تنفّست ببطء، محاولةٌ يائسة لتهدئة زوبعة الخوف التي ما فتئت تعصف في داخلي.
كان الهواء يبدو أثقل، وكأن كل ذرة منه مشبعة بالتوتر والرعب.
قلبي يخفق بقوة، كأنّه يطرق أبواب صدري ليهرب.
رفعت رأسي قليلًا، وحدّقت في الظلام الذي يحتوينا، ثم قلت بصوتٍ متردد بالكاد خرج من بين شفتي المرتجفتين:
“ه… هل يمكنكِ أن توضحي اللعبة أكثر؟”
ساد الصمت للحظة.
شعرت أنني طرحت سؤالًا لم يكن ينبغي أن يُسأل، وكأن صوتي أثار شيئًا كان نائمًا في زاوية من زوايا هذه الغرفة.
ثم جاء صوتها.
هادئ… لكنه يحمل تلك النبرة التي تُشبه التربيت على كتفك قبل أن تُدفع نحو الهاوية:
“كما قلت لكما…”
توقفت لحظة، وكأنها تستمتع بجعلنا ننتظر، ثم تابعت:
“عند مرور عشر دقائق من بدء اللعبة… يجب على أحدنا نحن الثلاثة أن يحاول إضحاك الشخصين الآخريْن.”
لكنها لم تترك لي وقتًا للتفكير، فقد تابعت بسرعة، وهذه المرة بنبرة أقل لطفًا، وأكثر… دهاءً:
“ولكن…بما أنكما صديقان…”
صمتت، ثم ضحكت ضحكة قصيرة أشبه بالصفير.
“ربما تتعاونان…تضحكان عمداً عندما يحين دور أحد منكما، صحيح؟”
أحسست بدم بارد يتجمّد في عروقي.
هي تعرف.
تعرف أننا قد نُخطط لذلك.
تعرف حتى ما لم نفكر به بعد.
تابعت، وهذه المرة بكلماتٍ تقطع الأمل كالسكاكين:
“لذلك…عندما يحين دور أحدكما، يجب عليه أن يُضْحِكَني أنا فقط.”
توقفت، ثم همست:
“وليس الشخص الآخر ، هل فهمتما؟.”
هنا… شعرت بأن شيئًا في داخلي انكسر.
القشة الأخيرة.
تلك الخطة التي بدأت تتكوّن في رأسي كطوق نجاة… تحطّمت قبل أن تكتمل.
إنه… يعرف.
أقصد، هي تعرف.
أخفضت رأسي، وأغمضت عينيّ للحظة، ثم قلت، وأنا أحاول أن أبدو متماسكًا، رغم أنّ الكلمات خرجت من فمي مترنّحة:
“ن… نعم… ل… لقد فهمنا…”
ثم التفت ببطء نحو الظلام بجانبي، حيث يقف كايرو… أو حيث يفترض أن يكون واقفًا، وقلت:
“… أليس كذلك يا كايرو؟”
لم يجب.
الهدوء الذي تلا سؤالي كان أسوأ من أي صوتٍ مخيف.
صمت كايرو لم يكن عاديًا.
شعرت أنني وحدي… مجددًا.
تنفست بقلق، وحدّقت في الفراغ بجانبي، ورفعت صوتي قليلًا، بلهجة تحاول أن تبث الحياة في من جمّده الخوف:
“هاي، كايرو… قل شيئًا.”
ظلّ الصمت سيد الموقف لثانية أخرى.
ثم، جاء صوته أخيرًا.
ضعيفًا، متلعثمًا، وكأن كل حرف خرج منه بعد معركة داخلية مرهقة:
“ن… ن… نعم… ل… لقد فـ… فهمنا.”
أغمضت عينيّ مجددًا، وأنا أتنفس بصعوبة.
كايرو خائف.
وأنا خائف.
والدمية… تعرف كل ذلك.
لكن لا مجال للتراجع الآن.
اللعبة بدأت بالفعل…
وكلنا فيها… دون استثناء.
—
تردّدت قليلًا، لكن شيئًا بداخلي كان يلحّ، يحثّني على السؤال. شيء صغير، يشبه الأمل… أو ربما وهم الأمان.
تجاوزت رجفة صوتي، وقلت، ببطءٍ وارتباك:
“و… ولكن لدي سؤال آخر.”
ساد الصمت للحظة.
ثم جاء صوتها… هادئًا على نحوٍ غريب، كأنها تحاول أن تُظهر لنا شيئًا من الاحترام — أو على الأقل، شيئًا يشبهه:
“لتسأل.”
ابتلعت ريقي، ثم قلت، وأنا أحاول أن أبدو أكثر ثقة مما أشعر به:
“بعد أن تنتهي اللعبة… سوف تتركيننا نرحل، كما قلتِ، أليس كذلك؟”
لم أكن أسألها فحسب… كنت أتوسل تأكيدًا.
أريد أي ضمان، حتى لو كان كاذبًا، أتمسّك به في هذا الظلام المتربّص.
جاء ردّها بهدوء مفاجئ:
“نعم. ولكن… هذا إذا فزتما عليّ.”
توقّفت لوهلة، ثم تابعت بنبرة محايدة… لكنها حملت في طياتها شيئًا من الغرابة:
“أنا أفي بوعودي.”
