رغم أنّ الملف احتوى على تفاصيل أخرى تخصّ المرأة، إلا أنّ أكثر ما استوقفه كان تلك الفقرة تحديدًا:
أنها تعمل في مستشفى جامعة كوريا.
بل والأدهى، أنها لم تكن حتى طبيبة امتياز (Intern).
“……إذاً فقد تجرّأت على استعارة معطفٍ ليس لها لتدّعي صفةً ليست صفتها وتدخل غرفتي؟ لا شكّ أنّ طبيبي المعالج كان على علم بذلك وأغمض عينيه متعمّدًا. أو لعلّه شريكٌ في الأمر من الأساس.”
عيناه، وهما تحدّقان بوجه “تشاي دان آه” على الشاشة، أخذتا يبردان حتى صارا كالجليد.
لم يكن بينه وبينها أيّ صلة تُذكر. مهما نبش في ذاكرته، لم يجد اسم “تشاي دان آه” ولا أيّ خيط يربطه بها.
شعورٌ بالاستياء تسلّل إليه ولم يحاول حتى طرده؛ فما الحاجة؟ رجلٌ مثله لا يمنح عفوًا ولا يُبدي تسامحًا لمن يقترب منه عن عمدٍ وبخداع.
ومع ذلك… كان عليه أن يعرف أولًا “السبب”.
ما الذي دفعها، فوق محاولتها الالتفاف حوله، إلى أن تتظاهر ببرود أنها إنترن وتدخل إلى غرفته بوجهٍ مكشوف؟
“همم…….”
ارتسم خطّ بارز على وجهه البارد، ثم ارتفع جانب شفتيه بابتسامة ساخرة.
قد يغدو هذا الوقت الممل أكثر إثارة مما توقّع.
* * *
“يمكنك القيام بحمّام خفيف، لكن يُمنع الاستحمام الطويل أو دخول الساونا لأسبوعٍ كامل. وإن ظهرت أعراض مثل الحمى الشديدة، نزيف، أو ضيق في التنفّس، فعليك مراجعة العيادة الخارجية أو قسم الطوارئ فورًا. باقي التعليمات سأعطيك إيّاها مكتوبة. آه، ونتائج الفحوص سأعرضها عليك في الموعد القادم…”
“اليوم… لا أرى تلك الطبيبة المتدرّبة.”
“نعم؟ ماذا! أعني… نعم؟”
كاد “سوك وونغ” أن يختنق بكلماته حين باغته تعليق “مين جون”. سعل بعنف ثم استعاد أنفاسه بصعوبة، محاولًا إخفاء ارتباكه وهو يحدّق به.
“أقصد الطبيبة التي جاءت معك بالأمس. كانت طبيبة إمتياز أليس كذلك؟”
“آه، نعم، هيه… ذلك… الطبيبة المتدرّبة… لِمَ… تسأل عنها؟”
شعر “سوك وونغ” بالعرق يتجمّع على جبينه وأراد لو يخرج من جيبه منديلاً يمسح به وجهه، غير أنّ حاله البائسة لا تسمح له حتى بترف كهذا.
‘هكذا إذًا… لهذا يقال: المذنب لا يهنأ براحة. يا لقلبي المرتجف.‘
لو كان يعلم أن الأمر سيعود عليه هكذا، لما جازف وأدخل “دان آه” بصفة طبيبة إمتياز مهما أصرّت وتوسّلت.
لكن “مين جون” لم يبدُ وكأنه يلحظ ارتباكه، بل اكتفى بالنظر إليه بهدوء قبل أن يهز كتفيه بابتسامة باهتة:
“فقط… طبيبة جريئة، لذا علقت في ذاكرتي.”
“آه… نعم، هاها… الطبيبة تشاي… أعني، همم… تلك الإنترن فعلًا كانت جريئة بعض الشيء.”
شعر “سوك وونغ” أن السبب الحقيقي وراء هذه الورطة هو أنّ “دان آه” تجرّأت على التصرّف بغير ما يليق بمتدرّبة. رفع شفتيه بابتسامة مصطنعة، فيما كان “مين جون” يراقبه بصمت مع ابتسامة غامضة، قبل أن يطأطئ رأسه كما لو لم يتفوّه بشيء.
