الفصل الثالث عشر
كان كوخٌ باردٌ ومتهالك، بعيدًا عن القلعة الشتوية.
وفي تلك الليلة، لم يكن الدفء الوحيد سوى الحرارة المتبادلة بينهما.
كانت ليلي وبليك ملتصقَين على نحوٍ غريب، كأنّهما يتعانقان تحت بطّانيةٍ واحدة.
‘يا لها من نبيلةٍ مدينيّة ساذجة.’
كان بليك ينوي مضايقتها.
أراد أن يعلّمها أنّه لا ينبغي لامرأةٍ أن تبقى وحدها مع رجلٍ في غرفةٍ مغلقة،
وأنّ الاقتراب الجسديّ خطّ لا يجب تجاوزه،
وأنّ رائحة الخوخ هذه لا ينبغي أن تعذّبه.
وإلّا، شعر أنّه سيتجاوز حدوده يومًا ما…….
لكن في الواقع، كان تيّارٌ مثير يسري بينهما.
وبصراحة، كانت ليلي تشعر بالأمر نفسه.
وبحدسه الحادّ كحيوانٍ مفترس، قرأ بليك مشاعرها من اتّساع حدقتيها.
“اسمعي، يا آنسة.”
همس بصوتٍ منخفض، وأنفاسه ساخنة.
“أعرف أنّه سؤال غريب، لكن… ألا نجرّب تقبيل الشفاه قليلًا؟
سيكون ممتعًا. وربّما يعجبكِ أنتِ أيضًا.”
وكان على وشك أن يضيف: دون أيّ نيّةٍ خفيّة أو تبعات…
لكن—
“آه، كلّ شيء مبتلّ.”
دفعت ليلي بليك عنها بانزعاج.
كان الثلج العالق بملابسهما قد ذاب تمامًا.
كانت أذناها محمرّتَين، لكنّها كانت ماهرة بما يكفي لإخفاء ذلك.
تصرّفت ليلي بلا مبالاة محاولةً الخروج من هذا الموقف.
وفكّرت:
‘لا يجب أن ننزلق إلى أجواءٍ كهذه…….’
امرأةٌ متزوّجة سابقة، مع دوقٍ أعزب؟
وفوق ذلك، هي تعيش هنا بالإلحاح؟
‘لا مجال لخطأٍ عابر أو نزوة.’
لذلك، نسيت الإحساس السابق ونهضت.
“لنعد إلى القصر ونغتسل.
طبعًا، إن سمحتَ.
وإن كنتَ ستشتكي من أنّ الماء موردٌ ثمين، فسأنام هنا.”
“اغتسلي، اغتسلي. اغتسلي طوال اليوم إن شئتِ.
سأضيف مسحوق الذهب إلى الماء أيضًا.”
ضحك بليك ضحكةً جوفاء ممزوجةً بتنهد.
لم يكن يعرف ما يجري.
حان وقت العودة إلى القلعة الشتوية.
—
ومنذ ذلك اليوم، بدأ التقارب بين ليلي وبليك بشكلٍ خفيّ.
لم يعد بليك يتجاهل ليلي، بل صار يحيّيها ولو بفتور حين يراها.
وكان اتفاقهما على تجاهل بعضهما لعامٍ كامل قد اختفى منذ زمن.
لكن التغيّر الأكبر كان……
“حان وقت الإفطار، سيّد بليك.”
“كنتُ أنوي الأكل وأنا أعمل في غرفة المكتب.”
“لا. الخادمات أعددن حصّتَين بالفعل.
والطاهي أليكس حصل على لحم غنمٍ مجمّد.”
كانت ليلي تسحبه إلى غرفة الطعام.
وكان خدم القلعة يعلمون في قرارة أنفسهم أنّ تناوله الطعام وحيدًا كان جزئيًّا بسببهم.
لم يكونوا مسؤولين عن تسميم الدوق السابق، لكنّهم تفهّموا حذر بليك منهم.
“سيّدنا!”
ابتهج الخدم لأنّ ليلي أخرجت بليك من عزلته.
منذ متى لم يروا سيّدهم يبتسم بصدق؟
‘قلناها من البداية، لقد أحسنّا الاختيار. الآنسة لطيفة.’
استمرّت وجبة الإفطار الصاخبة.
قدّموا مشروبًا قويًّا على أنّه فاتح شهيّة، ودلّلوا ليلي وحدها.
“تفضّلي جرّبي هذا أيضًا.”
“هذه توت أزرق جُلب سرًّا من القرية أسفل الجبل.
فزتُ به بعد خمس جولات بوكر!
كان البستاني يتوسّل وهو ملقى على الأرض، لكنّي حافظتُ على التوت. لماذا؟”
رفعت الخادمة الشوكة وهي تصرخ بحماسة:
“من أجل سيّدتي!”
“هل تعيدين لي شوكتي؟ كنتُ على وشك التقاط السمك بها…….”
لم تستطع ليلي أن تضحك بصوتٍ عالٍ بسبب الآداب، لكنّ وجهها احمرّ.
“أنا سعيدة حقًّا بفضلكنّ.”
“سنُسعدكِ أكثر في المأدبة الدورية.”
تجمّد وجه ليلي.
منذ أيّام، والخادمات يلححن على مشاركتها في المأدبة.
“أعددنا فستانًا أيضًا.
ليس مليئًا بالأزرار والدانتيل مثل فساتين أبناء العاصمة، لكنّه جميل بطريقتنا.”
“آسفة… أخشى إن التقيتُ بالكثير من الناس أن يصل الخبر إلى أذن زوجي.”
“أما زلتِ لا تثقين بفؤوسنا؟
أفضل دفاع هو الهجوم!
نقطع عنقه وانتهى الأمر!”
التقت عينا ليلي بعيني بليك الجالس مقابلها.
لوّح بيده وكأنّه يقول إنّ الخادمات مجنونات.
“لهذا يصفوننا بالبرابرة. أليس كذلك، يا آنسة؟”
كان تعامل بليك وليلي وكأنّ شيئًا لم يحدث.
“أم… همم…….”
تردّدت ليلي.
أهل الدوقية ينادون بعضهم بالبرابرة على سبيل المزاح.
لكن إن قالتها ليلي، سيختلف المعنى.
وحين اكتفت بالابتسام بأناقة، ضربت الخادمات رأس بليك.
“لا تُحرج ليلي سيّدتي!”
“يا لخادماتٍ مجنونات!”
وبينما كانوا يتشاجرون، قالت خادمة أخرى لليلي:
“ابتداءً من الغد، سيزداد عدد الناس في القلعة.
سيبدأ الحضور بالوصول للمأدبة.”
قيل إنّ جميعهم من أبناء القلعة، لذا لم تقلق الخادمة.
‘مأدبة دوريّة…….’
وضعت ليلي السلطة في فمها بأناقة، وغرقت في التفكير.
رغم فضولها، لم تكن متحمّسة للحضور.
‘هل يستحقّ الأمر المجازفة بظهوري؟’
تذكّرت حفلات العاصمة.
كانت دائمًا في المركز، لكنّ البريق كان زائفًا.
قبل الزواج، كانت تحت رقابة والديها.
وأيّ خطأ يعني عقابًا قاسيًا.
وبعد الزواج، تغيّر المراقِب فقط.
‘مجرد التفكير في الماضي يُتعبني.
سأذهب لرؤية الحصان بدلًا من ذلك.
متى ستلد كوكو؟’
في الآونة الأخيرة، صار الحديث بين ليلي وبليك يدور حول الخيول.
رغم انزعاجه الظاهريّ، كان تصرّف دومينيك يجعل ليلي تبدو كأنّها المالكة.
“ماذا؟”
بعد الطعام، همّ بليك بالذهاب إلى الإسطبل، ثم أدرك أنّ طريقه يتقاطع مع طريق ليلي.
“إلى أين تذهبين؟”
“نزهة.
السيّدات يحببن المشي بأناقة قرب منازلهنّ.”
“مشكلتكِ أنّكِ تسيرين في الاتجاه نفسه.”
“وسأحيّي كوكو.”
“كنتُ أعلم.”
خرجا معًا بسلام.
وفجأة—
كان هناك صبيّ يصعد الطريق الجبليّ، واضعًا قبّعةً بنّية.
“سيّدنا!”
لم ترَ ليلي هذا الفتى من قبل.
كان يبدو في سنٍّ قريبة من البلوغ، ملامحه حادّة.
ركض نحوهما، ثم عانق بليك مباشرة.
لم ينظر إلى ليلي إطلاقًا.
“وأخيرًا وصلتُ، سيّدي العزيز!”
كان سيباستيان قريب الطول من ليلي، بشعرٍ أحمر ونمشٍ كثيف.
أثار فضول ليلي.
فكلّ من في القلعة كانوا بالغين.
لكن وجه بليك ازداد تصلّبًا.
“سيباستيان، ما زال موعد المأدبة بعيدًا. جئتَ مبكّرًا.”
بدا عليه الضيق.
كان سيباستيان يتبع بليك أينما ذهب.
“جئتُ لأراكَ قبل الموعد.
لم تتغيّر قيد أنملة خلال عام، ما زلتَ مهيبًا!”
كان سيباستيان ابن حطّاب القلعة.
نشأ وهو يعبد بليك منذ خطواته الأولى.
لكن بعد تقاعد والده، لم يعد يزور القلعة سوى مرّة في السنة.
لأنّه كان مسؤولًا عن تأمين المؤن خارجها.
وقعت عينا الصبيّ على ليلي.
‘سمعتُ أنّ امرأةً نبيلة جاءت للعيش هنا… لكن أن أراها حقًّا!’
لطالما تخيّل بليك ذئبًا وحيدًا.
أن تحتلّ امرأة إمبراطورية شاحبة مكانها إلى جواره، أشعل الغيرة في صدره.
“تشرفتُ، يا ايتها السيدة النبيلة.”
نزع سيباستيان قبّعته وأومأ برأسه بلا اكتراث.
“نادِني باسمي فقط. اسمي……”
وحين ردّت ليلي بلطف—
تجاهلها الصبيّ تمامًا، ومرّ بجانبها متعمّدًا الاصطدام بكتفها.
وهنا كانت المشكلة.
في المجتمع الراقي، كان الاحتكاك المتعمّد شائعًا.
كانت ليلي تتقن أسلوبًا خاصًّا.
تُرخي جسدها، فتسقط هي،
ويهرب الخصم محمرّ الوجه تحت نظرات الناس.
“آه.”
لم تقصد ذلك، لكنّ جسدها تذكّر.
سقطت ليلي.
جلست على الثلج البارد، ترمش بدهشة.
‘يا للغباء… لسنا في العاصمة.’
حاولت النهوض بسرعة.
لكن—
“تبًّا!”
اندفع جسدٌ ضخم نحوها.
“هل أنتِ بخير؟”
المترجمة:«Яєяє✨»
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"