منذ البداية، كان واضحًا أنّ الأمر خُطِّط له بعناية في الخفاء.
رئيس الشركة هان إيك-سو لم يصدّق البتّة كلام مين-جون عن أنّه تبِع الطبيبة الصغيرة فقط بحجّة إلقاء التحية على طبيبه المشرف.
لو كان رجلاً عاديًا هو من قال ذلك، لربما ساوره شيءٌ من التصديق. فحتى أعتى الرجال وأشدّهم كبرياء، حين تعجبه امرأة، يسعى للتباهي أمامها ولو بتصرّفٍ طائش.
لكن من يقف أمامه لم يكن أي رجل؛ بل كان كوون مين-جون. واستحالة أن يُقدم رجلٌ مثله على هذا بدافعٍ شخصي أو عاطفي لم تدع في قلبه شكًا.
ومع أنه كان يغلي من الداخل، لكونه شعر أنّه وقع ضحية لعبة مدبَّرة، حاول الرئيس أن يخفي غيظه خلف ابتسامةٍ ذليلة:
“لا… لا تفعل هذا. لنجلس ونتحدث أكثر، أرجوك. إن كانت تاي يونغ للتجارة مهتمة باستيراد الأدوية، فأنا—بل نحن في غوسان للأدوية—يمكن أن نمدّ يد العون.”
ابتسم مين-جون ببرود وهو يجيبه:
“لا أظن أنّ هناك حاجة لذلك. … بالمناسبة، هل لديك مطهّر لليدين؟”
حرّر ذراعه من قبضة الرئيس، ثم التفت نحو دان آه. بدت متحيّرة من السؤال المفاجئ، فأراها يده:
“ألم تطلبي مني مرارًا أن ألتزم بالتعقيم الصارم؟ كما ترين… لقد تلوثت.”
“آه…”
لم تعرف دان آه بماذا ترد، وقد أربكها أن يصفها علنًا وكأنها “ملوثة”. حتى الرئيس بدا مذهولًا، غير قادر على صياغة كلمة.
أردف مين-جون ببرود:
“لقد أجريتُ عملية زرع منذ فترة قريبة.”
ثم ألقى نظرة على الرئيس وأضاف بابتسامة باهتة:
“آمل ألا يُساء الفهم.”
بعدها أشار برأسه نحو دان آه:
“دكتورة تشاي دان آه؟ ما الذي تفعلينه شاردة هكذا؟ هيا بنا.”
“ها؟ آه… ن-نعم…”
أرادت دان آه أن تلتفت لتلقي نظرة على الرئيس، لكنها لم تستطع؛ إذ إن مين-جون مدّ يده فجأة وأمسك بيدها وجذبها.
“مـ… مهلًا! يدك…”
أُصيبَت بالذهول. كيف يتحدث عن “التلوث” قبل قليل، ثم يمسك يدها بكل بساطة؟ حاولت سحبها، لكن قبضته كانت قوية.
لم تجد بدًّا من أن تدعه يقودها خارج المكتب. وما إن خرجا حتى اقترب السكرتير وعدد من الموظفين بسرعة.
لكن فجأة دوّى صراخ الرئيس من الداخل:
“آآااه!”
وتلاه صوت تحطّمٍ مدوٍّ. على الفور تحوّل انتباه الجميع من دان آه ومين-جون إلى داخل المكتب.
“رئيسنا!”
بدا أنّ الرئيس لم يحتمل الغيظ فانفجر غضبًا، وارتبك الموظفون في تهدئته. حاولت دان آه أن تلتفت لترى ما يحدث، لكن صوت مين-جون قطع تفكيرها:
“لنخرج أولاً. قبل أن يستعيد عقله.”
“ها؟ آه… لكن قبل ذلك، يدي…”
رمشت دان آه وقد أدركت أنّ يده ما زالت تطبق على يدها. وحين انتبه هو أيضًا، اتسعت عيناه فجأة ثم أفلتها بسرعة:
“أعتذر.”
“لا عليك. هُمم… أظن أن من الأفضل أن نغادر بسرعة.”
رفعت يدها التي تحررت، فشعرت بفراغٍ غريب يعتريها، فضمّت أصابعها ثم بسطتها مجددًا دون وعي. أما وجهها، فكان قد احمرّ بحرارةٍ من شدّة ما جرى.
“هاك، مشروب بارد. فالمقاهي المزدحمة بالناس لا تبدو مناسبة تمامًا…”
قالت دان آه وهي تناوله علبة مشروب انتزعتها من آلة البيع في طرف الحديقة الهادئة، وعلى وجهها مسحة حرج. لم يكن من المعقول أن تزجّ بمريض زرعٍ حديث في مكانٍ مكتظ، ولهذا اختارت هذا الركن الهادئ… لكنها مع ذلك تساءلت في داخلها: هل تكفي علبة شراب كهذه؟
ابتسم مين-جون وتناولها دون تردّد:
“كنتُ عطشانًا في الأصل، سأشربه شاكرًا.”
أنزل كمامته وارتشف رشفة، فتحت ضوء المصابيح الخافتة ارتسمت حركة تفاحة آدم في عنقه واضحة تمامًا.
شعرت دان آه بنظراتها معلّقة عليه دون وعي، حتى التقت عيناهما فجأة. رفع حاجبه متسائلًا ثم أشار بعينيه إلى العلبة التي لا تزال في يدها، وكأنما يقول: وأنتِ؟ لم لا تشربين؟
“آه!”
ارتبكت وهي تحاول فتح العلبة، لكن فجأة… أخذت يدها ترتجف بلا سبب.
“ماذا…؟ يدي… لماذا ترتجف هكذا؟”
مدّ مين-جون يده وانتزع منها العلبة برفق وهو يتمتم:
“أعطِني.”
فتحها بسهولة وأعادها إليها قائلًا:
“يحدث هذا أحيانًا. حين تكونين في خضم انفعالٍ شديد، فجأة يصبح الجسد بلا حيلة… كأن يكون المرء حزينًا جدًا لكنه عاجز عن البكاء، أو مصدومًا حتى يبدو هادئًا. أظن أنّكِ تمرين بهذا الآن. دعي الأمر يجري على مهل.”
أعاد العلبة إلى يدها مباشرة. قبضت دان آه عليها بكلتي يديها، تتنفس ببطء مراتٍ متتالية، ومع مرور اللحظة أخذ ارتجافها يهدأ.
تمامًا كما قال؛ المشاعر المتأججة انحسرت شيئًا فشيئًا.
“هُـووف…”
زفرت أنفاسها الثقيلة، وحين أدركت أنها استردت هدوءها، غمرها الخجل من جديد. راحت تعبث بعلبة الشراب ثم التفتت إليه بطرف عينها. كان يجلس بجانبها ثابتًا، يحدّق أمامه، بهدوء مطمئن كأن شيئًا لم يحدث.
أهذا حقًا الرجل نفسه الذي كبح ذراع الرئيس قبل أن تهوي عليّ؟ تساءلت بدهشة وهي تتأمله طويلاً.
وحين شعر بحدّة نظراتها التفت نحوها فجأة، فأمال رأسه قليلًا. فوجئت، وأدارت وجهها على عجل، ثم عادت تنظر نحوه لتجده لا يزال يتأملها.
قالت متلعثمة بابتسامة محرجة:
“على أيّ حال… بفضلك يا سيد كووون مين-جون، نجوتُ من موقفٍ سيّء.”
لكن سرعان ما شعرت بغصّة مفاجئة وتابعت بانفعال:
“لكن… أنتَ خدعتني، أليس كذلك؟”
رفع حاجبه بدهشة:
“خدعتكِ؟ بأي معنى؟”
“قبل قليل، في المكالمة! قلتَ إنك وصلتَ للمنزل! بينما الحقيقة أنك كنتَ تتبعني!”
عقد مين-جون حاجبيه يفكّر، ثم أطلق ضحكة قصيرة:
“لم أقل قط إنني وصلت للمنزل.”
حدّقت فيه دان آه بعناد:
“بل قلت! سمعتُها بأذني: ‘وصلنا يا سيّدي’، كان صوت سكرتيرك واضحًا!”
توسّعت عيناها متحدّية، لكنها وجدته لا يزال يضحك بهدوء:
“لم يُذكر لفظ المنزل. يمكننا التأكد من تسجيل المكالمة إن أردتِ.”
رفعت رأسها متحدّية:
“حسنًا! فلنستمع للتسجيل إذًا…”
لكنها توقّفت فجأة. لم يكن الأمر يحتاج إلى تسجيل أصلًا؛ ذاكرتها الحادة أعادت لها كل تفاصيل المكالمة بوضوح. حقًا، ما قيل لم يتضمن “المنزل”. لقد افترضت هي ذلك فقط، ولما سألت، التفّ على السؤال بدهاء.
ابتسم مين-جون وهو يراقب ملامحها المتغيّرة:
“ذاكرتكِ ليست سيئة إذًا.”
تلعثمت قليلاً ثم قالت وقد احمرّ وجهها:
“مع ذلك… كان عليك أن تخبرني مسبقًا. لقد أرعبتني حقًا! كنتُ أقول لنفسي: ماذا يفعل المريض كووون مين-جون هنا؟ أليس من المفترض أنك بمجرد خروجك من المستشفى تعود للمنزل؟ لماذا إذًا…”
لكنها قطعت كلامها قبل أن يتحوّل إلى ثرثرة بلا معنى. جملة واحدة تكفي: شكرًا لإنقاذي.
فتحت شفتيها أخيرًا:
“شكرًا لك، يا أيها المريض كووون مين-جون…”
إلا أنّه ابتلع آخر رشفة من شرابه، وقاطعها بابتسامة هادئة:
“لكن… ألا تجدين من الغريب أنكِ ما زلتِ تنادينني ‘المريض’ في هذا الوضع؟ ثم، على كل حال، أنتِ لستِ طبيبتي المشرفة أصلًا.”
توسّعت عيناها دهشة:
“إذًا… ماذا أناديك؟ السيّد مدير؟”
ضحك بخفة:
“لستِ موظفة في شركتنا حتى تخاطبيني بذلك.”
ارتفع دمها حتى شعرت بالنبض في جبينها. لكنه أطلق ضحكة خافتة وأكمل: “ناديني كما يحلو لكِ. على أي حال، بعد هذه الأشهر الثلاثة لن نعود نلتقي بعد الآن.”
صمتت لحظة، ثم قالت ببطء وكأنها تختبر وقع الكلمة:
“… شكرًا لك، يا مين-جون.”
ساد صمت ثقيل. لم يعلّق، لكنه لم يشيح بنظره عنها كذلك.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 28"