014
من أجل القبض على هذا الطفل السيئ المسمى “سام”، كان عليّ أن أدخل عرين النمر، مركز العلاج الداخلي في قلعة الدوق، حيث كان سام يعمل كمعالج.
لقد انقطعت عن العلاج لبضعة أيام، لذا بدأت أفتقد مرضاي.
«أرجوك، تفقد هذا!»
كنت مقتنعة وأنا أُمسك بالاقتراح الذي ظللت أخطط له منذ وقت طويل.
كان من المستحيل أن يتجاهل الدوق هذا المستند المثالي الذي أعددته.
لأنه لا يوجد سوى عدد قليل جداً من المعالجين في الشمال القادرين على تقديم علاج مناسب للمُتغيّري الشكل.
قبل أن يصعد ويصبح دوقاً، منذ نحو عقد من الزمن، كانت أراضي المُتغيّري الشكل ساحة لصراع شرس من أجل البقاء، أشد مما هي عليه الآن.
فإذا مرض أحدهم، كان يُستبعد ببساطة، لذا لم تكن هناك أية علاجات أو وسائل طبية متطورة للمُتغيّري الشكل الضعفاء أو المصابين.
وفقط في الآونة الأخيرة، بدأت العلاجات المتعلقة بالمُتغيّري الشكل تتطور تدريجياً.
كما أن عدد مراكز العلاج خارج قلعة الدوق لا يتجاوز الخمسة.
كنت أعلم أن هناك الآلاف من الفرسان ممن هم بحاجة للعلاج، بينما لا يتجاوز عدد المعالجين الخمسين.
وفي ظل هذا، فإن وجود معالج تعلّم علاج المُتغيّري الشكل مبكراً ومرّ بتجارب سريرية لعدة سنوات مثلي، يُعد ثميناً للغاية.
وأخيرًا، قبل الدوق خُطتي.
ولزيادة فرص نجاحي، لجأت مرة أخرى إلى الإطراء الذي استخدمته من قبل.
«ن-نعم! كان الدوق وسيماً للغاية اليوم أيضًا!»
رغم أن كلماتي بدت سخيفة وكأنها إطراء فجّ، إلا أن ما قلته كان حقيقة.
كان دوق أنايس بالنظارات يبدو رائعًا على نحو لا يُصدَّق!
وبعد أن قلت ذلك، شعرت بالخوف قليلًا مما قد يصدر عن فمه.
ولذلك انكمشت مثل أرنب خائف، لكنني واصلت سكب كلمات الإطراء.
«لم أرَ الدوق بالنظارات من قبل، لكنك وسيمٌ لدرجة جعلتني أشعر أن أنفاسي قد توقفت.»
«…»
«أنت دائمًا وسيم، لا، لا! هذا ليس تملقًا! أرجوك صدق أنني أقول الحقيقة!»
وعندما رأيت أذن الدوق ترتجف وهو يقرأ بهدوء وثيقة “علاج المُتغيّري الشكل”، ابتسمتُ ابتسامة عميقة.
فمهما كان عدد الاقتراحات التي تلقّاها دوق أنايس من قبل، فلا بد أنه لم يرَ خطة علاجية تفصيلية بهذا الشكل من قبل.
✦
عبس دوق أنايس وهو ينظر إلى كومة الوثائق التي سلمتها له أستل بكل فخر.
كانت الأوراق تُسجل بعناية الأدوية، وأساليب العلاج، وحتى النتائج التي توصلت إليها أستل في مركز العلاج حتى الآن.
بالإضافة إلى الأسرار التي اكتسبتها من خبراتها، مثل أي علاج يناسب نوعًا معينًا من المُتغيّري الشكل، ومعلومات عن الأعشاب التي يمكن استخدامها، وتلك التي ينبغي عدم استخدامها بحسب نوع المُتغيّر الشكل الذي يُعالج.
كذلك شملت الخطة كيفية علاج التسمم بالمانا، وكيفية تحسين حالات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والصدمات النفسية التي يعاني منها الفرسان.
(ملاحظة: اضطراب ما بعد الصدمة هو حالة صحية عقلية يُسببها حدث مخيف – سواء كان الشخص قد مرّ به أو شهده.)
قالت أستل:
«رغم أنني ما زلت أفتقر إلى الكمال، إلا أن المعرفة التي لديّ ستكون مفيدة للمُتغيّري الشكل المقيمين في القلعة.»
لكن الواقع لم يكن فقط أنها ستساعدهم على التحسّن.
بل كانت دهشة خفيفة قد ارتسمت على وجهه، هو الذي نادرًا ما يُظهر أي تعبير.
سواء أدرك الأمر أم لا، كانت أستل بوضوح عبقرية.
حتى وإن جلب الدوق أفضل معالِج لديه، فلن يكون بمقدوره دراسة المُتغيّري الشكل بهذا المستوى من التفصيل.
أما أستل، فكانت تضحك له بوجه بريء، غير مدركة لعظمة الخطة التي قدّمتها.
«لأكون صادقة، لم أكتب كل العلاجات السرّية التي أعرفها!»
كانت أستل، منذ أن دخلت المكتب، تشعر أن الجو قد تحسن.
«عندما تجولتُ في القلعة، بدا لي أن هناك نقصًا بسيطًا في عدد المعالجين المُخصّصين للمُتغيّري الشكل. لذا أردت أن أساعدهم. تمامًا كما ساعدتُ الدوق!»
في الواقع، كانت أستل على حق.
الطب الخاص بالمُتغيّري الشكل لم يكن متطورًا كثيرًا.
فهم وُلِدوا أساسًا بجسد لا يشعر بالألم إلا بالكاد.
وكانوا يعيشون في عالم لا يبقى فيه إلا الأقوياء الذين يمكنهم احتمال الألم، أما الضعفاء فكانوا بالكاد ينجون.
منذ عشرين عامًا، كان مجتمعهم يشبه حياة الوحوش، حيث كان من الطبيعي أن يُتْرك المرضى في الحقول ليموتوا.
بل إن دوق أنايس نفسه كان يعتقد أن هذا النهج منطقي.
لكن أستل، على ما يبدو، كانت تشعر بالقلق تجاه الضعفاء، وأرادت معالجتهم.
قالت بصوت خافت وهي تتلوّى قليلًا:
«أستطيع أن أساعدك، يا دوق.»
ثم أضافت كلمة أخرى بهدوء:
«ألا يشعر الدوق بالقلق تجاه المُتغيّري الشكل الآخرين أيضًا؟»
لكن، على عكس ما توقّعت أستل، لم يكن الدوق مهتمًا فعلًا بالأشخاص الذين يُديرهم، سواء كانوا يتألّمون أم لا.
كل ما كان يهمّه هو “أستل”.
«أنا أؤمن بأن هذا سيكون مفيدًا بالتأكيد!»
وبينما كان يدفع بالوثائق جانبًا، نظر إلى تلك المرأة البريئة، التي كانت تتحدث بحماس أمامه.
امرأة بشرية غريبة، كان يظنها خجولة، لكنها ترتبك كلما ظنّت أنها أقدمت على تصرف جريء.
كان يزعجه أن وجنتي أستل البيضاوين تنتفخان في كل مرة تتنفس فيها.
«إن عالجتِ مريضًا واحدًا في الساعة فقط كل يوم…»
«… نعم! آه، وهناك أيضًا…»
ترددت أستل وفتحت شفتيها مجددًا:
«سمعت… أن هناك معالجًا بشريًا في قلعة الدوق! سمعت أن اسمه سام.»
كانت تُمط الكلمات بخجل وكأنها تشعر بالإحراج.
«سالي أخبرتني، ثم قدّمتُ لك هذا الاقتراح… من المدهش أن هناك معالجًا بشريًا آخر في قلعة الدوق. لقد أثار اهتمامي…»
قال الدوق بنبرة غريبة:
«… أثار اهتمامك؟»
«نعم! لأنني غالبًا ما أكون برفقة الدوق، فقد شعرت بالفضول حول كيف يتعامل إنسان آخر مع مرضى المُتغيّري الشكل، وكيف يعتني بالضحايا.»
في الواقع، لم يكن الدوق يعرف الكثير عن سام، المعالج البشري.
كل ما كان يتذكره هو سماعه بشكل غامض عن دخول إنسان إلى مركز العلاج بصفته “فاعل خير لعائلة الجاغوار”.
بدأ دوق أنايس يراقب تعابير أستل، كما لو كان يدرسها.
كانت عيناها تتلألآن وهي تواصل الحديث عن سام.
«…آه.»
تغيّرت نظرة الدوق الكئيبة إلى مزاج متجهم.
«عندما رأيت خطة العلاج هذه، تذكرت شيئًا أردت أن أقوله لك.»
رؤية الفضول في عينيها المتألقتين أثارت انزعاجه قليلًا.
«رجاءً، عالجيني أنا أيضًا.»
نظرت أستل إلى وجه الدوق ويديه بتفحص حذر.
«هاه؟ لا يبدو أن لدى الدوق أية مشاكل سوى الخَتْم، وعندما فحصتك سابقًا،…»
تظاهر بالبراءة، واتسعت عيناه كما لو لم يشكّ في شيء وقال:
«إنه يؤلمني.»
كان من السهل عليه أن يكذب دون أن يرمش.
“كانت كذبة عملية فقط… أول مرة أكذب في حياتي.”
لكن وجنتي أستل شحبتا على الفور عند سماع كلماته.
✦
أمسكت أستل بيده وهزّتها عدة مرات قبل أن تغادر بوجه متورّد.
“أظن أنه لا بأس إن أمسكتُ بيدك! أليس كذلك؟”
“… نعم.”
“هل… هل يجب أن أقبّل ظهر يدك؟”
نظر إلى وجهها المُحمر، وهزّ رأسه ببطء.
“ليس بعد.”
“ص-صحيح! حسنًا، سأذهب الآن!”
ظهرها الصغير وهي تندفع بالمغادرة، وأذناها تحمرّان كالطماطم.
وضع يده بهدوء على ذقنه دون أن يُدرك أن ابتسامة قد ارتسمت على شفتيه.
كانت حياته، التي كانت دومًا ساكنة، قد اضطربت بشكل غريب، لكن مزاجه كان مفرطًا في البهجة.
“بسبب الخَتْم ذو السبب المجهول…”
فكّر في أستل.
يديها الصغيرتين المرتجفتين حين تلمسه، ووجنتيها المنتفختين كالهامستر، ومؤخرة عنقها البيضاء التي كانت تحمرّ دومًا.
راح يلفّ القلم القديم في يده ببطء.
على عكس أستل، كان بإمكانه أن يخمّن سبب الخَتْم.
لكنه لن يُخبرها.
الآن، مجرد وجودها في حصن قلعة الدوق كان كافيًا ليشعر بالرضا.
توقفت عيناه على القلم الحِبري القديم الذي استخدمه لأكثر من عقد.
قديم، عادي من السوق، لكن نُقِش عليه توقيعه…
قلبه، الذي كان ينبض دومًا ببطء حتى أصبح مملاً، بدأ يخفق بشكل أسرع.
لكن ذلك الهدوء لم يدم طويلاً.
فقد طرق مساعده، الذي كان في مهمة إلى العاصمة بسبب الحرب، باب المكتب فور عودته.
«جلالة الإمبراطور يُخطّط لإرسال فرسان الوردة الحمراء من العاصمة لدعم حرب الشياطين، سيدي.»
حدّق الدوق في مساعده.
«نعم.»
واجه المساعد، الذي كان يُقدّم تقريره بنبرة إدارية، نظرة الدوق، وسرعان ما ابتلع ريقه.
«بـ… بـفف…»
«…؟»
«سي- سيدي. لماذا، لماذا تضحك؟ إن كان هناك أي مشكلة… سـ- سأقوم بإصلاحها فورًا يا سيدي!»
كان يبدو عليه الارتجاف.
فقط حينها أدرك دوق أنايس أن زوايا فمه قد ارتخت.
فتح فمه بهدوء، مُعيدًا جموده.
«المشكلة كانت…»
«نعم، سيدي؟»
«… لا. ليست لديّ واحدة، لكن دعني أسألك. هل كان هناك ما يُزعجك في ابتسامتي؟»
حدّق في وجه مساعده كما لو كان يدرسه.
وكان رد فعل المساعد…
“بدا وجهي مخيفًا.”
أستل قالت إنه وسيم.
تدفّق العرق على ظهر المساعد عند سماعه كلمات الدوق الصريحة.
«نعم، نعم؟ هـ- هذا طبيعي، لا. لا، ليس كذلك!»
ضرب الدوق سطح الطاولة بنظرة مهيبة، محدثًا صوتًا خافتًا.
«… تابع التقرير.»
تابع المساعد، بقلب يخفق من التوتر:
«نـ- نعم. على أية حال، يرغب قائد فرسان الوردة بلقاء الدوق شخصيًا لمناقشة المعركة.»
«…»
«لذا، طلب فرسان الوردة تصريح مرور. على أي حال، كان القائد متحمسًا جدًا لفكرة زيارة هذه القلعة، سيدي.»
في الحقيقة، كان دوق أنايس مجرد تابع اسمي للإمبراطورية، كحال إمارة مستقلة.
وقد تم الحفاظ على ذلك بفضل معاهدة عدم الاعتداء الموقعة بين الإمبراطور وسلفه.
لذلك، لم يكن دخول قلعة الدوق في الشمال ممكنًا بدون إذن من الدوق نفسه أو إحدى العائلات الأربعة الحارسة الكبرى التي تملك سلطته ذاتها.
وفرسان العاصمة الذين قرروا المشاركة في هذه الحرب ضد الوحوش لم يكونوا استثناءً.
لمح المساعد وجه الدوق الهادئ، وتذكّر تعابير السعادة التي رآها على وجه قائد الفرسان في العاصمة.
بالطبع، لم يكن متحمسًا فقط لزيارة قلعة الدوق.
كان تحت ذلك شوقٌ كبير لدوق أنايس.
تجاوزًا لخوفه من “دوق المُتغيّري الشكل”، الذي يقتل العدو بيديه العاريتين، كانت هناك مشاعر إعجاب عظيمة تجاه دوق أنايس، الحاكم والسيف السحري الذي يستخدم كلًا من القوة الجسدية والسحر.
«تابع.»
«أوه، نـ- نعم!»
«لقد أعددتُ التفاصيل الشخصية لأعضاء الفرسان للمهمة، لذا أرجو الموافقة عليها.»
توقّف نظر الدوق مباشرة، بعد أن تلقّى الوثائق التي تحوي بيانات الأفراد.
وذلك لأن اسمًا مألوفًا قد لفت انتباهه:
«كاسيان غراي.»
***
تـــرجــمــــــة: ســـاتوريــــا… ♡
التلي: https://t.me/gu_novel
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"