لم تكن مباريات الرجبي تروق لغريس على الإطلاق. كانت المشاحنات الجسدية العنيفة بين الرجال خلال المباراة تجعل حاجبيها ينعقدان لا إراديًا.
كان اللاعبون يركضون، يتوقفون، يدفعون، يسحبون، يصطدمون، يسقطون ويتدحرجون. وفي كل مرة، كانت غريس تقوم بالحسابات في ذهنها:
بوزن هذا الشخص وسرعته، وعند اصطدامه بخصم في ظروف مماثلة، فإن طاقة الاصطدام ستكون…
كان الأمر مرعبًا.
من بين اللاعبين، برز لاعب واحد: الوحيد ذو الشعر الأحمر في الملعب، كابتن فريق الرجبي في كلية كرايست تشيرش، والمهاجم رقم 8، ريتشارد سبنسر. هو أيضًا كان يركض، يتوقف، يدفع، يسحب، يصطدم، يسقط ويتدحرج بلا كلل. وفي كل مرة، كانت غريس تحبس أنفاسها بقلق.
“آآآآه!”
تعالت الضوضاء من حولها. على عكس قلق غريس الداخلي، كانت النساء الجالسات بالقرب منها مندمجات في الإثارة المتصاعدة للمباراة. كنّ يهتفن بحماس، ينادين بأسماء لاعبيهن المفضلين وهنّ يستمتعن بالمشهد.
كانت الكليات في غرينتابريدج تضم طلابًا ذكورًا فقط، معظمهم من الشباب في أواخر سن المراهقة أو أوائل العشرينات. كثير منهم كانوا من النبلاء أو من عامة الشعب الواعدين بمستقبل مشرق.
في أماكن أخرى، كان من شبه المستحيل مقابلة أمثال هؤلاء. من النادر جدًا أن يلتقي الأشخاص العاديون بالنبلاء وجهًا لوجه.
لكن غرينتابريدج كانت مختلفة. كانت مكانًا يتجمع فيه هؤلاء النخبة من أجل التعليم — مهدًا للفكر ومنبرًا للتواصل الاجتماعي.
ومن هذه الزاوية، كانت النساء اللواتي يعشن هنا محظوظات. ففي مناسبات نادرة جدًا، كانت فتاة من البلدة تقع في حب طالب جامعي وتغير مصيرها بزواجها منه.
وربما لم يكن الأمر حظًا على الإطلاق. فعبارة “نادرة جدًا” تعني أن فرصة ارتباط فتاة من البلدة بطالب جامعي كانت ضئيلة. كثير من الطلاب الذين تورطوا مع نساء أثناء دراستهم كانوا يتخلون عنهن عند التخرج.
أما النساء اللواتي تخلى عنهن أبناء النبلاء، فكنّ يعشن تحت نظرات الازدراء من الجميع طوال حياتهن. وإذا انتهى بهن الحال إلى إنجاب أطفال غير شرعيين، أصبحت حياتهن أكثر بؤسًا وإهانة.
بعضهن اتخذن قرارات مأساوية في مواجهة هذا اليأس. وقيل إن النساء التعيسات ينتهي بهن الأمر أحيانًا في وايت تشابل، حي البغاء السيئ السمعة في شرق ليدون.
ومع ذلك، لم تستطع العديد من نساء غرينتابريدج التخلي عن الأمل. كنّ يتمسكن بإمكانية أن يكنّ هن الاستثناء.
لهذا السبب، كان الملعب المستطيل الذي يحتضن مباريات الرجبي يعج دومًا بالنساء. ضوضاء الحديث كانت تملأ الأجواء وهنّ يتجمعن بأمل الحصول على فرصة لتغيير مصيرهن.
“أغنيس، هل سمعتِ عن باريس ترويس؟”
“ما الأخبار؟”
كانت امرأتان بالقرب من مقعد غريس تتبادلان الحديث.
باريس ترويس. كان ابن البارون ترويس وانتقل للعيش مع فتاة من البلدة فور التحاقه بكلية ماغدالين في غرينتابريدج قبل سبع سنوات. كان حالة ميؤوس منها، واشتهر بكونه منبوذًا من عائلته بعد فشله المتكرر في الامتحانات. وبعد أن فقد دعمه المالي، أصبح سيئ السمعة لاعتماده على دخل المرأة التي كان يعيش معها.
“لكن…”
“لكن ماذا؟”
“لقد اختفى دون أن ينبس ببنت شفة.”
كانت نهاية غير مفاجئة. فهكذا كان مصير النساء اللواتي أحببن أبناء النبلاء القادمين إلى غرينتابريدج من أجل الدراسة.
“ثم ماذا؟”
“وماذا غير ذلك؟ بعد أن اختفى، حاول والدها تزويجها لرجل مسن لم تره من قبل.”
“وماذا حدث؟”
صمتت المتحدثة فجأة. وبعد أن رمقت المكان بنظرة حذرة، تابعت قائلة، “انتحرت.”
“……”
“في اليوم الذي كان من المفترض أن تنتقل فيه إلى منزل الرجل العجوز، علقت نفسها من سقف غرفتها.”
“هل هذا صحيح؟”
“حتى إنها تركت رسالة لذلك الوغد الذي تخلى عنها.”
