الفصل الرابع عشر
نهضت ليلي من فوق الثلج بعد أن أمسك بها بليك وساعدها بخشونة.
“ليلي هيدويك، قلتُ هل أنتِ بخير؟”
في تلك اللحظة، شعرت ليلي بوضوحٍ بفارق الحجم بينهما.
كان بليك… ضخمًا جدًّا.
وبصراحة، ما زال اندفاعه المفاجئ نحوها قد أربكها قليلًا.
‘النبلاء لا يكونون بهذا الحجم عادةً.’
كان هناك فرق شاسع بين أبناء الطبقة العليا وطبقة العمّال.
فمن شروط النبلاء—نساءً ورجالًا—امتلاك أجسادٍ بيضاء، نحيلة، تبدو وكأنّها لم تُرهق يومًا بالعمل.
‘بعض الشبّان يعشقون الفروسيّة فتقوى سيقانهم، لكن ذلك كلّه. لا يُقارَن بجسدٍ صقلته الأعمال الشاقّة.’
لكن جسد بليك كان… بحقّ.
حتّى وهو يرتدي ملابسه، اضطرت ليلي إلى صرف نظرها خجلًا.
كان يرتدي ملابس أكبر بعدّة مقاسات ممّا يرتديه النبلاء بطوله، ومع ذلك كانت عضلاته بارزة بوضوح.
‘حتّى الضبّاط لا تكون أجسادهم كذلك.’
كان بليك يفضّل الأسلحة القتاليّة القريبة على البنادق، ولذلك كان جسده متطوّرًا على نحوٍ خاص.
ظنّت ليلي أنّ دهشته كانت بسبب اقترابه المفاجئ منها، لكنّ بليك فسّر الأمر على نحوٍ آخر.
“الطبيب!”
حين حاول حملها عائدًا إلى القلعة، استعادت ليلي وعيها.
“انتظر قليلًا. أنا بخير. لم أسقط إلّا على ثلجٍ ناعم.”
“لكن—”
“ومن نظرة وجهك أُجيب مسبقًا: العالم لم ينهَر بعد، وأنا بخير فعلًا. أليس هذا مطمئنًا؟”
“ما الذي تقولينه؟”
“ملامحك كانت مرعبة جدًّا، فقلتُ ذلك.”
لكن بليك لم يهدأ.
تفحّص رأسها بدقّة، ظانًّا أنّها ربّما تهذي.
كانت قد سقطت متعمّدةً بشكلٍ رقيق، فلو أُصيبت لكان في فخذها أو يديها على الأكثر، لكنّ بليك لم يكن قادرًا على الحكم بعقلانيّة.
تساءلت ليلي في سرّها:
كان يبدو كأنّ جنديًّا رافقه عشر سنوات قد أُصيب بسهمٍ أمام عينيه…….
غريب. هل هو كثير القلق؟
ثم فجّر بليك غضبه في وجه سيباستيان.
“سيباستيان!”
وقف الفتى المسكين عاجزًا، ولوّح بيديه سريعًا.
“اصطدمتُ بها بخفّة! كان خطأً!”
“هذه المرأة مصابة في كاحلها أصلًا!”
“أعتذر عن المقاطعة، لكنّني شُفيت منذ زمن.”
كما هو معلوم، كانت ليلي ساحرة.
ليست قويّة، لكنّ تعافيها سريع.
“منذ متى؟”
ضحك بليك بسخرية، ثم حملها فجأة.
لم يضعها تحت ذراعه كما في السابق، بل حملها على كتفه.
كان ذلك تقدّمًا ملحوظًا.
تغييرًا لم يلاحظه أحد… حتّى هو نفسه.
أمّا ليلي، فوضعت بطنها على كتفه الصلب وعبست.
كيف يستخفّ بقدرتي السحريّة!
لكن بليك، الذي لم يكن يعلم أنّها ساحرة، أساء الفهم مرّة أخرى حين رأى تعبيرها.
‘آنسة ذات كبرياء غريب.’
كان ينبغي لها أن تتخلّى عن وهم المناعة في سنّ العاشرة.
ومع ذلك، بدت له تلك الصفة لطيفة، فابتسم ابتسامةً خفيفة.
“يبدو أنّكِ لم تُصابي بأذى كبير، وهذا مطمئن. لكن لا تتدلّلي كطفلة.”
“كنتُ أريد الذهاب إلى الإسطبل، لا إلى القلعة. وأنا غاضبة منك الآن.”
“حقًّا؟ أمّا أنا فأُعجبني حالكِ اليوم.”
كان يعيد عليها كلامها السابق:
— يا للخسارة. ابتداءً من اليوم، بدأ سيّد بليك يعجبني.
صفعته ليلي على ظهره العريض بغيظ.
لم تؤلمه عضلاته المتماسكة.
وأثناء عودتهما إلى القلعة وهما يتشاجران بخفّة… كان هناك شاب تُرك خلفهما.
“سيّدي؟”
تمتم سيباستيان بذهول.
“س-سيّدي؟ وأنا؟ جئتُ بعد عامٍ كامل!”
لكن لم يأتِه ردّ.
وقف طويلًا، منسيًّا في أذهان الجميع.
—
كان سيباستيان ممتلئًا بالغيظ.
‘ها! حقًّا إنها شخص مذهل.’
تذكّر ليلي.
أن يُظهِر سيّده كلّ هذا الغضب لمجرّد اصطدامٍ بسيط؟
كان سيباستيان يملك طموحًا كبيرًا.
كان يحلم بأن يتخلّى عن العمل الخارجيّ يومًا ما، ليصبح مساعدًا دائمًا إلى جانب بليك.
أن يخدم سيّدًا عظيمًا هكذا… أليس هذا أعظم عمل؟
لكن…….
“مرّة أخرى معًا!”
رأى سيباستيان بليك وليلي من خلف النافذة.
خلال يومٍ واحد فقط في القلعة، كان الاثنان دائمًا معًا بالمصادفة.
اشتعلت نار الغيرة في عينيه.
مكانه يجب أن يكون بجانب سيّده.
وضع قبعته بسرعة.
وبّخته خادمة كانت تمرّ وهي تحمل أدوات:
“أيّها الوغد! لن تذهب إليه مجدّدًا، أليس كذلك؟ إن لم يكن لديك عمل، فساعد!”
“اتركيني، يا عمّة فيكتور!”
“لا تتجاوز حدودك مع السيّد. هو يتسامح معنا فقط. يجب أن نكون ممتنّين.”
“أعرف!”
كان سكّان القلعة يعرفون سيباستيان جيّدًا.
لذلك هدّدوه بأنّهم سيعنّفونه إن أزعج سيّدهم أو ليلي.
ركض سيباستيان خارج القلعة.
كان البخار يخرج من فمه مع الهواء البارد.
“سيّدي!”
“…….”
تجاهله بليك، لكنّ ليلي حيّته بلطف.
“مرحبًا، سيباستيان.”
“إلى أين تذهبان؟”
“إلى الإسطبل. كوكو… أعني دومينيك حامل، فنطمئن عليها.”
“ولِمَ تذهب سيّدتي؟”
“لأنّ الخيول لطيفة.”
تذكّر سيباستيان الفرس السوداء المخيفة.
أين اللطافة في ذلك؟
على أيّ حال، تبعهما.
فتح بليك باب الإسطبل تحت ضوء المصباح الزيتيّ، ثم قطّب حاجبيه حين رأى سيباستيان.
“هل تنوي الدخول؟ دومينيك حسّاسة الآن.”
“لكنّ سيّدتي ستدخل.”
كان السبب أنّ دومينيك تحبّ ليلي.
أكثر من حبّها لبليك.
جرح ذلك كبرياء بليك، فلم يستطع قول الحقيقة.
ما زال لا يصدّق أنّ الفرس تتبع ليلي أكثر منه.
“افعل ما تشاء. لكن إن سبّبتَ إزعاجًا، سأُخرجك فورًا.”
كان الإسطبل المصنوع من خشبٍ داكن نظيفًا كما هو دائمًا.
فتحت ليلي ذراعيها بحركتها الأنيقة المعتادة.
“كوكو!”
أطلّت الفرس السوداء من خلف الحاجز.
كانت تهزّ رأسها بسعادة كلّما رأت ليلي، لكنّها اليوم بدت قلقة.
“هل أنتِ بخير؟”
لاحظت ليلي ذلك واقتربت بحذر.
حين حرّكت دومينيك رأسها بعصبيّة، ربّتت ليلي على رأسها بيدٍ باردة.
“ربّما اليوم هو اليوم الذي انتظرناه، أليس كذلك؟”
“هل تشعرين بأنّ مزاج دومينيك مختلف؟”
خلع بليك معطفه السميك واقترب بحماس.
“أظنّ أنّها تحتاج إلى تبنٍ جيّد.”
وحين استدارت ليلي لتبحث عن عملٍ آخر، تدخّل سيباستيان.
“سأتولّى الأمر!”
شعرت ليلي بالحرج، فبحثت عن شيءٍ آخر.
“إذًا، سأُحضِر الماء—”
“موقع حوض الماء لم يتغيّر. هيهي.”
تدخّل سيباستيان بين ليلي وبليك وغيّر الماء.
نظرت الفرس وبليك إليه بنظرةٍ باردة متطابقة.
كان سيباستيان يحرج ليلي.
“كوكو، هل تريدين جزرة—”
“سأعطيكِ أنا!”
في اللحظة التي انتزع فيها الجزرة من يد ليلي—
انفجر غضب دومينيك أخيرًا.
كانت تعلم جيّدًا أنّ اليد التي تمسك الجزرة ليست يد ليلي البيضاء.
والرجل الغريب لا يحمل رائحتها العطرة.
فعضّت بدلًا من الجزرة… رأس سيباستيان.
“آآآخ!”
“يا إلهي.”
“أنقذوني!”
كان سيباستيان يتخبّط بين فكي الفرس.
وبنظراته المستنجدة، تدخّل بليك وليلي معًا.
أُفرج عنه أخيرًا، لكنّ رأسه كان مبلّلًا بلعاب الفرس.
شعورٌ مقزّز بحقّ…….
وبّخت ليلي الفرس:
“كوكو! أيتها المشاغبة اللطيفة، كيف تعضّين إنسانًا؟ سأغضب منك.”
أراد بليك الاعتراض.
هذا لا يُعدّ شيئًا.
هو نفسه وطئ جثثًا في ساحات القتال.
لكنّه آثر الصمت.
بدلًا من ذلك، أمسك بذراع سيباستيان وسحبه بعنف إلى الخارج.
“سيّدي؟”
“قلتُ إنّني سأُخرجك إن سبّبتَ إزعاجًا. وأنت الآن تُزعج. اذهب وأخبر القلعة أنّ الفرس على وشك الولادة.”
“سأكون هادئًا بعد الآن!”
كان وجه بليك صارمًا كالصخر.
“قل لهم ألّا يدخل أحد حتّى أخرج.”
في العادة، كان بليك يتسامح مع مزاح الخدم.
لكن الآن، كان مختلفًا تمامًا.
كانت هالة قائد الذئاب، التي لا تظهر إلّا في أخطر المهمّات.
ارتجفت ركبتا سيباستيان، وضاق صدره.
“س-سيّدي……”
فكّر بذهول:
من تكون هذه المرأة حتّى يغضب سيّدي هكذا؟ ولماذا جاءت إلى الدوقيّة أصلًا؟
كان الخدم قد حذّروه من نشر خبر إقامتها.
لكنّهم لم يشرحوا السبب.
لذلك، لم يكن يعلم أنّها تهرب من زوجها.
“ارجع.”
كان صوت بليك يعني أنّ الحديث انتهى.
أُغلِق الباب بعنف أمام وجه سيباستيان.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"