“نتائج الفحوصات الأساسية كيف هي؟ تخطيط القلب طبيعي؟ آه، لا ينفع، يجب أن أتحقق بنفسي…”
“يا مجنونة! أأنتِ بعقلك؟”
صرخ سوك وونغ وهو يمسك بذراع دان آه ليمنعها من الالتفات.
“المرة السابقة تغاضيتُ عنكِ، لكن هذا؟ لا. لو أمسكتِ وأنتِ تقتحمين ملفات المرضى على هواكِ، ماذا تظنين سيحدث؟ استدعاء إلى لجنة التأديب؟! وقد لا تنتهي المسألة بمجرد توبيخ أو إيقاف مؤقت!”
خفض صوته قدر المستطاع، يخشى أن يسمع أحد. أما دان آه فثبتت نظرها فيه، ثم أطلقت تنهيدة واستسلمت بهزة رأس.
“حسنًا… فهمت. فقط، دع يدي.”
“تقولين فهمتِ ثم تفعلين حماقة من جديد.”
لم يُفلِت ذراعها إلا بعدما انتزع منها وعدًا جديدًا، وهو يزمجر مهددًا. دان آه، محبوسة بين ضجرها وحرجها، أخذت تداعب بطرف قدمها الأرض ثم انفجرت بابتسامة صغيرة وقالت:
“بالمناسبة… ما دام جاء للفحص، فليته يستغل الفرصة ويستريح جيدًا.”
“…من تقصدين؟”
“ذاك الرجل. مدمن العمل ذاك. بيته، الشركة، البيت، الشركة… تلك حياته كلها! لم أرَه يومًا يغادر في موعد الدوام الطبيعي.”
مدّت كلمة الشركة بتهكم، مع عقد حاجبيها استنكارًا. سوك وونغ فرك ذقنه بدهشة وقال:
“لكن… أليس هذا مبكرًا جدًا؟ ما زال لم يمضِ سوى شهر على العملية!”
“بالضبط! هذا ما أقصده.”
أومأت دان آه موافقة، غير أنّ وجه سوك وونغ تغيّر وهو يحدق فيها مليًّا.
“لكن… كيف تعرفين هذا القدر عنه؟ تقولين لم تريه يخرج في الوقت المحدد… هل كنتِ تراقبينه طول اليوم؟ ضحّيتِ بعطلتكِ الثمينة كلّها من أجله؟”
“…”
“آه، ما أراه ليس إلا. الطبيبة تشاي دان آه تتحول إلى… مُلاحِقة! نعم، هكذا نسميهم. ستوكر. اسمعيها؟ ستو…كر. أوك— آي! يؤلمني!”
كان يمازحها بنبرة لاذعة، فما كان منها إلا أن غرست كوعها في خاصرته. تلوّى متألمًا قليلاً، ثم اعتدل بجدية وقال:
“ثلاثة أشهر.”
“…ثلاثة أشهر ماذا؟”
“ثلاثة أشهر فقط. هذا ما وعدتِني به. أن تراقبيه لثلاثة أشهر فحسب، لتتأكدي من تعافيه. ثم تتوقفين عن هذه الحماقة.”
“…”
صمتت، لكنها حين رأت عينيه تضيّقان عليها الخناق، لم تجد بدًا من هز رأسها.
“حسنًا.”
“لا أصدقكِ. صوتكِ يخلو من أي روح.”
“وماذا عساي أن أفعل؟! الآن، اذهب من هنا. ألا ينبغي أن تكون في مكان آخر غير إضاعة الوقت بجانبي؟”
طردته بحركات قدميها في الهواء قبل أن تدير ظهرها. شعرت بحرارة نظراته تخترق قفاها.
هي تعلم.
تعلم أنّ سوك وونغ لا يفعل إلا بدافع القلق.
قلق على تلك المرأة التي لا تستطيع التوقف عن التعلق بمريض يحمل قلب را-كيونغ.
“…وأنا أيضًا أعرف.”
تمتمت لنفسها بعد خطوات قليلة، واقفة وسط ضجيج غرفة الطوارئ. فجأة بدا لها كل شيء ضبابيًا، كأنها فقدت الاتجاه.
لم يكن في يدها سوى بوصلة محطمة، كقبطان تائه في عرض البحر.
* * *
“عليك المحافظة على الضغط ثلاثة إلى أربع ساعات على الأقل، لذا توخ الحذر. يجب أن يبقى رباط الضغط حتى الغد. واشربوا الكثير من الماء حتى يخرج الصبغة من الجسم. إن شعرت بدوار أو غثيان أثناء الضغط، أخبرني فورًا.”
“نعم.”
أجاب مين جون مطمئنًا، وهو يومئ برأسه لكلام طبيبه المشرف، سوك وونغ. كان الموضع الذي جُرح لأجل الفحص يؤلمه قليلًا، لكن ليس بما يستحق الاهتمام. كل ما هنالك أن رباط الضغط قيّد حركته وأزعجه.
ألقى نظرة نحو حاسوبه المحمول الذي تركه قبل قليل، فانعقد حاجباه بضيق. عندها، جاءه صوت خجول متردّد:
“سيدي، لا يجب أن تُجهد نفسك. الأفضل أن تؤجل العمل إلى ما بعد الخروج.”
انتقل نظره من شاشة الحاسوب إلى صاحبة الصوت: طبيبة متدرّبة ترافق طبيبه. معطفها مكتوب عليه مجرد كلمة “طبيب”، بلا اسم. وجه صغير اختبأ معظمه خلف الكمامة، ولم يظهر سوى عينيها السوداوين المتسعتين.
رمقها مطولًا، فما كان منها إلا أن رمشت بعصبية ثم انسحبت إلى خلفية المشهد، متوارية وراء ظهر الطبيب المشرف.
التفت سوك وونغ نحوها، قال شيئًا خافتًا ثم تظاهر بالسعال قبل أن يعاود كلامه لمين جون:
“هَم… ما قالته الطبيبة المتدرّبة صحيح. ما زال لم يمضِ سوى شهر على الزرع، وفوق ذلك أجريت فحصًا اليوم. من الأفضل أن تلزم السرير حتى المساء على الأقل.”
“ثم أيضًا… من أجل المتبرع بقلبك!”
ما إن أنهى كلماته حتى برز رأس المتدرّبة مرة أخرى من خلفه، تضيف عبارتها بجرأة خجولة. شخصيتها بدت مترددة، لكنها لا تتراجع عن قول ما تراه واجبًا.
ثبت مين جون نظره على عينيها المظلمتين، يقرأ فيهما التوتر والإصرار معًا.
…من أجل المتبرع.
“نعم. سأضع ذلك نُصب عيني.”
فطن متأخرًا إلى مدى لا مبالاته. قلبه لم يعد ملكًا خالصًا له، كان هدية حياة من آخر. وأي إهمال من جانبه هو خيانة لذكراها.
“سأكون أكثر حذرًا.”
قالها بصدق أكبر هذه المرة، فخيّم صمت غريب على الغرفة. سوك وونغ تنحنح مرتين، ثم أشار بخفوت إلى المتدرّبة بالخروج، قبل أن ينحني لمريضه:
“سنتركك لترتاح الآن. إن شعرت بأي إزعاج، نادِنا في أي وقت.”
“شكرًا.”
خرج الاثنان وأُغلق الباب، ومعها سمع مين جون همهمة تأنيب من الطبيب لمتدرّبته. لكنه لم يُعِر الأمر اهتمامًا، بل أدار وجهه إلى النافذة.
أراد أن يعمل قليلاً، لكنه عاجز. الفراغ تسلل إليه.
عمل، عمل، عمل… لم يعرف سواه في حياته. والآن، بلا عمل، بدا له الوقت عبئًا ثقيلاً.
كان على وشك أن يزفر تنهيدة حين رنّ هاتفه. كانت مكالمة من سكرتيرته التي منحها إجازة.