“من المؤكد أنه لن يقرأها…”
“بعد أن دعمت دراسته واعتنت به كما لو كانت زوجته، تركها دون كلمة. والرجل العجوز الذي اشترى فتاة تصغر ابنته؟ الرجال جميعهم متشابهون حقًا.”
“……”
تنهدت المرأة بحدة وتحدثت بانزعاج. أما رفيقتها، فظلت صامتة.
“…لذا، أغنيس، يجب أن تنتبهي لنفسك.”
“م-ماذا فعلت؟”
“الجميع يتحدث عنك، يقولون إنك تذهبين إلى الحانة كل مساء بعد أن تتأنقي.”
“حسنًا، أنا فقط…”
“جلوسي هنا لا يجعلني أفضل، لكن الحانات خطيرة.”
“لم يحدث شيء…”
صوت المرأة الأخرى بدأ يخفت. أما رفيقتها، فارتفع صوتها أكثر.
“لم يحدث شيء بعد. إن لم تنتبهي، ستنتهين مثل تلك المرأة!”
“لن يحدث ذلك…”
“هذا بسببه، أليس كذلك؟”
“م-من تقصدين؟”
“ثيريسيوس ويلفورد.”
“……”
“أرجوكِ يا أغنيس، استفيقي.”
“…الأمر ليس كذلك.”
“أوه، هيا! ذلك الرجل لن يلتفت إليكِ ولو للحظة.”
“وكيف عرفتِ؟”
“كيف عرفت؟ لأنكِ الوحيدة التي لا ترى ذلك.”
“……”
“وهو سيرحل قريبًا. هذا فصله الأخير هنا.”
في تلك اللحظة، تعالت الشتائم من الملعب. أحرز كابتن كلية كينغز هدفًا، ما تسبب في غضب واضح لدى لاعبي كرايست تشيرش، بمن فيهم ريتشارد سبنسر.
“ريتشارد سبنسر.”
تمتمت المرأة المسماة أغنيس. وأرهفت غريس السمع مجددًا.
“أتمنى لو أتمكن من لقاء رجل مثله…”
“وليس ثيريسيوس ويلفورد؟”
“ميني، إن كان بإمكاني لقاء ريتشارد سبنسر، فلماذا أزعج نفسي مع ثيريسيوس ويلفورد؟” ردت أغنيس وهي تعبس.
“منطقي…” أومأت ميني موافقة. “لكن يا أغنيس، لن تلتقي به أبدًا.”
“لماذا لا؟”
استدارت أغنيس فجأة، وتقلصت ملامحها الدقيقة من الغضب.
“هل تعتقدين أن ريتشارد سبنسر سيذهب إلى حانة ترتادينها؟ ربما تيري هينتون، لكن ليس إلى هناك.”
“إذًا، هذا صحيح؟ أن ريتشارد سبنسر نرجسي يتأمل انعكاسه في مجرى تيري هينتون؟”
“الكثيرون رأوه يفعل ذلك.”
“إذن، ربما أذهب هناك أيضًا.”
“لا تفكري حتى بذلك.” ضحكت ميني بيأس.
“لم لا؟ اللقاء الطبيعي هو أفضل بداية لقصة حب. هذا بالضبط نوع الحب الذي أريده. من يدري؟ ربما أصبح كونتيسة سبنسر!”
“أغنيس، هل تعتقدين أنك الوحيدة التي فكرت بذلك؟”
“……”
“نصف نساء البلدة جربن الذهاب هناك.”
“وماذا حدث؟”
خفضت ميني صوتها وأجابت: “لم تتمكن واحدة منهن من الحديث معه.”
“ولا حتى كلمة؟” سألت أغنيس بدهشة.
“في تيري هينتون، هناك هالة غريبة تحيط به تمنع الآخرين من الاقتراب. إنه أمر غريب، أليس كذلك؟ مجرد تأمل في انعكاسه.”
كتمت غريس ضحكتها. كانت رواية ميني دقيقة. من خلال ملاحظاتها عند تيري هينتون، اقتربت الكثير من النساء لرؤية ريتشارد، لكن لم تتمكن أي منهن من الحديث معه. والمثير أن ريتشارد نفسه بدا غافلًا عن محاولاتهن. وكأن هناك حاجزًا غير مرئي يحيط به ويبعد الآخرين عنه.
“لذا، أغنيس، انسَي أمر ويلفورد أو سبنسر. التزمي بشخص أقرب إلى مستواكِ. النبلاء لا يروننا كأشخاص.”
أنهت ميني حديثها بحزم، كما لو كانت تقدم نصيحة. ولم ترد أغنيس.
في تلك اللحظة، دوى صفير إعلان نهاية المباراة.
“أوه، بالمناسبة، ريتشارد سبنسر، الكونت الشاب، لديه خطيبة بالفعل. تم الوعد بينهما منذ ولادتهما. إنها أجنبية.”
أغلقت غريس عينيها بشدة. في ظلام عقلها، ظهر قط تشيشاير وهو يبتسم قبل أن يتلاشى. وظل ظله يتراقص مثل الدخان.
وفجأة، اندلع شغب على أرض الملعب. فتحت غريس عينيها على الفور.
***
تـــرجــمــــــة: غـــــيـو… ♡
التلي: https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"