بعد أن صعدتُ إلى الطابق الثاني، كانت خطواتي مثقلة بالإرهاق، لكن شيئًا ما في فكرة الطعام أعاد إلى جسدي شيئًا من الطاقة.
توجهت نحو المطبخ، الذي يقع في نهاية الرواق، ملاصقًا لغرفة النبيل فاليس ريمون.
كان هذا الجزء من القلعة أكثر تنظيمًا ونظافة، والسجاد الفاخر يُغطي الأرضية، عازلًا خطواتي عن الصدى الذي كان يلازمني في أرجاء الأماكن الأخرى.
وقفت أمام باب المطبخ الخشبي الثقيل، وطرقت عليه ثلاث طرقات متتالية.
“طَق… طَق… طَق…”
لم أنتظر طويلاً، إذ سرعان ما فُتح الباب من الداخل بانضباط شبه عسكري، ليظهر من خلفه رجلٌ ضخم، يرتدي قبعة الطباخ البيضاء التقليدية.
وجهه كان يحمل بعض التجاعيد حول العينين والفم، لكن بشرته المشدودة وكتفيه العريضين كشفا أنه لم يكن عجوزًا، بل في منتصف عمره، شابًا في بنيته، حكيمًا في نظراته.
قال بصوت هادئ، منخفض النبرة ولكن واثق:
“ما الذي تريده؟”
وقفت بثبات، ثم قلت وأنا أضع يدي على بطني:
“أنا جائع… هل لديك بعض الطعام؟”
نظر إلي لثوانٍ، نظرة تشبه تلك التي يُلقيها القادة قبل أن يُصدروا حكمهم، ثم أومأ برأسه وقال:
ربما كانت هذه اللحظة هي الأولى التي شعرتُ فيها بهدوء حقيقي منذ أن وصلت إلى هذا العالم.
لا صوت، لا قلق، لا أبواب تنغلق فجأة، ولا أصوات غريبة في الظلام… فقط أنا، والسماء، والرياح.
لكن كعادة اللحظات الجميلة، لم تدم طويلًا.
“ما الذي تفعله هنا؟!”
صوت ماركوس ارتفع، لكن نبرته حملت ودًّا حقيقيًّا.
استدرت إليه، وقلت بابتسامة خفيفة:
“لدي نصف ساعة قبل المناوبة ، فقلتُ لنفسي لمَ لا أتنفّس قليلًا.”
ضحك ماركوس، ثم قال:
“لكن أليس عليك أن تتجهّز؟”
رفعت حاجبي بدهشة:
“أتجهز؟ وكيف يتجهز أحدهم لمناوبة في ممرّ حجري لا يتحرّك فيه شيء؟”
اقترب مني، ثم قال بنبرة جادّة قليلًا:
“أقصد نفسيًّا، يا صديقي. لا تعلم ما الذي قد يحصل. ربما الأعداء يقرّرون القدوم الليلة.”
قلتُ له بسخرية خفيفة، وأنا أضع يدي على السياج:
“لا تذكّرني… ليلة البارحة كانت رعبًا حقيقيًّا، رغم أن لا أحد أتى.”
نظر إليّ باستغراب:
“ماذا تعني؟”
تنهدت، ثم بدأت أروي له ما حدث.
حدثته عن أصوات الخطوات، عن الباب الذي أُغلق وحده، وعن ذلك الظلّ الذي لم أفهمه، وعن الخوف الذي تملكني… ثم النهاية المفاجئة التي كانت قطة صغيرة رمادية.
رويت له القصة كما هي، بكل تفاصيلها.
عندما أنهيت، ضحك ماركوس ضحكة خافتة وقال:
“إذاً هذا ما حدث… قطة.”
ثم أضاف وهو واضعٌ يده على السياج:
“ألا تظن أنّك بالغت قليلًا؟ أعني، لمَ لم تضع احتمال أنها قد تكون مجرد قطة؟”
نظرت إليه نظرة فيها خليط من الجدية والسخرية:
“وكيف أفعل ذلك؟ نحن في عالم جديد، كل شيء فيه محتمل. تلك القطة كان من الممكن أن تكون وحشًا، أو كائنًا متحوّلًا، أو حتى شخصاً متنكرًا.”
أومأ برأسه ، لكنه لم يقل شيئًا.
في تلك اللحظة، اقترب نوكس بهدوئه المعتاد.
انضم إلينا دون أن ينبس بكلمة، فاكتفيت بسرد القصة من جديد على مسامعه، ظنًا أن الفضول قد يراوده.
لكن… لا شيء. لا ضحكة، لا دهشة، لا تعليق.
فقط نظرة ثابتة، ثم عاد لينظر إلى الأفق، كأن شيئًا لم يُقل.
ومع اقتراب نهاية النصف ساعة، بدأ الضوء يخفت، والبرد يزداد.
سمعنا جرس المناوبة يدقّ بخفة، فأدركنا أن الوقت قد حان.
نزلنا سويًا من الطابق الثالث، خطواتنا تتردد على السلالم الحجرية.
وعندما وصلنا إلى الطابق الثاني، التفت نحوي ماركوس وقال:
“ابذل جهدك الليلة.”
وأومأ نوكس برأسه، دون أن يضيف شيئًا.
ابتسمت لهما، ثم راقبتُهما يبتعدان تدريجيًّا، حتى اختفيا عن نظري، وهدأت خطواتهما مع انحدار الدرج.
وقبل أن أتحرك، سُمعت خطوات أخرى تصعد نحوي.
التفتُّ لأرى لوكسيان وتيروس، وقد جاء دورهما لحراسة الطابق الثالث.
لوكسيان رمقني بنظرة سريعة، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة، وتبعتها ضحكة قصيرة وهو يواصل طريقه إلى الأعلى.
استغربت قليلًا، لكنني لم أحتج إلى الكثير من التفكير.
على الأرجح… كايرو قد أخبره.
انزعجت في داخلي.
لم يكن الموقف مُضحكًا برأيي، لكنني سرعان ما تنفّست بعمق، وأعدت توازني.
الليلة حلت.
ومناوبتي الثانية على الطابق الثاني… قد بدأت الآن.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 61"