الفصل الثامن
كانت ليلي قد رأت إيل ديكستر من قبل.
“أنتَ من فتح الباب عندما جئتُ إلى القلعة أمس، أليس كذلك؟ لم نتعارف حينها. أنا ليلي، تشرفتُ بلقائك.”
وكان هو أيضًا الرجل الذي حاول منع بليك حين اصطحبها إلى الحمّام.
“لم يكن الوقت مناسبًا للتعارف آنذاك. هاها.”
وكان إيل يعرف ليلي منذ زمن.
وجهه الأبيض كان دليلًا على كونه واحدًا من القلائل في القلعة ذوي الدم الإمبراطوريّ الخالص.
عندما كان يعيش في العاصمة، كان والده تاجرًا يبيع المجوهرات للنبلاء. لذلك لم يكن ليخطئ التعرّف على أجمل امرأة في المجتمع الإمبراطوريّ.
‘كان الليل، وكانت القبّعة والوشاح… لذلك لم أنتبه.’
والآن، بعد أن رآها عن قرب، أدرك أنّها جميلة على نحوٍ جارح.
لكن لم يكن لدى إيل متّسع للاحمرار خجلًا.
فالخادمات كنّ يقفن في زوايا الغرفة، يبعثن هالةً مخيفة لا يُستهان بها…….
“أثناء معالجة السيّد المساعد، لِنُخطّط نحن لإعطاء سيّدنا درسًا.”
“صحيح!”
حتى بعد أن سمعن القصة كاملة من ليلي، لم يهدأ غضب الخادمات.
فبليك كان مختبئًا، ثم أصدر صوتًا فجائيًّا فتسبّب بسقوطها—وبأيّ حال، كان الخطأ خطأه.
“لكن كيف؟ ليلي قالت إنّ التمرّد غير مسموح.”
في الحقيقة، لم يكن بمقدورهنّ مواجهة بليك وجهًا لوجه.
وليس لأنّ الخادمات ضعيفات.
لكن بليك كان السيّد، والرجل الذي يستطيع أن يهزمهنّ جميعًا دون أن يلهث.
“ماذا لو واصلنا إحراجه فقط؟”
تظاهر إيل بعدم سماع خطّة العصيان، ووضع يده على كاحل ليلي. لمع الضوء.
تأمّلت ليلي المشهد بإعجاب.
“أوه، أنتَ ساحر!”
“لا أستحق هذا اللقب تمامًا. مهارتي محدودة. لكن بما أنّني الساحر الوحيد في القلعة الشتويّة، فهذا يفيدني في الترقية. والآن، حين أفكّر بالأمر… لم أعد وحدي.”
كان إيل الرجل الوحيد هنا الذي يعرف أنّ ليلي ساحرة أيضًا.
فهو من العاصمة.
وبالطبع، كان يظنّ—عن طريق الخطأ—أنّ بليك يعرف ذلك أيضًا.
“مهارتك في قطع الضمادات ليست عاديّة.”
“درستُ الطب تخصّصًا فرعيًّا في الجامعة. إن احتجتِ أيّ شيء في القلعة، فغالبًا سأكون المناسب. تعلّمتُ أشياء كثيرة.”
الجامعات الكبرى التي تدرّس الطب لم تكن موجودة سوى في العاصمة.
تساءلت ليلي لماذا جاء رجل مثله إلى الدوقيّة.
فالفاصل النفسيّ بين الإمبراطوريّين الخُلّص وأهل أوفوس كان عميقًا.
“انتهى العلاج، آنسة ليلي. فقط تجنّبي النشاط العنيف لأسبوع…… ولماذا مجدّدًا؟”
كانت الخادمات يضربن إيل بنظراتٍ مرعبة.
“يا سيّد المساعد، نحن في وضعٍ متشابه، فلنتعاون.”
“رجاءً، لا تتحدّثي وكأنّنا نسرق في زقاقٍ مظلم. ماذا تريدن؟”
“اجعل سيّدنا يتناول الفطور اليوم في غرفة الطعام. عندها سنُريه نظراتٍ صامتة.”
“كفى كلامًا يعرقل ترقيتي.”
“نحن نعلم أنّك تعشق كلمة ترقية، لكنّها ليست أثمن من الحياة، أليس كذلك؟”
بدا أنّ الرفض سيؤدّي إلى كارثة. تنفّس إيل بضيق، ثم أومأ.
—
كان بليك في غرفة عمله.
بدأ يومه بملاقاة ليلي في الإسطبل فجرًا، ثم انهمك في مراجعة وثائق الإقليم.
‘حان وقت الإفطار تقريبًا، أليس كذلك؟’
وضع الريشة من يده، ليجد إيل ديكستر واقفًا.
“إيل، سأتناول الطعام هنا. اطلب من الطاهي أن يحضر شيئًا بسيطًا.”
“أم… مولاي. ما رأيك بالخروج إلى غرفة الطعام اليوم؟”
تذكّر إيل وعده للخادمات، وابتسم محاولًا إخفاء عرقه البارد.
رفع بليك أحد حاجبيه الداكنين بشكّ.
منذ وفاة والده قبل خمس سنوات، كان يتناول طعامه دائمًا في غرفته.
“……لدينا مأدبة رسميّة قريبًا. الجميع مشغولون. عليّ إنهاء الأوراق.”
