لعلّ ذلك هو السبب.
إذ كان “مين-جون” يشعر بإرهاق أشدّ من المعتاد وهو يتابع أعماله اليومية. وربّما كان المطر المنهمر منذ الصباح بلا انقطاع سببًا في تثقيله أكثر.
في اللحظة التي ضغط فيها بأصابعه على ما بين حاجبيه وهو يتجه نحو المصعد…
سمع صوتًا ينادي:
“انتظروا! لحظة فقط! لقد جئتُ لمقابلة المريض… لا، بل المدير “كوون مين-جون” نفسه!”
توقف خطاه عند سماع اسمه. أو لعلّ الأصح أن يقال إنّ سبب توقّفه لم يكن الاسم ذاته، بل نبرة الصوت التي نطقت به… إذ كانت مألوفة لديه.
استدار “مين-جون” عن وجهته إلى المصعد، وسار نحو مكتب الاستقبال. هناك لمح امرأة تتجادل مع رجال الأمن، تحاول بكل إصرار الدخول.
كانت غارقة بالمطر من رأسها حتى قدميها، تستجديهم أن يسمحوا لها بالدخول.
“هاه…! ألا يوجد حدّ للاستهتار بكلامي؟”
ازداد الضيق الذي كان يخنقه أصلًا حين وقعت عيناه عليها. أغاظه أنها تجرؤ على الظهور هكذا أمامه مجددًا، وكأنها لا ترى فيه إلّا رجلًا يمكن التلاعب به.
تقدّم نحوها بخطوات ثابتة، وصوت حذائه يطرق أرضية الرخام بقوة. انتبه رجال الأمن الذين كانوا يتجادلون معها والتفتوا فورًا نحوه.
“آه، مديرنا!”
“نعتذر… سنقوم بإخراجها فورًا.”
لوّح “مين-جون” بيده رافضًا:
“لا داعي، أعرفها. تفضلي يا آنسة تشاي.”
أشار لها برأسه إشارة مقتضبة. رمشت “دان-آه” بعينين متسعتين، مرتبكة للحظة، ثم سارعت تلحق به بخطوات مضطربة.
“أعتذر، لكن… أعني…”
قاطعها صوته البارد:
“أتسخرين من كلامي؟”
اتسعت عيناها بدهشة. صمَتت لوهلة قبل أن تهمس وهي تهز رأسها:
“لا… ليس هذا قصدي. أنا فقط…”
“وإلا، فكيف تجرؤين على الظهور أمامي مجددًا؟! ألم أقل لكِ صراحة إن ما تفعلينه هو تعدٍ على حياتي الخاصة؟ كيف يُفترض بي أن أفسّر هذا السلوك إذن؟ هل أستدعي الشرطة؟”
خفضت “دان-آه” رأسها بصمت. التصقت خصلات شعرها المبتل بخديها الشاحبين، فبدت أكثر إنهاكًا من أي وقت مضى… حتى ليخال المرء أنّها تثير الشفقة.
لكنّ نظرات “مين-جون” بقيت خالية من أي دفء.
“أجيبي. أعطني تفسيرًا واحدًا يُقنعني.”
همست:
“… أعتذر.”
ضحك بمرارة وهو يضغط كفّه على جبينه:
“اعتذار؟! تظنّين أنّ كلمة “آسفة” تكفي؟! أتنتهكين خصوصية غيركِ، ثم تتوقعين أن يزول كل شيء بعبارة واحدة؟! يا لها من معادلة مريحة!”
صمتت “دان-آه” بلا ردّ، بينما راحت عيناه تنزلقان نزولًا حتى توقفت عند قدميها.
أحذية “كلوغ”… تلك التي اعتاد الأطباء ارتداءها.
تأمّل ملبسها، فأدرك الحقيقة. ابتسم ساخرًا وهو يحدّق في الزي الأزرق الداكن الذي ترتديه:
“هاه… زي المستشفى نفسه.”
كيف لم يلحظ من البداية؟ لقد كان هذا المشهد مألوفًا له طوال أيام مكوثه في المستشفى.
“لكن… لماذا؟”
لم يستطع أن يفهم. بدا واضحًا أنّها لم تكن في يوم عطلة، بل ربما اندفعت نحوه مباشرة من عملها، دون أن تمنح نفسها فرصة لتبديل ثيابها.
هل كان لقاؤه عاجلًا إلى هذه الدرجة؟
أمام هذا التصرف المندفع، شعر “مين-جون” بأن الغضب الذي كان يشتعل في صدره بدأ يخفت. فما جدوى الغضب من شخص يتصرّف خارج حدود المنطق أصلًا؟
زفر بعمق ثم قال:
“تنشّفي على الأقل.”
أخرج من جيب سترته منديلاً ناولها إياه. لكنها لم تتناوله، بل رفعت بصرها إليه.
قال بجدية وهو يمدّه مجددًا:
“لقد ابتللتِ كليًا. ستصابين بالبرد إن بقيتِ هكذا.”
ولمّا ترددت، أمسك يدها ووضع المنديل بين أصابعها بنفسه.
شهقت بخفوت:
“…!”
“لن تمسحي؟ أم أنّكِ تنوين الإصابة بالبرد ونقل العدوى إليّ؟”
ارتبكت بسرعة:
“لا، بالطبع لا!”
ابتسم نصف ابتسامة، وهو يراها تمسح وجهها وشعرها بعجلة. لم يستطع منع نفسه من إطلاق ضحكة قصيرة.
سواء أكان تصنّعًا أم لا… فقد كانت على الأقل ثابتة على أسلوبها.
وبينما كان يتأملها، ضاقت عيناه فجأة.
‘… دم؟‘
على ظهر كفها، وسط البلل، ظهرت بقعة داكنة ضاربة إلى الحمرة.
كان أثر دمٍ جافّ، وإن كان المطر قد غسل جزءًا منه، إلا أنّه ظل واضحًا للعين.
‘أترى… جُرحت هي؟ أم أنّها بقعة دم أحد المرضى؟‘
وبما أنّها تعمل في الطوارئ، فالاحتمال الثاني أكبر. ومع ذلك، لم يستطع “مين-جون” منع انقباض حاجبيه وهو يطيل النظر إليها…
لكن في تلك اللحظة، انبثق من طرف الرواق صوت ضجيج متصاعد. خرج الناس من بينهم والده، وكل من حضر حفل توزيع المنح الدراسية.
“…تسّ.”
رفع نظره عن آثار الدم على ظهر يد “دان-آه” وأطلق صوت حفيف من شفتيه. شعر بأنها ستسبب له متاعب لو رآه والده معها الآن.
فقد كان الأمر محرجًا بما يكفي؛ فكلما ظهرت امرأة، يجدون أنفسهم يربطونه بها…
“لنخرج أولًا.”
“ماذا؟ إلى أين…؟ آه، لحظة!”
سحب “مين-جون” ذراع “دان-آه” بخفة، ثم خطا بها إلى داخل المصعد الذي وصل في الوقت المناسب. من خلال الفجوة الضيقة للباب، لمح والده عن بعد.
لحسن الحظ، لم يلتفت والده إليه. تنفس “مين-جون” الصعداء بعد أن أُغلقت أبواب المصعد.
في تلك اللحظة، شعر بحركة غير معتادة في يده.
“آه! عذرًا.”
نظر إلى يده بدهشة ثم اعتذر، حين أدرك أنه ظل ممسكًا بذراع “دان-آه” طوال الوقت.
“آه… لا، لا بأس.”
أجابت “دان-آه” بنبرة محرجة، ثم رفعت بصرها إلى سقف المصعد من دون سبب واضح. هو أيضًا بقي صامتًا محدقًا في شاشة LED أعلى الباب.
مع كل طابق ينزلون إليه، ازداد الشعور بالإحراج بينهما. ولو أنّ شخصًا آخر دخل المصعد لكان الأمر أقل حدة، لكن حتى وصولهم إلى الطابق الأرضي لم يفتح الباب مرة واحدة.
―وصلنا إلى الطابق الأرضي.
عند فتح الأبواب، ترددت “دان-آه” قبل أن ترفع صوتها متحدثة إليه:
“سأذهب الآن… حقًا أعتذر…”
“آنسة تشاي دان-آه.”
خفض “مين-جون” نظره من الشاشة إلى عينيها، وسأل بصوت خافت متصلب:
“ماذا تريدين مني أن أفعل؟”
“…آه؟ حسنًا، بما أن القلب تم الحصول عليه بصعوبة… أود أن تولي اهتمامًا أكبر بصحتك…”
ابتسم بمرارة وقال:
“حتى لو وعدت بالاعتناء به، فلن تثقي بي وستظلين تدورين حولي. أليس كذلك؟ حتى اليوم خرجتِ فجأة أثناء دوامك، أليس كذلك؟”
“…!”
فتحت “دان-آه” عينيها على اتساعهما ونظرت إلى نفسها، لتدرك أنها ما زالت ترتدي زي العمل بالمستشفى، فاحمرّت وجنتاها وأذناها خجلاً.
―سيُغلق الباب.
راقبها “مين-جون” وهي مرتبكة، ومدّ يده للضغط على زر إعادة الفتح. انفتح الباب جزئيًا، ثم قال:
“ألن تنزلي؟”
“آه! نعم، سأخرج!”
مسحت “دان-آه” أذنيها المحمرتين بيدها، ثم تقدمت بحذر خارج المصعد.
تمنّت في نفسها لو أنها اختفت، شعور بالحرج والخجل دفعها للتمني بأن تختفي من المكان على الفور.
لكنها أيضًا أدركت أن هذه اللحظة تمثل فرصة لها. فموقف الرجل الذي كان يرفضها دائمًا بدأ يلين قليلًا.
هل بدت أمامه في هذا المظهر المبتل مثيرة للشفقة؟
ربما أثار ذلك في قلبه الصارم ذرة من التعاطف.
مشيت “دان-آه” بخجل، وخفضت رأسها وهي تلهو بالخطوات، ثم توقفت فجأة. توقف صوت خطوات الرجل خلفها أيضًا.
“…فقط ثلاثة أشهر.”
قبضت يدَيها بقوة، وأخذت نفسًا عميقًا ثم التفتت إليه قائلة:
“أرجو أن تسمح لي بفحص حالة جسم السيد كوون مين-جون المريض لمدة ثلاثة أشهر فقط. لن أطلب أكثر من ذلك. آه، بالطبع سيكون من الجيد أن أتمكن من المتابعة لمدة عام تقريبًا بعد الزرع… لكن أظن أن المريض قد يرفض.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات