“…في ذلك اليوم، ما اقترفته أنا هو ما ألحق بك الأذى.”
كان ما فعلته أمرًا اضطررت إليه، لكنه لم يكن يومًا عذرًا مقبولًا. حتى لو كان الرجل الواقف أمامها سيئ السمعة، منبوذًا ومشهورًا بفساده.
ففي نهاية المطاف، هو الرجل الذي تجرّع العار يوم خطبته، بعدما فرّت خطيبته مع رجل آخر أمام الجميع.
“هاه… حسنًا. على الأقل تعترفين. هذا أفضل من لا شيء.”
قال هو-كيون بابتسامة ملتوية يقطر منها السخرية، لكن بدا أن حدّة غضبه قد هدأت قليلًا. تقدّمت دان آه خطوة أخرى لتُعقّم جرحه.
“اذهبوا أنتم. هذا المريض سأتولى أمره بنفسي.”
قالت وهي تنظّف جرحه، موجّهة كلامها إلى المتدرّب والممرضة الواقفين خلفها. تردّدا قليلًا، ثم انسحبا.
لكن في تلك اللحظة بالذات، وبينما كان هو-كيون يمد يده إليها لتتابع علاجها، انطلقت من فمه كلمات تحمل سمًّا مرا.
“بالمناسبة… سمعت أن ذلك الحقير مات، أليس كذلك؟”
“…”
توقفت يد دان آه لوهلة وهي تهمّ بلف الضماد. عضّت على شفتها بشدة تكبح انفعالها، ثم أخذت نفسًا عميقًا وأكملت عملها.
“ذلك الوغد… عليه أن يحمد حظه. لو لم يلق حتفه وقتها، لما تركته وشأنه. كنت سأجعله يدفع ثمن كل شيء، وأجعله غريبًا منبوذًا لا يجد لنفسه موطئ قدم في هذه المدينة. هه… هكذا هو حال الأوباش الذين لا أهل ولا نسب لهم…”
“اخرس، أيها الحقير.”
قاطعت دان آه كلماته بقبضة مشدودة على الضماد. ارتبك هو-كيون، ثم قطّب حاجبيه غير مصدّق ما سمعه بأذنيه.
“ماذا قلتِ لي للتو؟ ح… حقير؟”
“نعم، قلتها. حقير. لماذا؟ أليس من حقّي أن أصفك بما تصف به الآخرين؟”
ألقت دان آه الضماد أرضًا وارتفع صوتها. ضاقت ذرعًا. كم مرة عليها أن تسمع سخريته من موت “را-كيونغ”؟ كم مرة عليها أن تتحمّل طعناته في قلبها؟
الغضب اجتاح صدرها. أيعقل أنه، فوق خسارته، يُهان بهذا الشكل؟ دون تفكير، تفجّرت الكلمات من فمها.
“أأنت فعلاً تبحث عن الموت؟!”
احمرّ وجه هو-كيون حتى صار كالجمر، ولم يستطع كبح غضبه. قفز من السرير ولوّح بيده نحوها.
“لااا! لا يجوز! سيدي المريض، أرجوك!”
اندفع المتدرّب الذي بقي بالجوار رغم أمرها بالانصراف، ليقف حائلًا بينهما. لكن يد هو-كيون الهائلة انطلقت وصفعت وجهه بقوة.
صفعة مدوّية اخترقت صخب قسم الطوارئ، فخيّم الصمت للحظة. وكان صوت دان آه أول ما كسر هذا السكون.
“دكتور جو، هل أنت بخير؟ لم تُصب بسوء؟”
“أه؟ آه… نعم، بخير يا دكتورة.”
قال المتدرّب وهو يربت على وجنته التي احمرّت من شدة الضربة، بينما يفتش بعينيه عن نظارته التي طارت بعيدًا.
“ها هي! حقًا لا بأس بي، يا دكتورة.”
قال وهو يعيد ارتداء نظارته المعوجّة، لكن أنفه كان يسيل دمًا. لحسن الحظ لم يُصب في عينيه.
تفحّصت دان آه حاله سريعًا، ثم التفتت إلى هو-كيون مجددًا. كان يقلب يده جازعًا ويصرخ:
“هيه! ماذا ستفعلين بيدي؟ بسبَبكِ انشق الجرح أكثر! أهذا ما تريدينه؟ أن أتسبّب في طردك من هنا؟ ماذا لو أطحت بكِ أنت وذلك الحقير معًا؟ تظنينني عاجزًا؟ أتحبين أن أبرهن لكِ؟!”
زمجر هو-كيون مهدّدًا، بينما أغمضت دان آه عينيها بقوة.
لقد تجاوزت حدّها. كان عليها أن تتحمّل. كل شيء عدا أن تسمع اسمه — اسم “را-كيونغ” — يُهان.
لكن كان عليّ أن أتحمّل…
شدّت قبضتيها بقوة. بارك هو-كيون، هذا الرجل قادر على فعل ما يقوله. فهو ابن رئيس مجموعة “جين-سونغ”، كلمته في هذا المستشفى قد تطيح بأطباء ومقيمين بسهولة.
‘أنا لا أبالي بنفسي… لكن دكتور جو…‘
لقد كان موت را-كيونغ كافيًا. لن تسمح بأن يُضحّى بغيره بسببها. فتحت عينيها ببطء وقالت بصوت خافت:
“أنا آسفة…”
“اركعي.”
“…”
“اركعي. ضعي رأسكِ على حذائي وتوسّلي. بتذلّل.”
ابتسم ابتسامة ملتوية وهو ينقر بكعب حذائه على الأرض، مادًا رجله نحوها. ارتبك المتدرّب محاولًا التدخل، لكن دان آه جثت على ركبتيها قبله.
عمّت الهمهمات في المكان إثر المشهد المهين، غير أن دان آه رفعت عينيها بثبات نحو هو-كيون وقالت ببرود:
“عدني، بارك هو-كيون… أنك لن تمسّ المتدرّب.”
“هه… سأرى ما ستفعلينه.”
“إن آذيته… لن أبقى صامتة.”
قالت وهي على ركبتيها، لكن كلماتها لم تحمل ذلًا. كانت عيناها كالفولاذ، عصية على الانكسار.
ارتجف جبين هو-كيون للحظة، ثم افتر ثغره عن ابتسامة غريبة، ابتسامة من عثر على لعبة جديدة مسلية. كما لو كان طفلًا يلهو بانتزاع أجنحة اليعاسيب.
وبينما كانت دان آه تهمّ بخفض رأسها أكثر، دوّى صوت غاضب عبر المكان:
“تشاي دان آه! توقّفي فورًا!”
كان صوت مدير القسم، “إن-هو”. تتبعه خطواته الثقيلة تقترب سريعًا. التفتت دان آه بذهول، فقلّما رأت الغضب يكسو ملامحه. وصل إليها وأمسك بذراعها ليوقفها.
“آه… تشيف…”
“اصمتي.”
أطبق كفّه على فمها، ثم وجّه نظره الحاد إلى هو-كيون. الذي مال برأسه جانبًا وقال باستهزاء:
“وهذا ما الجديد فيه؟”
هو-كيون، وقد سمع كلمات إن-هو، لوّح بيده في استخفاف.
“انظر إلى هذا. الجرح قد انفتح! أليس واجب الطبيب أن يعالج المريض؟ فماذا يعني أن يُسبّب له مزيدًا من الأذى؟! لذا، طلبتُ أن أستلم اعتذارًا صغيرًا، أفي ذلك ما يُثير الاعتراض؟”
قال إن-هو وهو يضغط أسنانه غيظًا، محاولًا جاهدًا التماسك والتحلي باللباقة: “لقد رأيتُ بعيني كيف لوّحت بقبضتك في وجه أطبائنا، أيها المريض.”
لكن جواب هو-كيون لم يكن سوى نفخةٍ ساخرة من أنفه. “آه، وهل ستُجادلني بهذا الآن؟ لنرَ إذن… هممم، الدكتور كواك إن-هو.”
شدّ هو-كيون بطرف ثوبه ليتفحّص بطاقة اسمه، وما لبث أن قبض على ياقة عنقه بعنف.
“أيها المريض… كخ… أرجوك، اترك هذا…”
جسده النحيل الهزيل الذي كان بالكاد يقف، أخذ يهتزّ تحت قبضة هو-كيون، فيما احمرّ وجه إن-هو من شدّة الخنق وهو يحاول يائسًا أن يفلت منه.
لكن، أيُعقل أن يُفلته بسهولة؟! لقد أراد هو-كيون أن يُري الجميع بوضوحٍ لمَ يُدعى “الرعاع الحقير”. بل راح يضغط بإصبعه الأخرى على جبين إن-هو مرارًا وتكرارًا، كما لو كان يزدريه.
“أشباه الرجال هؤلاء يتجرؤون على التسلق…!”
وقبل أن يُكمل سخريته ويدفع جبينه مرةً أخرى، إذا بجون-ها، التي كانت منشغلة بالمرضى ولم تلحظ ما يجري إلا متأخرة، تندفع نحوه غاضبة.
“أيها الوغد! اتركه حالًا!”
لم يُتح لأحد أن يتدخل أو يمنعها، إذ كانت قبضة جون-ها قد انغرست بقوة تحت فكّ هو-كيون في اللحظة التالية مباشرة.
* * * *
كان مين-جون يستعدّ للخروج إلى عمله، حين التقط هاتفه الموضوع على المكتب. لكن الهاتف ظلّ ساكنًا بلا إشعارات.
لو كان الأمر كعادته، لكان قد وصله منذ الفجر عشرات الرسائل: “أفطرت إفطارًا رديئًا”، أو “ضغط دمك كيف حاله”، وتفاصيل صغيرة كثيرة.
“… لعلّها منشغلة هذا الصباح.”
حقًّا، متى كان لقسم الطوارئ أوقات فراغ أو أوقات عمل محددة؟ أعاد مين-جون الهاتف إلى مكانه، ثم وقف أمام المرآة يشدّ ربطة عنقه.
وفجأة، اهتزّ الهاتف يرنّ على الطاولة.
“ما الجديد هذه المرّة؟ ألهذا الحدّ أرادت أن تُلقي موعظة فاتصلت بنفسها…؟”
ارتسمت ابتسامة صغيرة على فم مين-جون من غير أن يشعر، وهو يمدّ يده إلى الهاتف. لكن سرعان ما اختفت الابتسامة، كأنها لم تكن.
[رئيس مجلس الإدارة]
كان والده، كُوون غي-هان، هو من اتّصل به في وقتٍ مبكّرٍ من الصباح. ولم يكن عسيرًا على مين-جون أن يخمّن الغاية من هذا الاتصال.
إذ بما أنّه لم يستجب لأيٍّ من الرسائل التي بُلِّغت له عبر السكرتير، فقد آثر الوالد أن يتّصل به بنفسه.
“……نعم، لقد أجبتُ على الاتصال.”
ــ “أيُعقَل هذا؟! كم مرّة أوصيتُك عبر الوسيط بأن تبادر بالاتصال بي، ومع ذلك لا يَصدر منك جواب! أَلهذا الحدّ تُضحِكُكَ كلماتُ أبيك وتستصغرها؟!”
التعليقات لهذا الفصل " 31"