على العكس تمامًا، عاش راكيونغ حياةً أشد ضراوةً من سائر الناس. لم يعرف مَن هم والداه، ولم ينعم يومًا بدفء عائلة، غير أن ذلك لم يكن يومًا موطن ضعفه. لم يلعن أبويه الذين هجراه، ولم يَحقد على الدنيا؛ بل سخّر كل لحظة ليكون وفيًّا لحياته.
كان أكثر من أحبّ نفسه، وأكثر من خطا نحو حلمه بخطوات واثقة، ثابتة.
‘أنا، التي التحقت بكلية الطب متوسلةً رضا والديَّ، ساعيةً وراء حنانٍ كاذبٍ منهما… لم أكن يومًا مثل راكيونغ. هو وحده نذر حياته ليكون طبيبًا ينقذ الناس، لم يدّخر جهدًا في ذلك، ولم يلتفت يومًا إلى ما ينقصه.‘
‘وكيف لي أن أقبل أن يُهان كل ما مثّله؟!
… قبل كل شيء، كان راكيونغ عائلتي الوحيدة.‘
أدركت دان آه هذه الحقيقة بقوةٍ متجددة، فعضّت على شفتيها ونهضت من مكانها. ألمٌ لاذع سرى في خاصرتها من الحركة المفاجئة، لكنها لم تبح به. ما جدوى ذلك؟! لم يكونوا يومًا ممّن يقلقون لأجلها؛ كل ما جاؤوا به الآن هو ليبحثوا عن وسيلةٍ أخرى لاستغلالها.
لم تعد دان آه راغبة في أن تحيا تحت رحمتهم بعد اليوم. نعم، تعترف بفضل تربيتهم لها، وستردّه بطريقتها يومًا، لكن ليس هكذا… ليس بهذه الصورة المقيتة.
صرخت والدتها بحدة، حاجباها مقطّبان:
“اجلسي فورًا! كيف تجرؤين على النهوض وأنتِ تسمعين حديث والديكِ؟!”
لكن دان آه لم تلتفت إليها. حوّلت نظرها نحو والدها، فرأت يده الضخمة ترتجف فوق الطاولة. كان واضحًا أنه يقاوم نوبة غضبٍ أمام العيون التي تراقبهم.
لو كانوا وحدهم، لما تردّد لحظة في رفع يده عليها.
جسدها ارتجف رغماً عنها، ذاكرة العنف الماضي تشدّها للوراء. أوّل مرة جاءتها خطبة من مجموعة “جينسونغ”، وحين أعلنت رفضها الزواج، انهال والدها عليها بالشتائم والضرب. كان مشهدًا لم يعتده؛ الرجل الذي لطالما وقف متفرجًا بينما زوجته تُمعن في قسوة الابنة، هو نفسه من استشرس يومها.
كل ذلك لأن المكسب كان كبيرًا… كبيرًا بما يكفي ليغضّ بصره عن كل شيء.
والآن وقد فشلت صفقة “جينسونغ”، كان طبيعيًا أن يبحث عن عريسٍ آخر، لا عن سعادة ابنته.
“حياتكِ ملككِ أنتِ. لا يملك والداكِ، مهما كانا، حقَّ العبث بمصيرك.”
تذكّرت دان آه كلمات راكيونغ؛ حين كادت أن تضعف قبيل إفساد خطبتها، كان هو سندها.
‘نعم… لم أنسَ بعد.‘
استعادت أنفاسها، وحدّقت في وجوههم، وقالت بحزم:
“ارحلوا حالًا. أما الزواج… فلن يكون.”
تصلبت الملامح:
“…ماذا قلتِ؟!”
فأجابت:
“إن جررتموني إلى المذبح مرةً أخرى، فستشهدون ما حدث سابقًا يتكرر. لقد فعلتها مرّة، ولن أتردد أن أفعلها مرارًا وتكرارًا.”
قبضت كفّيها حتى غاصت أظافرها في جلدها، وصوتها المرتجف يغالب الرعب الذي ينهشها. لكن عزمها لم يتزحزح.
كانت تستشعر قلب راكيونغ، الذي لا يزال يخفق داخل جسدٍ آخر، وتفتقد ذلك النبض الحيّ بشدة لا توصف.
“وصلنا، سيدي.”
بكلمات السكرتير، فتح مين جون عينيه ببطء وهو في المقعد الخلفي. كان قناعٌ أسود يغطي نصف وجهه حتى جسر أنفه، فلا يُرى تعبيره. ومع ذلك، بدا واضحًا أن مزاجه لم يكن على ما يرام.
رمق المشهد من خلف الزجاج بضجرٍ عميق. البيت الكبير يلوح أمامه، تحيط به أسوار شاهقة.
ذلك البيت… حصنٌ منيع لوالده، وسجنٌ خانق له.
مكانٌ لم يتمنَّ سوى أن يفرّ منه، بينما أمه ـ حتى بعد موتها ـ تشبثت بالبقاء فيه.
شدّ على فكّه أسفل القناع، ثم سرعان ما تنفّس بعمق وفتح باب السيارة كأن شيئًا لم يكن.
“شكرًا على جهدك. لن أتأخر طويلًا.”
“حسنًا، سأنتظر بالخارج.”
انحنى السكرتير احترامًا، ثم سبقه بخطوات إلى البوابة، وضغط على الجرس.
ـ طَق!
تحرّك القفل الثقيل، وانفتح الباب ببطء. خطا مين جون إلى الداخل، والسكرتير ينحني له مرةً أخرى.
‘…هل مرّت ستة أشهر؟‘
فكر وهو يتسلق الدرج الحجري. نعم، نحو نصف عام مضى منذ آخر مرة وطأت قدماه هذا البيت، وكان حينها مكرهًا بدعوة والده. واليوم، لا يختلف الحال.
“مرّ على خروجك من المستشفى ثلاثة أسابيع، متى تنوي زيارة المنزل؟”
لولا أمر والده الحازم في الشركة، ما كان ليدخل هذا المكان ثانية.
أطلق تنهيدة ثقيلة، وشدّ من عزيمته وهو يتابع الصعود.
‘إن كان لا مفرّ… فليكن بسرعة، بلا مماطلة.‘
وبينما كان يخطو، لاحت له المصابيح الحجرية الصغيرة على جانبي الممر.
أسراب من الحشرات الليلية تتهافت على الضوء، تصطدم بالزجاج المضيء دون هوادة. ورغم عناية البستانيين، كانت أسطح المصابيح مغطاة بجثث الحشرات المحترقة.
توقف لحظة يتأملها، عيناه معتمتان.
على أية حال، لم يكن ينوي البقاء طويلًا. رفض مين-جون أن يأخذ معطفه الخادم الذي مدّ يده نحوه، ثم ألقى بنظره إلى جهة الأريكة. هناك، كانت امرأة في منتصف العمر—بل بالأحرى، زوجة أبيه “كانغ هي-شين”—تحتسي الشاي بهدوء، كأنها لم تلمح دخوله.
لكنّ الأمر لم يكن جهلًا، بل تجاهلًا متعمّدًا، بل إعلانًا صريحًا بأنها لا تعبأ بوجوده.
“…….”
لم يبدُ على مين-جون أي انفعال، بل صرف بصره عنها ببرود، ثم التفت إلى أحد الخدم القريبين منه وسأله بهدوء:
“هل والدي في مكتبه؟”
“نعم، في الواقع، كنتُ على وشك إبلاغه بوصولك للتو…”
لكن صوتًا حادًا قطع كلام الخادم، فاخترق الأجواء كسيفٍ مباغت:
“أيعقل؟! ألا تُلقي التحية على أمك وأنت عائد إلى البيت؟!”
كانت هي-شين، التي قبل لحظة كانت تحتسي الشاي بأريحية، الآن ترميه بكلماتها كالسهام. تجمّدت الأجواء للحظة، لكن مين-جون لم يبدُ عليه الاضطراب؛ رفع عينيه إليها، وقال بنبرة باردة تفيض استخفافًا:
“ومن التي تُدعين أمي؟ أمي الحقيقية رحلت منذ زمن بعيد.”
“ماذا؟! أهذه كلمات تُقال؟ كيف تجرؤ أن تتحدث معي بهذا الشكل؟! هل تظنني بهذه السذاجة حتّى…”
لم تكد تكمل جملتها وقد علت نبرتها حِدّة، حتى انفتح باب المكتب بعنف، ليخرج منه والده، “كوان غي-هان” رئيس مجموعة تاي-يونغ، وهو يزمجر بوجهٍ عابس:
“أيُعقل أن ترفعي صوتكِ هكذا؟! أهذا بيت أشباه المتعلمين حتى تصدحي بالصراخ؟!”
“لـ… لا، الأمر ليس كما تظن، عزيزي…”
انطفأ غضب هي-شين في لحظة، وحاولت أن تتلعثم بمبررات واهية، لكن عينَيها لم تفارقا زوجها، كأنها تستجدي منه الرضا.
فأردف بنبرة تفيض امتعاضًا:
“كم مرة قلتها لكِ؟ لا أريد صوت النساء يخرج إلى ما وراء هذه الجدران. كم حذرتك من ذلك، ومع ذلك تكررينه؟!”
ترددت لحظة، ثم رفعت صوتها شاكية:
“لكنكِ لا ترى ما يحدث! هو… مين-جون! لا يعاملني كأم له أبدًا! بذلتُ جهدي وربّيته كأني والدته، ومع ذلك يقابلني بالبرود والاحتقار… ألا يجب أن أُعاتبه؟!”
انفجرت تبكي، وقد تعمّدت إظهار مظلوميتها. مشهدٌ مألوف لمين-جون ولأبيه معًا، حتى باتت دموعها لا تحرك فيهما ساكنًا.
“تشه.”
لم يستطع غي-هان إلا أن يضغط لسانه ساخرًا من تمثيليتها الرخيصة. سخرية من امرأة كان قد ضحّى بزوجته الأولى، زوجته الحقيقية، ليجعل هذه بديلًا لها… والآن تراها تستجدي الاحترام بالدموع.
التفت مين-جون جانبًا، كاتمًا ابتسامة ساخرة، فيما والده واصل الحديث، جاهلًا بما دار في نفس ابنه.
“على أية حال… لنجلس إلى العشاء معًا. إيتشون-داك، هل أعددتِ المائدة؟”
“نعم، سيدي…”
لكن مين-جون قطعها ببرود قبل أن تكمل:
“لا داعي، يا خالة. لن أتناول العشاء هنا.”
قطّب غي-هان حاجبيه بشدة، وقد بدا الغضب في قسماته:
“ما معنى هذا الكلام؟! أتيتَ بعد طول غياب، ثم تخرج دون أن تشاركنا حتى وجبة؟!”
“أعتذر، سيادة الرئيس.”
قالها مين-جون بوجه جامد، نبرة أشبه بموظف يخاطب رئيسه لا ابنًا يتحدث مع والده.
استشاط غي-هان غضبًا:
“رئيس؟! هكذا تخاطب أباك؟! ألستَ في بيتك، بل في بيت أبيك؟!”
ثم أدار ظهره غير آبه، وصاح بأمرٍ للخادمة:
“إيتشون-داك! جهّزي المائدة حالًا، ولا أريد أي تأخير!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"