15.
“اللعنة!”
أمام المدخل الجنوبي للساحة الكبرى، أمسكت كليشا برأسها بعادةٍ قديمة. كانت المربية قد أوصتها مرارًا بألا تفعل ذلك، لكن العادات يصعب التخلص منها.
“اللعنة! أنا مفلسة تماما!”
حين غادرت كليشا مدينة موتا بالأمس، كانت قد أعطت كل ما كان معها من نقود لـ <توما أند موني>. كانت تظن أن لديها كيسين آخرين من الذهب محفوظين في متاعها، لكن أحد الأكياس في معطفها كانت قد أعطته سابقًا للإخوةٍ جون و جونز مقابل ثمن الدواء… أما الكيس الآخر، فأين ذهب؟
“هؤلاء الأوغاد.”
صرت كليشا على أسنانها. على الأغلب، حتى وهي تضرب ذلك اللص المحترف لاقتحام الغرفة ليلًا، كان قد اغتنم الفرصة لسرقة كل ما في متاعها من ذهب. يبدو أن كلمة “محترف” لم تكن عبثًا.
والآن… ماذا ستفعل؟
نظرت كليشا إلى نفسها وضحكت بمرارة. لم تقع في موقف كهذا منذ أكثر من عشر سنوات.
العاصمة زيكريت التي لم تأتِ إليها سوى مرة واحدة، بعد انتهاء حرب استعادة الأراضي، حين رافقت والدها لحفل منحه لقب النبالة. أي أن المكان جديد عليها تقريبًا.
لا معها “شوكريم”.
ولا معها مال.
ومظهرها أقرب للمتسولين.
الشيء الوحيد الذي يواسيها هو أن خنجريها المألوفين و”كريتا” — سيفها الثمين الذي تعتبره كجزء من جسدها — ما زالا…
“هاه؟”
“هاااه؟”
على ما يبدو… تركته في عربة توما رويكن.
“ها. ها.”
ضحكت كليشا بغير تصديق. يبدو أنها انخدعت بعينيه الحمراوين الماكرين.
“واااو… أنا فعلًا… ما العمل الآن؟”
***
كانت عربة يوجين تشق طريقها وسط الأزقة الخلفية المعقدة للعاصمة حتى وصلت إلى القصر الآمن (المنزل الخاص).
عادةً ما كان يوجين يحرص على مظهرٍ أنيق بلا شائبة، لكنه اليوم جلس في المقعد الخلفي للعربة وقد فك ربطة عنقه، مرتخيًا بقميصه فقط.
حالما وصل، دفع باب القصر الآمن بقوة، فهرع الخدم مذهولين من الزيارة المفاجئة.
“سيدي!”
“أعدّوا لي ماء الاستحمام.”
دووم!
دخل السيد إلى مكتبه وأغلق الباب بعنف، وعلى وجهه الوسيم علامات انزعاج واضحة، فسأل العجوز ذو الشعر الأبيض أحد الحراس المرافقين:
“ما الأمر؟ لما هو في مزاج سيء؟”
“ربما…”
تردد نوا، الحارس الشخصي والسائق السري ليوجين، ثم قال:
“السيدة التي يكنّ لها مشاعر ذهبت لتقابل رجلاً آخر.”
“ماذا؟!”
اتسعت عينا الشيخ صدمةً:
“ومن يكون هذا؟”
“همم، لست متأكدًا… لكن بما أن السيد أرسل من يتعقبها، فسنكتشف قريبًا.”
أمسك الشيخ الحارس من تلابيبه وهزّه:
“لم أسألك من ذهبت لمقابلته، بل من هي هذه السيدة أصلاً!”
تفاجأ نوا من حدة الشيخ، ثم وضع يده على كتفه قائلاً:
“آه… اسمها السيدة شاشا لين.”
“…”
همس الشيخ — هومار رويكن، التاجر العملاق ومالك شركة رويكن هولدينغز، الذي يُعد من بين أغنى عشرة رجال في القارة — وهو يحدّق نحو المكتب الذي دخل فيه يوجين:
“ومن تكون هذه؟”
كانت أشعة الغروب تتسلل عبر النوافذ العالية لحمّام القصر، ملوّنة سماء العاصمة زيكريت بالحمرة.
