الفصل السابع.
“يا إلهي، كنتُ جادّة أيضًا.”
داخل الإسطبل، حيث لم يكن هناك سوى بليك وليلي.
ابتسمت ليلي ابتسامةً مُرّة، ولوّحت بيدها كأنّها تصرِف الأمر، بينما فكّرت في نفسها.
السبب الذي جعلها لا تُقاوم بشكلٍ حاسم… هو أنّها كانت جبانة.
كان على “ليلي هيدويك” أن تكبر دائمًا كآنسةٍ مطيعة، تلك التي يتمنّاها الجميع.
“آسفة، لم أكن أمتلك الشجاعة لأُسجَّل في الكتاب المقدّس كساحرةٍ قتلت زوجها.”
ليلي أيضًا لم تصدّق يومًا أنّ ما فعله زوجها السابق كان مجرّد خطأٍ بسبب السُكر.
لكن ومع ذلك……
آه، الأمر مُحزنٌ فحسب.
“إن كان الكتاب المقدّس لا يُجيد سوى كتابة هراءٍ عديم الفائدة، فألقِ به في الموقد واستخدميه حطبًا!”
“آه، لو أنّ الجميع أحرارٌ من نظرات الآخرين مثلكَ يا سيّد بليك، كم سيكون ذلك رائعًا.”
ضحكت ليلي ضحكةً صافية، وانحنت بجذعها نحوه، حتّى اهتزّ الرفّ قليلًا من شدّة مزاجها الجيّد.
كانت قد فقدت طاقة الغضب منذ زمنٍ طويل.
وذلك ما جعل بليك يجنّ أكثر.
لم يكن هناك أحدٌ يغضب من أجل ليلي.
تستطيع أن تقسم أنّه لم يكن هناك، ولا مرّة واحدة في حياتها.
ولهذا… شعرت ليلي بالارتياح.
امتلأ صدرها بفرحٍ خانق، فابتسمت ابتسامةً أنيقة.
“مع ذلك، أظنّني فعلتُ أمرًا جريئًا قبل الهروب. تركتُ وثيقة الطلاق فوق الطاولة بكلّ جرأة.”
لا بدّ أنّ العاصمة انقلبت رأسًا على عقب.
لكن بليك لم يرضَ بذلك.
“لم ترمي المرحاض في وجهه أيضًا؟”
تساءلت ليلي في سرّها كيف يمكن أصلًا رمي مرحاض، لكنها جارت نبرته.
“يا إلهي، صحيح! نسيتُ. الآن بعد أن فكّرتُ بالأمر، نسيتُ أيضًا أنّني زرعتُ قنبلة.”
“نكتة مسلّية فعلًا.”
صرّ بليك على أسنانه.
ثم عادت ليلي فجأةً إلى الجديّة.
كانت جالسةً على رفّ الإسطبل، فمدّت يدها لتضعها تمامًا على كتفه الصلب.
“ومع ذلك، لا بدّ أنّ زوجي كان غاضبًا جدًّا. لو كان الطلاق قانونيًّا لكان أفضل، لكن…….”
كان الطلاق مستحيلًا فعلًا.
في العاصمة، جميع الخدم كانوا من أتباع زوجها.
لن يشهد أحدٌ بالعنف.
ووالدها، رغم كونه عضوًا في مجلس الشيوخ، لم يكن عونًا يُرجى.
طلاق النبلاء كان يُعرض على مجلس الشيوخ، وكان والدها كفيلًا بمنع وصوله إلى هناك.
“كان ينبغي أن أستغرب منذ البداية مجيئكِ إلى هنا.”
كان بليك قد اقترب كثيرًا من الحقيقة.
“أن تأتي إلى الدوقيّة متمسّكةً بوعدٍ عابر من الدوق السابق كأنّه طوق نجاة؟ تبًّا. قلتُ إنّ الأمر مريب. ماذا عن والديكِ؟ ألا يوجد صديق، أو أيّ شخصٍ موثوق تلجئين إليه؟”
نشأت ليلي هيدويك وهي لا تلتقي سوى بمن سمح والدها.
إلّا في حفلاتٍ ضخمة نادرة تخرج عن سيطرة العائلة.
وحين لا يكون الوالدان في صفّها، فكيف يعقل أن يقف من قدّموه لها إلى جانبها؟
“آه، لننتهِ من هذه القصص القديمة الكئيبة. ليست مناسبة لبداية يومٍ جميل. حان وقت العودة.”
حرّكت ليلي كاحلها المصاب بضع مرّات. بدا أنّ حالته تحسّنت أثناء الحديث.
ارتدت الملابس التي نزعتها على عجل، ثم قفزت بخفّة من الرفّ.
كانت نظرة بليك الحادّة تلاحقها بلا هوادة.
“تتهرّبين من الموضوع.”
“أليس من حقّ السيّدة أن تحتفظ ببعض الأسرار؟”
تكلّمت بنبرةٍ راقية، تليق بأكثر امرأةٍ مرغوبة في المجتمع الراقي.
“تتظاهرين بالأناقة فقط في مثل هذه اللحظات!”
“بالطبع. أنا النبيلة المثاليّة. الجميع كانوا يتزاحمون لتقبيل ظاهر يدي.”
ضحكت ليلي، ومشت بخطواتٍ أنيقة نحو باب الإسطبل.
كانت القلعة الشتويّة شامخة، تختبئ خلفها الغيوم.
داخل هذا المكان القاسي، كان مزيج البقاء والرومانسيّة أكثر دفئًا ممّا توقّعت.
حتّى إنّها نسيت تمامًا مهلة العام الواحد الممنوحة لها.
مع أنّها تعلم أنّها ستُساق في النهاية إلى العاصمة الجحيميّة.
لم يكن هناك مكانٌ آخر تهرب إليه من يد عائلتها.
ولم تستطع أن تطلب من بليك حلّ المشكلة من جذورها.
لذلك، أرادت خلال هذا العام أن تتحرّر من كونها “ليلي هيدويك”.
“إلى لقاءٍ آخر، سيّد بليك.”
سحبت ليلي مقبض الباب.
تسلّل ضوء الشمس من الشقّ، فانعكس على الثلج المتراكم بلونٍ أحمر.
أغضب بليك أنّها تُجيد الصمت في اللحظات المهمّة.
والأغضب أنّه لم يفهم سبب هذه المشاعر أصلًا.
لم تمرّ ساعة واحدة فقط منذ قرّر ألّا يهتمّ بها!
انتفض بداخله شعورٌ عنيد، وردّ بخشونة:
“قد يكون هذا محض صدفة، لكن كما قلتُ، لا أريد أيّ احتكاك مستقبلًا. إن التقينا، فلنستدر ونغادر.”
“يا للخسارة. ابتداءً من اليوم، بدأ سيّد بليك يروق لي.”
“ها!”
جدّد بليك قسمه.
ألّا يهتمّ بليلي هيدويك بعد الآن.
أنّها اعتادت الألم حتّى صارت لا تبالي بالجراح… هذا ليس شأنه.
ليس من المفترض أن يكون شأنه.
راقبها وهي تغادر، غير مدركٍ أنّه أصبح متورّطًا حتّى النخاع.
……نعم، هو أيضًا حين تعرّض للظلم في صغره، لم يستطع فعل شيء.
— لا تجلس على الأرض!
ظلّ صوت طفولته يرنّ في أذنيه.
—
حلّ الصباح.
استيقظت جيانا، خادمة ليلي المخصّصة، باكرًا.
في هذه القلعة القاسية، لم يكن هناك مفهوم الخادمة الخاصّة.
كان الجميع يعمل حيث يُحتاج إليه.
بعيدًا كلّ البعد عن قصور العاصمة الأنيقة.
أرادت جيانا أن تتعلّم كيف تخدم ليلي على نحوٍ صحيح، فتوجّهت إلى المخزن القديم للكتب.
“ماذا تقرئين، يا صديقتي؟”
سألتها خادمة أخرى، تمرّ وهي تحمل فأسًا على ظهرها.
نزلت جيانا من السلّم الطويل، وردّت وهي تنظّم المكان بذراعين قويّتين:
“لا أذكر العنوان، لكن… ‘مئة نصيحة لتكون خادمًا مثاليًّا’؟ يقول إنّ الخادمة يجب أن تمشي على أطراف أصابعها. هل يُعقَل هذا؟”
“هاها! مستحيل. لسنا في حكاية أطفال!”
لكن خادمات العاصمة يفعلن ذلك.
كان هذا الكتاب هديّة ساخرة أرسلها نبيل قبل مئة عام للاستهزاء بحرّيّة قبيلة أوفوس.
وبفضله، أدركت جيانا أمرًا مهمًّا:
الخادمة الخاصّة يجب أن تُوقظ سيّدتها باكرًا.
فركضت فورًا إلى غرفة ليلي.
“سيّدتي ليلي!”
فتحت الباب بثقة، متوقّعة مديحًا.
“صباح الخير!”
فزعت ليلي من الصوت، ونهضت بسرعة من السرير.
“م-ماذا؟ ماذا حدث؟”
هل اندلعت حرب؟ هل هاجمت دولة أخرى؟
ما هذا الصوت كالرعد؟
تحرّكت ليلي نحو جيانا، لكن كاحلها وخزها.
نظرت إلى الأسفل. كان موضع الإصابة متورّمًا ومحمرًّا.
“يا إلهي! ما هذا الجرح؟”
“آه… صحيح، البارحة…….”
حين يتعب المرء، لا يعمل السحر كما ينبغي. كانت تنوي علاجه بعد الاستيقاظ.
“البارحة؟ لكنكِ حين عدتِ من الإسطبل كنتِ بخير!”
“في الحقيقة، في الإسطبل كان سيّد بليك—”
“ذلك الملعون!”
كان أهل أوفوس شجعانًا، لكن صبرهم قصير.
اشتعل غضب جيانا فورًا، وتخيّلت مشاهد عنيفة.
قذفت الممسحة من على كتفها، واندفعت إلى الخارج.
“جيانا، توقّفي!”
اختفت جيانا في لحظة.
أسرعت ليلي خلفها، رغم كاحلها المصاب.
“لا تفعلي شيئًا متهوّرًا! لا تمسّي رأس السيّد! هذا تمرّد!”
خرجت ليلي إلى الممرّ، الذي كان باردًا وموحشًا حتّى في الصباح.
كانت جيانا قد ابتعدت كثيرًا.
ركضها كان أشبه بالاندفاع للقتل.
“جيانا!”
شعرت ليلي بالدوار.
رأت خادماتٍ أخريات تمرّ قرب جيانا، فصرخت:
“أمسكن جيانا! تلك التي تركض في الممرّ!”
كنّ الخادمات اللواتي أطعمن ليلي اللحم المجفّف ليلًا.
قفزن جميعًا، وأمسكن بجيانا.
“أمسكنا بها!”
“إن تحرّكتِ، سنفصل يدكِ عن جسدكِ!”
بعد الفوضى، سألوا:
“لكن… ماذا حدث أصلًا؟”
وصلت ليلي، تلهث.
“يا إلهي يا جيانا، أنتِ سريعة جدًّا! بليك لم يفعل شيئًا. إصابة كاحلي خطئي أنا.”
لاحظت الخادمات التورّم فورًا.
فاشتعل غضبهنّ مجدّدًا.
“السيّد هو الجاني؟ لن نغفر!”
“هاتوا الفأس!”
“لا، الطبيب أوّلًا!”
كدتُ أضحك.
كان هذا أكثر صباحٍ ضجيجًا رأته ليلي في حياتها.
الخدم الذين عرفتهم سابقًا لم يرفعوا أصواتهم يومًا.
أمّا هنا، فكان الحديث عن القتل عاديًّا.
‘هذا مخيف… لكنّه جميل أيضًا.’
اختارت ليلي أكثر اقتراحٍ عقلانيّ:
“طبيب؟ هل يوجد طبيب في القلعة؟”
“إن كانت حالة خطيرة، ننزل إلى الجبل، نحتاج ساحرًا مختصًّا. أمّا غير ذلك، فلدينا الشخص المناسب.”
“الشخص المناسب؟”
“سنحضره فورًا!”
أُعيدت ليلي إلى غرفتها محمولةً كأنّها على محفة.
وبعد قليل، دخل رجلٌ حسن المظهر.
كانت الخادمات يصرخن خلفه:
“قلتُ إنّني قادر على المشي! لديّ قدمان سليمتان!”
ثم توقّف حين التقت عيناه بعيني ليلي، وابتسم بحرج.
“إيل ديكستر. مساعد الدوق.”
رجلٌ ذو شعرٍ بنيّ ونظّارات، يبعث على الارتياح.
كانت ليلي جالسةً على السرير، فصافحته بسرور.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"