ارتفعت الشمس عالياً، تلامس بأشعتها كل زاوية من ساحة “زيكريت”.
هواء نقي، سماء صافية، نسيم صار ألين وأبرد حتى بدا أن أشجار الساحة وأزهارها البرية وعشبها وبحيرتها أجمل ما يكون، في سكون تام.
ضجيج الليلة الماضية؟ تلاشى وكأنه لم يكن…
لكن، ورغم هذا الجمال الطبيعي كله،
كانت كليشا التي لم تأكل منذ الأمس وسهرت الليل بأكمله، تبث من جسدها هالة خافتة من القتل. حدة تشبه سيفاً صُقِل للتو…
فالإنسان إذا جاع، يرى الدنيا كلها عدواً له، يكره الجميع بلا سبب وجيه.
لكن تلك الهالة المخيفة لم تكن تؤثر في المتسكعين الذين لا يعرفون من فنون القتال شيئاً.
“هيه، أيها الجديد ، تحرك. هذا مكاني.”
” آخر زمن… شاب مثلكَ ولا تريدُ العمل!”
كليشا عضّت على أسنانها وهي تراقب المتسكعين الآخرين يمرّون وهم يهزون رؤوسهم.
الغضب يتصاعد… لكنه لا يفيد. فالجديدة مجبرة على أن تفسح الطريق.
رفعت صندوقاً كانت قد التقطته قبل قليل من زاوية الساحة وسارت بخطوات مثقلة… حين سمعت صوتاً صغيراً يناديها:
“آ… آنسة…؟”
رفعت كليشا عينيها اللوزيتين الحادتين نحو مصدر الصوت.
“إن كنت لتطلب مني نقل شيء آخر فسوف… هاه؟”
أمامها كان صبي صغير، لم يصل حتى إلى مستوى صدرها، يمد نحوها يداً متسخة يحمل فيها قطعة خبز جافة.
“تفضل، خذها.”
“…ماذا؟”
“لا بأس، أنا وأختي أكلنا قبل قليل.”
ابتسامة بريئة ارتسمت على وجهه الصغير، وجدت كليشا الدموع تتجمع في عينيها.
رفع الصغير قدميه على أطراف أصابعه وربّت على رأسها قائلاً:
“لا تبكي. إذا حصلت على المزيد، سأعطيكِ ثانية.”
ثم ركض بخفة مبتعداً… على الأرجح أعطاها نصيبه هو.
كليشا جلست تمضغ الخبز المبتل بدموعها وهي تفكر:
“مهما قيل إن الغربة صعبة، فهذا كثير… أنا؟ ابنة بطل الحرب، من عائلة نبيلة، أنتهي هكذا؟”
وانطلقت سهام اللوم في ذهنها نحو من تسبّب في معاناتها:
“أولاً، زوجي الذي لم أر وجهه حتى! ثانياً، جلالة الإمبراطور العظيم! آه صحيح… الأول والثاني شخص واحد في الحقيقة… وثالثاً، ذلك الوسيم المخادع الذي وعد بإطعامي ثم اختفى!”
تلألأت عينا كليشا ببريق حاد:
“لن أترك أحداً منهم! سأنتقم منهم جميعاً! سأتحول إلى الظلام ذاته!”
*المشكلة كلهم نفس الشخص 😂😂*
في ذلك الوقت، كان البطل العجوز يجلس في قصره يحتسي الشاي الساخن، يراقب الحديقة بوجه مطمئن، بينما الخادم “هانس” يهمس بجواره:
“هل تعتقد أنها وصلت بسلام، يا سيدي؟”
كان موضوع هروب الآنسة كليشا بمثابة كلمة محرّمة داخل القصر منذ أيام، لذلك كان هانس حذراً.
“أخشى أن تتعرض لمكروه في طريقها للعاصمة… فهي أبسط مما تبدو.”