“على أية حال، شكرًا لك يا طبيب. أقدّر مجهودك.”
“نعم؟ آه، لا لا، لا داعي للشكر. لم أفعل إلا ما هو واجبي.”
ارتسمت على وجه “سوك وونغ” ابتسامة واسعة وهو يلوّح بيده، وقد سرّه الشكر رغم رسميّته.
وبعد وداعٍ قصير، غادر “مين جون” الغرفة. كان مساعده قد سبقه باكرًا إلى موقف السيارات السفلي ليحمل أمتعته، فخرج هو خفيف اليدين.
مرّر أصابعه بخفّة على معصمه المربوط بشريط الضغط، ثم دخل المصعد وضغط الزر المؤدّي إلى الطابق السفلي. غير أنّ إصبعه توقّف فجأة.
“…….”
التردّد كان قصيرًا. بدل النزول إلى الطابق -1 حيث ينتظره مساعده، ضغط زرّ الطابق الأرضي.
كان قرارًا طائشًا.
لم يتوقّع أن يرى شيئًا محدّدًا، لكنه… أراد أن يلقي نظرة بنفسه على تلك الطبيبة الوقحة التي تجرّأت على التسلّل إليه بصفةٍ كاذبة.
“الطابق الأول.”
رنّ صوت المصعد وتفتّحت الأبواب. لم يخرج إلا بعد أن غادر الآخرون، بخطًى متأنّية.
كالعادة، كان ردهة المستشفى تعجّ بالناس. ازدحام يجعل المرء يتساءل: كم بقي في هذا العالم من أناس أصحّاء؟
وفجأة، دوّى صوت صفّارات الإنقاذ. مريض في حالة حرجة يُنقل على عجَل. حادثٌ، أو مرضٌ مباغت، لا يهم.
انجذبت خطاه نحو المبنى المجاور حيث مركز الطوارئ.
“مريض TA (حادث مروري)! ضغط الدم 80/60! نُرجّح وجود Hemoperitoneum (نزيف داخلي في تجويف البطن)!”
صوت المسعف بزيّه البرتقالي وهو ينزل المريض من الإسعاف وصل حتى أذنيه. تابع بعينيه الجسد الملطّخ بالدماء للحظة، ثم انتقل ببصره إلى الفريق الطبي الذي هرع لاستقباله.
وهناك… رآها.
كانت من بينهم. المرأة ذاتها.
التي، لأي سببٍ خفي، تتعقّبه بلا هوادة.
“……لكن مظهرها ذاك لا يوحي أبدًا بأنها من هذا النوع من الناس.”
تمتم وهو يراقبها تدفع السرير نحو الداخل بوجهٍ جادّ، على محيّاه تعبير لا يمتّ للادعاء بصلة. خطرت على وجهه لمحة ارتباك عابرة.
ثم استدار متجهًا نحو موقف السيارات، حاجباه معقودان. رجل مثله لا يطيق الغموض. ولكي يستريح قلبه، عليه أن يفهم. أن يعرف كل صغيرة وكبيرة عنها.
“سيدي، وصلت أخيرًا.”
“آه، أعتذر. هل انتظرت طويلًا؟”
رفع رأسه إلى الصوت الذي ناداه وهو غارق في أفكاره، فاكتشف أنّه وصل بالفعل.
“أبدًا يا سيدي.”
ردّ مساعده بابتسامة، وفتح له باب المقعد الخلفي. جلس “مين جون” بهدوء، وما إن عاد المساعد إلى مقعد القيادة حتى قاطعه صوته:
“لديّ طلب آخر يا جونغ.”
“أمرني يا سيدي.”
“الملف الذي أرسلته… أريدك أن تبحث أكثر عن صاحبة السيارة. كل شيء عنها: عائلتها، معارفها، أنشطتها المعتادة. وأيضًا… ما الذي جرى لها في الأشهر الأخيرة. لنقل… منذ نصف عام.”
“سأنجز ذلك بأسرع ما يمكن وأرفع لك تقريرًا مفصّلًا. فلننطلق الآن، سيدي.”
هزّ رأسه موافقًا، وأدار بصره إلى الخارج. انطلقت السيارة بصوت احتكاك الإطارات بأرضية الموقف، فيما كانت غيومٌ جديدة تتكاثف في صدره.
* * *
“تادااا!”
اندفع باب غرفة الأطباء ليفتح فجأة، وظهر “تشانغ هون” رافعًا ذقنه في خيلاء. وفي كلتا يديه كان يحمل كيسًا مختومًا بشعار مطعم دجاج مقلي قريب من المستشفى. ومن داخل الكيس أخذت تفوح رائحة الدجاج الساخن الطازج، تعبق المكان شهيّة.
“ها قد دخل العظـ… أووف! سـ… سِنباي!”
لكن محاولته لإعلان دخوله المهيب بعبارة “ها قد دخل العظيم!” تحطّمت في لحظة، إذ انقضّت “جون ها” عليه كزومبي جائع.
“آه بحق..! أعطيني ساق دجاجة واحدة على الأقل! أنا من جلب الدجاج!”
صرخ “تشانغ هون” وهو يقترب منها مذعورًا، بعدما رآها تلتهم ساق دجاجة كاملة بفمها، وتفتش في الكيس عن ساقٍ أخرى دون رحمة.
كانت “دان آه” تتابع المشهد الصاخب بابتسامة صغيرة، ثم أمسكت حقيبتها ومفتاح سيارتها وهمّت بالخروج. غير أنّ الباب فُتح قبلها بخطوة، ليطلّ رئيس القسم “إن هو”، وعلامات الإنهاك بادية على محياه.
“خروج؟”
“نعم.”
“حسنًا، عودي بالسلامة… ولكن ما الذي يفعلانه هذان الاثنان؟”
توقّف “إن هو” فجأة، وقطّب جبينه وهو يشاهد المعركة الدائرة خلف “دان آه” على ما تبقّى من سيقان الدجاج.
“شين جون ها! أوه تشانغ هون! أنزلا تلك الساقين حالًا!”
رغم نحوله الشديد، كان صوت “إن هو” يملأ الغرفة بقوة مدهشة، قوة لم تولد معه بقدر ما صقلتها مواقف كهذه على مرّ الزمن.
“آه…”
“آه! تشيف!”
تجمّدت “جون ها” للحظة وساق دجاجة بين أسنانها، وقد ارتسمت على وجهها ملامح حرجٍ واضح. بينما أسرع “تشانغ هون” ليخبّئ الساق الأخرى وراء ظهره.
“هل أنتما طفلان؟ بل الأطفال لا يتشاجرون بهذا القدر السخيف! أيعقل أن تكون سيقان دجاج سببًا لكل هذا؟”
تقدّم “إن هو” إليهما، وأخذ ينهال بالتوبيخ.
“شين جون ها، صرتِ الآن أقدم منهم، أفهذا ما تودّين فعله بصفتكِ سِنباي؟”
“لماذا تُقحم موضوع السِنباي هنا؟ ألا تعلم أن أمام الدجاج جميع الناس متساوون…؟!”
تذمّرت “جون ها” بوجه ممتعض، تلوّح بظلمٍ وكأنها تدافع عن قضية عادلة. وفي الوقت نفسه، كاد كتفا “تشانغ هون” أن ينتفخا افتخارًا، لكن سرعان ما التفتت سهام “إن هو” نحوه.
“ولا تتظاهر بالبراءة أنت أيضًا، أوه تشانغ هون! رجل متزوّج وله ابنة يتصرّف هكذا؟! ماذا ستقول هي مين حين ترى أباها في هذه الحال؟!”
شيئًا فشيئًا انكمش الاثنان تحت سيل ملاحظاته اللاذعة، مشهد مألوف لا جديد فيه. عندها، ضحكت “دان آه” بخفة مرة أخرى، ثم انحنت قليلًا قائلة:
“إذن… أستأذنكم.”
وغادرت بخطوات هادئة، فيما خلفها ما يزال صدى المعركة الصغيرة عالقًا في أجواء الغرفة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"