كلماتها لم تُطمئنني، بل زادتني قلقًا.
فـ”أنا أفي بوعودي” بدت كجملة يُخفي خلفها المفترس ابتسامة وهمية، وهو يعد فريسته بشيء يعلم أنه لن يتحقق.
لكن قبل أن أستوعب ردّها بالكامل، أضافت — كمن يتحدث عن تعديل صغير لا أهمية له:
“وأيضاً… أنا لم أخبركما بهذا من قبل، لكنني سأضع الآن بعص العناكب والحشرات على السقف…لأزيد المتعة.”
تجمدت أنفاسي.
أرادت أن تزيد المتعة؟
ثم تابعت، وكأنها تتحدث عن ترتيب بسيط في لعبة أطفال:
“الشخص الأول الذي تسقط عليه إحدى هذه الحشرات…سيكون أول من يحاول إضحاك الآخرين بعد مرور عشر دقائق. وهكذا سنعرف الدور في كل مرة.”
كنت أستمع… لكن الكلمات لم تصلني فورًا.
ثم، فجأة…
حشرات؟!
لا… لا… ليس هذا… ليس الحشرات… لدي فوبيا… فوبيا حقيقية! كيف… كيف سأنجو؟!
شعرت بعرقي يتصبّب، كأن حرارة جسدي كلها انفجرت دفعة واحدة، بينما بردٌ لزج صعد إلى أطرافي.
ارتجفت، ونظرت نحو كايرو، علّني أجد شيئًا من الطمأنينة في عينيه… لكن الظلام كان كثيفًا، ثقيلًا، كأنّه جدارٌ يحجب حتى الهواء.
لا شيء.
فجأة، ومن العدم…
شعرت بشيءٍ يلمس يدي.
صغير… بارد… له جلد رطب يشبه الخشب المبلل…
حبست أنفاسي.
توقفت كل حركة.
لم أعد أميز إن كنت حيًّا أو لا.
يدٌ تمسك بي… ببطء، لكن بحزم.
إنها هي… الدمية… بلا أدنى شك.
شعرت بأن عينيّ ستقفزان من مكانهما، وبأن دقات قلبي بلغت ذروتها، تدقّ بجنونٍ في أذنيّ، كطبول موت لا تهدأ.
حاولت أن أهدئ نفسي…
أن أقول لنفسي: لا شيء… فقط لعبة.
لكن نفسي لم تصدقني.
ثم جاء صوتها… ناعمًا، وقريبًا جدًّا… حتى شعرت أن أنفاسها تلامس وجهي:
“بما أن الضوء غير موجود…”
توقّفت، ثم أضافت بنبرة عابثة، لكنها واضحة:
“أمسكت بيدك…لتتأكد من أنني هنا…وأنني لن أغش.”
ماذا؟!
غش؟
هل تهتم دمية بالغش؟
تابعت، بصوت لا يزال قريبًا:
“والأمر نفسه لكايرو. سأبقى ممسكة بأيديكما حتى نهاية اللعبة…لتتأكدا أنني لن أغش.”
كلماتها كانت كصفعةٍ جديدة، ليست مؤلمة… لكنها باردة ومليئة بالخبث.
حتى نتأكد أنها لن تغش؟
هذه لم تكن محاولة للطمأنة… بل تهديد مقنّع.
إنها هنا… قربنا… تراقب كل أنفاسنا، كل توتّرنا… ولا مجال للهروب منها.
“ربما لدي فرصة صغيرة للنجاة…” همست في نفسي، “فرصة ضئيلة، بالكاد تُرى…”
“ربما… ٠٫٥٪… بالكاد.”
ثم، ومن دون أي مقدمات، قالت بصوتٍ حادّ، وكأنها تقرع جرس البداية:
“إذاً…بما أن الأسئلة إنتهت…”
توقف الزمن لثانية.
ثم جاء صوتها عاليًا، مفعمًا بالحماس:
“لنبدأ اللعبة!”
شهقت دون أن أشعر.
“ماذا؟ الآن؟!”
لم أكن مستعدًا.
لا جسدي، ولا عقلي، ولا روحي.
لكنها لم تنتظر.
تابعت العدّ بنبرة مرتفعة حيوية:
“بعد العّد لثلاثة…ستبدأ اللعبة!.”
ثم أضافت:
“واحد…”
لم يكن هناك وقت.
نظرت نحو الظلام من حولي، وكأنني أبحث عن خلاص… عن باب نجاة، عن منفذ صغير يمكنني أن أهرب منه.
لا شيء.
جلست بسرعة على الأرض، بجانب كايرو الذي شعرت بتحرّكه فجأة.
“اثنان…”
تسرّعت أنفاسي، أخذت وضعية مريحة… إن كان يمكننا أن نسميها مريحة.
وضعت يدي على ركبتي، جلست بشكلٍ مستقيم قدر الإمكان، وأنا أشعر أن ظهري سينهار من التوتر.
“ثلاثة…”
والدمية ما زالت تمسك بيدي.
صغيرة… باردة… ثابتة.
لم تكن بحاجة إلى النظر كي تُخيفني…
مجرد وجودها… كافٍ تمامًا.
وبدأت اللعبة.
لكن… أي نوع من الألعاب هذا؟
إنها ليست سوى كابوس… بوجهٍ يبتسم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 70"