الفصل الخامس عشر
اقترب موعد ولادة الفرس، دومينيك.
واصلت ليلي مداعبة فراء الحصان الأسود بلطف.
“أنتِ طيّبة، لا بأس… كلّ شيء سيكون على ما يرام. سأبقى معكِ حتّى يحين الوقت الذي تريدينه.”
وضعت في يدها ما تيسّر من سحرها الضعيف لتهدئتها.
أطلقت الفرس زفيرًا بدا معه أنّ حالتها تحسّنت.
عاد بليك إلى ليلي بعد أن طرد الصبيّ.
“كيف حالها؟”
“يبدو أنّ الولادة وشيكة، لكنّي لا أعرف حقًّا. لم أرَ إنسانًا يلد من قبل.”
“الخيول مشابهة. بعد أن تنفجر المياه، لا يلبث أن يظهر الحافر الأماميّ للمهر.”
وهكذا انتظرا بهدوء داخل الإسطبل.
اقترح بليك أن تعود ليلي إلى القلعة لتستريح، لكنّها رفضت.
“افعلي ما تشائين. متى لم تفعلي ما يحلو لكِ؟ لكن أنصحكِ بالجلوس على الكرسي. وإلّا فستنالين توبيخًا.”
عاد صوته فظًّا حين قوبلت لفتته بالرفض.
خيّم الصمت على الإسطبل. وقف بليك وقتًا طويلًا يراقب حالة دومينيك.
ومع مرور الوقت…
استدار فجأة، وقد نفد صبره.
“اسمعي، يا آنسة. الأفضل لكِ أن تكوني في غرفةٍ دافئة—”
كانت ليلي قد غفت على الكرسي الصغير.
أطبق بليك فمه سريعًا دون أن يشعر.
“……”
حمل ليلي بحذر.
انساب جسدها النحيل تمامًا في حضنه العريض.
كانت خفيفة على نحوٍ مدهش. وبرودتها معتدلة.
وقف بليك ساكنًا، وقد تسلّل إليه شعور غريب.
ما الذي يريد فعله مع هذه المرأة بالضبط؟
وما هذه الذكريات القديمة التي تطفو أحيانًا؟
تنفّس بعمق حين تذكّر أنّ شهرًا لم يمرّ بعد على إقامتها هنا.
يا له من عامٍ طويلٍ قادم.
‘قالت إنّها سترحل بعد عام… لكن إلى أين، بحقّ خالق السماء؟’
إلى حضن ذلك الوغد الذي تسمّيه زوجًا سابقًا؟
عندها، دوّى صوت الطفل داخله مرّة أخرى:
— هذا مستحيل.
ووافقه بليك الحاليّ.
لم يكن ليقبل بذلك أبدًا. لكان أهون عليه أن يقتل الزوج السابق بيديه ويعود.
لكن… إلى أين ستذهب ليلي هيدويك بعد ذلك؟
‘تبًّا. لِمَ أشغل نفسي؟ كأنّني شيءٌ يخصّ هذه المرأة.’
وحين أعاد التفكير في كلامه، أدرك:
هل يريد أن يكون شيئًا يخصّها؟
“سخفٌ محض.”
تمتم بصوتٍ منخفضٍ مخيف.
لم يكن عليه أن يقلق بشأن ما بعد عام.
لديه ما هو أهمّ بكثير: الإقليم، الإدارة، المعارك.
حاول بليك طرد أفكاره عنها، ثم أنزلها على كومة القش.
ولم ينسَ أن يلقي فوقها معطفه الذي كان قد خلعه.
كانت أفكاره وأفعاله متناقضة تمامًا.
“……”
تذكّر فجأة أنّ مذكّرات طفولته قد تكون في الغرفة القديمة.
‘ربّما أجد هناك خيطًا يبدّد كلّ هذا الغموض.’
بعد انتهاء الولادة، لِمَ لا يبحث عنها؟
—
“……آنسة!”
“……”
“آنسة!”
استيقظت ليلي على صوتٍ يناديها.
ظهرت عيناها الزرقاوان الباردتان من تحت رموشها الطويلة.
“ظهر المهر. أحضري المنشفة المعلّقة.”
انتبهت ليلي فور سماع صوت بليك.
منذ متى كانت نائمة فوق القش؟
أسرعت نحو دومينيك. كانت الفرس مستلقية خلف الباب المتحرّك.
“أوه… كوكو!”
“كلّ شيء يسير على ما يرام. ألا ترين أنف المهر يلوح؟ هذا يعني أنّ الوضع طبيعيّ.”
كانت دومينيك تحرّك حوافرها في الهواء. جلست ليلي قربها، وقد شدّت قبضتيها.
“كيف أساعد؟”
“شاركي بالقوّة المعنويّة على الأقل.”
أي، راقبي فقط.
فهمت ليلي المزحة، لكنّها كانت متوتّرة.
جلس بليك إلى جانبها.
ثم لاحظ أنّها لا ترمش أصلًا من شدّة الترقّب.
ما الذي تفعله هذه المرأة؟
ابتسم لا إراديًّا وهو يراقبها من خلف يده.
وأخيرًا، انسكب المهر الأسود من الغشاء إلى الأرض.
تلاقى نظر بليك وليلي. وفي لحظة ميلاد الحياة، أضاءت عيونهما معًا.
“سيّد بليك…!”
“أعطيني المنشفة!”
قفز بليك فوق الباب المتحرّك، وتفقّد المهر.
“تعالي، يا آنسة! دومينيك تعرّفت على صغيرها. يمكنكِ تجفيفه الآن.”
فعلت ليلي ما طلبه، وهي تجفّف جسد المهر.
أعلى رجل وامرأة مكانةً في القلعة، يفعلان هذا طوعًا.
وبينما كانت ليلي تبذل جهدها، راقب بليك دومينيك.
“يبدو أنّه أكبر منّي بالفعل!”
“الخيول ترفع أجسادها فور الولادة. تولد كبيرة من الأساس.”
“لن أستطيع حمله. وجهه أكبر من ذراعي! مرحبًا، صغيري.”
اكتشفت ليلي للمرّة الأولى أنّ المهور تفتح أعينها منذ الولادة.
تلاقى نظرها مع نظر المهر الأسود. خفق قلبها.
وبعد عشرات الدقائق من العناية—
بدأ المهر يرضع من أمّه.
خرج بليك وليلي ووقفا خارج الباب، يراقبان المشهد.
“إنّه لطيف حقًّا. انظر إلى كوكو 2، يشبه أمّه تمامًا.”
لم ينظر بليك إلى المهر، بل إلى ليلي.
كان شعرها البلاتينيّ، الذي لا بدّ أنّه أنعم من الحرير، مبعثرًا، وقد علقت فيه شعيرات من الفرس.
لم يكن حاله أفضل.
أسند رأسه إلى العمود الأماميّ وقال مازحًا:
“كوكو 2؟ أحذّركِ، إن لم يتعرّف على اسمه الحقيقي دومينيك 2 لاحقًا، فسيكرهكِ.”
“لا أستطيع التخلّي عن <كوكو>. ماذا عن كوكو-نيك 2؟”
“تبًّا. لا تنطقي هراء يشبه جوز الهند.”
وفي تلك اللحظة، ترنّح دومينيك 2 واقترب من الباب… متّجهًا نحو ليلي.
احتضنت ليلي رأس المهر.
“هل أستطيع أن أقول كلمات البركة؟”
“إيل ديكستر غير موجود. تفضّلي.”
كانت البركة من اختصاص الكهنة أو السحرة.
فهم بليك الأمر على أنّ الساحر غائب، فلا مانع.
لكن ليلي فهمته بشكلٍ آخر.
أأنا لستُ ساحرة يُعتدّ بها؟
حسنًا… هذا صحيح.
اعترفت بذلك ببساطة.
“ستكون حصانًا قويًّا. أراك تركض في السهول دون مرض، شجاعًا لا يخاف الطبيعة. ستكون صديقنا الوفيّ. سنحبّك دائمًا.”
نظر بليك إلى ليلي لحظة، وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.
تذكّر أوّل مرّة رآها.
ليلةً كان الثلج فيها أشدّ، فتحت الباب وظهرت هي، صغيرة الجسد، مع صرير المفصلات.
منذ تلك اللحظة، بدأت القلعة الشتوية تتغيّر ببطء.
“اسمعي… لا تحملي حادثة عاصفة الثلج الأخيرة في قلبكِ. أعني—”
وقبل أن يُكمل—
“فهمتَ، أليس كذلك يا كوكو 2؟”
أنهت ليلي بركتها.
ترنّح بليك خطوة.
“هذا الاسم اللعين.”
“سأناديه أحيانًا دومينيك 2.”
“الثقة بكِ أخطر من السقوط في النهر.”
—
عند ظهر اليوم التالي.
كان بليك مغطّى بالغبار.
“تفو! تبًّا، مزعج حدّ الموت.”
كان ينبش الغرفة التي استخدمها في طفولته.
غرفة بقيت مهجورة طويلًا لعدم إنجابه وريثًا.
‘لا بدّ أنّ المذكّرات هنا في مكانٍ ما…’
كانت الغرفة في فوضى عارمة، كما يليق بطبعه.
وبعد بحثٍ طويل، وجد المذكرات أخيرًا.
‘يا له من عناء. كان الأجدر أن أبحث عن إقليمٍ جديد للاستثمار.’
تبًّا لليلي هيدويك… جميلة حدّ الإزعاج.
توقّف فجأة، ثم ضرب رأسه بقوّة.
جلس قرب النافذة وبدأ يقلب الصفحات.
تجاوز عدّة أوراق قديمة هشّة.
وكان أوّل ما لفت نظره… شتائم بحقّ العاصمة.
<يا أبناء الكلاب القذرة من النبلاء، سأنتزع أحشاءكم من آذانكم وأرميها في حظيرة الخنازير…>
كلّما قرأ، ازدادت الشتائم فظاعة.
كان ذلك زمنه الأوّل في العاصمة، حين واجه عداء النبلاء.
تذكّر بليك.
كان وقحًا أكثر ممّا هو الآن.
حتّى أنّهم اضطرّوا إلى تقييده تحت العباءة لمنعه من الهجوم.
“الصفحة الأولى سباب، الثانية سباب، الثالثة… العاشرة… الخامسة والعشرون… الحادية والثلاثون أيضًا.”
من هذا الطفل المليء بالعداء…؟
نسي للحظة أنّ ذلك كان هو نفسه.
ولوى لسانه باستياء.
المترجمة:«Яєяє✨»
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"