3
“…هاه؟”
هل رأيتُ… خطأً؟
ضغطتُ مرّةً أخرى على زرّ الخروج.
كانت أصابعي ترتجف قليلًا، فظهرت النافذةُ المنبثقة نفسها مرتين متتاليتين.
《هذه الميزة غير مفعّلة!》
《هذه الميزة غير مفعّلة!》
ما هذا الكلام؟
واصلتُ النقر على الخروج، لكن النافذة لم تكفّ عن تكرار الجملة نفسها بلا توقف.
غير مفعّلة. غير مفعّلة. غير مفعّلة….
شعرتُ كأنّ صداعي سيشقُّ رأسي.
بمعنى آخر…
هل يعني هذا… أنّي لا أستطيعُ الخروجَ من هنا؟
دوّى قرب أذني صوتُ طَبولٍ ثقيلةٍ بلا مصدرٍ واضح، ولم أدرك إلا متأخرةً أنّها كانت دقّاتِ قلبي.
نظرتُ إلى الأسفل، فرأيتُ ساعةَ الجيبِ التي لا أعلمُ متى أفلتُّها، تتدحرجُ على الأرض.
وما إن أُغلق غطاؤها، حتى اختفت معها تلك الشاشةُ الهولوغرافيّة.
حدّقتُ فيها بذهولٍ للحظة، ثمّ قبضتُ على يديّ المتجمّدتين بقوّة.
‘ما هذا بحقّ السماء؟’
لا أستطيعُ إيقافَ اللعبة.
لا أستطيعُ الخروجَ من هذا النمطِ الجحيميّ الصعب.
ولا أستطيعُ العودةَ إلى جسدي، ولا إلى حياتي.
‘هذا… غيرُ معقول.’
لماذا لا أستطيعُ مغادرةَ اللعبة؟
هل حدثَ شيءٌ لجسدي الحقيقيّ؟
ماذا لو… كنتُ قد متُّ فعلًا؟
“آآآه…”
لا. لا يمكن.
لن تتحمّل عائلتي مأساةً كهذه أبدًا.
لكن، كيف حدث هذا أصلًا؟ ولماذا أنا بالذات؟
‘لقد مرّ زمنٌ طويل منذ آخر مرة لعبتُ فيها <مرحبًا أيُّها الفندق السعيد>، فلماذا الآن؟ ولماذا أنا؟!’
كان كلُّ شيءٍ يسيرُ على ما يُرام. لم تكن لديّ أدنى شكوى من حياتي.
لقد نجحتُ أخيرًا في دخولِ الجامعة بعد جهدٍ شاقّ، وبعد كلّ ما بذلتُه… يُنتزعُ منّي كلّ شيءٍ في لحظة؟
ما زال أمامي الكثيرُ لأفعله… ولأعيشه.
تسارعت أنفاسي. مرّرتُ يدي المرتعشة على وجهي مرارًا،
وللمرّة الأولى منذ استيقظتُ في هذا العالَم، غمرني خوفٌ حقيقيّ لا يمكن إنكاره.
نعم… لنُقرّ بالأمر.
منذ اللحظة التي فتحتُ فيها عيني في هذا المكان، كنتُ أتصرفُ كأنّي أسيرُ في حقلِ أزهار.
لم أفكّر يومًا بجدّيّةٍ في حقيقةِ ما حلّ بي.
لكن بعد أن رأيتُ بعينيّ الجدارَ الذي لا عودةَ من ورائه، أدركتُ أخيرًا فداحةَ ما حدث.
كانت تلكَ واقعيّةً حادّةً كحدّ السيف، لا ترحم.
***
جلستُ ساكنةً في مكاني فترةً طويلة.
لكن سرعان ما أدركتُ الحقيقةَ الباردة أنّ الاستسلامَ والذهولَ لن يُغيّرا شيئًا.
‘اهدئي.’
ضغطتُ كفّي على جفنيّ المتورّمين، وأخذتُ أنفاسًا عميقةً حتى استعادت روحي توازنَها.
‘طالما لم أُسقِط نفسي و أتخلى عنها، سيبقى هناك طريقٌ دائمًا….’
كانت تلك عبارةَ مدرّبي في نادِي التايكوندو حين كنتُ صغيرة، وها أنا أستعيدُها الآن.
رفعتُ رأسي وأخذتُ أُرتّب أفكاري ببطء.
فلنحلّل الوضعَ بهدوء.
لقد تقمّصتُ داخل لعبةِ محاكاةِ إدارةِ الفنادق <مرحبًا أيُّها الفندق السعيد>، في الوضع الصعب.
و خاصّيّةُ إنهاء اللعبة معطّلةٌ حاليًّا، أي إنّ الخروجَ منها الآن مستحيل.
‘لكن، كونها معطّلةً لا يعني أنّها غير موجودة. وهذا بحدّ ذاته أمرٌ إيجابيّ.’
ربّما يمكنُ تفعيلُها بعد تحقيقِ شرطٍ معيّن.
‘لكن ما ذلك الشرط؟’
كيف تتصرّفُ بطلات رواياتِ التجسد عادةً في مثلِ هذا الموقف؟
كلُّ ما أعرفُه عن هذا النوع من القصص مصدرُه أختي الصغرى، المهووسةُ برواياتِ الفانتازيا الرومانسيّة، فتذكّرتُ حوارًا دار بيننا يومًا.
“يعني، عند التجسَّد، لا يمكن العودة إلى الجسد الأصلي؟”
“غالبًا لا، لأنّ البطلة تكون قد ماتت قبل حدوث التجسد.
لكن ليس دائمًا! فخاصّةً إن كانت القصة داخل لعبة، فقد تعود بعد أن تصل إلى النهاية.”
صحيح… النهاية.
إن كنتُ قد دخلتُ لعبةً حقًّا، فربّما أستطيعُ العودةَ إلى جسدي عند الوصول إلى النهاية.
كان ذلك ممكنًا تمامًا!
‘نهاية <مرحبًا أيُّها الفندق السعيد>، إذًا….’
صحيح أنّ ألعابَ المحاكاة الإداريّة لا تكونُ لها عادةً عدة نهايات، لكن لو فكّرتُ قليلًا، فهناك أمرٌ واحد يمكنُ اعتباره نهايةَ هذه اللعبة تحديدًا.
إنّه الوصول إلى التصنيف الأعلى للفندق.
حين يرفعُ اللاعب فندقه إلى المستوى الأقصى، فندقٍ فخمٍ من سبعِ نجوم، تُعرضُ حينها مقطعُ تهنئةٍ قصيرٌ مع تترات النهاية.
إذن، يمكن القولُ إنّ تلك المرحلة هي في الواقع النهاية.
لكن المشكلة هي….
‘ما نهاية الوضعِ الصعب؟ هذا ما لم يعرفه أحدٌ قطّ حتى النهاية.’
كما ذكرتُ سابقًا، في النسخة العاديّة من اللعبة، يكونُ اللاعبُ المديرَ العامّ للفندق، فيُديرهُ ويرتقي به إلى القمّة.
أمّا في الوضع الصعب، فاللاعبُ ليس أكثرَ من موظّفٍ عاديّ،
بل موظّفٌ بلا قسمٍ محدّد، ولا صلاحيات، ولا سلطةٍ تذكَر.
وكلُّ ما يُسمح له به من محتوى هو التجوّلُ في الفندق،
الذي صار أوسعَ بكثيرٍ من النسخة الأصليّة،
وأداءُ بعض المهامّ البسيطة في خدمة الزبائن.
لكن إن وطئتَ خطأً على أحد الأخطاء البرمجيّة،
فإمّا أن تُغلق اللعبة قسرًا، أو يُحذفُ ملفُّك،
أو، في أسوأ الأحوال، يتلفُ هاتفُك نفسه.
ولذا قضى اللاعبون وقتًا طويلًا في دراسةِ خريطة الفندق،
يبحثونَ عن طرقٍ لتجنّبِ الأخطاء، حتى غصّت المنتدياتُ يومًا بمواضيعٍ بعنوان:
[استراتيجيّة تجاوز <مرحبًا أيُّها الفندق السعيد> في الوضع الصعب.]
لكن النتيجة؟
مجموعةٌ من النصائح لتفادي الأعطال… لا أكثر.
‘هل يمكنُني أنا أن أكتشف طريقةَ تجاوزها الآن؟’
راودني شكٌّ خفيف، لكن ما من خيارٍ آخر.
يجب أن أبذلَ كلَّ ما أستطيع،
خصوصًا أنّ رؤية النهاية هي الأملُ الوحيدُ للخروج.
‘لا بأس.’
لا أعلمُ ما الذي فكّر به فريقُ التطوير حين صنعوا هذا الوضع الصعب، لكنها في النهاية لعبة.
ولا توجد لعبةٌ في العالم لا يمكنُ اجتيازُها بطريقةٍ ما.
إذن عليّ فقط أن أتحرّك.
وسأعثرُ حتمًا على الخيطِ الأوّل بنفسي.
‘وفوقَ ذلك، وضعي ليس سيّئًا جدًّا.’
فأكبرُ مشكلةٍ في هذا الوضع هي كثرةُ الأخطاء التي تظهرُ عند كلّ خطوة.
لكن من أنا؟
لقد كنتُ لاعبةً متمرّسةً، قضيتُ سنواتِ مراهقتي كلّها مهووسةً بـ<مرحبًا أيُّها الفندق السعيد>، وأعرفُ معظمَ مواقعِ الأعطالِ وطرقَ تفاديها.
بكلمةٍ واحدة،
أنا واثقةٌ بأنّ بإمكاني التقدّم أسرعَ من أيّ شخصٍ آخر.
‘جيّد. ممتاز.’
وفي بداية الوضعِ الصعب… هناك شيءٌ واحدٌ يجبُ فعلهُ أولًا.
نفضتُ الغبارَ عن أطرافِ فستاني،
ثمّ نهضتُ من مكاني،
والتقطتُ ساعةَ الجيبِ التي سقطتْ سابقًا،
وأعدتُها إلى جيبِ الفستان برفق.
ثمّ نظرتُ حولي.
‘أنا الآن أقفُ في وسطِ الردهةِ الرئيسيّة…’
هناك، خلفَ الظلامِ البعيد،
من المفترضِ أن تكون منضدةُ الاستقبال.
ورغم أنّ لديّ عملًا هناك لاحقًا،
فالأولويةُ الآن لشيءٍ آخر.
استدرتُ نحو الجهةِ المقابلة.
كانت هناك ثلاثُ أبوابٍ ضخمة.
في المنتصف بابٌ دوّار تحيطُ به شجرةٌ كثيفةُ الأغصان،
لكنه معطّلٌ لا يدورُ إطلاقًا.
وعلى اليسار بابٌ مزدوجٌ من الخشبِ الصلب محفورٌ بزخارفِ زهرٍ متفتّح،
وعلى اليمين بابٌ مماثلٌ منقوشٌ بأغصانِ اللبلاب.
يبدو سليمًا من بعيد،
لكن عليه آثارُ ضربٍ وركلٍ متكرّرٍ جعلته متّسخًا ومشوّهًا.
الآن، البابُ الذي يهمّني… هو البابُ الأيمن.
بدأتُ أبتعدُ ببطءٍ، من دون أن أزيحَ بصري عنه.
وفجأةً، سُمِع صوتٌ خافتٌ مألوف.
-صرّ… صرّ… صرّ….
كصوتِ مفصلاتٍ صدئةٍ تستيقظُ بعدَ نومٍ طويل.
‘ها هو ذا….’
يبدو أنّ عليّ تأجيلَ السباقِ نحو الخروج قليلًا.
الآن، حان وقتُ مواجهةِ أوّلِ خطأٍ برمجي في الوضعِ الصعب من <مرحبًا أيُّها الفندق السعيد>.
التعليقات لهذا الفصل " 3"