“لا هي فقط… حتى سكرتير جونغ بحاجة إلى إعادة تأهيل.”
تعلّم فن الراحة، والعناية بالنفس. ابتسم بسخرية، ثم أجاب الهاتف وهو يفكر: ربما هذا التوقف خير له أيضًا.
“نعم، سكرتير جونغ.”
―”سيدي، هل أجريت الفحوصات اليوم على ما يرام؟ لعلّ الاتصال الهاتفي لا يرهقك…؟”
“لا، لقد أنهيت جميع الفحوصات وأنا الآن أرتاح. لكن، ما الأمر؟”
―”بخصوص مالك السيارة الذي ذكرته الأسبوع الماضي… لقد تحرّيت عنه. هل أبعث إليك الملف الآن؟”
“كان يمكنك الانتظار حتى انتهاء الإجازة، لكن على أي حال، شكرًا لك. أرسله.”
―”حسنًا، سأرسله حالًا. آه، ولكن عن ذلك المالك بالذات…”
“……؟”
―”لا بأس، ستتأكد بنفسك فالأمر أوضح عند الاطلاع المباشر. ثم، سأمرّ غدًا إلى المستشفى لاصطحابك ساعة خروجك.”
“لا داعي لذلك. إن لم أستطع القيادة بنفسي فسأستدعي سائقًا بديلاً.”
―”لا حاجة لاستدعاء سائق بديل. بفضلك نلتُ يومين من الراحة الكاملة، وها أنا أتحرّق شوقًا إلى بعض الحركة. أراك غدًا.”
أضاف السكرتير عبارته الأخيرة بنبرة مازحة يكسوها شيء من المرح. فلم يجد “مين-جون” بُدًّا من الابتسام العابر، وإذ لم يستطع إقناعه بالعدول، أذن له بذلك وأنهى المكالمة.
ما لبث أن دوّى تنبيه البريد الإلكتروني. لقد وصله الملف من السكرتير.
“……؟”
وبينما كان يُنزّل الملف على هاتفه، ضاقت عيناه فجأة. ظلّ للحظة ساكنًا في مكانه، ثم أسرع يجلب حاسوبه المحمول، ولج إلى بريده الإلكتروني، وأعاد تنزيل الملف نفسه على الحاسوب.
ملأ وجه امرأة كامل شاشة الحاسوب.
كانت صورة بطاقة هوية أو رخصة قيادة على ما يبدو… ربما في فترة كانت أصغر سنًّا بقليل من الآن.
مدّ يده ببطء ليُخفي نصف الصورة بكفّه، بحيث لا يظهر سوى القسم العلوي من الوجه… عينان تطلّان من وراء كفّه، كأنها تضع قناعًا.
“مين-جون” حدّق طويلًا في الصورة من خلف كفّه، ثم أطلق ضحكة قصيرة متقطّعة لا تخلو من الذهول.
فقد تداخل وجه صاحبة الصورة على شاشة الحاسوب، مع صورة “تلك الطبيبة المتدرّبة” التي كانت قد زارته في غرفته قبل قليل، لتوصيه ألّا يُرهق نفسه احترامًا لذكرى المتبرّع.
إلا إذا كان الدوبلغانغر حقيقة قائمة في هذا العالم، فهاتان المرأتان لا يمكن إلا أن تكونا الشخص ذاته.
“دوبلغانغر” (Doppelgänger) كلمة ألمانية أصلها من doppel (مزدوج) و gänger (سائر/مُسافر)، ومعناها شبيهك أو نظيرك الذي يشبهك تمامًا دون أن تكون بينكما صلة دم.
“هاه…”
زفر ضحكة أخرى ممتزجة بالاستغراب، ثم سرعان ما تبدّل وجهه إلى صرامة متجمّدة. أزاح بصره عن الصورة ليتوقف عند بياناتها الشخصية:
تشاي دان-آه.
تعمل طبيبة مقيمة في قسم طب الطوارئ بمستشفى جامعة كوريا، السنة الأولى.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"