ارتجف جسدُ جيريل بشدّة.
لقد أدركتْ بغريزتها أنّ اليدَ التي لامست كتفَها تعودُ إلى كارون، فحاولت أن تهربَ مرّةً أخرى.
كان لقبُها في الماضي “الأرنب”، فهل هذا يعني…
“إلى أين تظنّين أنَّكِ ذاهبة؟”
لكنّ كارون لم يُفلتْها بهذه السهولة.
فقد قبضَ برفقٍ على ذراعها وأدارها نحوه، ثمّ تجهّم قليلًا.
“لقد بحثتُ عنكِ طويلًا.”
“هاها، لم أكن أعلمُ بذلك.”
“لماذا تتهرّبين منّي باستمرار؟”
نظرت جيريل إلى تشيلسي تستنجدُ بها بعينيها.
‘إن كنتِ ترينني، فأخبريني بطريقةٍ للهروب يا تشيلسي!’
“مرحبًا يا دوق ليفيرت.”
“الآنسة ليفيلين.”
“هلّا تركتَ جيريل من فضلك؟”
“ولِمَ أفعل؟”
“إنها خيطُ حياتي.”
“خيطُ حياتِك؟!”
هزّت جيريل رأسها بسرعة.
‘لا تنشري فرضيّاتكِ الغريبة يا تشيلسي!’
“هذا أمرٌ لا يمكن الحديثُ عنه في مكانٍ عام، أرجو تفهّمكَ.”
“حسنًا، فهمتُ.”
تمتم كارون بلا مبالاةٍ، ثمّ أومأ موافقًا.
وبينما كان الاثنان يتحدّثان، حاولت جيريل أن تفلتَ من قبضته برفقٍ، لكنها أحسّت بنظرةٍ حادّةٍ فجمّدت حركتَها فورًا.
‘يا إلهي…’
حين تجنّبتْ النظر إليه متظاهرةً بالهدوء، سمعتْ فوق رأسها ضحكةً خافتة.
حدّق في وجهها الذي يشبه وجه جروٍ ارتكب خطأً صغيرًا، ثمّ ألقى نظرةً إلى ذراعها النحيلة التي بين أصابعه وقال:
“آنسة ليفيلين، هلّا تبتعدين قليلًا؟”
لكنّ تشيلسي تردّدت هذه المرّة.
فسمعةُ دوق ليفيرت سيّئةٌ جدًا، وقد شهدت بنفسها مدى جنونه حين شاركت في إحدى الفرق المكلفة بالسيطرة عليه عندما فقدَ السيطرة ذات مرة.
لذلك لم تستطع أن تتخلّى عن حذرها بسهولة، فقالت بنبرةٍ حذرة:
“هل تنوي إيذاءها؟”
في لحظةٍ واحدةٍ، انخفضت حرارةُ الجوّ المحيط كليًّا.
وسألها كارون ببطءٍ:
“وإن كنتُ أنوي ذلك، ماذا ستفعلين؟”
“ذلك…”
“ليس بوسعكِ أن تفعلي شيئًا، أليس كذلك؟”
كانت الكلمة التي قرأها في عينيها واضحة: “وحش”.
فهو لم يعرف يومًا نظرةً غير هذه من الآخرين.
…ومع ذلك، شعر بانزعاجٍ غريبٍ منها هذه المرّة.
وفيما كان وجهه يتحوّل إلى ملامحَ حادّةٍ فجأة، لاحظت جيريل أمرًا غريبًا.
يداه كانتا شاحبتين كأنّ الدمَ انقطع عنهما، وارتجافٌ خفيفٌ كان يتسلّلُ عبر معصمها.
‘ما به؟ يبدو كأنّه سيتحطّم في أيّ لحظة…’
رفعت جيريل يدَها ببطءٍ، ولمست أصابعه برفقٍ.
ارتجف كتفُ كارون قليلًا، ثمّ نظر إليها مباشرة.
تحرّكت شفتاه الشاحبتان وقال:
“لا أنوي تلبية توقّعات الآنسة ليفيلين، لذا… آسف.”
بمعنى آخر، لن يؤذيها.
انحنت تشيلسي له قليلًا، إذ بدا أنّ الموقف انتهى دون صدامٍ حقيقي.
‘أتمنّى فقط أن يتركني الآن…’
لكنّ تشيلسي، بدلًا من إنقاذها، حيّته مجددًا وغادرت.
‘خائنة…’
نظرت جيريل إليها بنظرةٍ غاضبة، ثمّ واجهتْ عيني كارون الحمراوين مباشرة.
“….”
هل كانت تلك نظرةُ عتابٍ على وجهه؟ أم أنّها تتوهّم؟
‘ما زلتُ أفكّر… هل أتعامل معك كـ كارون، أم كـ كار؟’
لو اعتبرته كارون، فلن تغيّر شيئًا من القصة الأصلية.
أمّا إن اعتبرته كار، فستفعل كلّ ما بوسعها لتغييرها.
لكنّ قرارها لم يكن سهلًا، خاصّةً وقد وعدت نفسها أن تعيش حياةً هادئةً تشفي فيها الأطفال فقط.
‘إن حاولتُ تغيير القصة، فقد أضطرّ لاستخدام قوّة الساحر الأزرق.’
ولو انكشف أنّها الساحرة الزرقاء التي اختفت قبل ألف عام، فمصيرها سيكون معلومًا.
إمّا أن تُستَخدم كعينة تجارب، أو كأداة علاجٍ لا تنتهي، أو كرمزٍ للعبادة.
“أين شريكُك؟”
لم تكن تحبّ هذا النوع من الأسئلة.
“إنّه هناك… يُقدّم عرضًا سحريًّا الآن.”
“البارون بيرشي يقومُ بالسحر؟”
‘يا له من تمثيلٍ بارع… انظر إلى وجهه المتصنّع.’
كانت تشير إلى ليون، الذي كان يعرضُ “سحر النار” أمام السيدات وكأنّه في سيرك.
“لا أراه.”
“آه، انظر هناك! طبقٌ طائر!”
ما إن التقتْ نظراتُهما حتى صاحتْ جيريل بصوتٍ عالٍ، فانتقلت عينا كارون الحمراء إلى حيث أشارت.
وبينما ارتبك بعض النبلاء وسأل أحدهم:
“ما هو الـ… هـ؟؟”
قال آخر: “ربما نوعٌ جديدٌ من السحر؟”
استغلّت جيريل اللحظة، فانسحبت مسرعةً من القاعة.
وحين اختفى دفءُ يدِها من قبضتِه، أطلق كارون ضحكةً خافتةً حزينة، ثمّ نظر إلى يده التي ما زالت تشعرُ بنبضِها.
وسرعان ما تبعها بخطواتٍ باردةٍ وهادئة.
* * *
“هاه… هاااه… آه، لقد تعبت…”
توقّفت جيريل تلهث، ثمّ نظرت إلى المرآة المعلّقة في الممرّ، فرأت وجهها المتوهّج احمرارًا.
‘يا إلهي، يبدو بوضوحٍ أنّني مطاردة!’
خافت أن يُمسكها الحرّاس قبل كارون نفسه، فأخذت تبحث عن شيءٍ لتخفي به وجهها، فرأت مجموعة أقنعةٍ مصطفّة فوق رفٍّ للزينة.
كانت تلك الأقنعة مُخصّصةً للنبلاء الذين يتسلّلون للقاءاتٍ سرّيةٍ في الحديقة.
التقطت أقربها بسرعةٍ وارتدته، ثمّ تابعت الجري.
‘لا أعرف أين أنا بالضبط…’
تأرجحت أذنا الأرنب المعلّقتان على القناع كلّما أمالت رأسها.
كانت قد وصلت إلى “حديقة المتاهة”، وهي مكانٌ معروفٌ للمواعيد السرّية.
‘ربّما أضعتُ طريقي… لكن يمكنني العودة من حيث أتيت لاحقًا.’
“هل تخافين؟”
“يجب أنْ أفعل.”
بينما كانت تلتقط أنفاسها، سمعتْ أصواتًا خافتةً تقترب شيئًا فشيئًا.
فاختبأت خلف الشجيرات بسرعة.
‘لماذا اختبأت؟ لم أفعل شيئًا خاطئًا…’
لكنّها سرعان ما أدركتْ أنّها كانت محقّة.
<النظام>
[الكارما: ▒▒]
<النظام>
[الكارما: ▒▒]
كانا وليّ العهد والقدّيسة. وكان رجالٌ بملابس سوداء يحرسونهما.
‘لا يشبهون الفرسان العاديين أبداً…’
أرادت الانسحاب بهدوء، لكنّ صوت وليّ العهد المألوف جعلها تتجمّد مكانها.
“كيف تسيرُ أمورُ التخلّص من مِيكِل؟”
…ماذا؟
“الفرسان يُنهون ما تبقّى هناك.”
“سمعتُ أنّ جرذًا صغيرًا تمكّن من الفرار.”
“مولاي، لا تقلق. أتشكّ في فرسان الإمبراطوريّة المقدّسة؟”
بدأت أفكارُها تدورُ بسرعةٍ جنونية.
كانت تشكّ بذلك منذ حديثها مع تشيلسي، لكنّها لم تتوقّع أن يكون الأمرُ حقيقيًّا…
كارثةُ ميكِل كانت من تدبيرِ وليّ العهد والقدّيسة أنفسهما.
‘أيُّ روايةٍ هذه التي يقتلُ فيها الأبطالُ الناس؟!’
لقد تدهورت القصةُ الأصلية تمامًا.
‘لكن لماذا؟ ما الذي سيربحونه من قتلِ شعبهم؟’
خسروا الكثير بالفعل بعد تلك الحادثة، وإن لم يجرؤ أحدٌ على الاعتراض بسبب سطوة التاج، إلا أنّ الاستياء كان ينتشر بين النبلاء الجدد.
‘بل والأسوأ أنّ الإمبراطورية المقدّسة شاركت أيضًا…’
شعرت جيريل بثقلٍ في صدرها بعد أن اكتشفت هذه الحقيقة المروّعة.
لقد قتلوا الناس الأبرياء عمدًا، ببرودٍ تام.
ولم يكن من الصعب أن تتخيّل مدى سواد الكارما فوق رؤوسهم.
‘هل هم من تسبّبوا في ظهور البقع الزرقاء أيضًا؟’
أومأ وليّ العهد قليلًا، ثمّ قال:
“هل انتهت الاستعدادات الأخرى؟”
“بالطبع، كل شيءٍ جاهز.”
“إذًا نُنفّذ حسب الخطة.”
‘تمرد؟’
لكنّ هذا لم يكن من شأن وليّ العهد عادة، فمهمّةُ الخيانة كانت تقع على عاتق كار، لا عليه هو.
‘إنْ كان الأمر كذلك، فحتى الإمبراطور يعلمُ بكل هذا.’
لقد تحالفت العائلة المالكة مع الإمبراطورية المقدّسة… لقتلِ الناس.
وفي تلك اللحظة، رأتْ جيريل ظلًّا أسودَ يخرج من الطرف الآخر للشجيرات.
فتذكّرت فجأةً السبب الذي جعلها تختبئ بهذا الشكل.
‘كارون…!’
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"