استفاقت جيريل من رائحةٍ نفّاذةٍ وتحرّرت من حضنٍ قويٍّ متين.
‘لستُ فراشةً تتّجه نحو النّار، فلماذا يموتون دائمًا أمامي؟’
كان الأمر كفيلًا بأن يُسبّب لها صدمةً نفسيّةً.
لم تشعر بأيّ أسفٍ تجاه الشّخص الميّت، ففي الغالب كانوا إمّا قتلةً أو أشخاصًا سيّئين للغاية.
“شكرًا لإنقاذكَ لي…”
“تُسك!”
كانت على وشك توجيه الشّكر لمنقذها، لكنّها توقّفت. تُسك؟
بينما هي مذهولة، مرّ بها رجلٌ وهو يقلب الجثّة يمينًا ويسارًا، ثمّ تمتم قائلًا:
“سيثور الإمبراطور اللّعين مرّةً أخرى. لقد أصبح الأمر مزعجًا.”
لم تسمع جيدًا، لكنّ النّظرة الحادّة التي وجّهها إليها لم تكن لطيفةً على الإطلاق.
ومع ذلك، كانت جيريل منشغلةً بأمرٍ آخر.
‘لماذا تبدو قيمة الكارما هكذا؟’
<النّظام>
[الكارما: ▒▒]
كان ما فوق رأس الرّجل مشوّشًا كما لو أنّه تمّ طمسه.
لم ترَ مثل هذه الحالة من قبل.
شخصٌ لا تظهر قيمة كارماه؟
“يبدو أنّكِ من النّبلاء، ففي أوقات المساء، اصطحبي معكِ فارسًا للحماية، ولا تُزعجي النّاس عبثًا.”
“ما هذا؟”
“ماذا؟”
هَبْ!
في ارتباكها، تفوّهت جيريل بما في قلبها دون قصد، ثمّ سارعت بتغطية فمها. على الفور، طارت إليها نظرةٌ لاذعة.
عبس الرّجل باستغرابٍ ثمّ أدار رأسه بعيدًا، كأنّه لا يريد إضاعة وقته معها.
‘لكنه منقذي، لا يمكنني أن أتركه يذهب هكذا!’
تذكّرت جيريل قصّة السنونو التي تقدّم الجميل، والتي قرأتها بإعجابٍ يومًا ما، فسارعت بافتتاح الحديث:
“هاها، ليس هذا ما قصدته… على أيّ حال، شكرًا لإنقاذكم إيّاي! أنا جيريل من عائلة الماركيز روباين. إذا كنتَ تريدُ مكافأة…”
التفت رأس الرّجل بسرعة. ربّما كان مجرّد شعور، لكنّ هالةً عنيفةً بدت وكأنّها ازدادت حدّة.
“…عائلة الماركيز روباين؟”
“نعم!”
“جيريل روباين؟”
أومأت جيريل برأسها بحماسٍ.
اقترب الرّجل منها بخطواتٍ واسعة. كان طوله يتجاوز 190 سنتيمترًا، فألقى بظلّه فوقها.
تصادمت نظرةٌ تقيّم المرأة أمامه مع نظرةٍ متلألئة موجّهة إلى منقذها.
ثمّ ارتفعت زاوية فم الرّجل بابتسامةٴٍ ساحرة.
لو رأى خادمه تلك الابتسامة، لتنهّد قائلًا: “سيّدي الملعون سيُحدث مشكلةً أخرى.”
“أنا كارو… لا، كار. هل قلتِ إنّكِ ستقدّمين مكافأة؟”
“نعم، أنتم منقذي! صحيح أنّ الأمر كان عنيفًا بعض الشّيء، لكن…”
ضحك الرّجل كما لو كان مفترسًا أمسك بفريسته.
بالنّسبة إلى سنونوٍ كان ينوي فقط إحضار حبّة أرزّ، كان هذا بمثابة صاعقة.
“لديّ طلبٌ واحد.”
“ما هو؟”
“لم يمضِ وقتٌ طويل منذ وصولي إلى الإمبراطوريّة، ولم يكن لديّ وقتٌ كافٍ للتعرّف على جغرافيا العاصمة.
هل يمكنكِ أن تكوني دليلتي السياحيّة؟”
إذًا هو أجنبيّ!
أومأت جيريل برأسها ببساطة.
“حسنًا، إذًا لنلتقِ غدًا في المقهى أمام السّاحة. سأرسل رسالةً تحدّد الوقت بالضّبط.”
