“……ها؟”
“إنْ أعطيتِني خمسةَ ملايين كير، فسأترككِ وشأنك.”
للمعلوميّة، كان متوسّط راتب موظّف القصر الإمبراطوريّ يبلغ مليونين كير فقط.
أطلقت ضحكةً فارغةً. كنتُ أتساءل عمّا يقوله، فإذا به محتالٌ نموذجيّ.
‘كمْ من الناس خدع حتى بلغتْ كارماته السّيّئة تسعةً وتسعين؟’
نقرت جيريل بلسانها وأدارت ظهرها. كانت تخشى أنْ يُكمل المائة أمامها فيموت.
“توقّفْ عن الاحتيال قبل أنْ تصلَ إلى مرحلةٍ لا رجعةَ منها.”
وبعد أنْ لفظتْ كلماتها الأخيرة، صعدت بسرعة إلى العربة. يا له من شخصٍ غريب.
عندما عادت إلى القصر، أمسكت بالقلم. كان لديها طلبٌ لتوكيله إلى أحد أعضاء الجماعة السريّة.
‘عدد أصحاب الكارما الخطيرة ازداد كثيرًا في الآونة الأخيرة.’
كانت جيريل قد صنّفت مستويات الكارما كالتالي:
من 1 إلى 29 طبيعي،
من 30 إلى 59 يحتاج إلى الحذر،
من 60 إلى 89 خطر،
ومن 90 إلى 99 عالي الخطورة.
لكنّ الأمر الغريب أنّ هؤلاء من الفئة الخطيرة ازدادوا فجأة، من غير حربٍ أو كارثة.
‘عليَّ أنْ أتحقّق إنْ كانوا ازدادوا فعلاً، أم أنّهم خرجوا فقط من مخابئهم.’
“أوصلي هذه الرسالة إلى تشيلسي ليفيلين.”
“لا داعي لذلك.”
“آه! ما هذا!”
كانت قد خاطبت الخادمة بيل، لكنّ الصوت البارد الذي أجابها لم يكن صوتها.
ثمّ انشقّت فجأةً ظلمةٌ في وسط الغرفة، وخرج منها شخص.
“مرحبًا، جيريل. مضى وقتٌ طويل.”
“قلتُ لكِ ألّا تظهري هكذا!”
زحف إمرأةٌ ذاتُ شعرٍ أسود من الشقّ في الهواء.
كان منظرًا لا تعتاد عليه جيريل أبدًا.
وطئت تلك المرأة السجّاد برشاقة، وضيّقت عينيها القرمزيتين بابتسامة. أمّا جيريل، فكانت تمسك صدرها من شدّة الخفقان.
“هل زرعتِ تعويذةً في غرفتي مجدّدًا؟”
“نعم، لا خيار لي. جيريل هي شريان حياتي.”
أنهت كلامها ببرود، ثمّ وضعت ذراعها حول كتف جيريل كما لو كانت تخنقها.
إنّها تشيلسي ليفيلين، ابنةُ ماركيز عائلة ليفيلين.
“الآن أشعر أنني أعيش.”
“وأنا أشعر أنني أموت.”
“لن أقتلكِ، كيف أقتلُ شريانَ حياتي؟”
“قلتُ ذلك مجازًا… اتركي الموضوع.”
كانت تشيلسي ساحرةً من نوع السحر الأسود.
وقد بدأت علاقتهما منذ سبع سنوات، حين ساعدتها جيريل وهي غارقةٌ في الجنون.
تشيلسي كانت أيضًا القائدة العلنيّة للجماعة السريّة.
“الساحر الأزرق مذهلٌ حقًا. بفضله صمتَ الصوتُ اللعين الذي كان يصرخ في رأسي.”
“قلتُ لكِ إنّ ذلك ليس من السحر الأزرق.”
لم يُعرَف أنّ السحر الأزرق يشفي الأمراض العقليّة.
فلا بدّ أنّها مجرّد قناعة نفسيّة. ومع ذلك كانت تشيلسي تؤمن بأنّ السحر هو سبب تعافيها.
“على أيّ حال، خذي هذا. أريدكِ أنْ تحقّقي فيما ورد بداخله.”
تناولت تشيلسي الرسالة بوجهٍ جامد، وما إنْ قرأتها حتى أحرقتها بشعلةٍ خرجت من أطراف أصابعها.
‘يا للأسف على الورقة… لو كنتُ أعلمُ لأخبرتُها بالكلام فقط.’
أومأت تشيلسي برأسها ثمّ التصقت بجيريل مجددًا، متذرّعةً بأنّ ذلك يُحسّن فعالية السحر.
“سأحقّق في الأمر وأخبركِ بالنتائج.”
وبعد قولها ذلك، عادت إلى الشقّ الأسود في الهواء. فصرخت جيريل بسرعة:
“لو دخلتِ بهذه الطريقة مرّةً أخرى، سأقتلكِ حقًا!”
“ما دمتِ أنتِ على قيد الحياة، فلن أموت.”
اختفى وجهها المبتسم في الظلام.
في تلك الليلة المظلمة، كانت عجوزٌ تتسكّع في الشارع. هي نفسها التي حاولتْ خداعَ جيريل قبل قليل.
“هل أنتَ متأكّدٌ أنّ أخي سيشفى؟ هذا كلّ المال الذي ادّخرته للعلاج، أرجوك اعتنِ به.”
“لا تقلقي يا خالة.”
راقبتْ العجوز الفتى الذي يركض مبتعدًا نحو الزقاق بعينين نصف مغمضتين، ثمّ أضاءت عيناها حين اقتربت عربةٌ فخمة.
<النظام>
[الكارما: +1]
[الكارما: 100]
<النظام: انتهى>
“هاه، جميعهم حمقى…”
صوت ارتطامٍ قويّ
لم تكتمل عبارتها الخبيثة. فقد صدمتها العربة الفخمة مباشرةً.
وبعد لحظاتٍ فُتح باب العربة.
نزل منها شخصٌ بخطواتٍ متبرّمةٍ متضايقة.
“آه، ما أزعج هذا. تخلّصوا منها بسرعة.”
أصدر الأمر ببرود وهو يرمق الشارع الخالي بعينين باهتتين.
ثمّ تمتم بهدوء: “مرّ وقتٌ طويل.”
<النظام>
[الكارما: +1]
[الكارما: 101]
فورها، أضاءت لوحة النظام فوق رأسه.
* * *
وأخيرًا حلّ يوم الحفلة.
منذ الصباح، كانت جيريل تُسحَب من يدٍ إلى يدٍ بين الخادمات.
“أنا إنسانةٌ حُرّةُ الإرادة!”
“بالتأكيد!”
صرخت بخفوتٍ دون جدوى.
كنّ الخادماتُ مبتسماتٍ برقةٍ وهنّ يثبّتنها في مكانها، غير عابئاتٍ بتذمّرها.
وحين انتهت تلك الفوضى من التزيين والتلميع، وقفت جيريل أمام المرآة.
كان فستانها أزرقَ سماويًّا مرصّعًا بحجارة السافير المتلألئة.
يلائم شعرها الفضيّ وعينيها الزرقاوين الهادئتين.
‘السافير والتلألؤ في جملةٍ واحدة… يبدو أنني أفهمُ السبب الآن.’
قدّرتْ قيمة ما ترتديه، ثمّ دخل ليون بعد خروج الخادمات.
“هل تُعلنين أنكِ ساحرةُ السحر الأزرق؟ كلّ شيءٍ فيكِ أزرق!”
“هذا لأنك متحيّزٌ فحسب.”
تبادلا التحية بلُطفٍ، وأمسكا بأطراف أصابعهما قليلًا كطريقةٍ في المرافقة.
قادها ليون بابتسامةٍ مشاكسةٍ نحو الدرج.
‘لقد كبر ليون كثيرًا.’
فقد كان أقصرَ منها قبل سنوات، لكنّه الآن أطول بكثير.
انفصل والداهما حديثًا، وقد مرّ بمرحلةٍ صعبةٍ عاصفة.
‘على الأقل أصبح إنسانًا متّزنًا الآن.’
وبينما كانت تستشعر دفئًا في قلبها، قال ليون:
“هل أنتِ سلحفاة؟ أسرعي!”
“…….”
كما توقّعت.
وبينما كانا ينزلان الدرج، سألها:
“ألستِ قد وجدتِ شريككِ للحفلة؟”
“بلى، الفتى النبيل إيان بيرشي.”
“لكنّ العربة الوحيدة عند المدخل تخصّ عائلتنا.”
“……ماذا؟”
فتحت فمها مذهولة، فقال ليون مؤكدًا:
“آنستي، وصلت رسالةٌ من بيت بيرشي!”
ولم يسبق لجيريل أنْ فتحتَ ظرفًا بتلك السرعة في حياتها.
نظر ليون إليها وهو يقرأ ملامح وجهها المرتبكة وسأل:
“……ماذا يقول؟”
“هو…”
“هاه؟”
كأنّ موجةً من التشويش ضربت الأجواء. انطلقت من فمها كلماتٌ سريعةٌ متقطّعة.
ثمّ صمتت.
تراجع ليون ببطءٍ خطوةً إلى الوراء.
‘هل هذا جنونُ الساحرة الزرقاء؟’
تحوّلت الرسالةُ المختومة بشعار عائلة بيرشي إلى قصاصاتٍ صغيرةٍ تحت أناملها الغاضبة.
‘سورُ القصر الإمبراطوريّ انهار؟’
وليس في موضعٍ واحد، بل في عدّة أماكن، حتى ظهرتْ ما تُسمّى بالثغرات.
قال إيان إنّه يشكّ في الجهة المسؤولة، لكنه مضطرّ للبقاء في الحراسة تحسّبًا لهجومٍ محتمل.
“لا حاجةَ للتخمين، إنّه ذلك المجنون….”
رأت في ذهنها تقطيبةَ حاجبيه وسخريته الهادئة التي تذوب في ضوء الظهيرة.
“إنْ كنتِ تكذبين، فلن تري النور في ما تبقّى من حياتك.”
……لقد حدث ما لا تُحمد عقباه.
لكن جيريل لم تصدّق أنّ كارون سيقتلها فعلاً. كانت تعرف أنّ كار لا يفعل ذلك.
‘آه، ها نحن مجددًا.’
ضغطت على صدرها، محاولةً تهدئةَ الشعور الغريب في قلبها.
السببُ الحقيقيّ وراء بحثها عن شريكٍ للحفلة وبُعدها عن كارون كان شيئًا آخر.
فهي تعاني مؤخرًا من ارتباكٍ تجاه ماهيّة كارون نفسه.
قبل لقائه، كانت تظنّه قاتلًا بلا قلبٍ ولا ماضٍ ولا مشاعر.
‘شخصٌ مظلم لا يفعل سوى القتل….’
لكنّها الآن تعرف أنّ ذلك غيرُ صحيح.
كان وجهه الشاحب حين كان يُخفي أنينه ما يزال يلاحقها في ذاكرتها.
ما تشعر به ليس إعجاب، بل تعاطفٌ إنسانيّ مع كارون.
‘لكنني أعرف كيف ستكون نهايته.’
لم ترد أنْ تتعلّق بشخصٍ ميّتِ المصير.
لذا قرّرت الابتعاد قليلًا لترتيب أفكارها وخطّتها.
‘……إنْ اضطررتُ لتغيير القصّة الأصلية.’
هزّت جيريل رأسها لطرد تلك الأفكار المعقّدة. المهمّ الآن هو كسب الوقت.
وكانت خطّتها لتجنّب كارون بسيطةً للغاية:
عملية “أنتَ لم ترني، وأنا جئتُ مع شريكي.”
بمعنى آخر، الهروب الكامل.
حين سمِع ليون اسم العمليّة، عبسَ قائلاً إنها سخيفة، لكنه ظلّ مساعدها الوفيّ.
‘من حسن الحظ أنّ كارون من العائلة الإمبراطوريّة، فهذا يسمح لي بالدخول قبله والاختباء.’
وبمساعدة ليون، استخدمت جيريل تعويذةَ التخفّي واختبأت خلف أحد الأعمدة.
‘يا له من شبحٍ حقيقيّ… لقد التقتْ أعيننَا مجددًا.’
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"