“تفضّل وتناول طعامك. لقد أوصيتُ بنفسي السيّدة لتجهزه بعناية فائقة.”
كانت هيشين تتحدث بلينٍ ووداعة، حتى ليُخيَّل للمرء أنها لم تجادل من قبل مع مين-جون ولم تُشهر في وجهه الأشواك. غير أن مين-جون، على الرغم من دعوتها الرقيقة، لم يمد يده إلى الملاعق. ظلّ جالسًا يحدّق صامتًا في حساء البط المسلوق الموضوع أمامه.
لم يتحمّل والده، غي-هان، هذا البرود، فالتقط الملعقة أولًا ليحثّه قائلاً:
“هيا يا بني. تناول طعامك. أمك أعدّته خصيصًا لك.”
أضافت هيشين مبتسمة وقد وجدت في كلام زوجها سندًا لها:
“بالطبع! أوصيتُ أن يُغلى معه الجنسنغ والأستراجالس وخشب الأومنامو وحتى شجرة الهوكغا، بكثرةٍ غامرة. يكاد يكون أقرب إلى وصفة طبية من شدّة قوّته. أردته يقوّي جسدك بعد العملية.”
لكن رغم كل هذا التبرير، ظلّ مين-جون ساكنًا، ثم التفت إلى الخادمة قائلًا بهدوء:
“أيمكنكِ أن تحضري لي زجاجة ماء، سيدتي؟”
ارتبكت الخادمة لحظة، ثم أسرعت إلى الثلاجة وعادت بزجاجة ماء باردة. شكرها مين-جون، فتح الزجاجة، رشَفَ منها جرعة أو اثنتين، ثم قال بنبرة هادئة كأنه يروي أمرًا لا يعنيه:
“هذا يكفيني.”
“ماذا؟!”
زمجر والده:
“أيّ تصرف هذا؟! أمّك أعدّت الطعام بنفسها من أجلك!”
أجابه مين-جون بهدوء لا يلين:
“المعذرة، لكن الأطباء شدّدوا عليّ أن أتجنّب هذا النوع من الأطعمة. فالجنسنغ والأعشاب الطبية قد تغيّر تركيز مثبطات المناعة في جسدي.”
وجم وجه هيشين واحمرّت وجنتاها من الغضب والإحراج. أما غي-هان فتنحنح في ضيق، ثم رفع صوته يوبّخها:
“كيف لم تنتبهي لذلك؟! أيعقل أن تعدّي طعامًا لا يصلح لمريضٍ أجرى زراعة قلب؟! أكان لزامًا أن أشرح لكِ كل شيء بالتفصيل؟!”
ارتبكت هيشين، ثم ألقت باللائمة على الخادمة، ناسِية أنها قبل لحظات كانت تتفاخر بأنها أشرفت على إعداد الطعام بنفسها. فما كان من المسكينة إلا أن انحنت مرارًا وهي تقول:
“عفوًا… أعتذر بشدة يا سيدي. لم أكن أعلم…”
لكن مين-جون قطع عليها، ببرودٍ لا مبالٍ:
“لا بأس. لم تكن لي رغبة بالعشاء أصلًا.”
وضع زجاجة الماء على الطاولة، ثم التفت إلى والده:
“إن كان لديك ما تود قوله، فتفضل يا رئيس.”
فانفجر والده غاضبًا:
“كف عن هذا اللقب! رئيس! رئيس! أهذا مكتب الشركة؟!”
غير أنّ مين-جون لم يتأثر، بل ألقى نظرة إلى ساعته وكأنه يلمّح إلى أن الوقت قد نفد. عندها بلع غي-هان غضبه وأخرج السبب الحقيقي الذي استدعاه من أجله:
“فرّغ وقتك هذا الأسبوع. أتذكر حفيدة النائب تشوي هون-شيك؟ لقد عادت مؤخرًا من الخارج. سمعت بخبر عمليتك، وأصرت أن تراك لتبارك لك عودتك بالسلامة…”
صاحت هيشين مقاطعة وقد ارتجف طرف ابتسامتها:
“ما معنى هذا؟! أهذا وقت الحديث عن حفيدة النائب؟!”
ثم التفتت إلى مين-جون بعينين محمرتين وقالت في استعجال:
“ما زلتَ في طور النقاهة يا بني. ليس من الصواب أن نحمّلك عبء الزواج الآن. صحتك أولى، أليس كذلك يا مين-جون؟”
ابتسم مين-جون ابتسامة ساخرة وهو يحدّق في عينيها المرتعشتين، فازداد اضطرابها. لكنها لم تكد تفتح فمها، حتى بادر كي-هان بنبرة قاطعة:
“أي نقاهة هذه؟ لقد عدتَ إلى العمل وتؤديه بكفاءة تامة!”
احتجّت هيشين بمرارة:
“لكن يا رجل! ليس الزواج هو الأولوية الآن. لقد أجرى عملية قلب مفتوح حديثًا، فلا داعي للعجلة!”
ارتجف قلبها، إذ لم تعد قادرة على إخفاء فزعها. فزوجها الذي أصرّ يومًا على جعل مين-جون وريثًا للشركة رغم مرضه، كان الآن يسعى لتزويجه بسرعة، حتى يضمن له ذريةً ترث من بعده.
‘إن تزوج مين-جون، فستغلق جميع الأبواب أمام ابني هيك-جون. لن يكون له نصيب في هذا البيت ولا في هذه الشركة!’
عضّت على شفتيها من شدة القلق، وفي تلك اللحظة تحدّث مين-جون بنبرة هادئة تحكمها المسافة:
“بلغها أنني شاكر تهنئتها، وقد وصلني امتنانها.”
“…ماذا؟”
“وإن لم يكن لديك ما تضيف، فسأنصرف الآن يا رئيس.”
انحنى انحناءة رسمية، ثم همّ بالمغادرة. فضرب غي-هان الطاولة وهو يصرخ:
“مين-جون! عد إلى مكانك حالًا!”
لكن الابن أجابه ببرودٍ صارم:
“إن كان الأمر عن الشركة فسأسمعك، في الشركة. أما إن كان لمثل هذا الحديث، فلن آتي بعد الآن.”
ثم خرج دون أن يلتفت وراءه.
خارج البيت
“كوان مين-جون! عد فورًا!”
تردّد صدى صراخ أبيه عبر الممر، لكن مين-جون لم يلتفت. فقد اعتاد على هذا السيناريو كلما وطأت قدماه هذا المنزل: الزواج، الإنجاب، إنجاب وريث… كلمات متكررة تلاحقه حيثما ذهب.
كان يفهم ما وراء تلك الكلمات: افعل ذلك قبل أن أموت.
شعر طوال حياته وكأنه مجرد فحلٍ مخصّص للإنجاب، لا أكثر.
‘كنت أظن أنّ عملية الزرع ستضع حدًا لهذا الهراء…’
تمتم ساخطًا وهو يضغط على صدغيه المتألمين، ونزل الدرج الخارجي بخطوات متثاقلة. لكن في منتصف الطريق صادف وجهًا مألوفًا يصعد الدرج مترنحًا.
“أوه؟ أليست هذه مفاجأة! إنه أخي الكبير.”
كان هيك-جون، أخوه غير الشقيق، تفوح منه رائحة الخمر الثقيلة. احمرّت عيناه وانتفخت وجنتاه وهو يقترب مترنحًا.
“ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أها، فهمت! أتيتَ من أجل كرسي الوريث، أليس كذلك؟ لتقول لأبي: انتهى أمري، أنا الآن بخير، فأعطني العرش!”
حدّق به مين-جون مليًا ثم قال ببرود:
“لقد سكرتَ كثيرًا. ادخل إلى غرفتك.”
لكن هيك-جون صاح ساخرًا:
“أنتَ؟ وريث؟ يا للمهزلة! أي وراثةٍ لرجل يعيش بقلبٍ مستعار؟! لستَ سوى عاجزٍ يقتات على قلب غيره!”
صرخاته ملأت الممر، لكن مين-جون لم يرد. حاول أن يتجاوزه، إلا أن هيك-جون انقضّ عليه وهو يترنح، محاولًا الإمساك بتلابيبه. غير أنّ جسده المخمور خانه، فوقع متدحرجًا على الدرج، يتأوه في عجز.
رمقه مين-جون بنظرة ازدراء، ثم أكمل طريقه مغادرًا البيت.
‘كان عليّ ألا آتي أصلًا.’
* * *
في طريق العودة
سأله سكرتيره وهو يقود السيارة:
“هل أنت بخير، سيدي؟”
كان يرى كيف يضغط مين-جون على صدغيه من الألم. فأجابه الأخير بهدوء:
“أنا بخير. شكرًا لك. يمكنك الانصراف الآن.”
ترجّل من السيارة متوجهًا نحو مدخل العمارة. لكنه فجأة توقّف، إذ وقعت عيناه على انعكاسٍ غريب في زجاج الباب.
كانت هناك سيارة سوداء مجهولة تغادر المخرج الخلفي، ببطءٍ خفي.
‘اليوم… هذه المرة الرابعة.’
ضاق ما بين حاجبيه وهو يسترجع تلك المرات التي لمح فيها السيارة ذاتها. ثم أدخل الرمز بهدوء ودخل المبنى. انتظر المصعد بعينين ساكنتين، لكن أعماقه غمرها ثقلٌ مريب.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"