الفصل الثاني: في المنتصف
قبل ثمانية أشهر، بعد حصولي على زيادة في الراتب، أردتُ أن أهدي والدي هدية مميزة.
في طريق عودتي إلى المنزل، تعرضتُ لحادث دهس وهرب، في البداية تحول كل شيء إلى اللون الأسود، وعندما فتحتُ عينيّ أخيرًا، كنا بالفعل في المستشفى، لكن كان هناك شيء غريب.
لم أشعر بأي ألم رغم الضجيج العالي الذي سمعته قبل الحادث، بل كان جسدي أخف وزنًا من ذي قبل.
حاولتُ أن أسأل أحد المرضى الذين رأيتهم حولي، مع أنه كان يمشي نحوي لكنه لم يُجبني.
“ربما لديه مشكلة في السمع، إنه في المستشفى لسبب ما” فكرتُ لنفسي بغباء.
ثم رأيتُ والدي يركض في ممر المستشفى.
“أبي!” صرختُ بسعادة.
لكني رأيته يمر بجانبي.
عندها أدركتُ شيئًا، لم يكونوا يتجاهلونني، بل أنهم لم يستطيعوا رؤيتي أو سماعي.
نظرتُ إلى يديّ في ذعر، وأدركتُ أن هذا ليس جسدي المادي، بل روحي.
رغم ذعري، اتبعتُ نفس اتجاه والدي، لأجد جثتي ملقاة أمامي في غرفة المستشفى.
كانت هناك أنابيب وأجهزة كثيرة متصلة بي.
(هل هذا كل ما تحتاجه لإبقاء ميت على قيد الحياة؟)
بدأتُ أفهم وضعي قليلاً.
لستُ حياً ولا ميتاً، بل في المنتصف.
مع أنني كنتُ متأكداً من أن والدي لن يسمعني، إلا أنني سقطتُ على ركبتيّ وبدأتُ أبكي بحرقة وأنا ممسكة بيديه.
في البداية، حاولتُ العودة إلى جسدي عدة مرات، لكن دون جدوى.
رفضني جسدي رغم محاولاتي المتكررة.
قضيتُ الأسابيع القليلة الأولى واقفاً بجانب جسدي.
أستمع إلى فظاعة حالتي من الطبيب والممرضات اللواتي كنّ يعتنين بي.
ثم رأيتُ الأمل يختفي من وجه والدي.
بعد فترة، لم أستطع تحمل رؤية وجهي.
لم أكن أعرف قط كم يمكن أن يتغير مظهر الإنسان في وقت قصير.
الشخص الذي يرقد أمامي لم يعد مألوفًا لي.
كان صوت جهاز مراقبة نبضات القلب يتردد في ذهني بلا توقف كحلقة لا نهاية لها.
عرفت أنني سأفقد صوابي إذا بقيت هناك لفترة أطول، لذلك غادرت المستشفى.
في البداية، تبعت والدي إلى المنزل، لكن الأمر كان أكثر بؤسًا من المستشفى.
بدا والدي وكأنه يضع وجهًا قويًا عندما كان بجانبي في المستشفى.
لكنه في المنزل كان جثة هامدة، بدا ميتاً اكثر مني.
بالكاد يأكل…
بالكاد ينام…
وبالكاد يعيش…
الرجل المسكين الذي ضحى بشبابه لتربيتي بعد وفاة أمي يقضي الآن أيامه الأخيرة يعاني أكثر مما عانى في حياته كلها.
لذا، وللهروب من هذا الجحيم الذي لا نهاية له، قررت أن أتجول في المدينة… ماذا عسى أن يفعل الشبح غير ذلك؟
أي شيء كان أفضل من هذا.
أردت فقط أن أنسى حالتي البائسة ولو للحظة.
أردت فقط أن أتنفس.
لذا هذه المرة ركضت، ركضت بأقصى سرعة ممكنة خارجًا إلى الشوارع بعيدًا عن المستشفى… وبعيدًا عن والدي.
عندما توقفت أخيرًا عن الركض، وجدت نفسي في ساعة الذروة.
شوارع مزدحمة… أناس صاخبون…
كانوا على قيد الحياة، على عكسي أنا الذي هجرني عالم الأحياء والآخرة.
تركت هنا لأعاني وحدي..
فبدأت أبكي في منتصف الشارع بأعلى صوتي.
أُخرج كل ما كنت أكتمه في داخلي طوال الشهر الماضي..
تعبت من كوني قوية.
لذا بعد أن بكيتُ من كل قلبي، قررتُ تغيير ما كنت أفعله.
بدلًا من أن أتصرف كشخص ميت، سأتصرف كشخص ما زال على قيد الحياة.
****
Instagram: Cinna.mon2025
التعليقات لهذا الفصل "2"