“أتّفق معك، لكن من الأفضل ألّا تُهمل وجباتك. إن أردتُ الترقية، فعليك أن تعيش طويلًا.”
تشوّه وجه بليك الوسيم.
ما الذي دهاه اليوم؟
لو كان إيل المعتاد، لجلب الطعام دون نقاش.
ولذلك، قرّر بليك الذهاب إلى غرفة الطعام بدافع الشكّ وحده.
كانت غرفة الطعام صغيرة، مخصّصة لعائلة الدوق.
شتاءٌ دائم، لكن الشمس كانت تصلها جيّدًا.
أمام المدفأة، تكدّست أخشاب على هيئة مثلّثات.
وفي الوسط، طاولة طويلة تتّسع لثمانية أشخاص.
حاليًّا، لم يكن من آل أوفوس سوى بليك.
ولذلك، توقّع ألّا يجد أحدًا.
لكن ما إن دخل حتّى التقت عيناه بعيني ليلي الجالسة على الكرسي المقابل.
“…….”
لو كان ذئبًا فعلًا، لكشّر عن أنيابه.
لم يمرّ سوى وقتٍ قصير منذ تعهّده ألّا يلتقي بها!
لاحظت ليلي نظرته الحادّة، فابتسمت وقالت بنبرةٍ مازحة:
“للتوضيح فقط، هذا ليس قراري. رغم أنّني اعترفتُ قبل ساعات بأنّك بدأتَ تعجبني.”
“إذًا، لمن هذا القرار؟”
ظهر الجناة في تلك اللحظة.
الخادمات الشرسات!
“…وللتوضيح أيضًا، حاولتُ منعهنّ.”
ضحكت ليلي بخجل.
وأضاف إيل خلف بليك: “وأنا كذلك. فلا تعاقبني في الترقية لاحقًا.”
غادر إيل بسرعة.
وبدأت الخادمات تنفيذ الخطّة.
كان البدء بالمقبّلات.
“هذه المقبّلات، ليلي سيّدتي.”
وُضعت أمام ليلي عدّة كؤوس زجاجيّة.
شمبانيا، فواكه مجفّفة ملوّنة، ووعاء لغسل الأصابع.
جلس بليك بعيدًا، وعلّق بسخرية:
“مقبّلات؟”
في القلعة الشتويّة، لم تكن الوجبات بهذا التعقيد.
لكن الآن… أطباق رسميّة؟
“أيّ ريحٍ هبّت فجأة فجعلتكنّ تنطقن بالمقبّلات؟”
“ريح ربيع دافئة اسمها سيدتنا ليلي”
أجابت الخادمات ببرود، مع تشديدٍ مخيف على كلمة “سيّدتنا”.
“وهذا نصيبك، سيّدنا.”
وُضع أمام بليك وعاء مماثل.
لكن محتواه كان مختلفًا.
كان وعاء ليلي يحتوي ماءً مع شرائح ليمون.
أمّا وعاء بليك……
ليمونة كاملة. بلا ماء.
ضحك بليك بمرارة.
“وهل يُفترض أن أغسل يدي بهذا؟”
“اتساءل عمّا تفعلنه بالضبط.”
تجاهلت الخادمات كلامه، وتدلّلن على ليلي.
“هل تحتاجين شيئًا آخر؟”
“لا، لكن… أظنّ أنّ بليك يناديكنّ؟”
ناداهم بليك مجدّدًا.
“نعم، شكرًا. واحدة على الأقلّ ما زالت تسمع. انظرن إليّ.”
“……”
“أنتم—خادماتي اللواتي سُلبن عقولهنّ بسبب ضيفة. انظرن إليّ.”
“……”
“تبًّا.”
رفع بليك يده في الهواء بحنق.
لكن ذلك لم يكن سوى البداية.
خطّة الخادمات كانت بسيطة.
إحراج السيّد في هذا الإفطار.
فبعدها، سيعامل ليلي بلطفٍ أكثر.
“غلوريا! جيانا! هل متّ؟”
كان غضبه مخيفًا.
لكن الخادمات بقين صامتات، بل استعرضن عضلات أذرعهنّ.
“حسنًا. لا بأس.”
قال بليك لليلي وهو يهزّ كتفيه:
“إن كنتُ شبحًا، فلا بأس. لكنّي لم أكتب وصيّتي بعد. هل تودّين أخذ بعض أملاكي آنستي؟ انها كثيرة.”
“هذا تواضع من سيّد يملك معظم موارد السحر.”
“تصحيح. كثيرة جدًّا.”
هزّ الليمونة في يده.
ناداهنّ مرارًا بلا جدوى.
وأخيرًا، تمتم بصوتٍ منخفض:
“أمرٌ رسميّ. أحضروا إيل ديكستر. سأُخرج قرار الفصل.”
حينها فقط ردّت إحدى الخادمات:
“نحن لا نجرؤ على إيذائك، سيّدنا. لكنّك أخفتَ سيّدتنا، وأصبتَ ساقها، ثم تركتها تعود وحدها!”
“شرحٌ لطيف. فهمتُ الآن.”
واستمرّ الشجار قليلًا.
ثم هدّأت ليلي الجميع:
“حسنًا، لنهدأ—”
لكن لم يسمعها أحد.
“سيّد بليك؟ جيانا؟ هل تسمعانني؟”
كان الجوّ صاخبًا لدرجةٍ أنّ صوتها اللطيف بالكاد يُسمع.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"