دار المزاد المظلمة “الصندوق المحظوظ”
هي واحدة من أشهر نقابات الوساطة في الإمبراطورية، وتفتخر بنسبة إنجاز 99.9%، إذ تنفذ أي طلب يقدمه العميل، سواء كان شخصًا أو سلعة أو معلومة، بلا أي اعتبار للوسائل أو الطرق المستعملة.
وفوق ذلك، تُعرض جميع الطلبات على قوائم مزادات “الصندوق المحظوظ” التي تُعقد بشكل غير منتظم في أنحاء العاصمة، ويتم تحديد ثمنها هناك، ولهذا أصبح يُنظر إلى المكان في عالم الجريمة كمكان “لا فائدة منه إلا أن التخلص منه خسارة” — أي أنه سيف ذو حدين.
فالعميل في النهاية قد يضطر لتحمّل خطر مزدوج: أن يطلب شيئًا، ثم يضطر لشرائه مرة أخرى من المزاد.
لكن إن كانت نسبة الإنجاز 99.9% حقيقية، فإن الشيء المطلوب — حتى لو كان يساوي الملايين — سيتم الحصول عليه، وبما أن المزاد قد يُتيح أحيانًا شراءه بسعر زهيد، فقد يكون الأمر مسألة حظ لا أكثر.
قالت كليشا:
“لقد دخل من هناك.”
لم يرد يان.
وأضافت: “مكان مظلم كهذا… مثالي تمامًا للخيانة الزوجية. رجل قمامة.”
لم يرد أيضًا.
ثم قالت: “أوه؟ هناك رجل آخر يدخل أيضًا. لا يكون…؟”
رفع يان رأسه ليرى أشخاصًا ملثمين يصلون واحدًا تلو الآخر ويدخلون المبنى. بجانب المدخل، كانت هناك لوحة برونزية صغيرة منقوش عليها أربعة أرقام سبعة، وأسفلها بخط أنيق عبارة <GIFTS>.
إذن هذا هو الصندوق المحظوظ.
تذكر يان ما سمعه مؤخرًا عن هذا المزاد غير القانوني وهو في متجر الأزياء الفرنسي.
لو أنني طاردتهم بدل الانشغال بمحل الخياطة، لكنت أمسكت بهم منذ زمن…
تمتم الإمبراطور يان، الذي يتخفّى بهوية “المحقق ري بون”، في نفسه:
لقد تساهلت معهم كثيرًا. سأبدأ بتأديب ريان أولًا، والبقية لاحقًا…
“أيها المحقق!”
التفت يان نحو كليشا، فرأى عينيها اللوزيتين تتسعان وهي تقول:
“ماذا نفعل الآن؟ هل ندخل ونهجم عليهم مباشرة؟”
بدأت تتمتم بكلمات غريبة عن “مشهد ممنوع على الأعين” و”العمى المؤقت”، لكن يان قال بصوت منخفض:
“من هنا فصاعدًا، الأمر خطير. لستِ مضطرة للدخول.”
“ماذا؟”
رفع يان وشاحه حتى أنفه، ثم ألقى إليها بطاقة صغيرة.
“ارجعي إلى الساحة. في الزاوية الجنوبية هناك متجر أزياء فرنسي. أريهم هذه البطاقة وأخبريهم بموقع هذا المكان. سيتولون الأمر.”
“ماذا؟ متجر أزياء؟ وماذا عنك أنت؟”
“سأدخل.”
أمسكت كليشا بطرف كم قميصه وقالت:
“لا! إنه خطر!”
اتسعت عينا يان الخضراوان قليلًا.
“أنت لا تملك أي قوة قتالية، لا بسبب ظرف مؤقت، بل لأنك أساسًا عاجز تمامًا… كيف ستذهب وحدك؟”
لم يرد، فاكتفت بالقول:
“دعني أنا أدخل. لقد رأيت مشاهد أسوأ من قبل، ولن أفقد بصري بسهولة…”
حدّق يان لحظة في يدها الصغيرة التي تمسك بكمه، ثم ابتسم قليلًا وربّت على رأسها.
تذكر فجأة مشهدًا قديمًا في يوم تحرك الجيش، حين كان ريان الصغير يمسك بكمه ويبكي.
“لا بأس.”
اندهشت كليشا من نبرة صوته اللطيفة، بينما قال مبتسمًا بعينيه:
“شاشا رون… إذا أحضرتِ رجال الخياطة (يقصد الحرس المتخفيين) فسيكون دورك قد انتهى. بعدها سأشتري لكِ لحمًا. هيا.”
راقبت كليشا ظهره وهو يبتعد، وفجأة احمرّ وجهها.
دقّات قلب.
ما هذا…؟
*حب من أول وجبة*
بعد قليل…
وصل “رجال الخياطة” — أو بالأحرى فرسان قسم الاستخبارات في الحرس الإمبراطوري — بعد أن سمعوا الرسالة، ووقفوا أمام مبنى مدمَّر تمامًا يلتقطون أنفاسهم.
قال أحدهم:
“صحيح… لقد أهملنا كثيرًا مؤخرًا، وهذا النوع من الحوادث هو روتين يومي.”
فسأله آخر:
“وماذا الآن يا سيادة المدير؟ نجمع الشهود ونستخدم عليهم تقنية (ريد سن)؟”
“لو كانت لديك هذه القدرة، فجربها أنت.”
وبينما يتحدثون، هبّت نسمة باردة.
“يا له من دمار جميل.”
شهق الفرسان والتفتوا ببطء، فرأوا شابًا وسيمًا بشعر ذهبي لامع كحقول القمح في الخريف، وعينين زرقاوين كبحر الصيف، يتفحّص بقايا المبنى تحت ضوء القمر.
“س… سيدي القائد!”
بدأوا بالسيطرة على المنطقة، بينما تقدم بهدوء دوق ريان بارتيا، قائد الحرس الإمبراطوري و”سيف” الإمبراطور الحارس، وقال:
“التقرير.”
“إنه مقر مزاد الصندوق المحظوظ الذي أخبرناك عنه سابقًا. جاءنا طفل يحمل شارة الإمبراطور، يطلب الحضور إلى هنا، فتحركنا فورًا، لكن عندما وصلنا كان كل شيء قد انتهى.”
“طفل؟”
“طفل مشرّد في الساحة. قال إنه جاء بناءً على طلب أحد المارة.”
“هممم…”
ارتسمت ابتسامة غامضة على وجه ريان وهو يمسك بشارة الإمبراطور.
“مع ذلك… ما الذي جذب اهتمام جلالته في نقابة وساطة تافهة كهذه؟”
رفع ريان رأسه، فعبثت نسمة الليل بخصلات شعره الذهبية.
“وأين ذهب امبراطورنا هذه المرة…؟”
***
شقّ الصبي ذو الشعر الأحمر عباب الظلام تحت ضوء القمر وهو يجري، ثم فتح فمه قائلًا:
“لكن، هل من المفترض أن نستمر في الجري هكذا؟ إلى متى سنركض؟ أنا جائع.”
فأجاب ظل أسود، قد غطّى رأسه حتى أطراف شعره بوشاح داكن، دون أن يبطئ سرعته:
“هكذا هو الأمر. من قال لك أن تفجّر المبنى؟”
“لكن… لكن…”
أخذ الصبي الأحمر الرأس يربّت على “حمولته” الموضوعة على كتفه، ثم ابتسم بخجل:
“لكن قبل قليل كنت غاضبًا جدًا. شعرت أنّك كنت في خطر، أيها المحقق.”
لم يُجب الظل.
قبل ساعة
كانت “كليشيا” قد توقفت عن السير أكثر من مرة، متأثرة بابتسامة المحقق الأخيرة، رغم أنه لم يكن يملك أي قوة تُذكر، لكنه كان يغمرها بثقة مفرطة. تلك الابتسامة علقت في ذهنها بلا سبب واضح.
“ليس من نوعي أبدًا… همم.”
بل إنها أدركت أنها لم ترَ وجهه جيدًا. كان طويل القامة، وفي اللحظات الفاصلة كان يدير رأسه بعيدًا… في الحقيقة، لم تتبادل معه النظرات إلا في اللحظة الأخيرة حين ربّت على رأسها.
رفعت يدها ولمست الموضع الذي لامسه المحقق قبل قليل.
“لا، لا يمكن… لا يمكنني تركه هكذا.”
نادَت صبيًا صغيرًا يمر بالقرب منها، وقدمت له شارة، ثم قالت:
“أيها الصغير، أيمكنك أن تؤدي لي خدمة؟”
***
في ذلك الوقت
كان “يان” يقف مستندًا إلى الجدار الخلفي للمبنى، حين اقترب منه رجل في منتصف العمر يرتدي ثيابًا فاخرة.
ومنح الرجل بطاقة دخول وقناعًا فضيًا… دون أي تهديد، بالطبع. لقد كان الأمر “تطوعًا” تامًا.
الإمبراطور، الذي اعتاد أن يسير واثق الخطى أينما ذهب، بدا أيضًا ملمًّا بمثل هذه الأسواق السوداء، وكأنه من كبار عملاء “صندوق الحظ” . اجتاز المدخل بخطوات طبيعية، ثم اختار مكانًا مناسبًا للجلوس.
على عكس مظهره الخارجي الباهت، كان الداخل فخمًا للغاية.
بخار كثيف يتخلله شعاعان أحمران وذهبيان يسلطان الضوء على المنصة، بينما تعصف موسيقى صاخبة تصمّ الآذان. وعلى كل طاولة منظمة بدقة كانت تدور موائد الشراب والمقامرة.
اقترب منه أحدهم قائلًا:
“سيدي، هذه قائمة المزاد.”
“اتركها هنا.”
لم يكن “يان” يعلم أن قنبلة بشرية — لم تتمكن من دخول المكان بسلاسة مثله — كانت تتجول بالقرب.
عادت “كليشيا” سريعًا، لكن المحقق لم يكن في أي مكان. بدا واضحًا أنه لا توجد طريقة سهلة لدخول المبنى، فهزّت رأسها في إحباط.
“أولائك الأوغاد…”
قبل لحظات، كانت تتقدم بثقة نحو المدخل، لكن الحراس الضخام أوقفوها. كيف دخل هو إذن؟ وهل دخل أصلًا؟
بدا أن المكان — رغم كونه وكرًا للعلاقات المحظورة — يملك نظام أمن محكم. منطقي، فلو تم القبض عليهم فلن ينجوا بعقوبة بسيطة.
وبعد لحظات من التفكير، استدعت “كليشيا” رونية خافتة، ثم حطّت على سطح المبنى. وإن لم تنجح… فالاقتحام من الأعلى دائمًا خيار وارد!
بمهارة في إخفاء أثرها، تحركت بين نقاط الحراسة حتى وصلت إلى مدخنة السطح. غالبًا ما تكون المدخنة متصلة حتى الطابق السفلي، وبما أنه فصل الصيف فلن تكون قيد الاستعمال.
كحّ…
بجانب بعض الرماد والغبار، كان المسار مثاليًا للتسلل.
ومن خلال فتحات التنظيف على طول الطريق، استطاعت مراقبة الخارج حتى هبطت في ركن من مطعم الطابق السفلي.
“بعض السخام على ملابسي… لا بأس.”
مسحت وجهها سريعًا بمنديل جاف من المطعم، ثم توجهت نحو مصدر الموسيقى.
“أيها المحقق… أين أنت؟”
بينما كانت تبحث، كان “يان” يتصفح قائمة المزاد في الظلام، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة حين سمع الصوت.
قائمة مزاد صندوق الحظ — Today’s PICK:
20:40 — “يركض كالرّيح” / هجين حصان وساحر / تصنيف SA / الحد الأدنى: 250,000 لويل
20:50 — “دموع الصحراء” / عبد / تصنيف AA / الحد الأدنى: 100,000 لويل
21:00 — “أزمة الإمبراطورية” / معلومات / تصنيف SSS / الحد الأدنى: 500,000 لويل
“هجين حصان وساحر… عبد… ثم أزمة إمبراطورية؟ يا لهم من تجار غرائب.”
ابتسم الإمبراطور ساخرًا، ثم رفع رأسه، ليتجمد للحظة.
كان على الطرف الآخر من نظره صبي أحمر الشعر، مغطى بالسواد من الغبار، يتفقد وجوه الناس واحدًا تلو الآخر.
“يا للعجب…”
تذكر أنه لم يتلقَّ قلقًا من أحد منذ زمن بعيد، فضحك بصدق.
“هل جاء يبحث عني؟”
لكن…
حين أنزل “يان” القناع الفضي الذي كان يغطي نصف وجهه، ظهر وجهه كأنه تمثال منحوت، لدرجة أن البعض يلقبونه بـ”تجسد الجمال”.
“لقد زال مفعول الدواء منذ وقت… يا ترى، ماذا سيحدث الآن؟”
ارتسمت ابتسامة مربكة على شفتيه.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات