في الظلام، ربّت أحدهم بخفة على كتف كليشا.
“!”
“هل زرتِ محل الأزياء بالفعل؟”
“هاه؟”
شاب يرتدي شالاً أسود يغطي رأسه، وقناعاً فضياً يخفي نصف وجهه، كان يحدّق في كليشا من الظلام قبل أن يتحدث.
“لماذا دخلتِ إلى هنا؟”
“واو.”
قالت كليشا وهي توسع عينيها المستديرتين أصلاً:
“المحقق، نظراتك مختلفة تماماً، كأنك شخص آخر. التنكر، التحول… يبدو أن هذه من المهارات الأساسية لأي محقق، أليس كذلك؟ أجل، فلكي تتسلل لا بد أن…”
لكن قبل أن تكمل كلامها، جذبها يان خلفه ليخفيها، وهو يحدّق باتجاه المسرح ثم قال بهدوء:
“يبدو أنهم سيبدؤون الآن. لنلقِ نظرة أولاً.”
“ذا…”
ابتلعت كليشا بقية كلماتها. هذا لا يبدو مكاناً لفضح خيانة عاطفية كما كانت تظن. ثم إنه لكي ترى ما يحدث، يجب أن يبتعد المحقق قليلاً، لكنه طويل القامة، وبالشال الذي يغطي رأسه كان يحجب نصف رؤيتها. حاولت مدّ رأسها من هنا وهناك، لكن “الجبل” لم يتحرك.
وفيما كانت كليشا تحاول من الخلف، كان يان قد حجبها تماماً عن أعين أعضاء النقابة الجالسين في المقدمة، مكتف اليدين وهو يراقب مقدم المزاد على المسرح.
“حسناً، أيها السادة. حان الوقت الذي طال انتظاره… دموع الصحراء، عبد فتى من الفئة AA! وُلِد في ليلة غامرة بسحر الصحراء في أقصى أطراف القارة، عيناه تلمعان كالجوهر، وشعره أزرق كسماء صافية، وبشرته سمراء!”
مع هذه المقدمة، بدأ الحاضرون يزايدون بسرعة حتى تخطى السعر 1,000,000 لويل في لحظات.
انعطف فم يان بابتسامة باردة.
‘تجارة عبيد… وفي العاصمة؟ تجرؤون؟’
وفي تلك اللحظة، ومن خلف ظهره العريض، صاحت كليشا بلا وعي:
“آه بحقك! محقق، لا أرى شيئاً!”
توجهت أنظار الحاضرين، بما فيهم المقدم، نحو الحائط حيث يقف يان وكليشا.
“…”
لكن يان لم يعبأ، وكليشا، التي مدّت رأسها قليلاً لترى المسرح، اتسعت عيناها بغضب مفاجئ.
“ماذا؟ مزاد عبيد؟ ليس فقط خيانة، بل أيضاً بيع وشراء بشر؟ يا حثالة!”
قبل أن يتمكن يان من إيقافها، أطلقت كليشا رون وقفزت إلى المسرح، لتقف بجوار فتى لا يتجاوز السابعة من عمره.
“لا تقلق يا صغير، أنا والمحقق سننقذك.”
اقترب يان ببطء نحو المسرح وضحك قليلاً:
“أما أنا فلم أوافق على ذلك.”
بدأت همهمة الحضور تزداد، فأمسك المقدم الميكروفون بسرعة.
“هاها، لا مشكلة أيها السادة، مثل هؤلاء المتجاوزين حدودهم يظهرون دائماً. لا داعي للقلق. ماذا تنتظرون؟ أخرجوه فوراً!”
بينما كان الحراس والموظفون الضخام يتقدمون نحوها، خيم الظلام على عيني كليشا.
“تجارة العبيد جريمة ضد القانون. أنتم أسوء من نفايات.”
حدّقت فيهم وهي تمسك الفتى “دموع الصحراء” من كتفه وتسحبه للخلف. التفت الفتى إليها، فانحنت قليلاً وهمست في أذنه:
“تعال يا صغير، هذا خطر.”
لكن الفتى، الذي التقت عيناه الزرقاوان الداكنتان بعينيها عن قرب، احمرّ وجهه قليلاً ثم رمش عدة مرات وقال:
“…أفلتني. من تظن نفسك لتلمسني؟ أيها الدنيئ.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه يان وهو يراقب الموقف. لكن في لحظة، وبحركة أسرع من البرق، ضغطت كليشا على النقطة الحيوية خلف رقبة الفتى مما افقده الوعي.
“!”
“؟”
فقد الفتى وعيه وسقط، فأمسكته كليشا ورفعته على كتفها مبتسمة:
“الكلام السيء لا يجوز يا صغير. واضح أنك لم تتربَّ جيداً. على كل حال، سأنقذك.”
“ها… هاها… آههاها.”
انفجر يان ضاحكاً وهو يمسك بطنه. عندها اندفع حراس “صندوق الحظ” نحوه.
“أيها اللعين! أتحسب نقابتنا لعبة؟”
وفجأة، أحس الجميع بهواء دافئ، ثم انطلق عمود من اللهب من خلف كليشا، مخترقاً جدار المبنى.
“محقق! سأسبقك هذه المرة!”
قفزت حاملة الفتى إلى الخارج، تاركة المزاد في صمت لثوانٍ.
“م… ما الذي حصل للتو؟”
“هل هذه قدرات بشر؟ من دون أي سلاح…”
“هل… هل حطم ذلك الفتى هذا الجدار السميك؟”
الذين لم يسبق لهم رؤية مستخدم رون عالي المستوى، ظلوا واقفين بفم مفتوح.
“إذا ظللتم واقفين هكذا فستدفنون. حاولوا النجاة بأنفسكم.”
قال يان هذه الكلمات الأخيرة بابتسامة، وقفز من خلال الفتحة، لتتعالى بعدها الصرخات من كل جانب.
كرووورررر…
بوم!
انهار المبنى بعد أن فقد جدرانه القدرة على تحمل الوزن.
وسط الفوضى، تبعت عدة ظلال سوداء بسرعة اتجاه هروب كليشا ويان.
(لماذا آل الأمر إلى هذا؟ هل شكّوا فينا؟)
(على أي حال، فلنلحق بهم. تدفق “مير” السيد سيتا يتجه نحو هناك.)
(اللعنة.)
كانت هناك مجموعة تنتظر دورها لشراء “الفتى العبد” بهدوء، لكنهم أخفوا دهشتهم وتحركوا بسرعة في الظلام.
***
“أتركني.”
كانت كليشيا تنظر من فوق سطح برج معبد نحو الساحة في الأسفل، ثم أدارت رأسها نحو صبي صغير.
“آه؟ استيقظت؟”
“أنتم…”
قال الصبي، وقد احمرّ خداه الممتلئان غضبًا:
“تجرؤون على مهاجمتي؟ لن أسامحكم أبدًا. لقد حفظت وجوهكم جميعًا، لاحقًا سأـ…”
“لم نهاجمك، بل أنقذناك يا صغير.”
“توقف عن مناداتي بـ(الصغير)…”
ابتسمت كليشيا ببراءة، ورفعت سبابتها ونقرت بخفة على جبين الصبي المستدير.
“ثم إنك يجب أن تتحدث باحترام مع الكبار الذين تراهم لأول مرة. مربيتي كانت تقول إن قلة الادب ليست عيبًا، لكن من العيب أن تظهر ذلك مرارًا. إذا بدأت بالتعلم من الآن، ربما…”
“قليل الادب؟! من الذي تقولين عنه قليل الادب…”
كان يان يراقب الحوار التافه وغير المهم بين كليشيا والصبي، فقطع الحديث بصوت هادئ:
“ميرِ.”
“؟”
“!”
التفت الاثنان إليه، كلٌّ بتعبيره الخاص، فابتسم يان قليلًا وقال:
“على كل حال، كما توقعت. لكن هناك من يلاحقنا بصعوبة منذ قليل. اذهب الآن.”
أغلق الصبي فمه، بينما أمالت كليشيا رأسها متسائلة:
“ما هو الـ(ميرِ)؟”
“شيء يشبه الرون.”
“واو، المحقق لا يوجد شيء لا تعرفه.”
“خذه.”
بإشارة من يان، ظهر مجموعة من الأشخاص من بين الظلال.
“شكرًا لكم.”
وعندما همَّ الصبي بالصراخ غاضبًا، حدّق قائد المجموعة نحو الشاب الغامض الذي يضع قناعًا وغطاء كتف، ثم انحنى بأدب.
“سنلتقي في مهرجان تأسيس الدولة…”
وبينما كانوا يبتعدون بسرعة، مانعين الصبي الغاضب من الكلام، سألت كليشيا:
“واو، هل تعرفهم يا محقق؟”
“…”
“على أي حال، محقق، بعد أن استخدمت قوتي قليلًا منذ زمن… أظن أنني تسببت بمشكلة، لكن قبل قليل كنت غاضبة… هاها، لكن…”
“أحسنت.”
“ههه، كنت أعلم أنك ستقول ذلك…”
“أخفِ نفسك جيدًا لفترة. رجال دار المزادات سيفتشون في كل مكان.”
“حاضر. أنا لن أبقى هنا طويلًا على أي حال… وأنت يا محقق…”
كان يان يحدق في المبنى المتهدم، ثم قفز من البرج وهو يقول:
“سنلتقي قريبًا يا صغير.”
“هاه؟”
راقبت كليشيا يان وهو يختفي بسرعة، ثم علّقت بدهشة:
“واو، إنه سريع جدًا، حتى بدون رون. من حيث السرعة، ربما أسرع من أبي.”
لكن…
تمتمت وهي تحدق في اتجاهه:
“أنا جائعة… أين الطعام؟ اللحم؟”
وفجأة، أدركت كليشيا أن أجر عملها لهذا اليوم قد ضاع:
“ماذااا! لقد قال إنه سيشتري لي طعامًا!”
