحقيقية، فستُصبحين أقوى من أي أحد.”
كاتبة تُسجّل كل ما يحدث في العالم، وتعالج تلك المعلومات على هيئة قصة تُرسل إلى جهة ما.
ربما تكون هذه المرأة قد فهمت العالم كله من خلال القصص.
افتراض يبدو مقنعًا للغاية.
خاصة وأنها تعلم بأن “نا يوهان” الحالي يمتلك روحًا تختلف عن نا يوهان الأصلي، وهذا يؤكد ذلك.
لكن ما صدمني أكثر هو أنها عرفت أنني أُطلق على بارك سي وو لقب “دمدم” في داخلي.
هل هناك حقًا كيان يستطيع قراءة الأفكار وكل ما في هذا العالم؟
…حسنًا، فلتكن الأمور على هذا النحو. لا داعي للتعامل بخشونة مع شخص يُظهر لي النوايا الحسنة.
ابتسمتُ وقلت بمرح.
“شكرًا على النصيحة! بالطبع أنا بطلة حياتي!”
لكنها لم تنظر إليّ، بل قرأت رقعة ورق وصلت إليها عبر الهواء، ثم تنهدت بعمق وهي تنظر نحوي.
“هممم، لم تفهمي بعد، أليس كذلك؟ حسنًا، لا بأس. كل قصة لا بد أن تمرّ عبر مراحلها كما ينبغي. لو أنني -كأداة غش- أنهيت كل شيء فجأة، لأصبح الأمر مريبًا. وإن فشلتِ، فقد ينتهي العالم، لكن… حتى ذلك قد يكون جزءًا من القدر. إذًا، كل شيء على ما يرام!”
قالت ذلك ثم انفجرت في ضحكٍ عالٍ.
ذلك الوجه اللامبالي الذي رأيته عند لقائنا الأول لم يعد له أثر، وحلّ مكانه ضحكٌ صاخب بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وسط زخمٍ من الكلمات الغامضة، لم أكن أملك سوى أن أُبقي على ابتسامتي بينما أحدّق فيها بثبات.
توقفت عن ضحكها المنفلت، ونظرت إليّ بابتسامة هادئة.
“حسنًا، هل لديكِ سؤال؟ سأجيب عن واحد فقط. كنت لأجيب عن أكثر، لكن السقف المخصص للإجابات لا يسمح إلا بواحد.”
“…سؤال؟”
“نعم. أنا المُسجِّلة. أعلم تقريبًا كل شيء. ألا يوجد سؤال؟ إن لم يكن، هل أخبركِ بقصة؟ عن قصة حبّ فاشلة للـ’نا يوهان’ الحقيقي؟”
“لا، شكرًا.”
صمتُّ وأخذتُ أفكر. ما الذي أريد معرفته فعلًا؟
وفجأة، عاد سؤال كنت قد فكرتُ فيه قبل أيام.
“في اللعبة، كانت إغدراسيل هي من تسببت في فيضان الكارثة….هل ترغب إغدراسيل فعلًا في إبادة البشرية؟”
عند سماع سؤالي، حكّت المُسجِّلة أذنها بخنصرها، ثم انفجرت ضاحكة.
“هاها، هاهاهاها!”
كانت تضحك بعنف حتى راحت تضرب ذراع كرسيّها الضخم، ثم مسحت دموعها وهي تنظر إليّ.
“إذًا، هذا من المسارات التي نجحت لكنها فشلت أيضًا! حسنًا، سأجيبك. الجواب هو ‘لا’. في أي مسار، إغدراسيل تريد إنقاذ الجميع. قد تكون مفرطة قليلًا في طريقتها، لكن هذا جزء من سحرها! أنا أحبها، تعيش على طريقتها.”
“إن كان كذلك، فلماذا…؟”
“انتهت حصة الإجابات. ما تبقى عليكِ اكتشافه بنفسك. أتطلع لقصة ممتعة.”
كنتُ أراقب تعبيرها السعيد، لكنني لم أتمالك نفسي من طرح سؤال آخر خطر ببالي فجأة.
