“هاهاها…. يا بارك هو-كيون، وأنت ما الذي يجعلك تتشبّث بحياة كهذه بؤسًا؟”
في تلك اللحظة، نطق أحد الرجال الذين كانوا دوماً على عداوة مع هو-كيون، وقد ترنّح من شدة السُكر، بكلمات لاذعة.
“رأيتَ خطيبتك يوم خطوبتك تهرب أمام عينيك مع رجل آخر… يا للفضيحة! لو كنتُ مكانك لمتُّ من العار منذ زمن.”
“ماذا؟! هذا الوغد… ما الذي تفوّهتَ به الآن؟!”
ثار هو-كيون كالبركان، فانتفض واقفًا من مجلسه. وسرعان ما أسرع رفاق الشراب لإمساكه وتهدئته. غير أنّ الرجل الساخر لم يغلق فاه.
“ولِمَ الغضب؟ أأنا مخطئ في قولي؟ الفضيحة ضجّت بها الأوساط كلها. من كانت هي؟ آه نعم… ابنة رئيس JR القابضة، أليس كذلك؟ كانت طبيبة، هه! لا عجب… فالطبيبة تعرف جيدًا أين تضع قلبها. آه، ما أذكاها!”
“أيها الكلب! سأقتلك!”
احمرّت عيناه كالجمر، وصرخ في وجه من كان يضحك ويهزأ به، ثم مدّ يده إلى قارورة الخمر الموضوعة على الطاولة.
“أسرعوا! أوقفوه، وإلا وقعت كارثة، سيقتل أحدهم!”
“اتركوني! قلتُ لكم دعوني!”
“هيا، اضرب! أَرِنا رجولتك إن كنت قادرًا!”
استفاق السكارى فجأة من غيبوبتهم وهرعوا لإمساكه، لكنّ عدوّه اللدود الذي كان غارقًا في السكر تابع إثارة الفتنة، فاشتدّ الموقف سوءًا.
“حسنًا، سأدفع ثمن دمك وأرتاح. استعد للموت!”
وبعد أن أفلت يديه من قبضات من يحاولون منعه، هوى هو-كيون بقارورة الخمر على خصمه. * * *
“سندخل فورًا في عملية طارئة (Emergency Operation)، أرسِل على وجه السرعة نداءً إلى قسم جراحة الأعصاب (Neurosurgery).”
“أوامركِ، طبيبة!”
أعطت دان آه تعليماتها الحازمة للمتدرّب، ثم استدارت. شعرت بجسدها مثقلًا، كأنّ كل مفصل فيه يئنّ من الإرهاق، فقد ظلّت طوال الوقت مشدودة الأعصاب وهي تتابع حالة المريض.
راحت تدلّك كتفيها ورقبتها المتصلبة، وهي تبتلع تنهيدة ثقيلة. الليلة كانت استثنائية في ازدحامها، إذ لم تقتصر على المعتاد من السكارى، بل تدفّق العديد من الحالات المختلفة.
“…ليت العملية تنجح.”
تمتمت دان آه لنفسها، وعيناها تتابعان المتدرّب الذي كان يتواصل على عجل مع قسم جراحة الأعصاب.
المريض دخل وقد أصيب بانهيار مفاجئ (Sudden Collapse). غير أنّ الأمر، في بادئ الأمر، بدا عابرًا.
هو نفسه ظنّ أنّ لا بأس عليه، فما إن أغمي عليه لبرهة حتى استعاد وعيه، وسأل إن كان ذلك لا يُعدّ أمرًا هيّنًا.
وكان رفيقه الذي حضر معه هو من أصرّ على نقله إلى الطوارئ وسط جلبة وقلق، حتى راح المريض يتذمّر بأنّ الأمر لا يستحق سوى خسارة للمال.
لكن دان آه لم تستطع أن تتركه يغادر. أصرّت عليه أن يخضع للفحوصات، حتى رضخ. وحين جاء دوره لالتقاط صورة مقطعية (CT)، حدث ما لم يكن في الحسبان.
صرخ يشكو من صداع حادّ، ثم سقط فاقدًا للوعي مرة أخرى. أُجريت له صورة طارئة، وجاءت النتيجة كالصاعقة.
لقد ظهر في الفحص اشتباه قوي بوجود نزيف تحت العنكبوتية (Subarachnoid Hemorrhage).
كان تقرير الأطباء أكثر قسوة مما يُحتمل: ضغط الدماغ ارتفع بسرعة هائلة حتى بدأ المخ يندفع نحو الحبل الشوكي (Spinal Cord). حتى لو دخل المريض غرفة العمليات، فإنّ احتمال نجاته ضئيل للغاية، والموت يكاد يكون محتومًا.
“…….”
توقّفت دان آه عن السير، تجرّعت نفسًا مرتجفًا، فيما راحت يداها ترتجفان رغم إرادتها.
قبل لحظات فقط، كان هذا الرجل يضحك ويمزح. والآن… ها هو يقف على الحدّ الفاصل بين الحياة والموت.
في دقائق معدودة فقط.
لطالما عرفت أنّ الموت ليس بعيدًا عن البشر، ولكن كلما واجهت مثل هذا الموقف شعرت أنّ صدرها يُطبق عليه بثقلٍ لا يُطاق.
دان آه، احترسي…!
مع دويّ الانفجار الذي ابتلع الطريق ذلك اليوم، ومع دفء جسد را-كيونغ وهو يحتضنها ليحميها… عادت بذاكرتها فجأة إلى تلك اللحظة. لم تعد قادرة حتى على التنفّس.
“…هـ… هـه…”
لا! لا تظهري ضعفكِ. تماسكي!
عضّت بقوة على باطن فمها، تحاول أن تبقى متماسكة وألا تنجرف مع دوامة الذكرى. أحسّت بطعم الدم المعدني يملأ فمها، والوجع اللاذع يعيدها إلى وعيها.
ثمّ همست لنفسها برجاءٍ يائس، متشبثةً بما لا يزال حيًّا نابضًا في صدره: قلبه القوي، الذي يواصل الخفقان…
قلبه هو… كوون مين-جون.
“يا تُرى… هل أكل الدمبلينغ (الماندو)؟”
تمتمت دانا بصوت خافت، تكاد الكلمات تتكسّر على شفتيها، ثم أخذت نفسًا عميقًا. عاد قليل من اللون إلى وجهها الشاحب.
“نعم… الماندو.”
كرّرت الكلمة مرة أخرى وكأنها تعويذة، ثم أطلقت ضحكة صغيرة. كأن ثِقَل صدرها قد انزاح قليلًا.
لكن في تلك اللحظة بالذات، دوّى في أحد أركان غرفة الطوارئ صوت صياح وشتائم.
“أيها الوغد! تؤلمني يدك! ألا تعرف كيف تعقم الجرح؟!”
“آ… آسف… حقًا آسف…”
زمجر هو-كيون في وجه المتدرّب الذي كان يحاول تعقيم جرح يده. ارتبك الشاب الضعيف الملامح وارتجف، محاولًا أن يعاود تعقيم الجرح. لكن يديه المرتعشتين أو ربما قوة قبضته الزائدة جعلت سائل الـ”بيتا-دين” يسيل على يد المريض ويتلطخ على بنطاله، تاركًا بقعة حمراء واضحة.
“أيها الحقير! لطختَ بنطالي!”
زمجر غاضبًا، وأخذ يقذف الشتائم كالرصاص.
“هل تعرف كم يساوي هذا البنطال؟ أنت وأمثالك من الفقراء، لو جمعتُم رواتب سنوات لما قدرتم على شراء مثله! أتفهّم!؟”
وفجأة، انفتحت الستارة بصوتٍ حاد، وجاء صوت بارد وحازم:
“ما الأمر، يا دكتور جو؟”
“آه! دكتورة تشاي!”
التفت المتدرّب بلهفة وكأنّه عثر على طوق نجاة. ورغم أنّها أقصر قامة وأدقّ بنية منه، إلا أنّ حضور دان آه كان أشدّ وقعًا وأقوى عزمًا وهي تقف عند قدَم السرير.
“كنتُ… أحاول فقط أن أُبدّل الضماد للمريض…”
“هاه؟ تشاي دان آه؟”
قاطع صوته المألوف المليء بالغلّ الموقف. التفتت دان آه نحوه، فرأت الرجل على السرير.
هو أيضًا تعرّف إليها على الفور، كيف لا؟ وهي التي تركته في فضيحة مدوّية يوم خطبتهما، ذكرى يستحيل أن تُمحى من ذهنه.
“…مرّ وقت طويل يا بارك هو-كيون.”
لم تستطع منع شعور بالذنب من التسرّب إليها. فهي من دمّرت تلك العلاقة بقرارها الأحادي.
“وقت طويييل؟! ها! أيتها الـ…!”
أن يرى هو-كيون المرأة التي أذلّته يوم خطوبته وجعلته أضحوكة، كان كافيًا ليُشعل نيرانه من جديد.
أعادته الذاكرة إلى تلك الليلة المشؤومة… إلى رفيق الشراب الذي ضحك في وجهه حتى كاد يُحطّم جمجمته بقنينة خمر، لولا أن سقط بنفسه مترنحًا، وأصيب هو فقط بجرح في يده.
والآن… ها هي السبب ذاته تقف أمامه.
راح يصرخ بالسباب ويشتمها بكلمات لا تُطاق، ملوّحًا بذراعيه بجنون حتى تطايرت عدة أدوات طبية وسقطت على الأرض بارتطام مدوّ.
“يا إلهي! المريض!”
“أوه! لا!”
ارتبك المتدرّب والممرضة، لا يدرون ماذا يفعلون. اندفعوا خطوة لإيقافه، لكن دانا رفعت يدها تُشير إليهم بالتراجع، ثم تقدّمت نحوه بخطوات ثابتة.
“الأجدر بك أن تتابع علاجك.”
“العلاج؟! أهذا وقت علاج؟!”
“لقد جئتَ إلى غرفة الطوارئ، لا إلى نادٍ للهو.”
لم تزوغ بعينيها عن عينيه، رغم أنّ مهابته الغاضبة كادت تجمد أوصالها. لكنّها لم تسمح لنفسها أن تتراجع.
من خلفها، تناهى صوت الممرضة والمتدرّب يستنجدان: “دكتورة…!”
“اسمعيني جيدًا يا تشاي دان آه!” صاح هو-كيون وهو يحاول النزول من السرير، قبضة يده مشدودة تنتفخ بالعروق. “أنتِ آخر من يحقّ له رفع رأسه أمامي! كان الأجدر بك أن تركعي وتبكي متوسلةً الصفح… والآن تقفين أمامي بوقاحة؟!”
تصلّبت دان آه في مكانها، غرست قدميها في الأرض، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تفتح فمها مجددًا…
“ابدأوا بالعلاج أولًا. أما أن أركع أو أفعل ما تشاء، فذلك سيُترك إلى ما بعد انتهاء علاجك يا بارك هو-كيون.”
توقّف هو-كيون في منتصف حركته وهو يهمّ بإنزال قدميه من السرير. بدا وكأنه سمع خلفه المتدرّب يلتقط أنفاسه ويهمس بشيءٍ خافت، غير أنّه لم يلتفت إليه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"