لمح في عيني الشاب ذواتَي الحمرة بريق ارتباك لحظي.
“نعم؟”
دفعت كليشا خصلة من شعرها المتدلية خلف أذنها وقالت بنبرة محرجة:
“أقصد… تبدو وكأنك دوق الشمال.”
ارتسمت ابتسامة حائرة على ملامح الشاب الوسيم:
“سيدتي، ماذا تقصدين؟”
“هناك أمر كهذا.”
تفحّصت كليشا الشاب الأسود الشعر من أعلى لأسفل، وأوقفت بصرها للحظة على موضع ما بعينه، ثم أدارت وجهها قائلة:
“لا بأس، انسَ الأمر.”
ظل الشاب متماسك الملامح، لكن قلبه لم يكن كذلك. كانت تلك الفتاة الحمراء الشعر قد قالت شيئًا أربكه بالفعل.
تلك النظرة الحادة، الخفية، التي لا يلتقطها سوى شخص متمرّس في الفنون القتالية… لكن لحظة، أين كانت تنظر بالضبط؟
شعر بحرارة تتصاعد في وجهه لأول مرة منذ عشر سنوات. أكان هذا من الصدمة؟ أم الغضب؟ أم الإحراج؟ أياً يكن، كان إحساسًا غريبًا عليه.
وفوق ذلك… ما هذا الرد البارد منها؟!
الشاب، رغم كونه من مواليد شمال سهول كارين، كان يختلف شكلاً عن معظم أهل القارة الشمالية؛ بشرته شديدة البياض، شعره أسود وعيناه حمراوان.
في طفولته، سمع كثيرًا من الكلام الجارح عن أن عينَيه المشؤومتين نذير شؤم أو لعنة. لكن مع تقدمه في العمر، لم يجرؤ أحد على التحدث عن مظهره أو أصله… أو بالأحرى، لم يجرؤ أحد على النطق بذلك أمامه.
لكن فجأة، هنا، يسمع هذه الكلمات.
وفوق ذلك… “دوق الشمال”؟!
ارتفعت زاوية ابتسامته قليلًا:
“هل لكِ اهتمام بالشمال يا سيدتي؟”
كليشا، التي كانت منشغلة باختيار المثلجات، أجابت بلا مبالاة:
“ليس بالشمال نفسه… بل بالدوق الشمالي… لا، دعك من الأمر، لا أود متابعة الحديث.”
“هكذا إذن؟”
دفعت كليشا ثمن المثلجات التي اختارتها بعناية، ثم التفتت نحو شوارع ميوتا النشطة في وضح النهار، وقالت بنبرة أهدأ من المعتاد:
“بالمناسبة، عينك جميلة جدًا… تذكرني بغروب شمس مسقط رأسي. لا تحزن، فنحن نرى الأمر هكذا… نحن دائمًا… ندعمك.”
“…”
ما الذي تقصده هذه المرة؟ أهو تلميح لشيء؟
ومن تقصد بـ “نحن”؟
تأملت كليشا عينيه الحمراوين لحظة بابتسامة هادئة، ثم وضعت يدها اليمنى على صدرها وانحنت بانحناءة رسمية:
“إذن، أستأذن.”
تركته هناك، وهو غارق في حيرة من أمره بعد أن سمع منها عبارات غامضة وتلقى تحية مبالغًا فيها من غريبة لا تربطه بها أي علاقة.
راحت الأفكار تتقافز في ذهنه بلا ترتيب. أهي جاسوسة للإمبراطور؟ أهي حرب نفسية عالية المستوى؟ أم…
لكن الشاب لم يكن يعلم أن كليشا لم تكن سوى عاشقة مهووسة بالروايات المتسلسلة المنتشرة.
*البنت واحدة من جماعتنا و ضاعت 😂😂*
فقد أنفقت سبع سنوات من حياتها ومالها على قراءة تلك الروايات، حتى إنها أتقنت قواعد اللغة الإمبراطورية من خلالها.
في سن المراهقة، أصبحت معتادة على الكلام المبالغ فيه الذي كانت شخصيات الروايات تستعمله، حتى حاولت مربيّتها إصلاح الأمر، لكنها فشلت تمامًا، بل رفعت الراية البيضاء قائلة:
“تكلمي بلهجة عامية على الأقل!”
وكانت كليشا مولعة بسلسلة من الروايات الرومانسية تُعرف بـ “سلسلة الدوق الشمالي (للكبار)”، حيث تتنوع القصص بين حب يتجاوز الفوارق الطبقية بين دوق الشمال وخادمته، أو حب يتخطى العداوات بينه وبين ابنة خصمه، أو حتى حب يخرق حدود الأعراق بينه وبين تنين متحوّل!
عندما قرأت تلك القصص لأول مرة، شعرت بإثارة لا تُنسى… أشبه بالذكريات البعيدة عن “فتى الأحلام” الذي رأته في ميدان المعركة في أحد أحلامها.
ومنذ ذلك اليوم، وضعت هدف حياتها: الزواج من دوق الشمال.
لكن والدها، إسحاق مازارين، عارض ذلك بشدة:
“مستحيل، مستحيل تمامًا! إن كان دوق الشمال، فهو ذاك الرجل، ولن أسمح به ولو دُفنت حيًّا!”
لكن عناد كليشا وطبيعتها المتحمسة دفعاها إلى تأسيس جمعية سرية مع صديقاتها المهووسات بالروايات نفسها، أسمتها:
“جمعية أبحاث دوق الشمال – RMNA”
جمعية سرية، أعضاؤها مجهولو الهوية، والانضمام إليها صعب، لكن العضوية فيها أبدية، والأعضاء المميزون معفيون من الرسوم! ومع ذلك، فهي مسجّلة رسميًا في أكاديمية شومارين كـ “جمعية أكاديمية متخصصة”.
قادت كليشا هذه الجمعية إلى أوج مجدها، واستثمرت مواردها في جمع المخطوطات، والمقتطفات، والفصول الإضافية، والرسوم، والتماثيل، والنصوص المسرحية، والموسيقى، وحتى القصص المشتقة.
واستقر رأي الجمعية، بعد بحث معمّق، على أن دوق الشمال لا بد أن يكون:
أسود الشعر، أحمر العينين.
صيّاد وحوش.
يجمع بين القوة العسكرية والفطنة السياسية.
ذا ماضٍ أليم منذ الطفولة.
ورجل فذ… في السرير.
لكن الشاب الأسود الشعر أمامها، الذي لم يكن على علم بكل هذا، كانت نظرته تصبح أعمق فأعمق.
“هاه…”
ابتسم بسخرية، ورفع يده الطويلة البيضاء ليمررها في شعره الأسود اللامع، بينما انعكس ضوء الشمس على خاتم ضخم من الياقوت الأزرق في إصبعه الصغير.
وبالقرب، احمرّت وجوه بعض الفتيات اللواتي كن يتعمدن التجول في المكان.
لم يكن الأمر غريبًا، فشهرة رويكن توما، وريث أكبر ثروة في ميوتا، كانت تتفوق على أشهر نجوم المسرح في العاصمة.
لكن حين رفع بصره، كانت كليشا قد اختفت عن أنظاره، ولم يبقَ سوى نسيم خفيف داعب وجنته.
***
توجّهت كليشيا إلى توما هورس أبكر من الموعد المحدد.
وبينما كانت تتجوّل في السوق وهي تتناول الآيس كريم، بدأت أذناها تلتقط كلمات متفرقة من أحاديث الباعة: “حصان أبيض”، “حادث”، “ملحمة متجر بيع اللحوم”، “انهيار”… كلمات جعلتها تشعر بالقلق لسبب لا تعرفه.
لا يمكن أن يكون… شوكريم؟
لا، مستحيل! لا يمكن أن يكون! راحت تكرر ذلك في ذهنها وهي تسرع الخطى، لكن ما إن وصلت حتى فوجئت بالمشهد أمامها:
كوخ خشبي صغير مدمّر وكأن زلزالاً ضربه، سور منخفض مهدوم حتى مستوى الخصر، إصطبل محطم، وشاب ممدد على الأرض بلا حراك.
ثم…
السبب الواضح وراء كل ذلك — ذلك الحصان الملعون.
كان شوكريم يقف هناك، يلعق شفتيه برضا وكأنه تناول وجبة لذيذة.
“يااا.”
نادته كليشيا بصوت بارد يقطر تهديدًا، فما كان منه إلا أن انتبه لبرهة، ثم خفَض رأسه ببطء و طوى أطرافه الطويلة ليستلقي على الأرض.
“يا.”
لم يتحرك.
“يا. يا، أيها اللعين! لم تستطع أن تنتظر قليلاً حتى تفتعل كارثة؟! تركتك ليلة واحدة فقط! أتظن أن تمثيلك دور الميت سينطلي علي؟!”
التقت عينا شوكريم بعينيها وهي تتقدم نحوه والسيف في يدها، وقد شعر بشيء من الظلم.
فالليلة الماضية، هؤلاء البشر لم يعطوه ماءً ولا تبنًا، بل قدموا له حلوى غريبة. في البداية ظنها قطع سكر، لكن كلما أكل منها أكثر، ازداد جسده سخونة، واشتد صداعه، وازداد جوعه.
لو كنتُ قد تعلمتُ فنون التخاطر عند تنانين الأرض، لشرحتُ كل هذا لمالكتي…
رمقها بنظرة حزينة، لكن قبل أن تكتمل أفكاره—
بام!
ركلته كليشيا وهو لا يزال ممددًا، بالكاد ترفع رأسها.
“أيها الأحمق! قلت لك إن شعرت بالجوع فلتأكل التبن! لا أن تلهث وراء الطعام بشراهة! ها؟ هاا؟!”
“……”
خفض شوكريم رأسه في استسلام. تخاطر مع البشر؟ هراء.
اقتربت امرأة من كليشا وهي تلهث غضبًا، كانت مديرة فرع توما هورس، ماريان.
“آه… سيدتي الزبونة؟”
استدارت كليشا نحوها، لكن عينيها ما زالتا مشتعلة غضبًا، فتراجعت ماريان بخفة.
يا للمصيبة، فتى صغير لكن نظرته قاتلة…
قالت ماريان وهي تحاول الحفاظ على هدوئها:
“أنا ماريان أندرسون، مديرة فرع توما هورس. أعتذر أشد الاعتذار لعدم الاعتناء بحصانك كما ينبغي.”
“آه…”
“لكن، كما هو مذكور في شروطنا — وقد استلمتِ نسخة منها أمس في فندق الشارع 12، أليس كذلك؟ — فإن المادة السابعة تنص على أن أي حادث يتسبب به طرف ثالث دون تقصير من جانبنا، تكون مسؤوليته بالكامل على مالك الحصان.”
“……”
“وحصانك، شوكريم، كما ترين، هاجم متجر توما’s بيف آند بيكون في الجهة المقابلة. وأنتِ تعلمين السبب على ما يبدو. إضافة إلى ذلك، أُصيبت جدراننا بأضرار، وعليكِ أيضًا تعويض المتجر.”
دفعت ماريان نظارتها قليلاً وهي تراقب تعابير وجه “الفتى” أمامها.
قالت كليشيا بهدوء:
“حسنًا… سأتحمّل التعويض.”
أوه… إذن هو غني أصلًا؟ أو ربما عميل إمبراطوري سري؟ فكرت ماريان، لكنها واصلت الكلام بوجه حيادي:
“حسنًا، بما أن جزءًا من الخطأ يقع علينا، نقترح أن تكون نسبة التعويض 10 إلى 90. هل ستدفعين المبلغ نقدًا؟”
حكّت كليشيا رأسها قليلاً. آه، صحيح، هذه ليست مقاطعة شو مارين.
“في الواقع… لا أملك نقدًا الآن. لكن لدي وديعة في البنك المركزي للإمبراطورية، باسم والدي. يمكنني سحبها من هناك.”
هزّت ماريان رأسها بأسف:
“للأسف، لا يوجد فرع للبنك المركزي في ميوتا. والذهاب إلى العاصمة سيستغرق وقتًا طويلاً… أليس لديك وسيلة دفع أخرى؟”
ترددت كليشيا. على بُعد ساعتين في كالباين، يوجد من يزعم أنه عمّها، لكنها لا تريد إزعاجه بمشكلة كهذه.
“همم…”
ابتسمت ماريان بخبث وهي تدخل في صلب الموضوع:
“سيدتي، إن كنتِ واثقة من قدرتك على السداد قريبًا، فربما يناسبك منتجنا في توما آند موني — قرض متوسط الفائدة. لدينا خيارات لأسبوع، أو شهر، أو ثلاثة أشهر. آه! وها هو مدير فرع توما آند موني قادم الآن. السيد لوك!”
التفتت كليشيا لترى رجلًا في منتصف العمر يرتدي بدلة أنيقة، يقترب بابتسامة ودودة.
“سعيد بلقائك، آنستي. سمعتُ أنكِ بحاجة إلى مال بشكل عاجل؟”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات