027
ساد صمتٌ عميق في قاعة الاجتماع، ثم تحدّث الدوق إلى الحاضرين الذين كانوا ينظرون إليه.
“سيكون تاريخ الانتشار في أواخر الربيع. سيتكفّل الدوق بتوفير نصف الطعام، أما بقية الإمدادات فستأتي من العاصمة.”
“آه…”
“سيكفي ألف رجل، مزيج من المشاة والفرسان. وإلا، فسنحتاج إلى مبارز بالسيف السحري. وإذا تطلب الأمر أي تنسيق، سنتواصل عبر الرسائل أو الأدوات السحرية.”
ورغم أنه لم يكن مركزًا، إلا أن الدوق وُلد بعبقرية تكتيكية.
ففي ذهنه، كان قد أجرى كل السيناريوهات مسبقًا كما لو كانت قطع شطرنج.
لذلك، لخّص النقاش كله في بضع كلمات.
سرت موجة إعجاب خافتة على وجوه الفرسان وكاسيان.
كان دوق أنايس، الذي اعتاد مراقبة تصرفات كاسيان، قد لاحظ تغيّرًا في ملامحه.
«لماذا تُعجب بي؟»
كل تغيّر في ملامحه كان يُزعجني.
منذ أن جاءت أستل إلى القلعة، ومشاعري لم تكن مستقرة قط.
أدرت وجهي عن كاسيان، محاولًا أن أقنع نفسي بأن الأمر ربما يعود إلى مرسومي المرتبط بها.
✦✦✦
انتهى اجتماع التحضير للحرب.
ولكن كيلتر، رئيس عائلة جاغوار الحالي، والذي كان يجلس بجوار الدوق حين نهض من قاعة الاجتماع، وقف في طريقه.
“سيدي، لدي أمر أود أن أقوله.”
كيف تجرؤ على اعتراض طريق الدوق أمام الجميع؟!
رائع يا كيلتر!
شجاع يا كيلتر!
راودت الجميع تساؤلات: ما الذي يحاول هذا الرجل قوله بحق الجحيم؟
توقّف رؤساء العائلات التابعة والفرسان البشر جميعًا عن السير وبدأوا بمراقبة الوضع.
في الحقيقة، كان هناك من أراد مغادرة الاجتماع بأسرع ما يمكن، لكن كقاعدة، لم يكن مسموحًا لهم مغادرة القاعة ما لم يغادرها الدوق أولًا.
لفت كيلتر انتباه الجميع، ومسح العرق عن جبينه.
“سمعت مؤخرًا أن سموّك يدعم معالجة بشرية تُدعى أستل.”
“نعم.”
حكّ كيلتر مؤخرة رأسه بتعبير متجهم.
وحين رأى أن تعبير الدوق أصبح أكثر برودة، أيقن أن خطته انهارت تمامًا.
لكن إن تراجعت الآن، فإن والدي، ريكاردو، لن يتركني وشأني!
والدي، الذي كان يُلقب بطاغية العائلة، كان يضغط عليّ لإحضار المُعالجة البشرية “أستل” إلى عائلة جاغوار.
قال وهو يكبح ارتجاف ساقيه:
“هذه المرة، أصبح مؤسس عائلتنا، ريكاردو، مدينًا لها بشكل كبير.”
“أه، هكذا إذًا؟”
تراخى تعبير وجه الدوق البارد قليلًا.
هاه! من يدري!
قال كيلتر بنبرة جادة:
“لذا… لردّ الجميل، كنت أتساءل ما إذا كان بإمكان عائلة جاغوار دعمها بدلًا منكم.”
كان بإمكانه أن يطلب لقاءً منفصلًا، لكن والده لم يكن ليسمح بذلك.
أمره والده بأن يتحدث بصوتٍ عالٍ، لدرجة أن يسمعه كل إنسان ووحش في القاعة.
– “حين يسقط أولئك الأوغاد في غطرستهم! علينا أن نقوّي موقع أستل البشرية! كيلتر، إنني أعتبرها حفيدتي.”
وفي اللحظة التي قال فيها تلك الكلمات، برزت مخالب حادة من يديه، ولمعت عيناه بحدة.
وكان كيلتر على وشك أن يقول إن والده أيضًا أحد أولئك الوحوش الدمويين.
تساءل كيلتر، المذهول من كلمات والده، بحذر:
– “فما الذي تريده…؟”
– “عليك أن تُحضرها إلى عائلتنا!”
والآن وقد سمع القصة كاملة، أدرك السبب الذي قد يدفع طاغية بارد الدم مثله إلى دعم معالجة بشرية فجأة.
سال العرق على ظهر كيلتر بينما كان دوق أنايس يحدّق به صامتًا.
كربّ أسرة، كان يعمل بهدوء ويعيش حياة أمينة، وما زال لا يفهم كيف انتهى به الحال عالقًا بين طاغيتين.
وبنبرة هادئة، عبّر دوق أنايس عن رفضه.
“دعم عائلة جاغوار لن يُقبل.”
كان مظهره راقيًا، لكن عينيه كانتا قاتمتين.
وصوته المنخفض المميّز جعل كيلتر يرتجف. فقد اختلطت نبرته بزئير خافت في نهاية كلماته:
“لأنني أنا وصيّها.”
انعوجت شفتي دوق أنايس بثبات.
“أول شخص أنقذته أستل هو أنا. وليس والدك.”
قد لا يكون الآخرون قد لاحظوا ذلك.
لكن كيلتر، الذي كان الأقرب إلى الدوق، لمح لمحة من تملّكه بها، ولو خافتة، للحظة.
“م-ماذا؟”
فرك عينيه راغبًا في التأكد مما يراه.
كشخص عرف دوق أنايس لسنوات، لم يكن يتخيّل أن تظهر لديه رغبة تملّكية كهذه.
فهو رجل أنيق، لا يتعلّق بأي شيء تعلّقًا مفرطًا.
“إذًا…”
لم يُبدِ الدوق أي اهتمام بكيلتر، الذي كان يتخبّط في حرجٍ بالغ.
وبعد ثوانٍ، استعاد هدوءه كما لو أنه لم يُظهر أي رغبة على الإطلاق.
وحين أومأ برأسه، لم يجد كيلتر ما يقوله.
“ن-نعم، أفهم، سموّكم!”
وهكذا انتهى الاجتماع.
ولم يشعر بتلك الحرب الباردة بين الرجلين سوى من كانوا حاضرين، وقد تعرّقوا طَوال الوقت.
وأخيرًا، ألقى دوق أنايس نظرة أخيرة على كاسيان غراي، ثم غادر أولًا.
كاسيان غراي طلب من أستل أن تعيش معه في جزيرة، وكيلتر طالب بإحضار أستل إلى عائلة جاغوار.
لكن الآن، أستل تقيم في قلعته، إلى جواره تمامًا.
كانت ابتسامة مرتاحة ترتسم على شفتي الدوق وهو يفكّر.
«الإقامة معًا في القلعة»… وفكّر الدوق أن يتناول الفطور مع أستل صباح الغد.
✦✦✦
بعد لقائي مع أخي، خرجت من الحديقة الزجاجية بشكل طبيعي.
وبفضل غياب موعد عشاء مع الدوق، ذهبت إلى غرفة الدلفينيوم بعد تناول عشاء بسيط بمفردي.
«أنت لا تستمع إلى تحذيراتي أبدًا، أيها الأحمق كاسيان!»
كنت منزعجة بشدة بسبب براءة أخي الزائدة عن الحد.
لكن اليوم، لدي عمل يجب أن أقوم به.
بعد أن تخلّصت من الخادمات، وضعتُ قطعتين أثريتين على مكتبي.
حدّقت فيهما بقلبٍ مرتجف.
إحداهما كانت أداة تسجيل فيديو سحرية وضعها أخي في جيبي!
“أيها الأحمق، لماذا أعطيتني كل سجلات الفيديو…”
الطائر الموسيقي (تشيللو) الذي طار بيننا كان أيضًا رسولًا ثمينًا بأجنحة سريعة.
لكن تسجيل الفيديو كان شيئًا آخر.
لو شغّلت هذا الجهاز السحري، فسيمكنني رؤية أخي في أي وقت، وفي أي مكان.
يمكنني رؤيتك متى شئت، دون تأخير ليوم أو يومين…
«هل كان هذا هو السبب في أنك لم تشترِ زيًّا؟ إنه أمر مؤلم حقًا…»
كان هدفي في الانتقام يتّقد أكثر فأكثر.
قبضتُ على قبضتي، وحدّقت بالجهاز الآخر.
قطعة أثرية على شكل بروش، لا تذكار تركه سام، الذي كان يُحرق في جحيم النار.
نظرتُ إليها بنظرة أكثر جديّة.
كان هناك ثلاثة جواسيس دمّروا كونتية فييتري واختبأوا في قلعة الدوق.
لذا، كان هناك أيضًا ثلاث قطع أثرية.
في الوقت الحالي، من الصعب معرفة من يقف خلفها من قطعة واحدة فقط.
ومع ذلك، فهذه وحدها كانت شيئًا جيدًا يُمكن أن يساعدني في الانتقال إلى المرحلة التالية.
«كل قطعة أثرية مرتبطة بالأخرى، وواحدة تكون خيطًا يوصل إلى الأخرى.»
وبينما كنت أتأمل، مرّرتُ أصابعي ببطء على سطح البروش المهترئ.
«لأن هناك خدشًا على هذه القطعة…»
بدأت أُراجع التلميحات التي وردت في القصة الأصلية.
على عكس سام، لم تكن المعلومات الشخصية عن الجاسوسين الآخرين موصوفة بوضوح، لكن كان هناك دليل في كل واحدة من القطع.
وأنا أُجهد عقلي لاستعادة ما ورد في الأصل، كنت أراجع <دليل الانتقام> الذي احتفظت به، ثم ارتطمت جبيني بالطاولة.
تمامًا وأنا أغوص في تأملاتي المؤلمة، طرق أحدهم الباب.
أخفيت القطعة الأثرية على عجل تحت الطاولة، وحدّقت باتجاه الباب.
إن جاء أحد في هذه الساعة، فالأرجح أن تكون الخادمات…؟
“نعم، تفضل بالدخول!”
انفتح الباب بانزلاق هادئ.
واتّسعت عينا أستل، كعيني أرنب، بدهشة حين رأت الشخص الذي دخل من خلال فتحة الباب المفتوح.
***
تـــرجــمــــــة: ســـاتوريــــا… ♡
التعليقات لهذا الفصل " 27"