“……ما الذي تفعلينه هنا الآن؟”
رفعت دان آه جسدها بسرعة من وضعية القرفصاء أمام مدخل المبنى المشترك حينما وقعت عيناها على خطوات تقترب منها. النظرة التي صوّبها نحوها الرجل الواقف أمامها كانت باردة كالثلج، كأنما يحدّق فيها بامتعاض لا يوصف.
قالت بنبرة تحاول إخفاء ارتباكها:
“يبدو أنك عدت للتو من العمل؟ لقد قارب منتصف الليل.”
وضعت يدها على صدرها الذي انكمش لا إراديًا محاولة بسطه من جديد، ثم رفعت بصرها إلى ساعتِها. رجل يعود من عمله في ساعة كهذه من الليل… لمجرد التفكير بالأمر عاد إليها ما كاد يتلاشى من شجاعة.
بل أدقّ من ذلك، يمكن القول إن الغليان بدأ يتصاعد في صدرها.
قالت بلهجة جادة:
“السيد كوون مين-جون، لا ينبغي أن ترهق نفسك بهذا الشكل. لم يمضِ سوى شهرين وبضعة أيام على عمليّة زراعة القلب، أليس كذلك؟ ألم تسمع شرح الأطباء حين أخبروك أن الأشهر الثلاثة الأولى هي الأخطر ويجب أن تحذر فيها أشدّ الحذر؟”
أجاب ببرود، وقد رفع يده يشير إلى كمامته:
“لهذا السبب أضع القناع، أليس كذلك؟ على كل حال… ما الذي تفعلينه أنتِ هنا مرة أخرى؟”
لم يستطع منع نفسه من الرد على توبيخها، ثم عقد حاجبيه محاولًا تغيير دفة الحديث. فمن الذي يعاتب الآخر أصلًا؟ غير أنها قطعت كلامه بنبرة أعلى:
“ارتداء القناع لا يعني أنك تتهاون في بقية الأمور! أخطر من كل شيء أن تواصل العمل حتى هذه الساعة المتأخرة. لقد قلت لك من قبل: من أجل المتبرع الذي منحك قلبه، لا يليق بك أن تستهتر بحياتك هكذا!”
تمتم بإعادة كلماتها، وفي صوته سخرية لاذعة:
“من أجل المتبرع… لا أفعل هذا؟”
ثم ابتسم بخفوت وسار نحوها خطوة بخطوة.
ارتبكت، فتراجعت غريزيًا إلى الخلف وهي تلهث:
“مـ… ما الذي تفعله؟!”
لم يفصل بينهما سوى شبر واحد حين توقّف، وألقى إليها نظرة باردة وغمغم بسخرية:
“اسمعي يا آنسة تشاي دان آه.. أما آن الأوان أن تكفي عن هذا التظاهر؟”
شهقت بدهشة:
“ت… تظاهر؟! ثم بأي حق تتحدث معي هكذا بلا استئذان؟!”
رد بابتسامة مستفزة:
“وأنتِ، آنسة دان آه، هل أخذتِ إذني قبل أن تأتي إلى هنا؟”
تلعثمت ثم سكتت وقد احمرّ وجهها كالجمرة. نظر إليها مليًّا، ثم زفر وأزاح شعره عن جبينه.
قال بجدية تحمل نبرة تحذير:
“آنسة دان آه، ألم نُنْهِ النقاش في المرة السابقة؟ كنتُ أظن أن الأمر قد انتهى عند ذلك.”
ارتبكت وأشاحت ببصرها إلى ناحية أخرى متجاهلة. فعاد يناديها بحدة:
“آنسة تشاي دان آه..”
فقاطعته متعثرة:
“أ… أعني، ألا يمكن أن تعتبرني… شيئًا آخر؟”
وأشارت بسرعة إلى زاوية الطريق. تبعه ببصره ليرى درّاجة نارية مخصّصة لتوصيل الطلبات.
رفع حاجبيه باستهزاء:
“… درّاجة توصيل؟”
ازداد وجهها احمرارًا، لكنها تابعت محاولة شرحها:
“ليس بالضرورة الدراجة تحديدًا. فقط… تعاملني كأحد الأشياء التي تحيط بك. شيئًا عابرًا في المشهد، لا أكثر.”
قهقه بسخرية وقال:
“إذن تريدين أن تكوني جمادًا أو منظرًا من المناظر؟ احتفظي بمثل هذا الميل الغريب لنفسكِ، ولا تفرضيْه على غيركِ.”
صرخت محتدّة:
“لا! لم أقصد ذلك! وأنا لستُ صاحبة ميول كهذه أصلًا!”
وضربت صدرها بيدها بانفعال. في تلك اللحظة، كان أحد سكّان المبنى يمر من مدخل العمارة، فتوقف ينظر إليهما بريبة.
زفر مين-جون بتضجر وقال لها:
“هيا نخرج من هنا، لا نريد أن نصبح فرجة كقردة في قفص.”
وأشار لها برأسه لتمشي معه.
* * *
بعد برهة، كان الليل قد تجاوز منتصفه والحديقة خالية تمامًا. جلس مين-جون على أحد المقاعد، شاخصًا ببصره إلى أضواء أعمدة الإنارة التي تبدد العتمة.
