كنت أنوي تناول الغداء في قاعة الطعام، لكن منذ الصباح وحتى الحصة الأولى، كانت الأنظار كلها مركزة عليّ، فقررت الفرار إلى هذا الركن الهادئ في الحديقة الخلفية.
“همم… المكان هنا هادئ فعلًا.”
“صحيح؟”
“كيف عثرتَ على هذا المكان أصلًا؟”
سألته بفضول، إذ إن الرواية الأصلية لم تسهب في وصف تفاصيل جغرافية الأكاديمية.
ارتبك قليلًا ثم أجاب متلعثمًا:
“مجرد صدفة… لم أستطع الاكتفاء بالتدريب طوال الوقت، فبدأت أتجول، ووجدته.”
فهمت قصده: لقد كان يتنزه بين أرجاء الأكاديمية في فترات راحته، فعثر على هذا المكان.
اكتفيتُ بهزّ رأسي موافقة، ثم هممت بالعودة لتناول الشطيرة.
غير أن ثيودور ناداني فجأة:
“انتظري لحظة.”
ثم أشار بيده إلى وجنته.
‘ما هذا؟ دلع طفولي؟’
رمقته بفضول، ليقول وهو يضغط على خده بإصبعه:
“هنا… لقد علق فتات خبز على وجهك.”
آه، فهمت.
بادرت إلى مسح خدي بسرعة، لكنه هز رأسه نافيًا:
“ليس هناك… بل هنا.”
ثم مدّ يده ليزيل الفتات بنفسه، حتى كاد أن تلامس أصابعه وجهي…
لكن فجأة—
“مرحبًا!”
“آخ!”
صرختُ بفزع عندما ظهر شخص فجأة، فتراجعت إلى الخلف لا شعوريًا. حتى ثيودور ارتجف قليلًا من المفاجأة.
ومن بيننا، اندفع وجهٌ مألوف لي.
وكان صاحبه شخصًا أعرفه جيدًا.
“مرّ وقت طويل يا لوسي.”
إنه الساحر هايدن.
كان يلوّح بيده مبتسمًا ابتسامته المراوغة المعتادة.
‘ما هذا بحق…؟’
ارتبكتُ للحظة.
صحيح أنني كنت أعلم مسبقًا أن هايدن سينجح في دخول أكاديمية كرانڨيير. ففي امتحان الدعم القتالي لفت انتباه الممتحنين، فتم وضعه في الفصل F مثل ثيودور.
لكن المفترض أن أول لقاء بينه وبين ثيودور يحدث بعد بداية الفصل الدراسي الثاني. والسبب بسيط:
‘ألم يكن من المفروض أن تهمل الدراسة طيلة الفصل الأول وتتهرب من الحضور؟! فماذا تفعل هنا الآن؟’
“أ… هايدن.”
“هم؟”
“أأنت أيضًا تدرس في الأكاديمية؟”
ابتسم ابتسامته الكسولة وأجاب:
“إلى حدٍ ما.”
“لكنني لم أرك البارحة في حفل الافتتاح.”
“الأماكن المزدحمة كهذه تُشعرني… بعدم الراحة.”
كانت كلمة “عدم الراحة” تُترجم في ذهني تلقائيًا إلى “الكسل”!
لكن، سواء كان جادًا أم لا، تابع هايدن كلامه قائلًا:
“على كل حال، لقد وصلتني شائعة مثيرة للاهتمام بالفعل.”
“دعني أخمّن… بطلتها أنا، أليس كذلك؟”
“بالضبط. يقولون إن لوسي في يومها الأول–”
وقبل أن يكمل، سارعتُ إلى تغطية فمه بيدي. ثم حذرته بنبرة حازمة:
“أعرف تمامًا ما ستقوله، فلا تذكره.”
ضحك بخفة وأومأ موافقًا، لكن ابتسامته لم تبعث على الاطمئنان. ومع ذلك، تركته.
وفي تلك اللحظة، جاء صوت خافت من جانبي:
“ذلك هو…”
كان المتحدث ثيودور.
‘آه، صحيح. الاثنان لم يلتقيا بعد.’
كادت ذاكرتي أن تخونني، لكن في خط سير القصة الأصلي، هذا بالفعل أول لقاء بينهما.
فبادرتُ بالتعريف:
“هذا هايدن. وهذا ثيودور ويذر.”
وأضفتُ لكل منهما وظيفته المستيقظة كنوع من التوضيح. أما التفاصيل الأخرى التي لم يُذكر أنهما يعرفانها الآن، فقد تجاهلتها.
عندها، سأل ثيودور وهو ينظر مباشرة إلى هايدن:
“وكيف تعرّفتما على بعضكما؟”
كانت نظرته حادة أكثر مما ينبغي تجاه زميل مستقبلي، لكنني أعذره؛ ففي هذه المرحلة كان لا يزال شديد الحذر والانطواء.
فأسرعتُ لتخفيف الجو بتفسير عابر:
“مجرد صدفة. أثناء امتحان القبول، كان امتحان الدعم القتالي الخاص به في الغرفة المجاورة لي.”
ابتسم هايدن وأضاف بمزاجه المعتاد:
“ربما هو القدر.”
ثم مد يده ومسح شيئًا عن خدي.
‘ماذا؟! لا تقل لي أن فتات الخبز ما زال عالقًا؟’
ارتبكتُ قليلًا ومسحت خدي مرارًا بنفسي، رغم يقيني أن الفتات اختفى منذ زمن.
“لكن، لماذا–”
دنـغ!
رنّ الجرس في تلك اللحظة، معلنًا نهاية الاستراحة.
“علينا الذهاب إلى الحصة الآن.”
قالها ثيودور، متجاهلًا تمامًا ما كان على وشك قوله.
‘ماذا كنت ستقول؟’
شعرتُ بالفضول، لكنني لم ألحّ عليه. واكتفيتُ بالإيماء.
ثم التفتُ إلى هايدن لأدعوه للذهاب معنا… لكن:
“هاه؟”
لم يكن موجودًا.
بحثت بعينيّ، فرأيت في البعيد رأسًا بنيًا يلوّح لي.
“أراك لاحقًا يا لوسي!”
غمز بعينه بخفة، ثم اختفى في لحظة. تذكرت حينها أن من بين مهاراته المستيقظة مهارةً خاصة بالانتقال.
تنهدتُ ساخطًة على التزامه الغريب بدوره الأصلي.
لقد أقلقني ظهوره المبكر في الأكاديمية، لكن يبدو أنه ما يزال يسير في خط القصة الأصلي، حيث سيحصد إنذارًا أكاديميًا كامل الفصل الأول.
‘كما توقعت، لا يحتمل أي نوع من القيود.’
وكنت على وشك العودة إلى الصف مع ثيودور، حين فجأة—
‣ مهمة طارئة!
❑ احضر الدروس مع هايدن داخل الأكاديمية!
❑ مكافأة النجاح: جهاز تعقّب لمكان هايدن + تلميح عن المهمة القادمة.
❑ في حال الفشل: -10 نقاط من تقدير ثيودور لك.
‘أيعقل أن هذا النظام لا يملك أي ضمير؟!’
أيُعقل أن يظهر إشعار كهذا بعد أن رحل هايدن بالفعل؟!
“لوسي؟”
نظر إليّ ثيودور باستفهام.
‘أيها البطل، أيمكنك أنت أن تمسك بهايدن بدلًا مني؟’
لكنني ابتلعت رجائي سرًّا، ولم أُظهر سوى ابتسامة يائسة.
التعليقات لهذا الفصل " 13"