“…”
ابتسم النبيل العجوز بخفة، لكن هانس تابع:
“حتى لو كانت ماهرة في القتال، فالعالم خارج الجدران ليس معركة تُحل بالقوة فقط. وبحكم طباعها… هي بارعة في تحويل الأمور البسيطة إلى معقدة، لذا… من يدري فيما قد تتورط؟”
“ماذا تريد أن تقول بالضبط؟”
“أقصد… ألا ينبغي إرسال من يلحق بها؟ لقد كانت تجهل أن هناك حرساً يرافقونها في كل نزهة.”
ضحك النبيل:
“أحياناً تكون أنت أكثر حماية لها مني. دعها، ستتعلم قيمة والدها ورجاله حين تتذوق بعض المشقة.”
لكن هانس لم يقتنع تماماً:
“على الأقل، أبلغ العاصمة.”
“وبماذا؟”
“إنها ستزور على الأرجح المعبد والقصر الإمبراطوري… وهناك، قد تُحدث… حادثة.”
توقف النبيل لحظة عند كلمة “حادثة”، ثم قال:
“أرسل رسالة إلى مكتب وزير الدولة، مفادها أن كليشا في حالة اختفاء بسبب صدمة نفسية، لكنها ستحضر إلى جزيرة ‘لاكاي’ في الوقت المحدد. بهذا، حتى لو ظهرت في العاصمة، فلن يُعتبر أنها عصت الأمر الإمبراطوري.”
“أمرك، سيدي.”
“وأضف… أنني أنا أيضاً تأثرت بالخبر ومرضت.”
ألقى هانس نظرة فاحصة على سيده، الذي بدا في أتم صحة، لكنه أومأ وغادر.
أما الفرس “شوكريم”، الذي كان يقضي مع صاحبته معظم وقته، فقد اعتقد حين غابت فجأة:
“لقد تخلت عني.”
ثم، بعد لحظة صمت…
“يا للسعادة!”
ففي برنامج “إدارة الرهونات – النسخة الخاصة IV”، الذي وُضع فيه، وجد شوكريم حياة الرفاهية:
لحم بقر ممتاز يومياً، حمام فاخر يريح الجسد والروح، عناية بالفراء على يد مختصين، وصالة رياضية للتمارين الخفيفة… وكأنها الجنة.
“لا تقلقي عليّ، يا سيدتي… أنا بخير.”
رفع حافره الأمامي برضا وهو ينظر للسماء الصافية:
“لا بأس لو تأخرتِ… أو حتى لم تعودي أبداً.”
لكن شوكريم لم يكن يعلم أن كل هذه النفقات تُسجَّل على حساب ديون كليشا، تحت بند “تكاليف إدارة الرهن”.
ولو كان يعلم، ولو أدرك الجحيم الذي ينتظره مستقبلاً… لكان كسر “طوق الذهب” بكل قوته وفرّ هارباً.
أما الآن… فكل يوم عنده عيد.
***
صباح يوم السبت.
امتلأت الساحة أمام القصر الإمبراطوري بحشود غفيرة من الناس، يجتمعون في مجموعات صغيرة هنا وهناك، والابتسامات والضحكات تملأ المكان.
أما “كليشا”، التي اعتادت على الجوع والفقر حتى انحرفت نفسها وجسدها عن المسار الطبيعي، فشعرت وكأن الجميع يستمتعون بالحياة ما عداها. وازداد سوء مزاجها أكثر مما كان عليه.
‘إيه، لا يهم…’
ألقت نفسها من جديد على زاوية من زوايا الساحة حيث وضعت صندوقًا لتجلس فوقه. كانت في ذهنها منشغلة بترتيب “قائمة القتل” الخاصة بها، لكنها في نظر المارة لم تكن سوى متشردة، مشردة بلا مأوى.
“أمي، انظري إلى ذلك الرجل. وسيم، لكنه مسكين جدًا.”
“هيا يا بني، لا تنظر إلى أمثال هؤلاء. لنذهب.”
كليشا لم تكترث. فكرت بهدوء أن شكلها الحالي لن يفتح لها أبواب المعبد أو القصر، بل سيجعلهم يطردونها فورًا.
لم يكن لديها حتى طاقة لتحريك إصبعها بسبب الجوع. فقررت أن تبقى هكذا حتى يوم الإثنين، حين تفتح البنوك أبوابها.
بقيت ست ساعات حتى وجبة الطعام المجانية…
لكن فجأة، دوى صراخ في المكان. للحظة، ظنت كليشا أنها أطلقت ما يدور في قلبها بصوت عالٍ، فابتسمت بسخرية. لكن الصراخ تكرر، وتبعه صوت استغاثة:
“لا! توقف!”
هنا رفعت كليشا جسدها قليلًا لتنظر. وما رأته جعل عينيها تضيقان بحدة:
ذلك الفتى الذي أعطاها الخبز في الصباح مطروح على الأرض، وبالقرب منه فتاة – على الأرجح شقيقته – وقد أمسك رجل ضخم بشَعرها بينما تبكي.
في لحظة، أدركت كليشا الموقف، وارتسمت في عينيها نظرة قاتلة:
“وقعتَ في يدي يا هذا، في أسوأ وقت ممكن بالنسبة لك…”
قفزت بسرعة البرق نحوهم:
“أيها الوغد! أهذا ما تفعله بالأطفال؟!”
الرجل، الذي كان يرتدي ثيابًا فاخرة لكن وجهه قبيح، ابتسم بازدراء عند رؤيتها قادمة:
“ما هذا؟ مشرد يدافع عن مشردين؟ يبدو أن حتى المتسولين لديهم ولاء لبعضهم.”
كان قبل قليل يسير مع حراسه حين سقط الفتى عن طريق الخطأ، ملطخًا ثوب الرجل بالطين.
“هل تعرف كم يساوي هذا الثوب؟ كيف ستدفع ثمنه؟”
“أعتذر… لم أكن أقصد.”
“لم تكن تقصد؟! يا لك من وقح!”
وبدأ يركل الفتى الواقع على الأرض. فجاءت أخته مسرعة واحتضنت شقيقها:
“سأدفع ثمن الثوب! فقط توقف عن ضربه!”
“أنتم المتسولون، من أين لكم المال لتعويضه؟”
لكن الفتاة أخرجت كيسًا صغيرًا من صدرها ومدته له:
“هذا يكفي! فقط اتركه!”
ازدادت سخرية الرجل وأخذ الكيس من يدها، فإذا بداخله كمية جيدة من الفضة.
“هاه، لا بد أنكم سرقتموه.”
“لا! أعطانا إياه شاب كريم!”
“ومن يعطي أمثالكم المال؟ هذه مسروقات واضحة.”
حينها ضربته الفتاة برأسها على صدره غاضبة، فاندفع أحد حراسه وأمسكها من شعرها.
وهنا وصلت كليشا.
“أيها الحقير، ماذا تظن نفسك فاعلًا بالأطفال؟”
“أنت؟ هل تجرؤ على مناداتي بـ الحقير؟”
ابتسم الشاب بابتسامة ماكرة وأشار لحراسه الضخام بالتقدم. لم يبالوا بوجود الحشد الكبير في الساحة، وكأنهم معتادون على فعل ما يشاؤون. بالفعل، بدأ الناس يتراجعون مكونين دائرة.
ابتسمت كليشا بدورها:
“أرى أنك مشهور في هذه المنطقة.”
ثم أضافت في نفسها: “وأنا أيضًا مشهورة… لكن في مجالات لا تحب أن تعرفها.”
أعادت خنجرها إلى مكانه وقالت:
“اليوم، سأكتفي بضربك بيدي.”
بعد دقائق، كانت الأصوات تصدح في الزقاق المجاور للساحة:
“آاااخ!”
“أخطأت! أرجوك توقف!”
“سامحني! سأكون تابعك المخلص!”
كان المشهد أشبه بمسرحية غامضة في ظهيرة صيفية، والصرخات لا تتوقف.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات