سعت دان آه بكل ما أوتيت من صلات ومعارف – وإن كانت محدودة – لتقصّي ما إذا كانت مستشفيات أخرى قد استقبلت حالات مشابهة. وبعد جهدٍ مضنٍ، تبيّن لها أنّ الأمر لم يقتصر على سوجين داي، بل إنّ عدة مستشفيات جامعية أخرى في منطقة العاصمة استقبلت بدورها مرضى بأعراض مماثلة.
“هُممم…”
حتى تشانغ هون، الذي كان يؤكد لها دومًا أنّ شكوكها لا تعدو أن تكون محض مصادفة، لم يجد هذه المرة ما يقوله. وإذ كان يتأمل في صمت، بادرت دان آه بالكلام من جديد:
“يجب إبلاغ قسم العيون (OPH) لفتح تحقيق شامل.”
“ماذا؟ قسم العيون؟ ومن هناك ستُخبرين؟ أظنّ أن (هونغ جين-سو) هو المسؤول هناك الآن. هيهات أن يجرؤ على التدخل في أمر كهذا! ذلك الرجل جعل من السلامة واللامبالاة فلسفة حياة. لا يتحرك قيد أنملة في أكثر المواقف تفاهة!”
لوّح تشانغ هون بيده استنكارًا، لكن ملامح دان آه بقيت ثابتة لا تتزحزح.
“ومن قال إني سأخبر هونغ جين-سو؟”
“إذًا مَن؟ لعلّك تعنين (التشيف)؟! وهو الآخر لا أراه ممن يتصدّون لقضايا كهذه…”
“بل رئيس المركز.”
توقّف تشانغ هون عن الكلام مصعوقًا، وأصدر صوتًا غريبًا ثم مسح أذنه كمن يشكّ في سمعه، وأعاد السؤال:
“مَن قلتِ؟!”
“رئيس المركز. إنّ رئيس قسم العيون في مستشفانا يشغل أيضًا منصب رئيس المركز.”
“هل جننتِ يا تشاي دان آه؟!”
ارتفع صوته فجأة من شدّة الذهول، فاستدار بعض من حولهما نحوه. لكنّه لم يعبأ بالأنظار الموجهة إليه، بل تابع محتدًا:
“ألا تفكرين بعواقب ما تقولين؟ هل تظنين أن رئيس المركز سيصغي إلى طبيبة مقيمة في سنتها الأولى؟! في أفضل الأحوال سيسخر منك ويأمرك بالكف عن إثارة المشكلات، وفي أسوأها قد تُوسَمي بالمتمردة، ويُقضى على مستقبلك الطبي قبل أن يبدأ! هل تنوين ترك المستشفى قبل أن ينقضي عامك الأول؟!”
كانت كلمات تشانغ هون منطقية لا شك. فمن ذا الذي سيأبه لصوت طبيبة متدرّبة حديثة بينما لا أحد من الأساتذة الأطباء قد أثار القضية؟ الأرجح أنها ستُوصم بـ“مُثيرة المشاكل”.
لكن دان آه أجابت بحزم: “ومع ذلك، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي. لا بدّ أن هناك رابطًا ما بين هؤلاء المرضى. أمر لا يمكن تفسيره بالصدفة وحدها!”
“لكن لا دليل قاطع بين يديك، إنما مجرّد حدس! وهل يُعقل أن يغيب ما تشكّين به عن عيون الأساتذة الخبراء؟!”
جادلها تشانغ هون بإصرار، وكان مدفوعًا بنيّة صافية لحمايتها. غير أنّها لم تملك أن تتراجع، أو لعلها لم تَعُد تملك رفاهية ذلك.
في الماضي، ربما كانت لتتغاضى. كانت لتقول: ما حاجتي لإقحام نفسي في المتاعب؟ ولتمضي.
لكن…
“لو كان را-كيونغ هنا، لما فعل مثلما أفعل.”
بل على العكس، كان سيهبّ ليواجه، ربما بعنف أكبر منها، وربما كان سيقتحم مكتب رئيس المركز ذاته ليطالبه بالحقيقة.
ذلك الفتى اختار درب الطب ليُنقذ حياة المرضى.
“دان آه… دكتورة تشاي…”
كان تشانغ هون على وشك أن يعاود ثنيها، لكن صوتًا ثالثًا قاطع الموقف. لقد اقتربت جون-ها وسألت:
“ما الأمر؟ عن أي شيء تتحدثان هكذا بجدية؟”
“آه، الأمر هو، دكتورة شين…”
تهلّل وجه تشانغ هون، معتقدًا أنه وجد سندًا يقف في صفه. هرع إلى جون-ها ليشرح لها، واثقًا أنّها ستوبّخ دان آه وتثنيها عن عزمها.
* * * غير أنّ ثقته انهارت في غضون دقائق قليلة.
“ماذا؟ أريني… يا إلهي! هذا… هذا غير معقول!”
لم تكتفِ جون-ها بالاستماع، بل طالبت بالاطلاع بنفسها على تقارير المرضى الذين استقبلتهم المستشفى، إضافة إلى الحالات المماثلة في المستشفيات الأخرى. وما إن فعلت حتى أطلقت شهقة وشرعت تقسم بغضب.
ثم التفتت إلى دان آه بحماسة وقالت: “دان آه! سأقف بجانبك! من أين نبدأ؟ هل نخرج في مظاهرة؟ أم نقدّم طلب مقابلة رسمية لرئيس المركز؟! وإن رفض، نُصعّد أكثر!”
“يا إلهي، يا أستاذة! أي مظاهرة وأي تصعيد! ستورطيننا جميعًا!”
انشغل تشانغ هون بمحاولة إيقافها، حائرًا بين الغضب من “خيانتها” له وبين الهلع من اندفاعها. وما إن هدأت قليلًا حتى التفتت إلى دان آه وسألتها بجدية:
“إذن، الأمر كله يدور حول ذلك الدواء المشتبه به، أليس كذلك؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“همم… بالمصادفة، لي قريبة تعمل في معهد تطوير الأدوية التابع لجامعة نامسونغ. ما رأيك أن نطلب منها – بسرية تامة – أن تُحلل مكوّنات هذا الدواء؟”
“رائع! اقتراح منطقي للغاية!”
لكن تشانغ هون كاد يختنق فزعًا: “ماذا تقولان! هل جننتما؟ تطلبان سرًا تحليل دواء؟ هذا انتحار وظيفي!”
غير أنّ دان آه فتحت عينيها دهشة ثم أومأت موافقة. أجل… كان ذلك هو المدخل المنطقي. فما زال كل ما لديها مجرد ظنون، ولا بدّ من برهان حاسم. قد تكون مخطئة، وقد يكون الدواء بريئًا.
إنّ الخطوة الأولى إذن هي إثبات إن كان الدواء سببًا في الكارثة أم لا.
“كلكم فقدتم عقولكم… تمامًا!”
غمغم تشانغ هون وهو يضغط كفيه على رأسه. لكن دان آه وجون-ها، وقد توحّدتا في العزم، مضتا في النقاش حول الخطوات المقبلة.
قالت دان آه في النهاية: “سأتولى أنا الحصول على الدواء. المريضة التي تابعتها ما زالت في وحدة العناية المركزة. سأكلّم ابنتها، لعلها تساعدني.”
صحيح أن الحالة أصبحت تحت إشراف قسم الأمراض المعدية، لكن دان آه لم تستطع أن تنساها. كانت تزورها بين حين وآخر. لقد اجتازت المريضة أخطر مرحلة، لكنها لم تبلغ بعد بر الأمان.
وإن كان الدواء حقًا هو السبب، فيجب إيقافه حالًا، قبل أن يحصد المزيد.
شدّت دان آه على شفتيها، تحاول أن تثبّت قلبها وهي تشعر بقشعريرة التوتر تسري في جسدها.
“لا تقلقي… سيكون كل شيء بخير.”
كأنها سمعت صوت را-كيونغ يهمس لها من جديد، يشدّ من أزرها.
قالت جون-ها وهي تخفض صوتها بعد أن ألقت نظرة خاطفة حولها: “طلبتُ من ابن عمّي أن يُنجز التحليل بأسرع ما يمكن. إن حالفه التوفيق، فسنحصل على النتيجة هذا المساء، وإن تأخر، فغدًا على أبعد تقدير.”
فتساءلت دان آه بدورها، وقد أمالت رأسها قليلًا تتحرى: “ألم يكن طلبًا محرجًا له؟ لا بد أنه كان فوق طاقته.”
ابتسمت جون-ها بخبث وأجابت بعد أن التفتت هي الأخرى لتتأكد من خلو المكان: “هددته ببساطة… إن لم يساعدني، كشفتُ فضائحه القديمة كلّها في غرفة الدردشة العائلية!”
ثم أضافت ضاحكة: “وما أكثر ما ضبطتُه منذ طفولته!”
ارتفع حاجبا تشانغ هون وهو يقطب وجهه بعدما قطع انشغاله بالأوراق أمامه: “واو… هذا هو الشر بعينه.”
رمقته جون-ها بحدّة، وأشارت نحوه كمن يتوعد: “شر؟! أتريد أن أريك الشر على حقيقته؟”
عندها تراجع تشانغ هون سريعًا، مطأطئًا رأسه وهو يلوّح بيده نافيًا: “أنا… لم أسمع شيئًا! لا أعلم شيئًا عن مؤامرتكما، هذا المواطن المسكين لا شأن له بما يخطط له المتمردون… آآآه!”
صرخته دوّت فجأة إذ انبثق رأس من جواره على غير توقع. ارتبكت جون-ها بدورها فألقت الورق من يدها.
“أيها الأحمق (أوه سونغ)! أخفتني أكثر مما أفزعتَ تشانغ هون! كيف يتسنى لرجل ملامحه غليظة كهذه أن يكون بهذا الخوف؟!”
فاحتجّ الوافد الجديد: “وهل جُرّ وجهي إلى الموضوع الآن؟! هذه تفرقة ظاهرية يا دكتورة! ولو كنتِ أنتِ في مكاني ورأيتِ دبًا يطل فجأة، لفزعتِ كما فزعتُ أنا.”
ظلّ تشانغ هون يتمتم معترضًا، ثم جمع الأوراق التي ألقتها جون-ها وأعادها إلى الطاولة. أما صاحب الضجة، سوك وونغ، فقد طرح سؤاله ببرود كأن شيئًا لم يكن:
“مؤامرة خيانة؟! وما الذي تتآمرون عليه؟ دعوني أشارككم!”
رمقته جون-ها بحدة قائلة: “وما حاجتك أنت هنا أصلًا؟! ألستَ من قسم CS؟ لمَ تقتحم مكاننا في كل حين؟!”
كدت جون-ها أن ترشق في وجهه بورقة أخرى، لكنها اكتفت بزفرة حادة وهي تنظر إلى الجمع: دان آه، تشانغ هون، سوك وونغ.
وقالت وهي تهز رأسها بأسى ساخر: “ما من شك أنّ نحسًا أصاب دفعتكم يوم دخلتم كلية الطب. أيعقل أن يُجمع هذا الكم من الغرباء والمجانين في عام واحد؟ لو أنّ ذلك الكلب الأهوج كان بينكم لكانت دفعتكم الطقم الكامل…”
لكنها توقفت بغتة، وارتبكت إذ أدركت ما كادت أن تتفوه به، فالتفتت خلسة إلى دان آه. وكذلك تبادل تشانغ هون وسوك وونغ النظرات قبل أن يوجها بصرهما إليها.
غير أنّ دان آه لم تُبدِ سوى ابتسامة صغيرة، وأجابت ببرود هادئ: “را-كيونغ كان أشدّهم جنونًا. هؤلاء يأتون بعده. أما أنا… فأنا السويّة الوحيدة بينهم.”
ثار سوك وونغ على الفور: “ماذا تقولين! أنتِ أكثرنا جنونًا!”
وسارع تشانغ هون مؤيدًا: “صحيح! أنتِ أولنا بالجنون يا تشاي دان آه… آخ! من ضربني؟!”
جاءه الجواب بنبرة جافة من القادم الجديد: “أنا. ما بالكم تجتمعون هنا كالسُّرّاق؟! أما آن لكل واحد منكم أن ينصرف؟ حتى لو خلا المكان من المرضى، فهل هذا مبرر للتسكع؟!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"