4
❝ ……… ❞
توقّفت دان آه عن السير فجأة، وكأن العالم بأسره انكمش من حولها، ثم مضى… إلا هي.
الناس تابعوا خُطاهم نحو روتينهم المعتاد، لكنها ظلّت وحدها، عالقة في فراغ زمني غريب،
فجوة لا تنتمي إلى الأمس، ولا تقبل أن تُصنَّف ضمن الحاضر.
في أعماقها، كانت تدرك الحقيقة…
أن النجاة من هذا التيه، لا تكون إلا بالتغيير.
وبأنفاس مثقلة، لملمت شتاتها المنكسر، وقمعت رجفة التردّد في صدرها، ثم خطت بخطى واثقة نحو مصاعد قسم التنويم…
تمضي، لا كمن تهرب، بل كمن اختارت المواجهة.
‘هل غادر المستشفى بالفعل؟ لا… لابد أنه لا يزال هناك.‘
ما إن تأخرت للحظة حتى بدأ قلبها بالخفقان بسرعة.
كانت تنوي أن تراه… دون أن يراها،
أن تلمح مغادرته من بعيد، بصمت.
كوون مين جون.
الرجل الذي احتضن قلب راكيونغ بين أضلعه.
مرّت ثلاثة أسابيع منذ نُقل من وحدة العناية المركزة بعد الجراحة إلى غرفة العزل العادية.
واليوم… سيغادر.
سيعود إلى عالمه، إلى حياته التي كادت أن تُسلب منه.
ركبت دان آه المصعد وشفتاها مطبقتان بشدة.
في زجاج الباب، انعكست صورتها تحدق إليها…
كأنها تسألها: “ماذا تفعلين؟”
كانت تعرف تمامًا…
أن اكتشافها لهوية المتلقي، كطبيبة، كان تجاوزًا لا يُغتفر.
ومراقبتها المتكررة لحالته، من خلف الظلال،
كان فعلًا لا يليق بها ولا بمكانتها.
لكنها همست لنفسها، كأنها تلتمس الغفران من قلبها:
‘…رغم ذلك، أردت أن أراه… حتى وإن لم يعرفني.‘
كانت تشتاق إلى راكيونغ حدّ الألم.
وإن لم تستطع أن تراه مرة أخرى،
فلتنظر إلى قلبه على الأقل… ينبض من جديد.
لا من خلال تسجيلات سوك وونغ الصوتية،
بل بعينيها هي… أمامها، الآن.
كوون مين جون.
٣١ عامًا.
رجل ناضل طويلًا ضد فشل القلب.
اسمه ونبضه وملف حالته كانت تتردد جميعها في ذهنها.
رنّ جرس المصعد وتوقّف، فتحت الأبواب.
كانت تنوي الخروج، إلى طابق غرف التنويم…
ولكن هناك، أمام الباب مباشرة، كان هو واقفًا.
كوون مين جون.
تسمرت دان آه في مكانها، عيناها اتسعتا من الذهول،
تحدق فيه دون أن تطرف.
هو أيضًا انتبه لنظراتها… توقف عن الصعود، ونظر نحوها.
حتى وإن غطّت الكمامة وجهه،
عيناه الباردتان كانتا كافيتين لتمييزه.
وربما لهذا السبب وحده، تعرفت عليه فورًا،
رغم أنها لم تره من قبل سوى من خلال نافذة زجاجية صغيرة، خلف جدران العزل.
“هل لن تنزلي؟”
“آ… آه… ن-نعم.”
ردّت بصوت منخفض، تتلعثم، ثم تراجعت إلى زاوية المصعد،
وأدارت وجهها نحو الجدار، تهرب من عينيه.
دخل هو المصعد بخطى هادئة،
وفي الوقت الذي كانت تراقبه فيه خلسة من طرف عينها،
انبعث صوته مجددًا، هادئًا، عميقًا:
“إلى أي طابق أنتِ ذاهبة؟”
“هـه؟ أ-أنا… أيضاً إلى… إلى الطابق السفلي الثاني.”
ارتبكت أكثر، وزاد تلعثمها،
لكنها لحسن الحظ لاحظت أنه ضغط الزر بالفعل،
فأجابت على عجَل.
‘هل سيتساءل عن سلوكي؟ عن توتري الغريب؟‘
حتى من وجهة نظرها، ما كانت تفعله يبدو مثيرًا للريبة.
فكيف يراها هو إذًا؟
شعرت كأن قلبها سيُكتشف، أن تنكشف رغبتها، شوقها، حزنها…
لكن شيئًا من ذلك لم يحدث.
مرت الطوابق واحدًا تلو الآخر،
ومين جون لم يلتفت إليها ولو مرة.
بل ازداد ارتياحها حين ركب معهم أشخاصٌ آخرون في منتصف الطريق.
‘راگيونغ…‘
نظرت إلى ذلك الرجل الطويل من بين الواقفين،
شفتاها ارتجفت، وعيناها امتلأتا بالدموع.
حلقها انعقد، وأنفها لذع من حرارة البكاء.
داخل هذا الصندوق المعدني الصغير،
توقفت الحياة للحظات.
قلب راكيونغ كان هناك…
ينبض إلى جانبها، يهمس لها: أنا ما زلت حيًا.
✦✦✦
“……همم.”
قطّب مين جون حاجبيه حين سمع صوتًا خافتًا خلفه.
شخص ما كان يشهق. لا شك أنها كانت تبكي.
المرأة التي ركب معها المصعد أولًا.
هل كانت تبكي بسبب أحد أقاربها؟
كونها كانت في مصاعد المرضى، فالأرجح أن ذلك صحيح.
استعاد ملامحها الشاحبة، وعينيها المذعورتين،
اللتين لم تعرفا أين تستقران من شدة الارتباك.
كان يتفهّم ذلك تمامًا.
لو كان أحد من تحب مريضًا، فمن الطبيعي أن تبدو بهذا الشكل.
مرّت ابتسامة مريرة على طرف شفتيه.
ذكرى وجوهٍ كثيرة من حوله عادت إلى ذهنه…
وجوه لم تحمل له سوى نظرات الشفقة أو الانتظار.
لم يسألوه “هل أنت بخير؟”،
بل فقط: “متى سينتهي أجلك؟”
عائلة؟ روابط دم؟
بل كانت أقنعة يختبئون خلفها،
منافع متبادلة وعقود غير مكتوبة.
الشخص الوحيد الذي أظهر فرحًا حقيقيًا حين علم بأنه سيحصل على القلب،
كان والده…
لا حبًا فيه، بل لأن فكرة “انقراض النسل” كانت ترعبه أكثر من مرض الابن ذاته.
ضحك مين جون بسخرية، ثم غرز يده في جيب معطفه،
حيث وضعت سكرتيرته، كعادتها، منديلًا أنيقًا بعناية تامة.
بهدوء، مدّ يده بالمنديل نحو المرأة الواقفة خلفه:
“تفضلي… لتجفيف دموعك.”
“هـه؟ أ-آه… شـ… شكرًا.”
كان ذلك رد فعل طبيعي.
الغريب في المصعد يناولها منديلًا فجأة…
لكنها بدت كالأرنب المذعور، عيناها الواسعتان تنظران إليه بخجل وذهول.
أدرك حينها أنه قد يكون تجاوز الحد.
لكن لم يكن ذلك مقصودًا.
فقط… لم يعتد على رؤية هذا النوع من البشر من حوله،
فجاء رد فعله فطريًا، عفويًا.
نسي للحظة أن “النية الطيبة”
في عالمه لا تكفي أبدًا لتبرير التصرفات.
“لأنكِ… كنتِ تبكين. هذا كل ما في الأمر.”
كان يتمنى لو يتوقف الزمن، أو تفتح الأبواب الآن ويدخل شخص آخر.
أو على الأقل… أن يسرع هذا المصعد البطيء.
قطّب جبينه، غارقًا في أفكار ليست من طبعه،
وفي تلك اللحظة، لاحظ نظرة المرأة تهبط ببطء نحو يده…
حيث كان لا يزال يحمل المنديل.
عيناها توقفتا هناك.
ليست على وجهه، بل على قطعة القماش تلك…
…وعلى يده التي تحمل قلب راكيونغ.
“طَقطَقة.”
في تلك اللحظة، انهمرت دمعة من عيني الفتاة، دون أن تشعر. وكأنها لم تدرك أنها كانت تبكي، حتى فوجئت بسقوطها. أسرعت تمسح دموعها المرتبكة بظاهر كفها، وهي تهمس بخجل:
“أوه، شكرًا… شكرًا لك.”
لكنها، رغم امتنانها، لم تأخذ المنديل الذي مدّه لها. نظر إليها مين جون للحظة، ولاحظ كيف ابتلّت يدها بالدموع، ثم أعاد المنديل بهدوء إلى جيب معطفه.
“وصلنا إلى الطابق السفلي الثاني.”
توقف المصعد، وفتحت أبوابه بهدوء. انحنى مين جون لها تحيةً بسيطة، ثم خرج دون أن يلتفت. ربما خرجت خلفه متأخرة بنصف خطوة، لكنه لم يرَ داعيًا للنظر خلفه.
“سيدي.”
استقبله مساعده الخاص عند الباب، فانصرف إليه بنظره.
“أعتذر، كان يجب أن أصعد إلى جناحك…”
“لا بأس، لست طفلاً صغيرًا بحاجة لمرافق.”
طمأنه بنبرة رزينة، وأعطاه حقيبة السفر الصغيرة التي جرّها خلفه. بالنسبة إلى شخص قضى قرابة الشهر في المستشفى، لم يكن يحمل الكثير من الأمتعة.
استقلّ السيارة بينما كان مساعده يضع الحقيبة في الصندوق الخلفي. بدا الداخل نظيفًا تمامًا، كأن لمسة غبار لم تمرّ به، بل كانت رائحة المطهّرات تعبق في الهواء—دليل على أن مساعده اعتنى بكل التفاصيل.
‘على الأقل، هناك شخص واحد يهتم.‘
ابتسم لنفسه ساخرًا، مراجعًا أفكاره. شخصٌ يهتم لأمره فعلًا، وإن لم يكن من العائلة… بل، في الحقيقة، لقد شارك مع مساعده “جونغ” وقتًا أكثر مما شاركه مع عائلته، في العمل، وفي البيت، وحتى في المستشفى.
نظر إلى مؤخرة رأس مساعده الجالس خلف المقود، وفكّر بأنه قد يكون من الجيد منحه إجازة قريبًا.
كأن المساعد شعر بشيء، فاستدار قليلاً وسأله:
“هل هناك ما يزعجك، سيدي؟”
“لا، كل شيء على ما يرام.”
“إذًا سننطلق الآن.”
أومأ له مين جون بخفة، وراح يحدّق من نافذة السيارة. بدأت المركبة بالتحرّك بسلاسة، متجهة نحو المخرج المؤدي إلى الطابق الأرضي.
لكن في اللحظة التي همّ فيها بتحويل نظره، لمحها.
الفتاة التي كانت معه في المصعد، واقفة هناك، تحدق به بصمت.
“……؟”
ضيّق عينيه قليلاً، موجّهًا بصره نحوها مجددًا. لا تزال في مكانها، تنظر إليه بثبات، كأنها تودّ أن تقول شيئًا.
‘…مستحيل.‘
ما الدافع لفتاة لا يعرفها أن تنظر إليه بهذه الطريقة؟ ربما كانت تنتظر أحدًا، هذا كل ما في الأمر. ابتسم بسخرية لنفسه على خياله المفرط.
لاحظ مساعده تلك الابتسامة العابرة من خلال المرآة، فتطلع إليه بنظرة خاطفة. عندها، سحب مين جون كمامته قليلاً ليغطي وجهه، ثم أشاح بوجهه جانبًا.
وهكذا، انتهى كل شيء.
✽ ✽ ✽
“لا تنسي تنظفي أنبوب التنفس للمريض “كانغ جونغ هون” كل نص ساعة.”
“نعم، حاضر يا طبيبة!”
ردّ المتدرّب بحماس شديد على تعليمات دان آه. أومأت له برأسها وهي تراجع ملف المريض، ثم أشارت له بأن يتوجه إلى المريض فورًا.
بعدها، وضعت يدها على خاصرتها برفق، وعقدت حاجبيها بتألم طفيف.
رآها الطبيب “تشانغ هون” وهي تفعل ذلك، فسألها بقلق:
“ما بكِ؟ هل تشعرين بالتعب؟”
“آه… لا، لكن هناك شدّ أو مجرد ألم بسيط.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"