ابتسم ثيودور بهدوء دون تعليق، إذ كان معتادًا على حالتي منذ سماعي خبر الامتحانات النصفية.
“على الأقل، لحسن الحظ أن الامتحان النصفي لا يُحتسب بدرجة كبيرة.”
“صحيح، لكن مع ذلك…”
كانت تلك نقطة إيجابية بالفعل.
فكما قال ثيودور، في أكاديمية كرانڨيير كان الامتحان النهائي أثقل وزنًا بكثير من النصفي.
بل إن النصفي لم يكن امتحانًا حقيقيًا بقدر ما كان أقرب إلى تقييمٍ مرحلي.
ولذلك، عدا عن مادة مقدمة في فنون القتال وهي مادة تطبيقية رئيسية، فإن باقي المواد كانت عبارة عن امتحانات نظرية أو مهام بديلة.
لكن بالنسبة لي، كان ذلك بحد ذاته مصدر إزعاج.
حتى هنا علي أن أدرس للامتحانات!
مجرد التفكير في الأمر جعل رأسي ينبض بالصداع.
فما أعرفه لا يتجاوز ما شرحه الأصل، أما الأساسيات العامة عن هذا العالم، أو الحسابات المرتبطة به، فأنا عديمة الحيلة تمامًا فيها.
استحضرت إحدى الحصص التي دخلت من أذن وخرجت من الأخرى، وزفرت بعمق.
حينها، شرع ثيودور في مواساتي على طريقته الخاصة:
“لقد كنتِ مجتهدة في كل درس، يا لوسي.”
اجتهدت فقط، لا أكثر.
“ومدى الامتحان يغطي أساسيات الأمور فحسب.”
لكن أساسياتي ضعيفة من الأساس.
“وفوق ذلك، لا يزال لدينا متسع من الوقت، فلا تقلقي كثيرًا.”
كان الموعد الأسبوع القادم مباشرة.
“هاها…”
لم يقصد ثيودور أن يضغط علي، ومع ذلك كانت كلماته تطعنني واحدة تلو الأخرى.
مع ذلك، سرعان ما هززت رأسي.
“صحيح، سيكون الأمر على ما يرام بطريقة ما!”
استجمعت شتات نفسي وقبضت كفي بإصرار. امتحانات كانت أو مهام… كلها سأجتازها بقوة.
“ماذا ستبدأ به اليوم يا ثيودور؟”
“أفكر… ربما فهم المانا؟”
“آه، أنا حقًا أكره صيغ حسابات المانا.”
“لكن إن أنجزنا هذا أولًا، سيكون من السهل بعدها الانتقال إلى مادة أخرى للانتعاش، مما يساعد على التركيز…”
وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث، كنا قد وصلنا إلى وجهتنا المعتادة في الأيام الأخيرة: المكتبة.
“الطلبة كثيرون اليوم.”
بل بدا أنها أكثر ازدحامًا من الأمس.
ومع ذلك، كان الصمت يسود المكان؛ لا يُسمع سوى صوت تقليب الصفحات واحتكاك الأقلام.
عندها فقط تملكني الشعور الحقيقي باقتراب الامتحان.
جلسنا في مكان بعيد قليلًا عن الوسط.
وبينما كنت أرتب مقعدي، كان ثيودور قد فتح بالفعل كتاب فهم المانا.
أما أنا… فالأجدر أن أبدأ بالمهام.
قررت البدء بمقالة مطلوبة منا كبديل عن امتحان مادة التدريب الأساسي 1:
“التغييرات الجسدية الناتجة عن تدريبات اللياقة الأساسية.”
ذلك بدا أسهل الخيارات نسبيًا.
المطلوب: حوالي أربع صفحات.
حجم مربك بعض الشيء، لكنه ليس مفرطًا، خاصة وأنه لا يُشترط التعمق العلمي.
في هذه الحالة إذن…
بدأت أكتب المقالة.
وخلاصتها: “لقد تدربت على اللياقة، فتحسنت قوتي البدنية!” لكنني اضطررت إلى تمديد الفكرة قدر الإمكان لملء الصفحات. بل وكنت أتعمد تكبير حجم الخط أكثر من المعتاد.
ميزة أن الامتحان ليس على الحاسوب.
إذ لم يفرضوا علينا حجم خط محدد.
صحيح أن يدي تؤلمني من كثرة الكتابة، لكن القدرة على التحايل قليلاً لم تكن سيئة.
صوت قلمي يسطر على الورق: خش… خش…
ومرت فترة طويلة هكذا.
أوووف…!
حين وصلت إلى الصفحة الثانية ونصف تقريبًا، تمددت قليلًا.
البقاء في وضعية واحدة أرهق جسدي.
يا له من تركيز عجيب.
فثيودور ظل غارقًا في كتابه غير آبه بما حوله.
لمحتُه للحظة ثم نهضت بهدوء.
لأذهب وأشرب ماءً على الأقل.
وغادرت المكتبة وحدي.
قربها كانت هناك قاعة استراحة، يتجمع فيها الطلبة الذين يخرجون قليلًا من عزلة المذاكرة.
الكل تبدو على وجوههم علامات الإنهاك.
وكذلك أنا.
بعد أن أنهيت شربي، استدرت… دون أن أدرك أن شخصًا كان خلفي.
طَـق!
“آه!”
صرخة خرجت من كليْنا.
“آسفة، لم أكن أعلم أن أحدًا خلفي.”
بادرت بالاعتذار فورًا، إذ كانت غلطتي.
لكن الطرف الآخر ظل صامتًا.
رفعت بصري إليه بحذر.
واو، يلمع.
أول ما لفتني شعره البني الداكن المصقول إلى الخلف.
بدا شديد اللمعان تحت الإضاءة، وكأنه مغطى بطبقة سميكة من الشمع.
ذوق غريب بالفعل.
بينما كنت أحدّق في شعره بفضول، أطلق ضحكة ساخرة قصيرة.
ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة مائلة وهو يقول:
“هكذا إذن نلتقي، يا ابنة آل سانت الكبرى.”
انعقد جبيني تلقائيًا. فقد ذكرني تصرفه المتعجرف بشخص مألوف.
“أنت…”
“كنت واثقًا أن الأمر سيكون كذلك. كما توقعت، لطالما نظرتِ إليّ—”
“من أنت أصلاً؟”
ما به يتصرف وكأنه شقيق لوسي الصغير!
لم يكن يشبهه في ملامحه أبدًا، لكن لسبب ما، كان يذكّرني بذلك الأخ الأصغر الوقح من عائلة سانت. خصوصًا ذلك الطرف المتعجرف من فمه.
فجأة، احمرّ وجهه وبدأ يصرخ بعصبية.
“أ.. ألَا تعرفينني؟! أنا داستن مور، الابن الثاني لعائلة مور!”
“الآن عرفت. أهلًا، داستن مور.”
كنت أظن أني أظهرت بعض الأدب، لكن يبدو أن كلامي جعله يزداد غضبًا.
“ألا تعلمين أن عائلة مور هي العدو اللدود الأبدي لعائلة سانت؟!”
“العدو الأبدي؟”
“بالطبع! والدانا كانا خصمين يتنافسان على المركزين الأول والثاني منذ أيام الأكاديمية!”
“أوه…”
لم أكن أعرف ذلك إطلاقًا.
على كل حال، لوسي سانت، مجرد شخصية ثانوية، لكنها متخمة بالتفاصيل.
حتى منافس لعائلة سانت لم يظهر في القصة الأصلية، فمن أين خرج هذا أيضًا؟
نقرت لساني ساخرًا وأنا أتفحّص داستن مور الذي ما زال يخطب بحماس.
“مقاتلو مور ومبارزو سانت. كان كل منهما يعتبر الآخر خصمًا، وبفضل ذلك استمر كلا الطرفين بالنمو. وعندما اقترب موعد التخرج، لم يعد لهما أي ندّ في الأكاديمية.”
“أها.”
“وفي النهاية، قبل حفل التخرج، خاضا معركة ليكشفا قوتهما الحقيقية. والدي يقول إنها كانت معركة شرسة فعلًا. ومنذ تلك اللحظة، استمر التنافس بين عائلة مور وعائلة سانت إلى اليوم-“
“انتظر لحظة.”
رفعت يدي لأوقف حديثه.
“ما الأمر؟”
لم يبدُ داستن سعيدًا بمقاطعتي، لكنني سألته بجدية:
“من الذي فاز إذن؟”
هذا هو المهم.
لكن فم داستن مور، الذي كان يتكلم بحماس منذ قليل، أُغلق فجأة.
لم يكن هناك أي داعٍ لمواصلة هذا الحديث، خصوصًا بعدما اجتمع الفضوليون حولنا بسبب صوته المرتفع.
لكن قبل أن أبتعد بخطوة، صرخ فجأة:
“لكن هذه المرة ستكون الغلبة لعائلة مور!”
“ماذا؟”
التفت إليه متفاجئًا، فرأيته يبتسم كأنه وجد الفرصة.
“لوسي سانت. الصف الأول، الفصل F. ترتيبك عند القبول: 181.”
“هل كنت تتجسس عليّ؟”
“الحصول على معلومات العدو هو أساس أي معركة.”
“هذا يعني أنك تجسست.”
عاندته باللفظ، فاحمر وجهه من جديد، لكنه تمالك نفسه وأكمل:
“على أي حال! على عكسي أنا. أنا في الفصل B، بل ومن المتفوقين فيها.”
“وماذا في ذلك؟”
“هذا يعني أن هذه فرصتنا لإثبات أن عائلة مور أعلى من عائلة سانت!”
آه، حسنًا.
كنت على وشك أن أتجاهل الأمر، لكن كلامه لم يتوقف.
“يبدو أن الابنة الكبرى لعائلة سانت لم ترث أي شيء من موهبة والدها.”
توقفت. هذه أول مرة يثير كلامه أعصابي، حتى أنني لم أعرف السبب.
ويبدو أن داستن كان ينتظر رد فعلي هذا، إذ رفع ذلك الطرف المتعجرف من فمه مبتسمًا.
“منذ طفولتي وأنا أبذل جهدي لهزيمة سانت. لكن لم أتوقع أن تكون ابنة تلك العائلة في الشعبة F.”
“…….”
“وحسب قوانين الأكاديمية هنا، لا يمكن أن يكون بيننا أي نزال. مؤسف فعلًا.”
قوانين أكاديمية كرانڤيير.
لا يُسمح لمن يملك ترتيبًا أعلى بكثير أن يتقاتل مع من هو أدنى، كإجراء للسلامة مع هؤلاء المراهقين المتهورين من ذوي القدرات.
“إذن… كنت تنتظر هذه الفرصة لمواجهة سانت، لكنني ضعيفة جدًا حتى إننا لا نستطيع التواجه؟”
كان هذا استهزاءً صريحًا.
لكنه بدا وكأنه يهدف إلى شيء أعمق.
كأنه يتعمّد استفزازي لأقوم بخطوة محددة.
“وربما حتى عائلتك-“
“يا داستن مور.”
قاطعته.
“كفاك لفًا ودورانًا، وقل ما تريده. عليّ أن أدرس للاختبار.”
“ك.. كحـ!”
سعل محرجًا، ثم نظر إليّ بعينين واثقتين وقال:
“اجعليني خصمك في اختبار مادة ‘مبادئ القتال’!”
كان ذلك الاختبار العملي الوحيد في امتحانات منتصف الفصل.
امتحانه بسيط: مواجهة مباشرة بين طالبين يحددهما الاختيار العشوائي.
ليس عشوائيًا تمامًا، بل غالبًا ما يُختار خصمان متقاربان في المستوى. وبحسب نوع القدرات، قد تختلف تفاصيل القتال، لكن القاعدة الأساسية هي: مواجهة فردية 1 ضد 1.
وهناك قاعدة إضافية:
“أنا لا أستطيع أن أختارك، لكنكِ تستطيعين أن تختاريني.”
فالطلاب ذوو الترتيب الأدنى يحق لهم تحدي من هم أعلى منهم.
!مهمة مفاجئة!
: انتصر في القتال ضد داستن مور!
مكافأة النجاح: أعلى درجة في اختبار مادة “مبادئ القتال” / في حال الفشل: أدنى درجة في الاختبار.
ظهر إشعار المهمة في الوقت المناسب.
“إذن فقد تعمّدت إستفزازي؟”
كادت تخرج مني ضحكة ساخرة وأنا أقرأ تفاصيل المهمة.
لكني تمالكت نفسي ونظرت مباشرة إلى داستن مور، وقلت بوضوح:
التعليقات لهذا الفصل " 33"