أصوات أجراس الأبراج، وطيور تحلق في البعيد، وضحكات أطفال مجهولة المصدر، كلها بدت اليوم مؤثرة على قلب يوجين.
“هاه…”
دخل في حوض الاستحمام وأرجع رأسه وأغمض عينيه.
العاصمة دائمًا ما كانت تخفض معنوياته.
“يان فيرزا.”
العدو الذي لا يجب أن يُنسى. الشخص الذي يجب أن يُقتل، ويُمحى اسمه من التاريخ، ويُسقى ترابه بدمه.
امبراطور فيرزا، صاحب مجزرة كاريون، سفّاح دموي لا يُغتفر.
لكن اليوم، كان وجه آخر يقتحم أفكاره، وجه امرأة وقحة وغريبة الأطوار، لا يرغب بلقائها مجددًا… وفي الوقت نفسه، لا يستطيع نسيانها.
ابتسم يوجين بسحر وهو يتذكر شاشا لين.
ومع بخار الحمّام، كانت الخادمات المتمرّسات يتهيّبن من مظهر سيدهن وهو مبلل الشعر، بخطوط فكّه الحادة، وقطرات الماء تنحدر من عنقه الطويل إلى كتفيه المشدودين، ثم إلى صدره القوي، قبل أن تختفي في الماء.
“ماذا تفعلن هنا! إنتهين من الترتيب وغادرن فورًا!”
صرخت رئيسة الخادمات، مفرقة الجمع بخجل.
بعد نصف عام، جاء يوجين أخيرًا إلى القصر الآمن في العاصمة. كان هومار ينتظره في المكتب محاطًا بأكوام من السجلات والتقارير.
في الحقيقة، لم يكن يجب على يوجين الحضور في هذا التوقيت بالذات. وإن عرف أحد بخبر وجوده… فهل يعقل أنه أتى من أجل امرأة؟
طَق!
“ما الأمر؟”
دخل يوجين بقميص مفتوح العنق، يمسح شعره المبلل بمنشفة.
“سيدي، لدينا أنباء أن ‘زينيا’ تتحرك.”
ظهر الانزعاج في عيني يوجين.
“هؤلاء الشيوخ… أيرون أن الأمر ممكن الآن؟”
“حاولت إقناعهم، لكنهم مصرّون.”
منذ عشر سنوات، عاش نبلاء سيرفان المخلّصون في الخفاء، بعد أن نجا بعضهم بصعوبة من مجزرة كاريون على يد الأمير المجنون. كانوا ينتظرون اللحظة للثأر من إمبراطورية فيرزا.
“هل يظنون حقًا أن اغتيال يان فيرزا داخل قصره أمر ممكن؟”
ابتسم يوجين بسخرية.
“ربما حان الوقت لإزاحة زينيا من الطريق إذا كانت ستواصل تعطيلنا.”
“…”
“لماذا؟”
“لا شيء…”
تراجع هومار عن كلامه. فشؤون الشباب العاطفية لا تُسأل مباشرة. من الأفضل أن يعرف بطريقته الخاصة.
“لا بأس.”
خرج هومار، ثم طرق أحد الحراس الباب.
“ادخل.”
دخل نوا، ووجد يوجين منهمكًا بقراءة التقارير.
“ما الأمر؟”
“السيدة التي رأيناها قبل قليل تركت سيفها.”
“سيف؟”
قدّم نوا سيفًا ملفوفًا بقطعة قماش قديمة.
“كان مغلفًا بالكامل، كدنا نرميه بالخطأ.”
تذكر يوجين المرأة ذات الشعر الأحمر وهي تتجول في مدينة موتا حاملة السيف.
“صبي، ها…” ابتسم باستهزاء.
كيف”ضعه في ‘توما أند موني’ كضمان، ستأتي لأخذه مع حصانها.”
لكن نوا تردد:
“برأيي… ربما من الأفضل أن تحتفظ به قليلاً.”
فالنساء — خاصة إذا كان الأمر يهم القلب — يقدّرن إعادة أشيائهن يدًا بيد، لا عن طريق الرهن.
“دعه هنا.”
ابتسم نوا، ووضع السيف بجانب مكتب سيده، ثم انسحب بهدوء.
