1
0. لقد متُّ، لكنّني كنتُ مثاليّة.
‘ما هي أوّل ذكرى في حياتك؟’
واجهتُ هذا السؤال مرّتَين في حياتي.
المرّة الأولى كانت أثناء جلسة علاج نفسي.
كان طبيبي يؤمن أنّ هذا السؤال يكشف عن جوهر الإنسان، بغية حلّ مشاكله الراهنة من خلال ماضيه.
والمرّة الثانية… هي الآن. والغرض هو نفسه.
أنا أسقط الآن من أعلى برج، دُفِعتُ إلى وسط لهبٍ متأجّج.
لكنّ عقلي بدأ يسترجع الذكريات على عجل، وكأنّه يحاول إنقاذ هذا الوضع.
يُسمّى هذا العرض: شريط الحياة.
إذاً، أوّل ذكرى لي كانت في عيد ميلادي الرابع.
—
“هل أنتِ مستعدّة؟”
“نعم!”
أجبتُ بحماس وأنا بين ذراعي والدي، لكنّني في الحقيقة لم أفهم السؤال.
في عمر الرابعة، كانت أفعالي أقرب إلى اللاوعي منها إلى المنطق.
لذا، لم أتوقّع أنّ إجابتي تلك ستدفع الفرسان لفتح بوّابة القصر الإمبراطوري،
ولا أن ينفجر الحشد العارم بتصفيقٍ وهتافٍ عظيم.
“أنظروا هناك! لقد ظهرت الأميرة!”
“واااااه!”
ذلك المشهد الذي رأيته آنذاك، لا يمكن أن يُمحى من ذاكرتي حتى بعد مرور 19 عامًا.
كان حشدًا مهولًا، كأنّه جبلٌ وبحرٌ اجتمعا أمام القصر الإمبراطوري.
وحين تجمّدت من الذهول، همس والدي بصوته العميق مهدّئًا:
“آري، لوّحي بيدكِ. هؤلاء الناس جاؤوا من جميع أرجاء الإمبراطورية ليهنّئوكِ بعيد ميلادك.”
“من أجلي؟”
“نعم، فهم شعبكِ.”
حين لوّحتُ بيدي بتردّد، توحّدت تلك الجلبة لتتحوّل إلى هتافٍ واحد:
“آريادنا!”
“آريادنا!”
كان الهتاف قويًّا إلى حدٍّ جعل الأرض والقصر يهتزان.
شعرتُ بالقشعريرة تسري في جسدي.
كانوا ينادون باسمي.
أنا، التي لم أبلغ سوى الرابعة من العمر، ولم أحقّق سوى ولادتي.
لكنّ العالم كلّه كان يحتفي بي.
“لقد انتظركِ أبناء الإمبراطورية حتى قبل أن تولدي.”
قالها والدي بصوتٍ تغمره السعادة.
“انظري إلى عيونهم. ستشعرين بإخلاصهم تجاهك.”
لكن بدلًا من التقاء نظراتهم، أغمضتُ عيني.
فذلك يُري الأمور بوضوحٍ أكبر.
في داخل كلّ فردٍ منهم، كانت تتألّق مشاعر مختلفة، متوهّجة، ولكنها سامية.
قلوب الناس لها ألوان وروائح.
وحين تجمّعت كلّها، شعرتُ أنّني سأُصاب بالعمى من شدّة بهائها.
تمتمتُ وأنا أشعر وكأنّني تحت تأثير نشوة ما:
“يا لهم من محبّين… كنت قلقة من أن يكون الأمير الوحيد عاجزًا، لكنّ ولادة الأميرة آريادنا أراحتني.”
“آري… ما الذي تقولينه؟”
همّت والدتي، التي كانت تمسك بيد شقيقي، بإيقافي، لكنّني لم أسمعها.
كان ضجيج الجماهير يصمّ الآذان.
— انظروا إلى شعرها الذهبي، يشبه الإمبراطور تمامًا.
— لم يمضِ وقتٌ طويل منذ تمّت السيطرة على التمرّد، فكيف يُظهرون أميرة في الرابعة علنًا؟ يبدو أنّ العائلة المالكة باتت مستعجلة.
— يجب قتل تلك الحثالة من الهمج.
“السلام والازدهار للإمبراطورية العظيمة، رامسار!”
كنت أتحدّث دون أن أتنفّس، وفجأةً أدركت أنّ كلّ العيون مُسلّطة عليّ.
وحين رفعتُ رأسي، رأيتُ هالةً بيضاء نقيّة.
“…فراشة؟”
لم أكن الوحيدة التي صُدمت برؤية الفراشة اللامعة التي كانت ترفرف بجناحيها.
“إنّها… دليل على الاستيقاظ الروحي!”
“أن تتمكّن من قراءة مشاعر هذا الكمّ من الناس في هذا العمر؟ هل هذا يعني أنّها استيقظت في المرتبة A؟”
“لا! أنا بنفسي في المستوى A، لكنّني لم أبلغ ذلك الحدّ! الأميرة هي حتمًا من نوع إشافي الروحيّ الأسطوريّ، من الدرجة S!”
حلّقت الفراشة بهدوء حتّى جلست على طرف إصبعي.
“إنّها… دافئة.”
وحين لامستني، شعرتُ بمشاعر الجماهير تنهال عليّ:
ثقةٌ يائسة، توقّعات، أمل، مودة، احترام…
موجةٌ عارمة من الحبّ المفرط.
أعدتُ تلك المشاعر واحدةً تلو الأخرى في ذهني، كأنّني أتذوّقها.
ارتفع نبضي، وانكمش جسدي، كأنّ كهرباء دافئة تسري من رأسي حتى قدميّ.
‘إنّهم يحبّونني.’
من يستطيع أن يقاوم مشاعر ملايين الناس يصرخون باسمه ويهتفون له؟
وأن يشعر بها بكاملها؟
حتى لو كان راهبًا نذر نفسه للزهد، لشعر بالنشوة.
أمّا من يملك قوّة ذهنيّة ضعيفة، فسوف يجنّ تمامًا.
فكيف إذا كان مجرّد طفلٍ صغير لا مناعة له؟
طفلٌ في مرحلة الطفولة المبكّرة، يبحث بغريزته عن اهتمام الكبار.
كانت مشاعر الجماهير أشبه بقنبلةٍ ألقيت عليّ دون سابق إنذار.
فجّرت روحي الطفوليّة من أعماق اللاوعي، وأخرجتني إلى العالم،
فصارت هذه أوّل ذكرى لي.
الناس يحبّونني.
— أن تستيقظ سموّ الأميرة كأوّل إشافيّ روحيّ من الدرجة S في التاريخ… إنّه حدثٌ جلل للإمبراطورية!
— بل إنّ لقب “S” نفسه لا يفي حقّها، لقد ابتُكر على عجل، فهي بلغت مرتبة لا يمكن للآخرين بلوغها.
— وهي لمّا تتجاوز السادسة، تستطيع قراءة أفكار البشر لمسافة كيلومتر، لا بدّ أنّها ستتمكّن لاحقًا من التحكّم بهم. قوّة إلهيّة حقًّا.
— حينها، لن يجرؤ أحد على معارضة الإمبراطورية.
— لم يتبقَّ الكثير، وستحكم الإمبراطورية القارّة بأكملها، هاها!
ومنذ حفل تتويجي، لم يهدأ الناس عن الحديث عني.
كنت أسمع أصواتهم حتى وأنا في غرفتي في القصر،
وكان صوتهم أعذب من أنغام الملائكة، وكنت أريد أن أظلّ غارقة فيه إلى الأبد.
حتى النوم أو الأكل كانا أمرين مزعجين.
ثمّ جاءت والدتي لتزورني، وفي عينيها بعض القلق، وقالت:
“آريادنا، لا يجب أن تطّلعي على مشاعر المقرّبين منكِ دون إذن.
هذا ليس فقط من أجلهم، بل لحمايتكِ أنتِ أيضًا.”
“…حسنًا.”
“محبّة الشعب لكِ ليست عمياء بلا مقابل.
ستقضين حياتكِ في تلبية تلك التوقّعات.
هذا واجبٌ نبيل وثقيل لا مفرّ منه لمن وُلد في العائلة المالكة.
وذلك العبء سيجعلكِ أقوى.”
قالتها وهي تمسك بيدي، وفي القصر الذي اهتزّ ضجّةً بسبب يقظتي،
طلبت منّي أن أتحمّل مسؤوليّة الملايين من المواطنين، كما لو أنّهم نجوم في السماء.
رغم أنّني كنت قد بلغت الرابعة فقط.
لكنّني هززتُ رأسي موافقة.
الناس يحبّونني.
وأنا أيضًا، أحببتهم.
الناس عادةً يحبّون أنفسهم.
يرون في قدراتهم ما ليس فيها.
وحتى إن لم تكن لديهم قدرات، يعتقدون أنّهم طيّبون.
ولم يكن لديّ لا الحكمة ولا الإرادة لأفرّق بين مشاعرهم.
فكما يُحبّ الإنسان نفسه، أحببتهم أنا.
شعرتُ كمن خاض أوّل حبّ في حياته، وامتلأتُ حماسةً لدرجة أنّني لم أعد أستطيع النوم.
وحدّدت كلمات أمّي مسارًا لأُفرغ فيه كلّ طاقتي المتدفّقة.
‘أريد أن أصبح الأميرة المثاليّة التي يتمناها الجميع.’
وأُسعد من أحبّهم.
— آري، تدريبكِ كإشافيّة مهمّ، لكن عليكِ أيضًا أن تحصلي على أعلى الدرجات، خصوصًا في علوم الحُكم.
— سأفعل ذلك.
فأوفيتُ بكلّ التوقّعات.
— إن انتقمتِ بهذه الطريقة، فلن تنجَي بنفسكِ.
— لا يهمّ. لم أعد أتمسّك بهذه الحياة على أيّ حال.
— لكن أنا أتمسّك.
— ماذا؟
— أنا أتمسّك بكِ، نوكتورن. أمسك بيدي، وسأساعدك على الانتقام النّاجح.
ثمّ بدأت أُنقذ من هم حولي، واحدًا تلو الآخر.
— النيران التي أشعلتها الحرب الأهليّة في فينفن بدأت تبتلع شرق القارّة.
الإمبراطورية ستتمزّق تمامًا. سينتهي كلّ شيء في عهدي… تاريخ الإمبراطوريّة نفسه.
— اهدأ، والدي. يجب أن نُنهي الحرب الأهلية دون أن نخسر أحدًا من الجيش أو المتمرّدين.
— هذا مستحيل! في هذه الظروف، كيف لي أن أهدأ؟
— امنحني منصب القائد الأعلى. سأنهيها في شهر.
— …أتقولين هذا حقًّا؟
وفي يومٍ من الأيّام، حين بات قول “لا تقلقوا، سأحلّ كلّ شيء” عادةً على لساني،
أنقذتُ مصير البلاد حقًّا.
وكانت هناك مرّات لا أملك فيها أيّ خطّة، لكنّني كنت أندفع وأقولها بكلّ ثقة.
لكن… طالما أنّ الأمر انتهى على خير، فهذا كافٍ.
‘من أجل السلام والازدهار في إمبراطوريّة رامسار!’
لطالما سعيتُ دون توقّف من أجل تحقيق أماني الشعب الخالدة.
— إنّ الإمبراطورية في أزهى عصورها حاليًّا.
ويقول الشعب إنّ هذا كلّه بفضلِكِ، لا بفضل الإمبراطور.
— والدي، هذا…
— الفاتحة دون دماء، آريادنا.
لديّ العديد من الألقاب: الإمبراطورة الصغرى، نبيّة المعركة، فراشة نهر آسيس الذهبيّة، كنز الإمبراطوريّة…
كلّ لقبٍ له دلالته: بعضُها يدلّ على سلطتي الراسخة، وأخرى على إنجازاتي الساطعة، وبعضها يرمز لكوني محبوبة من قبل الإمبراطوريّة.
لكن أكثرها قربًا إلى قلبي كان: “الفاتحة دون دماء”.
فهو يُعبّر عن نجاحي في توسيع الإمبراطورية وقيادتها إلى ذروتها دون أن أُراق قطرة دم، فقط من خلال إصلاحاتٍ جريئة ودبلوماسيّة حاذقة.
“أنا فخور بكِ.”
قال والدي بابتسامة هادئة.
“حتى لو لم أكن مريضًا، فلا داعي لتأجيل مراسم تتويجكِ أكثر.
فالشعب قد بدأ يناديكِ بالحاكمة منذ الآن.”
“…لا يزال أمامي ما يجب إنهاؤه. بعد القضاء على كامبياتا… عندها فقط…”
لو فكّرنا في أنّ معظم الجهود في هذا العالم تذهب سُدى، فربّما كنتُ محظوظة.
فقد نلتُ اعتراف والديّ، واحترام وزرائي، وثقة رفاقي،
وحبّ شعبي، وحتّى عرض زواج رائع من من أحببته.
آه، لقد كانت حياةً مثاليّة حقًّا.
سوى شيءٍ واحدٍ فقط…
“لا! أرجوكِ، استفيقي، آري!”
نوكتورن…
أن لا أتمكّن من الزواج بك.
هذا هو الشيء الوحيد الذي يؤلمني.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"