وانطلقت صرختها المليئة بالحزن، متهمةً إياه بأنه “أسوأ شخص في العالم”، لتتردد في أرجاء العاصمة ليلًا.
***
في مكان آخر…
“لقد كان الأمر خطيرًا جدًا، يا سيد سيتا.”
“…”
“لماذا غادرت النزل بلا ميرِ؟ لو علم السلطان أنك أتيت مبكرًا إلى هنا، لغضب كثيرًا.”
“أولئك الأشخاص في السابق…”
“؟”
“هل تعرفهم؟ خصوصًا ذلك المقنع. كان يعرف عن الميرِ، كيف عرف؟ أعلم أنه ليس كل شيء يمكن السيطرة عليه، لكن…”
“…”
أخذ الصبي يتحسس قلادة كبيرة مزينة بجوهرة، ثم قال:
“ثم تلك الطاقة… لم تكن غريبة علي.”
“إنه جلالة إمبراطور بيرزا.”
“ماذا؟”
“لقد التقيت به سابقًا. ورغم أنه كان يضع قناعًا، إلا أن عينيه وصوته… وحتى أنه كان يعلم أننا نطارده، وكان يعطينا إشارات من حين لآخر.”
“…”
نظر الصبي إلى شوارع زيكريت المظلمة من نافذته وقال:
“إذن، من تكون تلك ذات الشعر الأحمر؟ حارسة شخصية؟”
تذكر الصبي الفتاة ذات الشعر الأحمر، واسم “شاشا رون” الذي ناداه بها الإمبراطور. اسم غريب لفتاة… لكن وجهه احمر قليلًا، وقلبه خفق بشدة، وهو يتذكر عينيها اللامعتين مثل النجوم، وابتسامتها المشرقة، وصوتها الصافي وهي تتحدث عن التعليم والتربية…
“هل كانت قلقة علي؟ لماذا؟”
وبينما كان غارقًا في أفكاره، حرّك شعره الأزرق للخلف، وفتح نافذة غرفته، لتدخل نسمات الليل الباردة وتهدّئ من حرارته. وعلى ضوء القمر، بدا ظل أطول بكثير من “طفل في السابعة تقريبًا” للحظة قبل أن يختفي.
***
وفي القصر الداخلي…
كان يان في طريقه، فاستدعى أحد الحراس ليجلب مساعديه.
“لماذا في هذا الوقت المتأخر مجددًا…”
كان الكونت ميرهي قد همّ بارتداء بيجامته الحريرية الناعمة استعدادًا للنوم، لكنه اضطر للنهوض والتوجه نحو القصر الداخلي، متذمرًا:
“لماذا لا توجد ساعات عمل وخروج في هذا العمل؟ أسوأ بيئة عمل.”
رفع رأسه نحو السماء السوداء الخالية من الغيوم وقال:
“الشعور بالذهاب إلى العمل في هذا الوقت… السماء السوداء تمامًا مثل مشاعري…”
كراااااك — بوووم
“آخ!”
ضرب برق صغير جدار القصر، فسقط ميرهي أرضًا مذعورًا.
رفع رأسه ليرى أن بقية المساعدين أيضًا ملتصقون بالأعمدة من الخوف.
“…في العاصمة، مزاد للعبيد؟ ماذا كنتم تفعلون؟”
“الأمر هو…”
“الأمر هذا وذاك… تركتكم لسنوات تتصرفون كما تريدون، فأنتم…”
“ليس الأمر كذلك يا جلالة الإمبراطور…”
تحدث وزير الدولة “يوتن” بصعوبة:
“اللورد ريان قال إن مثل هذه الأمور ضرورية أحيانًا إذا أردنا صيد شيء… فحتى أنقى المياه لا يعيش فيها السمك…”
“آها.”
ابتسم يان ابتسامة باردة:
“إذن كنتم جميعًا تسمعون كلامه فقط؟ أحضروا لي ريان، أين اختفى؟”
“…”
ساد الصمت، فرفع ميرهي رأسه قليلًا ليرى ما يجري، ليقع بصره مباشرة على الإمبراطور…
“تبًا.”
“الباقي نتحدث فيه صباحًا. وبالمناسبة…”
مرر يان يده في شعره الذهبي الفاخر، ثم قال:
“ذلك الدواء… هل لديكم المزيد؟ أحضروه إلى غرفتي.”
“…”
وبينما كانوا يراقبون ظهر الإمبراطور وهو يبتعد، تجمع المساعدون حول ميرهي.
“دواء؟ أي دواء؟ جلالته بصحة ممتازة…”
“…دواء للشعر.”
“عفوًا؟”
“دواء لعلاج الصلع… صنعه أحد أعظم علماء الصيدلة الحديثة.”
“…”
ساد الصمت، وارتسمت على وجوههم نظرة حزينة فجأة.
“آه، يا للأسف… يبدو أن سنوات المعاناة في الحروب جعلته يصل إلى هذا الحال…”
“كل هذا بسبب طبعه الحاد…”
كانت تنهيدات خافتة تملأ المكتب.
وربما… كانت بداية سوء فهم جديد.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات