حدّقت فلور في أوفيليا، وفمها مفتوحٌ بصدمة.
لكن أوفيليا بدت غير منزعجة.
“ماذا. لماذا.”
فتحت فلور فمها على مصراعيه، غير قادرةٍعلى الاستيعاب.
“لقد ضربتِني للتوّ!”
“أيّ ضربٍ هذا؟ كانت مجرّد تربيتة.”
“سمعتُ صوت طقطقةٍ من ظهري!”
“لا تصرخي. سيبكي الطفل.”
شعرت فلور بتوتٌرٍ في مؤخرة رقبتها. جعلها وجودها بالقرب من أوفيليا تشعر وكأنها تفقد صوابها وتصبح عاطفيةً مجددًا.
هزّت فلور رأسها ونقرت بلسانها.
“حسنًا. سأعود الآن.”
“اجلسي.”
“إنه نائم!”
“إذن اجلسي. سأخبركِ بما لم أستطع قوله لكِ وهو مستيقظ.”
رمشت فلور.
الآن وقد فكّرت في الأمر، قالت ‘لا تشفقي على نفسكِ’.
هل هذا امتدادٌ لذلك؟
لا أريد سماعه إن كان مزعجًا، لكن، آه، لو ابتعدتُ عن هنا، لشعرتُ وكأنني خسرتُ.
فعادت فلور إلى مقعدها مجبرة.
“الجميع يتّخذ قراراتٍ سيئة.”
ربّتت أوفيليا على الطفل النائم بين ذراعيها.
“مَن يقول إنه لم يتّخذ قرارًا سيئًا قط فهو أحمق. إنه لا يعلم حتى أن قراراته كانت خاطئة.”
“…..”
“لقد اتّخذتِ بعض القرارات السيئة فقط.”
ابتلعت فلور ريقها، دون شعور. لم تتوقّع من أوفيليا، من بين كل الناس، أن تقول شيئًا كهذا.
“لا. ليس البعض، بل الكثير.”
….. كنتُ سأتأثر لو لم تُضيفي شيئًا.
لعقت فلور شفتيها.
“… أعلم أنني ارتكبتُ أخطاءً كثيرة.”
“جيد.”
أدارت أوفيليا رأسها نحو فلور.
لكن الأمر كان غريبًا.
عيناها الخضراوان، اللتان لطالما بدتا مخيفتين، بدت اليوم أكثر لطفًا.
“لكن هذا لا يعني أن حياتكِ خاطئة.”
“….”
“لأنكِ تعلمين أنه كان خيارًا خاطئًا، والآن يمكنكِ اتّخاذ قرارٍ مختلف.”
دفعت أوفيليا ذراع فلور بمرفقها. شعرت أنها ألطف من صفعة ظهرها السابقة.
“تعالي إلى العاصمة.”
“… دوقة.”
“إذا أردتِ، يمكنني أن أجد لكِ وظيفة.”
“….”
رمشت فلور ببطء. ثم نظرت إلى أوفيليا مرّةً أخرى.
أوفيليا رايزن.
الشخصية المعروفة باسم وردة المجتمع الراقي.
كالوردة، كانت فائقة الجمال، ومع ذلك كانت تحمل أشواكًا سامّة، فلم يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منها، مما أكسبها لقب ‘المنبوذة’.
لذا عندما رأت فلور أوفيليا لأوّل مرّةٍ في المجتمع الراقي، فكّرت.
يا لها من جميلة!
لهذا السبب لم تجرؤ على الشعور بالغيرة.
لكن فلور كان عليها أن تغار.
لتصبح زهرة المجتمع الراقي.
لتصبح أجمل وأنبل إنسانة.
لهذا السبب حاولت يائسةً إسقاط أوفيليا.
نعم. هذا ما حدث بالضبط.
“…لقد قلتِ إنكِ ستجدين لي وظيفة.”
أن تتواصل معها أوفيليا.
تمتمت فلور في نفسها.
“لا توجد لحظةٌ محرجةٌ أكثر من هذه في حياتي.”
هاه، تنهّدت.
“إذا أمسكتُ بيد الدوقة هنا، ألن أندم على ذلك لاحقًا؟”
“حتى وأنا أقول هذا بطريقةٍ لطيفة.”
“لذلك، سأجرّب القيام به وحدي.”
جلست فلور ببطء. ثم، وبصدق، انحنت لأوفيليا التي كانت تحمل الطفل النائم.
“شكرًا لكِ.”
كان جسدها يرتجف قليلاً وهي تنحني.
“…حقًا.”
راقبت أوفيليا فلور للحظة، ثم ابتسمت ابتسامةً خفيفة.
“حسنًا. عندما تأتين إلى العاصمة لاحقًا، مرّي عليّ.”
“سأفكّر في الأمر.”
نهضت فلور وهي تضحك بخفّة، ثمّ انحنت برفقٍ وغادرت المكان.
وكانت خطواتها تبدو أخفّ بكثيرٍ مما كانت عليه قبل قليل.
على أيّ حال، لم تستطيع أن تكرهها.
بعد أن تأكّدت من مغادرة فلور، أدارت أوفيليا رأسها في الاتجاه المعاكس.
ثم، بصوتٍ أعلى قليلًا، قالت.
“هل يمكنكَ الخروج الآن؟”
حكٌ سيلفستر، الذي كان يقف في الزاوية، رأسه وظهر بتعبيرٍ غريب.
“أوه، كنتِ تعلمين ذلك.”
“كنتُ أعلم ذلك منذ البداية.”
“من الصعب المشاركة في حديث السيدات. ها، اشتريتُ بعض التفاح في طريقي إلى هنا. بدا لذيذًا”
“كاذِب.”
حدّقت أوفيليا في سيلفستر وهي تُسلّمه آينيل.
“ظننتَ أنكَ لن تستطيع قول أيّ شيءٍ جيد إذا رأيتَ فلور، أليس كذلك؟”
هاا. تجعّد أنف سيلفستر وضحك ضحكةً خفيفة.
“كيف يُمكن لزوجتي الجميلة أن تعرف قلبي جيدًا؟ أجل، صحيح. في اللحظة التي رأيتُها فيها، أردتُ أن أقول لها أن تغرب من أمامي بذلك الوجه القبيح.”
“لقد أحبّ ابني ذلك الوجه القبيح حقًا.”
“ظننتُ أنه صعب الإرضاء مثل والده تمامًا. تسك.”
بالطبع، كانت فلور جميلةً بشكلٍ موضوعي، لكن هذا لم يُهمّ سيلفستر.
المهم هو أن فلور حاولت قتل أوفيليا.
“أعتقد أنكِ مذهلةٌ حقًا.”
ربّت سيلفستر على ظهر آينيل وتابع.
“لا يُمكنني أبدًا أن أسامح شخصًا حاول قتلي.”
“همم؟”
أمالت أوفيليا رأسها، كما لو كانت تسأله عمّا يتحدّث عنه.
“أنا أيضًا لم أسامحها.”
“إذن؟”
“أردتُ فقط أن أبقيها قريبةً مني وأراقبها. ظننتُ أنها قد تفعل شيئًا غريبًا مرّةً أخرى. إذا فعلت، خطّطتُ لاغتنام تلك الفرصة لإعدامها.”
“آها.”
صفّق سيلفستر بيديه وأشار لها بإبهامه.
“هذه هي زوجتي، في النهاية. طريقتكِ في خداع الناس وحثّهم على الاستسلام والتخطيط للمستقبل شريرةٌ وساحرةٌ للغاية.”
هل هذه مجاملة؟
ضحكت أوفيليا وهزّت كتفيها، متيبّسين من حمل آينيل لفترةٍ طويلة.
ثم فجأة، رمشت.
هناك شيءٌ غريب.
“لكن، عزيزي.”
“هاه؟”
“ماذا عن والدتك؟”
كانوا في إجازةٍ مع أنجيلا.
وذهب سيلفستر مع أنجيلا إلى النزل لأخذ معطف آينيل.
لكن كلّ ما عاد به هو التفاح، ومعطف آينيل، وسيلفستر.
قلب سيلفستر عينيه للحظة، كما لو كان يسترجع ذكرى نسيها، ثم رد.
“أوه، لقد تركتُها عند بائع الفاكهة.”
“لا تقل هذا كما لو كنتَ تقول إن الفطور كان لذيذًا هذا الصباح! انهض!”
صرخت أوفيليا مصدومة.
“لا، إنها بالغة، لذا ستعود بمفردها.”
“آخر مرّةٍ تركتَها فيها في المقهى، ماذا فعلت؟”
“جلست هناك حتى أغلق المقهى.”
“وماذا؟”
“عندما طلبت منها النادلة بأدبٍ المغادرة لأن المقهى كانت مغلقًا، أنامتها بسحرٍ سحري، ثم بقيت هناك حتى وصلنا.”
“ماذا حدث إذًا؟”
“ظلّت غاضبةً لأكثر من أسبوع.”
رمش سيلفستر عدّة مرات، ثم نهض فجأة.
“لنذهب.”
“نعم.”
بدا سيلفستر وأوفيليا، وهما يسيران بخفّةٍ في الشارع وطفلهما النائم بين ذراعيهما، كزوجينٍ محبّين لكل مَن رآهما.
بالطبع، هذا من منظور شخصٍ لا يعلم أنهما في طريقهما لاسترضاء حماتها الغاضبة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات