“لو كنت أعلم أنّ الأمر سيكون كذلك، لكنت ذهبت يومها لحضور حفل الخطوبة. أليس من حقي، وأنا الأخت، أن تلمحي لي بذلك مسبقًا؟ حتى خبر خطوبتكِ لم أعلمه إلا متأخرًا…”
“…توقفي.”
كبحت دان آه غيظها طويلًا، بينما سونغ آه تواصل ثرثرتها بنبرة حادّة لا تنقطع. وحين فتحت فمها أخيرًا لتوقفها، لم تُلقِ سُنگا بالًا، بل تابعت كلامها بلا اكتراث.
“آه، صحيح… سمعت أنّ ذلك الرجل مات، أليس كذلك؟ لا أعرفه، لكن حقًا يا له من بائس. أنتِ ما زلتِ سليمة، بينما هو مات؟ أمّا أمي فقالت إنّ السماء عاقبته بما يستحق…”
“أرجوكِ، قلت لكِ كفى!”
انفجرت دان آه بصوتٍ حاد وقد اخترقت كلمات أختها أحشاءها. ساد الاضطراب فجأة في المقهى الصغير بعد أن كان صوته لا يتجاوز همس الأحاديث. لكنها لم تعبأ.
لمحت على مقربة منها أحد الأطباء المقيمين الأكبر سنًا من معارفها، لكنه لم يكن في وسعها حتى أن تهتم لوجوده.
“ما الذي فعلتُه حتى تصبّي غضبك عليّ؟!”
تردّدت سُنگا قليلًا أمام انفعال دان آه العنيف، لكنها لم تقبل أن تُهزم، فرفعت صوتها أعلى:
“هل أنا من قتله؟! هل أنا السبب في موته؟! إن أردنا الدقّة، فأنتِ السبب يا أختي! أليس بسبب خطوبتكِ على رجل آخر انتهى به المطاف إلى الموت؟!”
لكن سونغ آه لم تكن تعرف شيئًا عن راكيونغ… في الحقيقة، لم تكن تعرف شيئًا حتى عن أختها دان آه. لم تكن تعلم أنّ والدَيها فرضا تلك الخطوبة عليها رغم رفضها، ولا أنّ دان آه لجأت إلى مساعدة راكيونغ كي تُفشلها.
وهكذا، كانت كلماتها بعيدة كل البعد عن الحقيقة. غير أنّه في بعض الأحيان تكون الأكاذيب أقرب ما تكون إلى لُبّ الحقيقة… كما هي الآن.
“…!”
أظلمت الدنيا أمام عيني دان آه فجأة، فمدّت يدها لا إراديًا لتستند إلى الطاولة. لكنها بدلاً من ذلك اصطدمت بالكوب، فاندلق القهوة على فخذها.
“آه! أختي!”
ولحسن الحظ، كان الشراب قد برد قليلًا فلم تُصب بحروق، بل أيقظها البلل الذي تسلّل عبر ثيابها.
“هل أنتِ بخير؟! أحدهم ساعدنا!”
ارتفع صوت سونغ آه المرتبك وهي تنادي العاملين. أسرع أحد الموظفين حاملاً مناديل مبللة. أما دان آه فقد أطرقت إلى معطفها وبنطالها الملطّخين ببقعٍ بنّية، ثم نهضت واعتذرت للموظف قائلة:
“المعذرة… سأمسحها بنفسي.”
أخذت المناديل وبدأت تنظّف ملابسها والطاولة والأرضية. ومع انهمار القهوة عليها، خمدت مشاعرها المضطربة قليلًا. جلست من جديد وكأنها استعادت هدوءها.
أما سونغ آه فقد رمقتها بدهشة، وكأنها تنظر إلى مختلّة. وكيف لا؟ لقد بدا الأمر جنونيًا حين ارتبكت وأسقطت الكوب فجأة.
“ماذا بكِ… هل أنتِ بخير فعلًا؟”
“بالطبع. لم أمت، ولم أتعرّض لإصابة خطيرة. صحيح… كما قلتِ، لقد قتلتُ إنسانًا بريئًا.”
“آه… ذاك… ذلك…”
ارتبكت سُنگا وتجمّد الكلام على شفتيها وقد علا وجهها الذهول.
“لكن… ألم تقل لكِ أمّي شيئًا آخر؟”
“…ماذا؟ أيّ شيء؟”
“قالت إنّها قطعت صلتها بي. بالطبع لا تستطيع قانونًا أن تنكر أنني ابنتها، لكنّها أقسمت أننا لن نلتقي أبدًا بعد اليوم.”
كان والدها قد عرض عليها يومًا أن تصير زوجة ثانية لرجلٍ ثري صاحب شركات قروض. وحين رفضت، لم تلقَ إلا قرارًا قاسيًا بقطع كل صلة بها.
ولم يكن الأمر صدمة كبرى. كان أشبه بمواجهة قدرٍ محتوم. ربما منذ اليوم الذي علمت فيه عبر كلمات سونغ آه أنها مجرد طفلة متبنّاة، كانت هذه اللحظة مكتوبة مسبقًا.
وكما قالت سونغ آه: لم تكن “حقيقية”. كان عليها أن تعود إلى بيتها الحقيقي، لا إلى بيتهم. مهما توسّلت أو تاقت، لم يكن لها مكان بينهم.
“انتظري… دعيني أسأل أمّي بنفسي…”
ارتبكت سونغ آه وهي ترمش عيناها بارتباك، فأسرعت تُخرج هاتفها. لكن دان آه نهضت وانتزعت الهاتف من يدها.
“…أختي؟”
“لا حاجة لأن تسألي. وأتمنى ألا نلتقي مجددًا. كما عشنا دائمًا متباعدتين… فلنستمر هكذا.”
تأمّلت وجه سونغ آه برهة، ثم أعادت إليها الهاتف واستدارت. ربما كانت سونغ آه تناديها من الخلف، لكنها لم تفكر حتى في الالتفات.
فقدت أختها منذ زمن بعيد بالفعل.
“أختي! دان آه!”
قفزت سونغ آه من مقعدها تناديها. لكن دان آه لم تتوقف، ولم تلتفت حتى مرة واحدة.
“تبا… هذا ليس ما أردت.”
عضّت سونغ آه شفتها الحمراء بعصبية، ثم جلست مجددًا بحدة. أحسّت بنظرات الناس من حولها بعد ما أثارت من صخب، لكنها لم تهتم.
لطالما كانت معتادة على تلك النظرات. جمالها اللافت وشخصيتها المتغطرسة كانا يجعلانها محط الأنظار أينما ذهبت.
حتى في طفولتها، كانت المدللة منذ لحظة ولادتها، تغمرها عاطفة الوالدين بلا حدود. ولهذا غدت متكبرة، لا يرضيها شيء حتى تفرض إرادتها.
وبسبب ذلك، كثيرًا ما سبقت أفعالها تفكيرها، وارتكبت أخطاءً جسيمة… تمامًا كما حدث اليوم.
وكما حدث في ذلك اليوم أيضًا…
— لستِ أختًا حقيقية! أعطيني هذا! إنه لي! عودي إلى بيتك أنتِ!
كانت تريد الهدية التي حصلت عليها أختها من صديقة في المدرسة. والآن، حين تفكر في الأمر، لم تكن سوى عقدٍ رخيص مصنوع من الحلوى، ومع ذلك، في تلك اللحظة، لم تكن تتمنى شيئًا في الدنيا أكثر منه.
دفعت أختها بعنادٍ محاولةً انتزاعه منها، رغم أنّها رفضت قائلة إنّه لا يمكنها إعطاءه لها، لأنه هدية مشبعة بعاطفة صديقتها.
في العادة، ما كانت أختها تتردد في تلبية طلباتها الصغيرة، لكن يومها لم تفعل، فأثار ذلك حنقها وأشعل عنادها. زادت في إصرارها وأظهرت دلالها بطريقةٍ خشنة أكثر من المعتاد.
وربما المشكلة أنّها تذكرت، في تلك اللحظة تحديدًا، ما قالته لها أمها في اليوم السابق.
ـ لم يكن علينا أن نحضر دان آه إلى هذا البيت! لو صبر والدكِ قليلًا لكان الأمر انتهى دونها، لكنه كعادته لم يحتمل الانتظار وفعل ما يحلو له. ألم يقرر بنفسه، دون خجل، أن يتبنّى ابن أخيه فقط لأنه صبي، بينما لديه ابنة أمام عينيه؟!
حين كانت سونغ آه صغيرة، كانت تعتقد أنّها أفضل من أختها. فهي دائمًا المدللة، المحبوبة من الجميع، بينما دان آه لا تنال سوى التوبيخ والعقاب. حتى عندما ترتكب هي الأخطاء، غالبًا ما تدفع أختها الثمن بدلاً منها.
لذلك، رأت أن الأمر طبيعي. بما أنّ أختها “أقلّ” منها، فمن البديهي أن تُوبَّخ هي دائمًا.
لكن، عندما دخلت سونغ آه المدرسة الابتدائية، بدأ ذلك الاعتقاد يتصدّع. فقد اكتشفت أنّ تلك الأخت التي حسبتها بلا قيمة، كانت في الحقيقة أبرع منها في كل شيء.
كانت تعود محمّلة بالشهادات والجوائز التي تعجز هي حتى عن نيل واحدة منها، وكان المعلّمون يغدقون عليها المديح بلا انقطاع.
وأمام الأصدقاء، كانت تشعر بالفخر والاعتزاز بها، لكن في داخلها كان هناك غصّة، حسدٌ مكتوم، ورغبة في التمرّد. أحيانًا كانت تتمنى لو تصرخ أمام الجميع في البيت: “أختي هذه مجرد غبية، دائمة التوبيخ من والديّ!”
وفي ذلك اليوم بالذات، عادت دان آه حاملة الجائزة الكبرى من مسابقة الحساب على مستوى المدرسة. اكتفى والدها بكلمة إطراء قصيرة، بينما دخلت أمها إلى غرفة سونغ آه وأخذت تنهش في سمعة دان آه بالكلام.
وهناك، أفلتت من فمها تلك الجملة المرّة…
لم يكن علينا أن نحضرها إلى هذا البيت.
“…هاه، هذا لا يروق لي.”
تمتمت سونغ آه بضيق وهي تعبث بشعرها بعصبية. لم يكن هذا ما جاءت من أجله إلى المستشفى.
كل ما أرادته، أن ترى وجه أختها وتطمئن أنها بخير.
صحيح أنّ خروجها من المستشفى يعني أنها تجاوزت الخطر، لكن…
لقد كان من الممكن أن تختفي من هذا العالم.
حين سمعت أن الرجل الذي هربت معه أختها قد مات، اجتاحها خوف عارم. وما إن تخيّلت أن دان آه كان يمكن أن تلقى المصير نفسه، حتى خيّم السواد على عقلها كله.
لذلك، قصدت المستشفى دون تردّد، لتتأكد بعينيها أنّها ما زالت حيّة، ولتسألها إن كانت بخير.
لكن، وكما يحدث دائمًا، ما خرج من فمها لم يكن سوى كلمات مشاكسة.
“وما الذي يستدعي أن تثوري هكذا؟ أنتِ أدرى الناس بطبعي، فلا تتظاهري بالدهشة.”
تذمّرت سونغ آه قليلًا، ثم عضّت شفتها وانحنت. راحت يداها المرتجفتان فوق فخذيها ترتجفان أكثر، حتى بدت أظافرها المطلية بالأحمر وقد تكسّرت أطرافها.
لقد التهمت أظافرها بقلقٍ وهي تنتظر دان آه.
…لكن أختها، بطبيعة الحال، لم تكن لتبالي.
“يكفي. أنا أيضًا… سأقطع اهتمامي نهائيًا.”
حرّكت سونغ آه شفتيها بتردّد، ثم تمالكت نفسها وأظهرت ملامح متعالية، قبل أن تنهض من مقعدها.
لقد رأت بعينيها أنّها لا تزال حيّة، وذلك يكفي.
خرجت من المقهى، لكنّها، دون وعي، أدارت رأسها نحو قسم الطوارئ. لم يكن هناك أي احتمال لرؤية دان آه هناك، ومع ذلك ظلت عيناها عالقتين بذلك المكان زمنًا طويلًا. ( مش عارفة صراحة هي طيبة ولا شريرة 😭😭😭😭😭)
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات