المكان الذي قصدته كان ساحة التدريب الكبرى.
قبل دخولي الأكاديمية كنت أرتادها كثيرًا بسبب ثيودور، لكنه مؤخرًا صار يستخدم قاعة تدريب خاصة به.
‘ ربما لأن هناك عيونًا كثيرة تراقبه.’
فأصله الرفيع لا يترك مجالًا للتجاهل، ومع ذلك قوته لم تكن بالمستوى المطلوب.
لكن الشخص الذي جئت أبحث عنه لم يكن يبالي بتلك النظرات أصلًا. بل على العكس، هو من النوع الذي لا يتلقى سوى نظرات الإعجاب.
“وجدتها.”
على الرغم من أن اليوم عطلة نهاية الأسبوع، كانت الساحة مكتظة بالطلاب. ربما لأننا ما زلنا في الأسبوع الأول من الدراسة؟
لكن من بين الجميع، لفتت الأنظار إليها وحدها.
إلينور سَرتون.
شعرها الأحمر المربوط بعناية كان يتطاير بحرية وهي تلوّح بفأسها المزدوج ـ سلاحها المتجلي بعد الاستيقاظ ـ بلا تردد ولا خوف. لم يكن من السهل تصديق أنها مجرد طالبة جديدة.
قررت أن أنتظر حتى تنتهي من تدريبها. وبما أن كثيرين غيري كانوا يراقبونها، لم أشعر بالحرج.
“هاه….”
بعد فترة توقفت إلينور قليلًا. التقطت أنفاسها، ثم مسحت العرق المتصبب على جبينها بمنديل صغير.
‘الآن!’
انتهزت اللحظة واقتربت منها بسرعة.
“آنسة إلينور سَرتون.”
رفعت رأسها عن المنديل لتنظر إليّ باستغراب خفيف. لكن على الأقل بدت وكأنها تعرفني، وهذا في حد ذاته أمر جيد.
“هل يمكن أن أطلب منك بضع دقائق من وقتك؟”
شعرت بعيون الطلاب كلهم تتركز علينا في تلك اللحظة. بل وبدأ بعضهم يتهامسون فيما بينهم.
“هل هذا تحدٍ لمبارزة؟”
“أخيرًا سَتَتَوَاجَهان!”
“لكن كيف يقاتل محارب ضد رامي سهام؟”
“أمم… لا أعلم.”
‘لن نقاتل أساسًا يا أيها الأغبياء.’
أشعر بالأسف على هؤلاء الذين ينتظرون مشهدًا مثيرًا، لكنني جئت فقط لأتحدث. مجرد محادثة عادي.
“فلننتقل إلى مكان آخر إذن.”
يبدو أن إلينور سمعت تلك الهمسات، فاقترحت أن نغيّر المكان. وافقتها فورًا.
تركنا الطلاب خلفنا يبدون خيبة أملهم، لكن ذلك لم يكن مهمًا بالنسبة لنا.
“هذا غير ممكن.”
رُفض طلبي.
صوتها الحازم جعلني أشعر وكأنها تؤنب ضميري الضئيل من الأساس.
“لماذا؟”
“بحسب قوانين المستيقظين، لا يمكن دخول مناطق الوحوش إلا لمن يملك رتبة فارس أو ما يعادلها.”
كنت أعلم ذلك.
ولهذا السبب جئت أطلب مساعدتك، يا إلينور!
(كنت أعلم أن الأمر لن يكون سهلًا….)
لكنها كانت أكثر تشددًا مما توقعت.
صحيح أنني أحببت فيها هذه الصرامة والالتزام بالمبادئ، لكن في هذه اللحظة لم يكن ذلك في صالحي.
‘مع ذلك، بدا وكأن البداية كانت جيدة…’
بل كانت أكثر من جيدة في الحقيقة.
حين حاولت أن أوضح لها، قلت:
“ذاك الكلام الذي قلته لك في لقائنا الأول… كان مجرد سوء فهم.”
فأجابت:
“تقصدينَ نيتكِ في أنْ تصبحي صاحبة الرتبةِ الأولى ؟”
“أجل… لنقل أنها كانت مجرد طموح. لم أقصد أنني سآخذ مكانك، بل مجرد عزيمة مني على بذل ما في وسعي.”
ربما كان ذلك بفضل تأثير الأداة “صديق جيد عند اللقاء” من رتبة C، لكنها صدقت كلامي وأومأت بتفهم.
ثم اتفقنا على أن نكون متنافستين شريفتَين على المرتبة الأولى، حتى أننا تبادلنا كلمات تشجيع.
كان مشهدًا دافئًا حقًا.
بل إنني أقنعتها أن نتحدث بلا ألقاب رسمية، بحجة أننا أقران وزملاء في الأكاديمية. وقد وافقت بسهولة.
كل شيء كان يسير على ما يرام… إلى أن قلت:
“ماذا عن منطقة تحت إدارة عائلتكم؟”
“تقصدينَ غابة كراغ؟”
غابة كراغ، القريبة نسبيًا من الأكاديمية، كانت منطقة شهيرة بظهور وحوش من الرتبة الرابعة. وهي تحت إدارة آل سَرتون، بل وذُكرت مرات عدة في القصة الأصلية.
استغللتُ الجو الودّيَّ لأُلمِّحَ لها كي تسمح لي بدخولها بموجب نفوذها كوريثة العائلة الكبرى.
لكن كما ترون… رُفض طلبي تمامًا.
صديق جيد عند اللقاء (C)
: الوقت المتبقي: 23 ساعة و11 دقيقة و22 ثانية.
الأداة تعمل جيدًا، ومع ذلك لم أنجح.
يبدو أن رفع الألفة وحده لا يكفي.
كنت آمل أن أتمكن من حل الأمر وديًا، لكن تبين أنه مستحيل.
‘آه… لم أكن أريد أن أصل إلى هذا الحد مع إلينور…’
لكن بما أن الأمور قد وصلت إلى هذا الحد، فلا مفر.
آسفة مقدمًا يا إلينور.
تظاهرت بالتفكير العميق قليلًا، ثم فتحت فمي ببطء…
“للوصول إلى مدخل غابة كراغ، علي أن أمشي باتجاه الشرق، ثم أتوقف في المكان الذي تكون فيه الشجيرات من نوع مختلف، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“أقصد الممر السري في غابة كراغ.”
“……!!”
نظرت إليّ إلينور بملامح هي الأشد دهشة منذ أن عرفتها.
ولم لا؟ ما ذكرته كان هو الثغرة الصغيرة التي حفرتها هي بنفسها في طفولتها لتتسلل من خلالها إلى الغابة.
[……وكما قالت، ما أن أزحنا الشجيرات جانبًا حتى كُشف ثقب لا يكاد يتسع إلا لطفل صغير.
“واو، كيف علمتِ بوجودهِ؟”
” الشجيرات من نوع مختلف متواجدة هنا فقط.”
ظلّت إلينور ترمقني بدهشة، فأضَافت بصوت خافت:
“أنا أيضًا صنعت شيئًا كهذا عندما كنت صغيرة.”
ثم تمتمت، محاوِلة إخفاء حرجها: “في الجهة الشرقية من غابة كراغ…….”]
بينما كنت أستحضر القصة الأصلية، سألتني إلينور بنبرة يملؤها التوجس:
“كيف عرفتِ ذلك؟”
أجبتها بهدوء:
“كل من ينتمي إلى عائلة سانت هكذا، لا تنسي.”
عائلة سانت… عائلة نبيلة عريقة اشتهرت بأنها تتعامل مع كل أنواع المعلومات، حتى قيل أن لجدران قصرهم آذانًا.
بالطبع، أنا لم أعرف هذا إلا من الرواية الأصلية حيث اعترفت إلينور بنفسها، لكنني تظاهرتُ بأنني حصلت على المعلومة بوسيلة خاصة.
“……ولماذا تخبرينَني بهذا؟”
لحسن الحظ، صدّقت جزءًا من ادعائي، لكن الحذر ما زال بادياً في عينيها.
عندها تظاهرت بالجدية وقلت:
“لأنني شعرت بأنك الوحيدة التي ستفهمني.”
“أنا؟ أفهمك أنت؟”
“أنا أيضًا أريد أن أصبح أقوى.”
لأجل النجاة وسط هذه المهام الجنونية.
لم أذكر السبب الحقيقي، لكنني وجهت إليها جملتي الحاسمة:
“لا يمكن أن تكوني الأولى على دفعتنا ولا تفهمي طموح من يريد أن يصبح أقوى.”
ارتجف بريق عينيها الذهبية.
‘نعم، فقد كنتِ تتسللين قبل دخول الأكاديمية لتقاتلي الوحوش سرًا، صحيح؟ والآن، أرجو أن تتساهلي معي قليلًا.’
“أنت—”
همست بشفتيها، لكنها لم تُكمل. بدت وكأنها على وشك قول شيء مهم لكنها صمتت فجأة.
‘آه، صحيح… عندي هذا.’
خفضت بصري بهدوء وفتحت مخزوني السحري.
• وضع الإصغاء (درجة D): عندما تصغي بصدق، يميل الطرف الآخر إلى قول المزيد. يعمل لـ12 ساعة. استخدام لمرة واحدة.
فعّلت الأداة فورًا، رغم أنها من درجة منخفضة، لكن لا بأس.
“أخبريني، إلينور.”
“…….”
“أريد أن أسمع قصتك.”
وكان هذا بصدق.
إلينور، رغم أنها إنسانة عقلانية و صاحبة مبدأ، إلا أن رغبتها في القوة أشد من أي أحد. بل هي ممن لا يستطيعون فهم من لا يملكون الطموح.
لذلك توقعت أنني إذا ألححت عليها بهذا الشكل، فسوف تفهمني وتقبل بالأمر على مضض.
لكنّ تشددها المفاجئ في الموقف لا بد أن له سببًا.
نظرت إليها مطولًا بصمت، وأخيرًا فتحت فمها:
“……الوحوش أخطر مما تظنين.”
جملة عادية للوهلة الأولى، لكنها تابعت:
“حتى المستيقظون الأقوياء قد يسقطون ضحية سمّ وحش من الدرجة الخامسة إذا تهاونوا. الخطر لا يقتصر على الوحوش العليا فقط.”
“لقد استعددت لذلك. ولن أذهب وحدي أصلًا.”
“لا، أنا فقط…….”
توقفت قليلًا، ثم قطّبت جبينها وأكملت:
“أنا خائفة.”
خائفة؟
“أنتِ تعرفينَ أن عائلة سَرتين هي عائلة فرسان، أقسمت بالولاء للإمبراطورية جيلاً بعد جيل. منذ طفولتي وأنا أتلقى تدريبات الفرسان، فكان طبيعيًا أن أظن أنني قوية بما يكفي.”
“…….”
“وبمجرد أن استيقظت، بدأت أتسلل سرًا إلى غابة كراغ لأصطاد الوحوش. كنت أعتبرها تدريبًا لا أكثر.”
بالفعل، ليست فتاة عادية. من يفكر في أن يصنع ثغرة سرية في غابة خطرة من أجل التدريب؟
“لكن حدث ذات يوم أنني وجدت نفسي محاطة بقطيع من الوحوش. ظننت أنني سأموت هناك.”
“…….”
“وكدت أموت فعلاً. لولا أن أحد الفرسان الذين كانوا في دورية عثر عليّ.”
وأضافت أنها بعد ذلك أصبحت تحت رقابة صارمة من والدها، فاعتادت تدريبات خاصة داخل الغابة.
قصة مثالية لتزرع الحذر. خاصة وأنها من فم إلينور نفسها، الفتاة التي تُدعى بالمحاربة الفطرية.
لكن الغريب أنني لم أقرأ شيئًا كهذا في القصة الأصلية…
ومع ذلك، واصلت حديثها:
“أنت تذكرينَني بنفسي في ذلك الوقت.”
بنهمي الطائش للقوة.
قالت بنبرة يشوبها بعض الأسى. فأومأت لها بتفهم.
“فهمت قصدك يا إلينور.”
“إذن—”
“لكنني مع ذلك، مضطر للذهاب.”
انعقد حاجباها بحدة، لكنني أكملت بثبات:
“أنت تعرفين أنني أستطيع الدخول من وراء ظهرك، صحيح؟”
“لوسي!”
“الممر ضيق جدًا لدرجة أنني لا أستطيع اصطحاب أحدًا آخر، لكن… لا بأس، يمكنني الذهاب وحدي.”
“سأُبلغ حراس الغابة فورًا.”
“سأسبقك على الأرجح. لدي أوراق أعتمد عليها.”
لا يوجد أي أوراق أصلًا. حتى مكان الثغرة لا أعرفه بدقة، وقد أُكشف قبل أن أجدها.
لكنني تابعت بثقة مصطنعة:
“أرجوك يا إلينور.”
كانت في الحقيقة تهديدًا متخفيًا في هيئة رجاء.
وما أهددها به… هو حياتي أنا.
‘وإلينور سَرتين التي أعرفها… لا تراهن أبدًا على حياة الآخرين.’
فتنهدت أخيرًا وقالت:
“حسنًا.”
نجحت!
رفعت قبضتي بفرح لا إرادي.
لكنها أضافت مباشرة:
“لكن بشرط… أن أرافقك.”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"