***
كانت كليشا تمسك رأسها بيأس أمام نافورة الساحة الكبرى، بملابس رثة لا تساوي فلسًا واحدًا، حين لمع في ذهنها فجأة خاطر عبقري جعلها تضرب جبينها وتتحرك بخطوات حاسمة.
“أجل! صندوق الوصايا! عليّ أن أبحث عن المال أولًا!”
وبقلب مفعم بالأمل، اتجهت تسأل الناس حتى وصلت إلى المقر الرئيسي للبنك المركزي الإمبراطوري.
لكن ما إن رفعت رأسها إلى اللوحة المعلّقة على باب المبنى الضخم، حتى شعرت أن روحها تكاد تتبدد، فتمسكت بها بالكاد.
“انتهى الدوام. الرجاء الحضور في أيام العمل من الساعة 09:00 حتى 16:00. عطلة أيام السبت والأحد والعطل الرسمية.”
الوقت حاليًا: 17:10.
طرقت الباب برجاء، لكن لم يُجبها أحد.
“حقًا… العاصمة مختلفة. بنك بهذا الحجم يعمل بنظام من التاسعة إلى الرابعة خمسة أيام في الاسبوع! هاها… خمسة أيام عمل فقط!”
حدقت كليشا بابتسامة باهتة في لافتة البنك المركزي الضخمة التي تغطي واجهة المبنى.
“اليوم الجمعة… ماذا أفعل الآن؟ يا إلهي… حقًا، ماذا أفعل؟”
لم يكن لديها مكان تذهب إليه، ولا أحد تعرفه، فعادت تمشي بلا هدف حتى وصلت مجددًا إلى ساحة القصر الإمبراطوري.
الوقت الآن: 18:10.
كانت جائعة، فقررت على الأقل أن تحصل على وجبة مجانية.
شعرت بقليل من الذنب لأنها ستأخذ نصيب المتشردين، لكنها فكرت: “ومظهري الآن….”
لكن…
“انتهى تقديم وجبات اليوم. الرجاء الحضور من الساعة 16:00 حتى 18:00.”
صرخت:
“لااااااا!”
امتلأت عينا كليشا باليأس.
في تلك اللحظة، وفي زاوية قرب الساحة الكبرى، كان يقف مبنى صغير أنيق بطراز قديم، جدرانه من الطوب الأحمر تتسلقها نباتات اللبلاب.
على جداره عُلّقت لافتة كبيرة كست الجدار كستار فخم:
“الأدب يصنع الإنسان – مشغل الخياطة الفرنسي، تخفيضات S/S بنسبة 30% (+15% إضافية)، باستثناء بعض القطع.”
كان هذا المكان هو المقر الرئيس لمشغل الخياطة الفرنسي، معقل أرقى البدلات الرجالية في الإمبراطورية، ذلك الذي لا يستطيع حتى أرفع رجال النبلاء في “زيكريت” تفويت افتتاحه المبكر.
حلم الخياطين الدارسين في الخارج.
لكن الحقيقة أن هذا المكان لم يكن سوى مكتب تنكري تابع لجهاز الاستخبارات التابع للحرس الإمبراطوري.
فأعضاء هذا الجهاز، بقدراتهم المتعددة وإتقانهم لكل ما يفعلونه، انشغلوا — لسبب ما — بخياطة الملابس بكل إخلاص حتى ذاع صيتهم في كل مكان.
وفي النهاية، لم يحتمل جلالته الإمبراطور هذا الوضع، فقام بتفتيش مفاجئ، وجرّ المدير العام والموظفين الصغار على حد سواء إلى جلسة توبيخ شديدة.
“هل جئتم هنا لتخيطوا أم لتؤدوا عملكم؟”
“…”
“انضبطوا، قبل أن أخيط أيديكم وأرجلكم معًا!”
“…”
“لماذا لا تجيبون؟”
“نعم، سيدي!”
“اذهبوا وأحضروا ملابس لتبديلها.”
“حاضر!”
كان الشاب الأشقر الوسيم، الذي بلل عرق التدريب قميصه، قد قضى اليوم يجوب العاصمة ليلقّن رجاله درسًا قاسيًا.
وبينما كان يتجه إلى شرفة الطابق الثاني ليلتقط أنفاسه، وقعت عيناه على مبنى متواضع عند مدخل الساحة الكبرى.
“موزع طعام خيري مجاني؟ ما هذا الآن؟”
***
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات