“أما بخصوص تلك المسألة، فلنؤجل النقاش إلى وقتٍ لاحق. شكرًا للجميع على جهودكم.”
قالها مين-جون وهو ينهض من مقعده إيذانًا بانتهاء الاجتماع. استدار ليمضي خارج قاعة المؤتمرات، غير أنّ كتفًا اصطدم بكتفه بقوةٍ، ليمر صاحبه أمامه دون حتى أن يلتفت.
“آه… تَـرى، هذا…!”
همّت السكرتيرة، التي كانت تجمع أوراق الاجتماع لتلحق به، أن تتفوه باعتراض، لكنها ابتلعت كلماتها حين أدركت هوية الرجل الذي اجتاز مين-جون بهذه الفظاظة.
إنه هيوك-جون… أخوه غير الشقيق.
طوال الاجتماع لم ينبس ببنت شفة، والآن يجرؤ على هذا؟!
أي فائدة من حمله لقب “رئيس فريق التخطيط للأزياء”؟ طوال الجلسة لم يحسن سوى إلقاء كلمات جوفاء لا علاقة لها بما يُطرح، وحين عجز عن مواجهة أسئلة مين-جون، ها هو يفرغ غيظه بهذه الطريقة الصبيانية.
لكن، قبل أن يطول تذمرها الصامت، قطع عليها شرودها صوت رئيسها الرزين:
“كيف يبدو برنامج ما بعد الظهر؟ الاجتماع استهلك وقتًا أطول مما توقعنا، لذا ربما نحتاج إلى إعادة ضبط المواعيد.”
لم يبدُ على ملامحه أي انزعاج من تصرّف أخيه الوقح. وظل صوته هادئًا، متماسكًا. عندها تماسكت السكرتيرة بدورها، وأخذت تسرد المواعيد المؤجلة بالتفصيل.
بدأ يسألها سؤالًا بعد آخر، يدقق في كل صغيرة وكبيرة. ألغى بعض المواعيد، وأجّل أخرى، لكنه أدرك في النهاية أنّ جدول المساء بقي مزدحمًا خانقًا.
“هل ستحتمل ذلك، سيدي؟ تبدو مرهقًا بالفعل. زد على ذلك أنّ غداءك كان شبه معدوم… آه! تذكرت، لقد بعث سيد سو سوب برسالة إلى الآنسة تشاي.”
قالت السكرتيرة وهي تنظر إليه بعينين يملؤهما القلق، ثم أضافت كأنها تذكرت للتو. عندها توقف مين-جون عن السير، وارتسمت على وجهه ابتسامة مباغتة.
لقد تخيل بسهولة ملامح تشاي دان-آه وهي تتمتم غاضبة بين شفتيها بعد أن وصلتها رسالة السكرتير.
“سيدي…؟”
“…لا شيء.”
أجاب على نداء سكرتيرته بسرعة، ثم واصل سيره محاولًا إخفاء اضطرابه. لو لم يكن على وجهه ذلك القناع الطبي، لكُشف أمره منذ البداية، ولكان عليها أن تراه وهو يبتسم دون سبب ظاهر.
“على كل حال، هذا أمرٌ طيب، سيدي.”
قالت السكرتيرة من جديد، وقد اقتربت منه بخطوات أسرع. كان في صوتها نبرة مبتهجة جعلت ملامحه تتجهم وهو يلتفت إليها.
“أقصد أنّه بفضل الآنسة تشاي، أصبحت تتناول طعامك ولو قليلًا. صدقًا، ليست مطاردة كما ظننا، بل ربما منقذة!”
“…حتى لو لم تكن موجودة، كنت سأهتم بغذائي.”
“لا يا سيدي، أنا أعرفك منذ سنوات. لو ترك الأمر لك، لعشت على القهوة فقط.”
قالتها وهي ترفع إصبعها نحو عينيها بمرحٍ خفيف. لم يجد ما يرد به، فاكتفى بالعودة إلى طريقه.
“لكن حقًا، تلك الطبيبة مدهشة. مهما كان لها من أهداف، فالمواظبة على السؤال والاطمئنان يوميًا ليست مهمة يسيرة. خصوصًا وهي تعمل في قسم الطوارئ!”
هز رأسه بتلقائية، إيماءة خفيفة لم تلحظها السكرتيرة. ثم دخل مكتبه، تاركًا خلفه جلبة الممر. لم يبدأ موعده التالي على الفور، بل جلس قليلًا يستجمع أنفاسه… أو بالأحرى، يستعيد هدوءه بعد اضطرابٍ غريب غزاه للتو.
تأمل شاشة هاتفه السوداء طويلاً. لا شيء يتغير هناك، ومع ذلك ثبت بصره عليها كأنما ينتظر شيئًا.
طنين قصير.
وكأن الهاتف لبّى نداءه، إذ دوى إشعار رسالة في تلك اللحظة بالذات. ارتجف قلبه لوهلة، ثم فتحها.
إنها تشاي دان-آه.
[هل انتهى الاجتماع الآن؟ إن كان قد انتهى، فلنتحدث قليلًا.]
“…حقًا؟ كأنها تراقبني.”
تمتم ساخرًا، مع أنّه يعلم أن الأمر مستحيل. فهذا المكتب يخضع لإجراءات أمان لا تسمح حتى لذبابة أن تمر خلسة، فكيف بامرأة عادية أن تتسلل وتزرع كاميرا للتجسس؟
وصلت رسالة أخرى على الفور:
[وإن كنت ما زلت منشغلًا، فاتصل بي حين تنتهي. لكن قد أتأخر بالرد إن فاجأني المرضى فجأة. الآن القسم هادئ، لكن لا أحد يعلم متى ينقلب الحال.]
“همم…”
قرأها، ثم بدأ يكتب. لم يعتد أبدًا أن يبعث رسائل شخصية. لم يكن في حياته من يتبادل معه المراسلات سوى سكرتيره. لذا، فإن اضطراره الآن إلى الرد مرارًا في اليوم على رسائل هذه المرأة كان تجربة غريبة تمامًا.
[انتهيت من الاجتماع.]
وما إن أرسلها حتى دوّى هاتفه برنينٍ حاد. سرعة الرد لم تكن لتُصدق لو لم تكن تنتظر على الطرف الآخر بكل صبرها. هز رأسه يائسًا، ثم أجاب:
“معك على الخط.”
ـ “إذن كنت في اجتماع طوال الوقت؟! معنى ذلك أنك لم تتناول شيئًا غير ما أكلته في الصباح؟”
لم يمهله صوتها حتى لحظة، إذ انهمرت أسئلتها دفعة واحدة. ابتسم خفيفًا وأجاب:
“شربتُ بعض الشاي في الوسط.”
ـ “وهل الشاي يُغني عن الطعام؟! لا بد من ثلاث وجبات كاملة في اليوم.”
تغيرت نبرتها إلى استياء واضح. أراد أن يرد، لكن سمع تنهيدة عميقة عبر السماعة.
“الأجدر أن أسأل أنا عن حالكِ، دكتورة. تبدين مرهقة.”
ـ “اليوم ليس مزدحمًا كغيره… آه، لا، لا يجب أن أقول ذلك. إن قلتها، قد يمتلئ القسم فجأة بالمرضى كالعاصفة!”
“قريبًا يحين موعد العشاء.”
― “أقول هذا لأنني متأكدة أنك لن تتناول عشاءك في وقته!”
ساوره شعور غريب. كان أمرًا غير مألوف، بل مربكًا، أن يهتم به أحد بهذه الصورة.
امرأة تعتبر صحته ــ تلك التي لم يكترث لها حتى أفراد عائلته يومًا ــ وكأنها أهم قضية في هذا العالم، بدت له كائنًا غريبًا من عالم آخر.
ظل ممسكًا بالهاتف عند أذنه وهو يتأمل أرجاء مكتبه. المكان كما هو لم يتغير، لكن لمجرد أنه متصل بهذه المرأة عبر الهاتف، أحسّ أن هذا الفضاء الجامد قد تحوّل فجأة إلى مكان غير واقعي.
‘……ماذا؟ مكان غير واقعي؟ يا للجنون.’
أي أفكار عاطفية سخيفة هذه؟ حتى في طفولته لم يعرف مثل هذا. هز “مين-جون” رأسه متعجبًا، ثم نهض فجأة من مقعده، وأخذ يفرك عنقه براحة يده. عندها عادت “دان-آه” تسأله بصوتها عبر الهاتف:
― “بالمناسبة، متى موعد الفحص القادم؟”
“على الأرجح بعد نحو أسبوع. حينها يكون قد مرّ ثلاثة أشهر على العملية.”
― “إذن سأراك في ذلك الموعد. لكن تذكّر، إن ظهرت أي أعراض قبلها فعليك القدوم فورًا إلى المستشفى. كارتفاع في الحرارة، أو إسهال، أو ما شابه ذلك. لا يجوز التهاون مع هذه الأعراض حتى لو بدت بسيطة، أنت تدرك هذا جيدًا، أليس كذلك؟”
قطّب “مين-جون” جبينه عند سماع كلمة “إسهال”. لم يكن الأمر في ذاته غريبًا؛ بل حديث مألوف بين طبيب ومريض، لكنه رغم ذلك شعر بحرجٍ مباغت.
أما “دان-آه”، التي قالت ذلك، فقد واصلت شرح تعليماتها الطبية بهدوء، وأوصته بعدة أمور أخرى ينبغي الحذر منها، ثم أنهت المكالمة كأن شيئًا لم يكن. وكأن ما اعتقده من فقدان حيويتها لم يكن سوى وهم من خياله.
“……على ما يبدو قد انقلبت الأدوار.”
تمتم “مين-جون” وهو يحدّق في هاتفه، ثم أطلق ضحكة قصيرة. لقد اقتربت منه بدافع طمعها في “مجموعة تاي-يونغ”، ومع ذلك صارت تتصرف وكأنها طبيبة مخلصة لا يهمها سوى صحته.
وضع الهاتف جانبًا وهو يبتسم ساخرًا، ثم همّ بالالتفات، غير أن الهاتف عاد ليرن من جديد. وهذه المرة لم يكن فيه حديث عن “المضيف” أو “الضيف”، بل سؤال غريب لا يمتّ للموضوع بصلة:
[بالمناسبة، هل تعرف مَن تكون كيم مي-يونغ، قائدة الفريق؟]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات