الفصل الثالث: تغير
في البداية، كنت أتجول بلا هدف، أحيانًا كنت أدخل مطعمًا وأجلس بجانب أشخاص عشوائيين.
كنت أستمع إلى أحاديثهم وأبدي رأيي فيها، مع أنني كنت أعلم أنهم لا يسمعونني.
كان كل شيء ممتعًا حتى بعد الثالثة فجرًا، حيث يسود الصمت العالم.
صمتٌ يُقشعر له الأبدان.
في تلك الساعات الأخيرة قبل شروق الشمس، أفكر فيما أنجزته في حياتي حتى الآن.
قضيت أيام شبابي أحاول بذل قصارى جهدي.
كان هذا أقل ما يمكنني فعله مقابل تضحيات والديّ التي لا تُحصى.
كنت أُعطي عائلتي الأولوية على حياتي. كنت اجتماعيًا، لكنني لم أسمح لأحد بالاقتراب مني.
كنت أخرج مع أصدقائي وزملائي في العمل لقضاء وقت ممتع، لكنني لم أخبرهم قط بمدى وحدتي.
لأن آخر مرة أخبرتُ فيها أحد أصدقائي القدامى عن أشد مخاوفي، قالت إنني غبية، وأنني يجب أن أكون ممتنة لما أملك.
و اخبرتني إنه لو كانت تمتلك مظهري، لكانت حياتها أسهل بكثير.
لكن لماذا تحسدني وهي على وشك الزواج العام المقبل؟
ستتزوج حبيبها من ايام المدرسة الثانوية، لقد كان لديها دائمًا من تعتمد عليه و تحدث معه كلما اشتدت عليها الأيام.
بينما لم أجرب الحب قط، رغم بلوغي الخامسة والعشرين.
ليس الأمر أنني لم أحاول، ولكن كلما كادت الأمور أن تتجاوز حدود الصداقة، كنت أتراجع.
بعد كل ما رأيته من معاناة والدي بعد فقدان أمي.
أو كيف كانت عيناه تذرف الدموع عندما يذكر لحظات مميزة كزواجهما أو عندما أنجباني، كان الأمر مخيفًا.
يخيفني أن أعطي قلبي كله لشخص ما دون أن أتلقى ردًا. أو الأسوأ من ذلك، أن أُعطي قلبي كله ثم أفقد ذلك الشخص تمامًا كما فعل والدي.
في المرة الأخيرة التي اعترف لي فيها شاب بحبه، اختلقتُ عذرًا بأنني لا أبحث عن علاقة الآن.
الآن أعلم أن مجرد تأجيل أمر ما لا يعني بالضرورة أنه سيُنجزه في النهاية.
التأجيل يعني أيضًا عدم القيام به.
الآن وقد أصبحتُ شبحًا، لديّ كل الوقت في العالم لأندم على كل الأشياء التي أجلتها حتى الآن.
لألوم نفسي أو ألوم الآخرين على الإحباط.
أزور مكان عملي بين الحين والآخر لأتذكر شعور الحياة.
لذا أتظاهر بالذهاب إلى العمل مثلهم.
في النهاية، الأشباح أيضًا لا تنام، لديّ كل الوقت في العالم لأقضيه في مسرحيات سخيفة كهذه.
لكن هذه المرة حدث شيء مختلف.
هذه المرة عندما كنتُ في المصعد، دخل الرئيس التنفيذي لشركتي.
استطعتُ أن أعرف أنه هو من طوله.
حاول الموظفون الآخرون الابتعاد قليلاً لإعطائه مساحة كافية، وأيضًا لأن تعابير وجهه الحادة جعلته يبدو غير ودود.
ولكن لأن المكان كان مزدحمًا للغاية، تلامست أيدينا للحظة.
نظر إليّ لبرهة وجيزة، وكان الذعر واضحًا في عينيه.
شد قبضته وحاول أن يبدو قويًا.
رأيته يتعرق بسهولة ويحبس أنفاسه محاولًا التظاهر بأنه لا يراني. نظر إلى الجهة الأخرى، وبمجرد أن فُتح المصعد، خرج بأسرع ما يمكن.
****
Instagram:Cinna.mon2025
التعليقات لهذا الفصل "3"