مرت الساعات ببطءٍ خانق، كأن الزمن نفسه قد قرر أن يتواطأ مع الليل ليزيد من ثقله فوق كتفيّ.
كنت أتنقل بين الوقوف والجلوس، أراقب الممرات والسلالم، ولكن لا شيء حدث… مجرد صمت طويل يلتف حول الجدران كستائر سوداء.
ولوهلةٍ خُيّل إليّ أن الليلة ستمرّ بلا أحداث… لكنني كنت مخطئًا.
فجأة… في عمق هذا السكون، سُمع صوتٌ خافتٌ تقطّع في الظلام كأنفاس متعبة.
“طَقطَقة…”
كان الصوت يأتي من جهة المستودع.
توقفت أنفاسي للحظة.
رفعت رأسي ببطء، حدّقت في الظلام الذي يبتلع نهاية الممر، ثم مال سمعي مرة أخرى نحو تلك الجهة…
نعم، لم أكن أتوهم.
كان الصوت شبيهًا بخطوات أقدام خفيفة، ليست ثقيلة كخطى رجل، وليست راكضة كحيوان، بل خطوات مترددة… خافتة… كأن شيئًا لا يريد أن يُكتشف، لكنه عاجز عن إخفاء نفسه تمامًا.
ابتلعت ريقي، وهمست لنفسي:
“هل هي القطة مجددًا؟”
أردت أن أصدّق ذلك.
أردت بشدة أن تكون مجرد قطة أخرى تائهة وجدت لنفسها مأوى في هذا المكان البارد.
وقفت عن الدرج بتثاقل، جمعت أنفاسي، وشددت قبضتي على سيفي الذي كان معلقًا على خصري.
سرت بهدوء نحو المستودع… نفس ذلك المستودع الذي بدأ كل شيء غريب منه.
خطواتي على الأرض الحجرية كانت تردد صدىً خافتًا وكأنها تعترض على قراري.
عندما وقفت أمام باب المستودع، شعرت بشيء في داخلي يتراجع.
شيءٌ خافت في أعماقي يهمس:
“لا تفعل… هذه المرة ليست ككل مرة.”
رفعت يدي ببطء إلى مقبض الباب الحديدي.
كان باردًا لدرجة جعلت أصابعي ترتجف.
ترددت للحظة… أحسست أنني لو فتحت هذا الباب، فإنني سأندم.
ليس شعورًا عابرًا، بل نذيرًا حقيقيًا.
ومع ذلك… فتحته.
صدر الباب صريرًا خافتًا، واندفعت رائحة الغبار والخشب القديم في وجهي.
دخلت المستودع بخطواتٍ حذرة، وعيناي تمسحان المكان المظلم بحثًا عن أي حركة.
الجوّ كان ساكنًا.
كل شيء في مكانه…
عدا شيء واحد.
وقفتُ فجأة في مكاني، وتجمّدت نظراتي عليه.
هناك، على صندوق خشبي في الزاوية، كانت هناك الدمية.
نعم، الدمية القماشية الصغيرة بحجم طفلٍ رضيع، ترتدي فستانًا ورديًا باهتًا، وقد وُضعت بشكلٍ مستقيمٍ تمامًا… تنظر نحوي.
تسارعت نبضات قلبي، كأنها تريد أن تطرق صدري لتنذرني بالخطر.
أنا متأكد… متأكد تمامًا… أن تلك الدمية كانت على الأرض في الليلة الأولى من مناوبتي.
أتذكر أنني بعد أن وضعتها فوق الصندوق فقد سقطت وأنا لم أضعها مجدداً فوق الصندوق.
فما الذي جلبها إلى هذا الموضع؟
تقدمت خطوة للأمام، ثم توقفت، أبحث في عقلي عن تفسير عقلاني.
“ربما أحدهم جاء خلال النهار ووضعها هناك… ربما…”
لكن رغم محاولاتي لإقناع نفسي، لم يكن ذلك كافيًا.
شيءٌ في طريقة وقوف الدمية… في ثباتها… في عينيها الزجاجيتين، لم يكن طبيعيًا.
نظرتُ إليها… وكانت تنظر إليّ.
نعم، نظراتها لم تكن نظرات دمية جامدة.
بل كانت تخترقني.
لا أعرف كيف أصف ذلك الشعور، لكنني أحسست أن تلك العيون السوداء العميقة لم تكن زجاجًا… بل كانت نوافذ.
نوافذ تطل على هاوية.
نظراتها كانت تشبه الظلام… ليس ظلام الليل، بل ذلك النوع من الظلام الذي تشعر به عندما تنظر إلى قاع بئر لا نهاية له.
تجمّدت في مكاني.
الهواء أصبح أثقل، والرطوبة في الغرفة ازدادت بشكلٍ مفاجئ.
تواصلنا بنظرات صامتة لبضع ثوانٍ، لكنها بدت وكأنها دهر كامل.
أنا أحدّق… وهي تحدّق.
لم تبتسم.
لم تومئ.
لم تتحرك.
ولكنها كانت هناك… تراقبني.
…
ابتسمتُ بسخرية، وأنا أحدّق في تلك الدمية بنظرات نصفها توتر ونصفها يأس.
“ما هذه الأفكار الغبية؟” قلت لنفسي، محاولًا طرد الصور الخيالية من عقلي.
لكن… مهلاً.
ألم أكن أنا نفسي قد انتقلت إلى عالمٍ خيالي؟
أليس هذا وحده كافيًا ليفتح باب الشك في كل شيءٍ آخر؟
في عالمي القديم، فكرة دمية تتحرك كانت مادة لأفلام الرعب الرخيصة…
لكن هنا؟ لا شيء يبدو مستحيلًا.
تنفستُ بعمق، وقررت تجاهل كل ما يجول في رأسي. بدأتُ أبحث عن مصدر الصوت الذي سمعته قبل قليل، قلّبت بعض الأشياء، نظرت خلف الصناديق وبين الزوايا، ولكن لا شيء.
كل شيء بدا ساكنًا وكأن الغرفة تسخر مني.
تنهدتُ بتعبٍ داخلي، ثم استدرتُ ببطء، موجهًا خطاي نحو الباب.
خطوت أولى…
خطوت ثانية…
وفجأة—
“كروك!”
صوت سقوطٍ واضح… وثقيل… كأن شيئًا اصطدم بالأرض بقوة غير معتادة.
تجمّدتُ في مكاني.
شعرت بعرقٍ بارد يتسلّل على طول ظهري، وتمنيت من أعماقي أن لا يكون ما في رأسي هو ما سقط خلفي.
تمنيت أن يكون أي شيء آخر.
لكن ماذا أقول…
لا تمشي الرياح بما تشتهي السفن.
استدرتُ ببطء، وقلبي يخفق كطبول حرب قديمة.
نظرتُ إلى الخلف، وهناك، على الأرضية الترابية للمستودع… كانت الدمية.
سقطت من فوق الصندوق.
ولكن…
هناك شيء غريبٌ جداً .
حين نظرتُ إليها قبل لحظات، كانت ملامحها جامدة، باردة، خالية من التعبير.
أما الآن…
فهي تبتسم.
ابتسامة باردة، غريبة، مخيفة.
ابتسامة لا تشبه ابتسامة طفل أو لعبة…
بل تشبه ابتسامة قاتل يتلذذ بتعذيب ضحيته.
تراجعتُ خطوة بلا وعي، لكنني تمالكت نفسي بسرعة، أُجبرها على الصمود.
“لم تكن تبتسم من قبل…” فكّرت، وأنا أحدّق بها بحذر.
بدأت تفاصيل المشهد تتجمّع في رأسي كقطع لغزٍ مرعب.
هذه ليست دمية عادية.
هذه… دمية تستطيع الحركة.
وربما… الكلام أيضًا.
الدمية تحركت.
تغيّرت ملامحها.
وسقطت من تلقاء نفسها.
هنا، بدأ الرعب يتسرّب إلى أوصالي كالدخان البارد.
لكنني عرفت شيئًا واحدًا من كل القصص التي قرأتها، وكل الأفلام التي شاهدتها…
عندما تشعر الدمية المتحرّكة بخوفك، فإنها تهاجم.
فما العمل؟
لم يكن أمامي إلا خيارٌ واحد…
التظاهر.
تظاهرتُ بالهدوء.
صمتُّ، ثم ارتسمت على وجهي ابتسامة مصطنعة، كنت أشعر بثقلها على وجهي وكأنني أضع قناعًا من الرصاص.
في داخلي كنت أصرخ…
لكن في الخارج، كنت أبدو كأي شابٍ وجد لعبة طفولية.
تقدّمت نحوها بخطوات محسوبة، وثابتة ظاهريًا، وإن كان كل شيءٍ في جسدي يرتجف.
مددت يدي نحوها…
ولوهلة شعرت وكأنني لا أمد يدي نحو دمية، بل نحو قلب وحشٍ نائم.
أمسكت بها، وحرارتها كانت غريبة… لا دافئة ولا باردة… بل بلا حرارة، وكأنني أمسكت بكائن لا ينتمي للعالم الطبيعي.
رفعتها من على الأرض…
رغم خفة وزنها، شعرتُ وكأنني أرفع صخرة ضخمة.
الخوف هو من جعلها ثقيلة.
وبحذر، وكأنني أتعامل مع مادة متفجرة، وضعتها مجددًا فوق الصندوق الذي سقطت منه.
قلت بصوتٍ خافت، متصنّع الهدوء:
“ها أنتِ ذا… عدتِ إلى مكانك.”
ثم استدرتُ ببطء، متظاهرًا أن كل شيء على ما يرام، وكل خلية في جسدي تصرخ:
“اخرج! اخرج فوراً!”
وخرجت.
خرجت وأنا أحاول ألا أركض.
خرجت وأنا أبحث بعينيّ عن أي شخص يمكنه أن يساعدني، أي أحد…
فأنا لا أظن أن هذه الليلة ستمرّ بسلام.
ولا أظن أن هذه الدمية… كانت تراقبني عبثًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 64"