تردّد صوتها بجانبه:
“أنت تقوم بالمراقبة الذاتية يوميًا، صحيح؟”
التفت إليها بهدوء. فأردفت بجدية:
“يجب أن تقيس ضغط دمك ونبضك في وقت ثابت كل يوم. وإن لم تكن النتيجة طبيعية، تعيد القياس، وإن بقيت غير طبيعية…”
قاطـعها بجفاء:
“لقد سمعتُ هذا كلّه يوم خروجي من المستشفى. وأعطوني منشورات أيضًا.”
ارتبكت وقالت خافتة:
“آه… نعم، بالطبع.”
شعرت بحرارة وجهها المتوهج، وشكرت الرب أن الظلام يخفي حمرة خديها. لكنها ما لبثت أن سمعت صوته البارد مرة أخرى:
“أليست هذه كلها مجرّد رياء؟”
تجمدت:
“ماذا… تقول؟”
قال بصرامة:
“هل حقًا تقلقين على صحتي لدرجة أن تلاحقيني هكذا دائمًا؟ أليست سنواتكِ الأولى كطبيبة مقيمة مزدحمة بما يكفي؟ كيف تجدين وقتًا لتضيعيه هكذا؟”
تلعثمت:
“أنا… أعني…”
تابع بحدة:
“ثم إني لم أكن حتى مريضكِ المباشر، أليس كذلك؟ ما كان ينبغي أن نتقاطع هكذا من الأصل.”
خفضت رأسها عاجزة عن الرد، تمامًا كما حدث قبل أسبوع. فأطلق هو تنهيدة ضجر وأضاف:
“ومهما سألتكِ عن سبب مجيئك، فلن تجيبي بصراحة، أليس كذلك؟”
رفعت عينيها إليه برجاء وقالت بصوت مرتجف:
“لم يكن هناك أي معنى آخر. أقسم لك. فقط… كنت قلقة عليك.”
تنهّد وهو يضغط على موضع بين عينيه، ثم نهض واقفًا. ارتجفت أمام قامته الطويلة، وانكمشت كتفيها غريزيًا. لكنه هذه المرة خفّف من حدّة صوته قليلًا:
“فلنقل إن هذا هو كل شيء حقًا.”
تهلّل وجهها:
“إذن…”
لكنه قاطعها بصرامة:
“لكن يجب أن يتوقف الأمر هنا.”
تجمّدت ابتسامتها وعاد وجهها إلى العتمة. غير أنه واصل بلا تردد:
“أنتِ لستِ طبيبتي المسؤولة، وحتى لو كنتِ كذلك، ما تفعلينه خارج حدود المستشفى هو تعدٍّ على حياتي الخاصة.”
تركها صامتة وسار عائدًا نحو مجمّع الشقق، واثقًا هذه المرة أنها فهمت قصده.
* * *
“هاه…”
تنهّدت دان آه وهي تحدّق في شاشة الحاسوب أمامها، ثم هوَت برأسها على المكتب كدميةٍ انقطع خيطها فجأة.
كانت جون-ها جالسة عند الحاسوب في عمق غرفة الطوارئ، فالتفتت إليها بطرف عينها:
“ألم أقل لك؟ لا بد أن هناك شيئًا ما.”
“ها أنتِ تعودين للثرثرة من جديد. رتّبي ملفات المرضى. عليكِ إنجازها وقت الفراغ، وإلّا…”
ردّ إن-هو ببرود، مما جعل جون-ها تزم شفتيها كمنقارٍ صغير، ثم تدير رأسها بعيدًا بسرعة.
طقطق. طق طق طق.
انهمرت ضربات أصابعها على لوحة المفاتيح بصوت صاخب لا يُخطئه أحد: ‘أنا غاضبة!’
“…”
وقبل أن يلتفت إن-هو ناحيتها، دوّى وقع أقدام مسرعة تخترق غرفة الطوارئ.
“مصاب بجرح طعني في البطن!”
صاحت الممرضة المسؤولة عن التصنيف (triage)، فما كان من دان آه وإن-هو، وجون-ها، وبقية الأطباء المقيمين إلا أن قفزوا من أماكنهم دفعةً واحدة. دان آه بالتحديد اندفعت أول من هرع نحو المريض، بخفة لا تشبه من كان قبل قليل منهارة على المكتب.
“المريض، ما حالته؟”
سألت وهي تتقدّم وسط الفوضى، فبانت عليها آثار الدماء التي غمرت زيّ الممرضة تمامًا.
“هناك…”
أشارت الممرضة اللاهثة إلى مدخل غرفة الطوارئ، ولم تكن بحاجة إلى الإشارة، إذ كان المشهد كافيًا.
فقد احتشد أربعة أشخاص أو أكثر، بينهم من بدا أنه وليّ أمر المريض وقد حمله على ظهره، وكلهم ملوّثون بالدماء، يهرولون ويلهجون بخوف.
“ابتعدوا! أنا طبيبة!”
شقت دان آه طريقها بينهم صارخة. لكن ما إن وقع بصرها على المريض حتى جمدت في مكانها بلا وعي.
كان شابًا، في مثل عمرها تقريبًا، أواخر العشرينات.
“دكتورة تشاي، ماذا تفعلين! تحرّكي!”
زمجر إن-هو وهو يصل متأخرًا بخطوة، ليزجرها وقد أصابها الجمود للحظة مصيرية.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"