3
“آه؟ دان آه، ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟ هل هناك ما يزعجك؟ أتيتِ للفحص؟”
“لا… فقط… خذ هذا واشربه.”
كانت دان آه تقف أمام محطة ممرّضي قسم جراحة القلب والصدر، ثم ما إن رآها سوك وونغ حتى اقترب منها، فرمت له عبوة مشروب. التقطها تلقائيًا بيده، ثم همّ بأن يتفحص ملامحها.
لكن دان آه دفعت وجهه بلطف حين اقترب منها، وفتحت عبوة مشروب أخرى، ثم قالت بنبرة عادية لا توحي بشيء:
“أنا بخير. لا شيء يدعو للقلق. جئت فقط لأُلقي نظرة على وجهك. لا يوجد مرضى في قسم الطوارئ الآن تقريبًا.”
“همم، أحقًا؟ حسنٌ، هذا جيد. لكن لو شعرتِ بأي تعب، أخبريني فورًا. لا زلتِ ترتدين جهاز تتبّع نبضات القلب، أليس كذلك؟”
نظر سوك وونغ نحو صدرها، فقهقهت دان آه وضربته على ساعده مازحة.
وكأن الزمن قد عاد فجأة إلى أيام لم يحدث فيها أي شيء مؤلم.
اطمأن قلب سوك وونغ وهو يراها هكذا، ففتح عبوة المشروب وأخذ رشفة صغيرة.
بعد وفاة راكيونغ كانت دان آه في حالة انهيار شبه دائم، ولهذا شعر الآن بشيء من الراحة وهو يراها تبدو وكأنها استعادت توازنها قليلًا. ومن أجل أن لا تفوته هذه الفرصة، راح يثرثر بأحاديث متفرقة.
كان واضحًا أنه يحاول إبقاءها مشغولة بالكلام، حتى لا تغرق مجددًا في دوامة الحزن. ودان آه وقد أدركت نيّته، كتمت ابتسامة حزينة وراحت ترد على أحاديثه بما يناسب اللحظة.
بالطبع، لم تأتِ فقط لأحاديث عابرة…
وبينما كانت ترد عليه ببعض المزاح، راحت عينا دان آه تراقبان شاشة الحاسوب القريبة بخفة. في أعماق نظرتها، كان هناك ضوء قلقٍ لم يلحظه سوك وونغ، والذي واصل الدعابة بحركات مبالغ فيها.
لكن قبل أن يكمل، سُمعت خطوات تقترب من الجهة الأخرى.
كان ذلك الدكتور جانغ كي هون، أستاذ جراحة القلب والصدر، يتقدّم مع مجموعة من الأطباء المقيمين. لمحَتهم دان آه أولًا، فانحنت بسرعة لتُحييهم.
توقف الدكتور جانغ عن السير ما إن تعرف عليها.
“يبدو أنكِ غادرتِ المستشفى، الطبيبة تشا.”
“نعم، أستاذي. وأنا… أشكرك جزيل الشكر.”
ترددت دان آه قليلًا، ثم انحنت مجددًا بشكر عميق. كان في صوتها ارتجاف، لم يكن مجرّد ردّ تحية رسمي.
كانت كلمات امتنان صادقة لرجلٍ أجرى بنفسه عملية زرع قلب راكيونغ.
ورغم أن البعض قد يتساءل: (وهل هذه مناسبة للشكر؟)
إلا أن دان آه كانت ممتنة من أعماق قلبها، لأن الأستاذ جانغ، الذي كان بمثابة أب لراكيونغ هو من رافقه في لحظاته الأخيرة.
فمنذ أن كان راكيونغ طالبًا في السنة التحضيرية للطب، كان الأستاذ جانغ يعتني به كأنه ابنه. وحين علم أنه طفل يتيم نشأ في دار للرعاية، وكان يعمل بجد ويكافح للدخول إلى كلية الطب، ازداد اهتمامه به، وأحيانًا كان يعامله بصرامة أبوية.
لهذا، وبالرغم من أن الأمر لا بد أنه كان مؤلمًا للأستاذ، إلا أن دان آه شعرت أن ذلك خفّف من وحدة راكيونغ في لحظاته الأخيرة.
ربما كان الأستاذ يدرك ما يدور في خاطرها.
فنظر إليها بنظرة معقدة، ثم ابتسم بهدوء وأومأ لها قبل أن يتابع طريقه. أحد الأطباء المقيمين في السنة الثانية، والذي كانت دان آه تعرفه، أومأ لها بلطف ثم أشار لسوك وونغ أن يتبعه.
“أوه، حسنا…”
“اذهب الآن. سأعود أنا أيضًا بعد أن أنهي هذا المشروب.”
دفعت دان آه كتف سوك وونغ بخفة، ولوّحت بعلبة مشروبها، فأومأ لها وركض سريعًا ليلتحق ببقية الفريق.
“……”
ظلت دان آه تحدّق بصمت في اتجاه المصعد حيث غادروا، ثم أدارت رأسها بهدوء، وكأن شيئًا لم يكن.
اتكأت على طاولة المحطة، وراحت ترتشف مشروبها بهدوء، ثم بدأت تتفحص المكان حولها بخفية.
رأت ممرضة تشرح شيئًا لمريض، وأحد الأطباء المقيمين يتفحص سجلًّا طبّيًا. الجميع منشغلٌ بأعماله، ولا أحد ينتبه إليها.
حين تأكدت من ذلك، بدأت دان آه تكتب بسرعة على لوحة مفاتيح الحاسوب أمامها.
‘ما سأفعله الآن… جنون محض.’
ما تنوي فعله الآن، كان أكثر جنونًا حتى من أن يقدّم لها سوك وونغ تسجيلاً لصوت نبضات قلب المريض.
ومع ذلك، لم تستطع أن تتراجع.
منذ اللحظة التي سلّمها فيها سوك وونغ وحدة تخزين USB، ووصلتها بحاسوبها المحمول، كانت قد اتخذت القرار.
حتى لو اكتشفوا أمرها وتمت معاقبتها، فهي مستعدة لتحمل العواقب.
كانت يائسة إلى هذا الحد.
شعرت بعرق بارد يتجمّع في كفّيها وهي تفتش بسرعة في الشاشة.
كانت تبحث عن سجل عملية زرع القلب في اليوم الذي تم فيه استئصال قلب راكيونغ.
لأن القلب يجب أن يُزرع خلال أربع ساعات بعد استئصاله، فإن العثور على سجل ذلك اليوم سيكون كافيًا.
حتى وإن لم تكن تعرف مصير بقية الأعضاء، فإن القلب قد زُرع بالتأكيد هنا، في هذا المستشفى.
“……!”
قبضت دان آه على الفأرة بقوة فجأة.
بينما كانت تنظر إلى الشاشة، عضّت شفتها السفلى.
الاسم الظاهر على الشاشة طُبع بوضوح في أعماق عينيها.
‘…كوان مين جون.’
تمتمت دان آه الاسم الغريب في داخلها بهدوء، ثم رفعت علبة المشروب لتخفي ارتجاف شفتيها.
…لقد وجدته.
الشخص الذي زُرع له قلب راكيونغ.
صوتٌ خافت.
طَق.
استفاقت دان آه من شرودها على وقع الصوت أمامها.
لم تدرِ متى دخل، لكن ها هي شين جون ها، زميلتها الكبرى في قسم طب الطوارئ، تقرع بأصابعها أمام عينيها.
“فيما أنتِ شاردة هكذا؟”
“آه… لا، لا شيء، فقط أشعر ببعض التعب.”
تهرّبت دان آه من نظرات جونها القلقة، وردّت بنبرة خفيفة كأن الأمر لا يستحق.
رمقتها جونها بنظرة متفحصة أخرى، ثم أومأت برأسها وكأنها اقتنعت.
“حسنًا، كان اليوم مرهقًا نوعًا ما، أليس كذلك؟”
ثمّة أيامٌ تأتي كهدوءٍ خادعٍ يسبق العاصفة…
الطوارئ ساكنة، والمرضى غائبون، وكأن العالم نفسه قرر أن يأخذ قسطًا من الراحة.
لكن لا يجب لأحد أن ينخدع.
فجأة، ودون سابق إنذار، تنهمر الحالات كالسيل،
واحدة تلو الأخرى،
وكأنهم جميعًا، دون أن يدروا،
قد اتفقوا في الخفاء
على أن يقتحموا المستشفى اللحظة ذاتها
“آه… أتمنى فقط لو أستطيع الزحف تحت الغطاء الآن.”
مرّرت يدها في شعرها القصير بتعب واضح، ثم رمقت سريرها بنظرة متوسلة.
“لكن لا يمكنني أن أضيّع يوم الإجازة الذهبي هذا داخل بطانية كريهة الرائحة.”
تنهدت بتعب مفتعل، كأنما تحوّلت إلى عجوز تئن من آلام الظهر،
ثم زحفت نحو السرير، تبحث بين أغراضها عن قميص مكرمش.
خلعت زيها الكحلي الطبي دفعة واحدة، وبدأت ترتدي قميصها المبعثر.
“دان آه، هل تودين الخروج لتناول بعض أقدام الدجاج الحارة؟ مع كأس من السوجو؟ أنا من ستدفع.”
“آه… آسفة، سينيور. لا أظن أنني أستطيع.”
استيقظت دان آه من شرودها مجددًا، وسارعت برفض الدعوة،
فانخفض حاجبا جونها بخيبة واضحة.
“لمَ لا؟ هل لديكِ موعد آخر؟”
“نعم… هناك مكان عليّ الذهاب إليه.”
“حقًا؟ لا بأس إذًا… هممم…”
بدأت جونها تزرر قميصه بتأنٍ، ورأسها مائل وكأنها تحاول التفكير في شيء ما،
وفجأة، انفتح باب السكن، ودخل شخص آخر.
كان قائد القسم، كواك إن هو.
“آااه… هل الجميع في طريقه للخروج؟”
دخل إن هو وهو يفرك مؤخرة عنقه بتعبٍ ظاهر على ملامحه،
وما إن رآته جونها حتى تلألأت عيناها.
“آه! أنت في إجازة اليوم، أليس كذلك؟”
“هم؟ آه، نعم… لكن لدي مؤتمر وفيات الأسبوع المقبل،
كنت أفكر بالاستعداد له—”
“لنخرج معًا إذًا.”
“…هـه؟ أ—آه؟!”
لم تُمهل جونها القائد وقتًا ليكمل جملته،
بل جرته معها للخارج دون تردد.
راقبتهما دان آه وهما يغادران، ثم ابتسمت بصمت.
ليس من أجل طبق حار وكأس مشروب خرجت معه،
بل لأن الجميع يعلم أن جونها كانت تحمل مشاعر تجاه إن هو منذ أيام الجامعة.
حتى وإن كانت قد رُفضت بوضوح في الماضي.
‘…لكن إن كان يخرج معها بتلك الطريقة،
فلعلّ القائد أيضًا لا يكرهه تمامًا.‘
“قلت لكِ! أتحدّاكِ إن كنتِ لا تصدقين!”
انتفض قلب دان آه فجأة على وقع صوت راكيونغ المرح الذي ارتد صداه في أذنيها.
لطالما تبادلت معه أحاديث عابرة عن هذين الاثنين،
عن مشاعرهما الخفية، واحتمالات المصير.
…وربما، نتيجة ذلك الرهان بينهما، كانت دان آه وحدها من سيشهدها الآن.
“هل أزعم أنني أنا الفائزة حتمًا؟”
تمتمت دان آه لنفسها، وضغطت بأصابعها على أنفها المتحسس من فرط المشاعر، ثم غادرت الغرفة.
كان مشهد المستشفى في الخارج مألوفًا، لم يتغير.
ولا يبدو أنه سيتغير بعد شهر،
ولا حتى بعد عام.
مرّ شهرٌ كامل منذ وفاة راكيونغ،
لكن شيئًا واحدًا لم يتبدّل في هذا العالم.
هكذا هي الحياة.
روتين الإنسان ليس بالأمر السهل تغييره.
لكن في المقابل…
هي وحدها من تعرف جيدًا كم هو سهلٌ أن يتحطّم هذا الروتين،
أن ينهار كل شيء في لحظة.
وحدها فقط.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"