“نعم! اتركَ الأمر لي. لكن، هل هذا كافٍ حقًا؟”
ابتسم الرّجل، الذي أخفى مسدّسًا فضيًّا لامعًا، كمفترسٍ شبعان.
“بالطّبع.”
* * *
في النّهاية، تمّ التّخلّف عن الموعد مع جيريل.
“سيّدتي! ألم تذكري أنّ لديكِ موعدًا هذا المساء؟”
“أجل… هذا ما كان يُفترض، لكنّ الأمور سارت هكذا.”
بينما كانت جيريل تهزّ جسدها المبلّل بسبب المطر، ظهرت على وجهها نظرةٌ متعجّبة.
‘هل أخطأتُ في معرفة الوقت؟’
لكنّ الرّسالة التي تلقّتها في الصباح ذكرت بوضوح:
<اليوم السّاعة السّادسة مساءً في المقهى أمام السّاحة>.
بينما كانت تلوّح بالرّسالة، شمّت رائحةً مألوفة.
‘رائحةٌ تشبه ما ينبعث من كومة أوراق متساقطة…’
أخذت تشمّ لفترةٍ طويلة، لكنّها لم تجد إجابة. تخلّت جيريل بسرعة وعاد إليها التّفكير في الموضوع الأساسيّ.
‘هل حدث شيءٌ لكار؟ قال إنّه أجنبيّ، فربّما ضلّ الطّريق.’
أمسكت جيريل، بعيونٍ زرقاء مليئةٍ بالقلق، بالقلم.
[إلى كار.
مرحبًا، أنا السنونو التي أنقذتها بالأمس…
توقّفت جيريل عند كلمة “السنونو”، ومحتها بسرعة ثمّ واصلت كتابة الرّسالة.
أنا جيريل روباين التي أنقذتها بالأمس. لم تظهر في مكان الموعد اليوم، فأمسكت بالقلم قلقةً من أن يكون قد حدث لك شيء.
إذا كنتَ بحاجةٍ إلى مساعدتي، أرجو أن تخبرني.]
سلّمت جيريل الرّسالة إلى بيل ولم تعتقد أنّ الأمر كبير.
‘حسنًا، ربّما نسي أو كان لديه ظروف.’
في صباح اليوم التّالي، وصل ردّ من كار.
[إلى السيّدة روباين.
بالأمس، لم أتمكّن من الحضور إلى مكان الموعد بسبب ظروفٍ خاصّة.
أشعر بالضّيق لأنّني جعلتكِ تذهبين عبثًا.
كتعويضٍ عن ذلك، أودّ دعوتكِ للعشاء.
فماذا عن لقاءٍ اليوم السّاعة السّادسة مساءً عند نافورة السّاحة؟]
كما توقّعت، كان هناك سبب!
شعرت جيريل بالرّاحة، وأخذت قائمة الأماكن السياحيّة التي أعدّتها وحملتها معها وغادرت المنزل.
لكنّها، في النّهاية، تمّ التّخلّف عنها مرّةً أخرى.
كانت تقف وحيدةً أمام النّافورة، تبدو بائسة.
‘…ما هذا الرّجل اللّعين؟’
بدأت تشعر بالغضب تدريجيًا.
لسببٍ ما، بدأت تتفهّم مشاعر الدّوق الأكبر ليڤيرت…
بينما كانت تتمتم وهي تنظر إلى الغروب، أدركت فجأة:
‘بالمناسبة، لم أتلقَ رسائل من الدّوق الأكبر منذ ذلك الحين؟’
بعد حادثة الرّعب المعروفة , توقّعت أن تبدأ سلسلة رسائل أخرى، لكنّ وجهها أشرق فجأة.
‘هل تجنّبتُ علم الموت هكذا؟’
إن كان الأمر كذلك، فهذا رائع. أريد أن أعيش حياةً طويلةً وهادئة.
رأت جيريل، وهي تهزّ رأسها، بركة ماءٍ أمامها.
يبدو أنّ المطر الذي هطل بالأمس تسبّب في تجمّع الماء.
تلاشى تعبيرها المبتهج فجأة.
تردّدت جيريل، كأنّ شيئًا يخيفها، ثمّ ألقت نظرةً خجولةً نحو البركة.
<النّظام>
[الكارما: 50]
كما كانت دائمًا، لم تتغيّر قيمة الكارما التي تراها عبر المرآة.
منذ أن تجسّدت في ‘جيريل روباين’، لم ترتكب أيّ فعلٍ سيّء.
بل على العكس، ساعدت الآخرين بسبب شعورها بالذّنب من الماضي.
‘إذًا، هذه ليست كارما جيريل، بل كارماي أنا.’
مرّت ذكريات الماضي بعيونها الزّرقاء الغارقة.
السّبب الذي جعلها تصرّ على العمل في مركز علاج الأطفال من بين العديد من المراكز العلاجيّة.
[“أحبّ أن تكوني أختي!”]
[“أختي، لماذا يسمّونكِ الطّفلة المتبنّاة؟ ماذا يعني ذلك؟”]
صرير… بوم!
[“لا… لا يمكن… سأنقذكِ! تحمّلي قليلًا، أرجوكِ…”]
انقطعت أفكار جيريل عند رؤية الأسفلت المغطّى بالدّماء.
كانت نظرتها إلى بركة الماء فارغة.
“سيّدتي، الشّمس تغرب الآن. يبدو أنّ ذلك المدعو كار أو كاريه لن يأتي، فماذا عن العودة إلى المنزل؟”
آه، صحيح، كار.
استفاقت جيريل فجأة، ونظرت حول السّاحة بسرعة.
لم ترَ شعرًا أسود أو عيونًا حمراء.
تنهّدت ثمّ استدارت.
“حسنًا، هيّا بنا. لم أعد أعرف…”
* * *
“سيّدي، وصلت رسالة من جلالة الإمبراطور.”
“احرقها.”
عبس كار، أو بالأحرى كارون، بعنف، فنظر إليه الخادم بإحراج.
“ومع ذلك، تجاهل رسائل جلالة الإمبراطور لأسابيع قد يكون…”
“لا أريد إضاعة وقتي مع رسائل أخي الحمقاء. احرقها. لا، أحضرها، سأحرقها بنفسي.”
انتزع كارون الرّسالة بعنف من يد الخادم.
اشتعلت النّيران في الظّرف الذّهبيّ على الفور.
كانت قدرة السّاحر الأحمر.
‘إضاعة للقدرة…’
تمتم الخادم في نفسه وهو يكبت دموعه.
استخدام قدرة السّاحر الأحمر النّادرة بهذه الطّريقة…
لو رأى الإمبراطور، الذي يشعر بالنّقص تجاه أخيه، هذا المشهد، لثار غضبًا.
“هل وصلت رسالة من عائلة الماركيز روباين؟”
“لا. ألا تعتقد أنّه حان الوقت لتتوقّف عن إغضاب السيّدة روباين؟”
رفع كارون زاوية فمه بسخرية، كأنّه سمع شيئًا سخيفًا.
“لا تتفوّه بالهراء، وتحقّق مرّةً أخرى. أنا متأكّد أنّها وصلت.”
لمع عيناه الحمراء بلمعانٍ غريب. في تلك اللحظة، اقترب خادمٌ حاملًا صينيّةً فضيّة.
“سيّدي، وصلت رسالة من عائلة الماركيز روباين.”
التقطت يدٌ قويّة الظّرف بسرعة.
[إلى كار.
كان الخطّ مكتوبًا بضغطٍ واضح، كأنّ كاتبه غاضبٌ جدًا.]
كان الهدف من هذه المناورات استفزاز الإمبراطور الذي يحذر من زواجه.
ومع ذلك، بعد أن تمّ التّخلّف عن الموعد أكثر من عشر مرّات، شعر كارون بألمٍ في رقبته.
قرأ كارون الرّسالة بسرعة وهو يبتسم بسخرية.
‘يبدو أنّها غاضبةٌ جدًا لدرجة أنّها مزّقت نهاية الرّسالة.’
ابتسم بارتياح وأشار بيده.
“خادم، اكتب رسالةً نيابةً عنّي. ضع بعض العبارات الرّنّانة وقل إنّنا سنلتقي غدًا السّاعة السّادسة مساءً أمام المتحف.”
“…هل ستبقى بعيدًا هذه المرّة أيضًا؟”
نظر الخادم إلى سيّده بنظرةٍ ممتعضة.
“لا، هذه المرّة سأذهب.”
طوى جفناه بعيونٍ حمراء بطريقةٍ غامضة.
“حان الوقت لكشف هويّتي.”
* * *
“سيّدتي، وصلت رسالة من كاريه.”
“ليس كاريه، بل كال…”
يبدو أنّ بيل يحمل ضغينةً تجاه الأجنبيّ الذي خذل سيّدته.
التقطت جيريل، التي نهضت لتوّها من الفراش، الظّرف. مرّت رائحةٌ خفيفةٌ للبارود.
‘ما العذر الذي سيقدّمه هذه المرّة…’
[إلى السيّدة روباين.
مرحبًا، إنّه صباحٌ تغرّد فيه الطّيور تحت أشعّة الرّبيع.
هل حلمتِ حلمًا جميلًا اللّيلة الماضية؟ أرجو أن تسامحيني على تصرّفي بالأمس…]
ما هذا؟
تحوّلت الرّسالة فجأة إلى أسلوبٍ رسميّ مليءٍ بالعبارات الرّنّانة وكلمات الاعتذار الطّويلة.
كانت هذه آثار جهود الخادم المضنية لتغطية قلّة أدب سيّده.
بالطّبع، جيريل، التي لم تكن تعلم ذلك، انخدعت تمامًا.
…فماذا عن لقاءٍ اليوم السّاعة السّادسة في المتحف؟
“هل ستذهبين؟”
“إنّه الشّخص الذي أنقذ حياتي، يجب أن أُظهر بعض الإخلاص للمرّة الأخيرة…”
لكن، كما يقال إنّ السنونو قد يهاجم إذا دُفع إلى الزّاوية، قرّرت جيريل أنّها إذا خُذلت هذه المرّة أيضًا، ستنسى الأمر برمّته.
نهضت من مكانها بعزمٍ قويّ.
السّاعة الخامسة والنّصف مساءً.
بقي ثلاثون دقيقة على انتهاء دوامها في المركز العلاجيّ.
“جيريل، كيف حالكِ؟”
“آه، إيان، لم نلتقِ منذ فترة.”
بينما كانت تُنهي عملها، اقترب منها رجلٌ وسيم ذو شعرٍ بنيٍّ دافئ وعيونٍ خضراء زاهية.
كان إيان، قائد فرقة الفرسان الأولى في القصر ووريث عائلة دوق بيرشي.
منذ سنوات، عندما عالجته من إصابةٍ خطيرة، استمرّت علاقتهما حتّى الآن.
الشّيء الغريب أنّ قائد فرقة الفرسان الأولى في القصّة الأصليّة لم يكن إيان.
كان قائد الفرسان الأولى شخصيّةً ثانويّةً، فلا يمكن أن تنساه.
‘حسنًا، ليس أمرًا سيّئًا. تغيّر الشّخصيّة يعني أنّ هناك إمكانيّة للتّغيير عن القصّة الأصليّة، وهذا يعني أنّني قد أتجنّب نهاية الموت.’
نظرت جيريل إلى عينيه الزّاهيتين، كما لو كانتا مغطّاتين بطبقة طلاءٍ جديدة، وفتحت فمها.
“كيف حالك؟ عيناكَ اليوم تبدوان أكثر إشراقًا. ألم تكون ترتديان عدسات سحريّة سرًا؟”
ابتسم إيان بصمتٍ ورفع زاوية فمه.
“جيريل، هل تودّين تناول العشاء معًا بعد انتهاء العمل؟”
“آه، أنا آسفة، لديّ موعدٌ اليوم.”
“موعدٌ غراميّ؟”
“لا، ليس موعدًا غراميًا…”
في تلك اللحظة.
“حالة طوارئ! مرضى يعانون من نوباتٍ جماعيّة!”
دوّى صراخٌ عاجل من أحد موظّفي المركز العلاجيّ. سرعان ما دخل المرضى محمولين على نقّالات.
“هذه المرّة أيضًا طفحٌ أزرق.”
“هل انتشر في الجهاز التّنفسيّ مرّةً أخرى؟”
“نعم، كم مرّة هذا الشّهر بالفعل…”
في الآونة الأخيرة، ازداد عدد المرضى الذين يُنقلون بنفس الأعراض.
بقعٌ زرقاء تنتشر حول الأنف والفم مع نوباتٍ تشنّجيّة.
قبل أن تشعر بالاستغراب، سمعت أصواتًا تناديها من كلّ مكان.
“السيّدة جيريل! تعالي إلى هنا أيضًا!”
“وهنا أيضًا!”
بما أنّ السّحرة المتخصّصون في العلاج نادرون حتّى بين السّحرة العاديّين، كان على جيريل أن تجري حتّى تتعرّق قدماها.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"