“…لا تذكرين شيئًا عن علاقتي بـ نا يوري.”
عندها تحوّلت تعابير المُسجِّلة إلى فتورٍ ملحوظ، كمن يسمع حديثًا غير ممتع.
ثم قالت ببرود، كما لو أنها تتحدث عن شخص غريب.
“آه… وهل يستحق الأمر الذكر؟ على كل حال، الجسد ليس هو نفس الشخص. ثم، لا أملك اهتمامًا خاصًّا بالصداقة. أنا أحب الرومانسية! الحب! خصوصًا قصة حبكِ أنتِ، أنا شغوفة بها!”
“رومانسية…؟”
أنا… ورومانسية؟ بالكاد أجد وقتًا للعيش.
ضحكتُ بخجل محاولة إخفاء انزعاجي، لكن تلك الابتسامة اختفت تمامًا عندما قالت.
“على أي حال، حظًا موفقًا. يا بطلة الجولة الثالثة.”
“ماذا تقصدين بـ—”
“ليس لدي ما أقوله بعد الآن! وداعًا.”
وحين حاولتُ أن أقول شيئًا ما لتلك المرأة المتقلّبة، غمر الظلام مجددًا مجال رؤيتي.
وعندما استعادت عيناي الإدراك، كنت أقف في غرفة فارغة تمامًا.
ما إن خرجت من الباب حتى وجدتُ نا يوري تنتظرني بلهفة وابتسامة مشرقة.
“ناهيون! هل أنتِ بخير؟”
“آه، نعم! لم يحدث شيء.”
“كما رأيتِ، والدتي تقول أشياء يصعب فهمها أحيانًا…”
“أوه؟ لا، أظنها كانت شخصية ممتعة في الواقع.”
“هذا مطمئن!”
نا يوري ابتسمت براحة بعد كلماتي، لكنها بعد لحظة توقّفت وترددت قليلًا، ثم سألتني بتحفظ.
“ذاك… هل يصعب عليكِ إخباري عما دار بينكما؟”
تجمدت للحظة. لم أكن أعرف كيف أصوغ ما حدث بكلمات مناسبة.
لكن يبدو أن ترددي فُسّر على أنه رفض، فقد شحب وجه نا يوري قليلًا وتمتمت بصوت خافت بالكاد يُسمع.
“كما توقعت… لا يمكن الوثوق بي، أليس كذلك…؟”
“يوري، ليس الأمر كذلك…”
“لا بأس! أعلم أن ذلك قد يضعكِ في موقف محرج، لن أسألكِ أكثر! عندما نصل إلى الغرفة، لنلعب الورق سويًا!”
لم أستطع الرد على كلماتها، فقط ابتسمت.
كنت أشعر بالقلق تجاه علاقتها بالمُسجِّلة، وأردت قول شيء، لكنني لم أجد الطريقة. لذا، ببساطة، تبعتها بصمت.
شعور غامض من الانزعاج بقي عالقًا في صدري.
***
عندما وصلنا إلى الغرفة، جلسنا نلعب الورق ونتبادل الأحاديث.
وسرعان ما تحولت اللعبة إلى مجرد خلفية للثرثرة.
غربت الشمس، وانضم بقية الفتيات إلينا.
وفور أن تجمّعنا جميعًا، أخرجت نا يوري بحماس عدة ألعاب لوحية جديدة لم تُفتح بعد.
قالت إنها اشترتها لأنها استمتعت بها كثيرًا في الرحلة السابقة إلى البحر.
“جاي يون، لقد وقعتِ في الجزيرة المهجورة!”
“آه…!”
“يوري، أعطني نقودي.”
“ناهيون، لماذا أنتِ صارمة في الحساب؟…”
قضينا الوقت ونحن نلعب النسخة المحلية من لعبة الاحتكار، نتبادل الأخبار والضحك.
ورغم بقاء ألعاب أخرى، إلا أن الحديث غلب على الجلسة، ففتحنا أكياس الحلوى وتجمعنا حول الطاولة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 100"