اهلا انا مترجمة سيران راح امسك هذا العمل،ادعوا لي استمر ان شاء الله!.
الفصل 18 – لقاء جديد
كان حيّ تشيلسي، حيث يقع قصر عائلة مونتيغو، يطل على نهر ثايم في مدينة ليدون. ومنذ اليوم التالي لوصول غريس إلى العاصمة للقاء ماري مونتيغو، اعتادت الاثنتان على القيام بنزهات هادئة بمحاذاة ضفة النهر.
“معظم قصور الأسر النبيلة متجمّعة في كنسينغتون أو مايفير.”
“أفهم…”
كانت أسماء كنسينغتون ومايفير بالنسبة لغريس مجرد كلمات تمرّ في الصحف، أماكن بعيدة وغريبة، تكاد تكون خيالية. كانت بلاد العجائب في كتابٍ ما أقرب إليها وأكثر واقعية.
“قصر عائلة سبنسر في ويستمنستر، وهو غير بعيد من هنا.”
عند تعليق ماري مونتيغو، رمشت غريس بصمت، عاجزة عن إيجاد رد مناسب.
كانت ترى أن ماري مونتيغو تشبه كثيراً تشارلز دودجسون، وأحد أوجه الشبه بينهما أن كليهما يتحدث بطريقة يصعب فهم مقاصدها. ربما كان ذلك طبعاً عاماً لدى أبناء إنغرينت.
“وفي ويستمنستر تقع المكتبة الملكية.”
عندها، وبعد أن اتّضح لها مقصد الحديث، أومأت غريس غورتون برأسها.
كان ردّ ماري على تردّد غريس بشأن قضية التبنّي هو التلويح بإغراءين كبيرين:
الأول وعدٌ بأيامٍ تقضيها بين رفوف المكتبة الملكية الواسعة إن سكنت في ليدون، والثاني فرصة الاقتراب أكثر من ريتشارد سبنسر الذي تعشقه سراً.
وكانت حجتها في جوهرها:
قصر سبنسر والمكتبة الملكية في ويستمنستر.
وويستمنستر ليست بعيدة عن تشيلسي حيث قصر مونتيغو.
إذاً، لو أصبحت غريس ابنتها بالتبنّي، فستكون قريبة من المكتبة… ومن “الأسد الذهبي” ريتشارد سبنسر.
من حيث المنطق، كان قياساً مختلاً تماماً. لكن بالنسبة لغريس، التي كانت روحها معلّقة بالكتب وقلبها معلّقاً بريتشارد، بدا الأمر جذاباً حدّ الإغراء.
“سيّدتي مونتيغو… لدي سؤال.”
فهذه الحجة مهما راق لها وقعها، لم تكن تكفي لحسم قرار قد يغيّر حياتها كلها. لذلك خاطبت غريس ماري بتحفّظ.
“اسألي ما شئتِ يا غريس.”
قالت ذلك وهي تخرج منديلًا لتغطي أنفها وفمها. فقد لاحظت غريس منذ البداية أن ماري تكتم رغبتها في التقيؤ كلما هبّت رائحة النهر.
فعلى الرغم من أن ممشى ضفة ثايم مصمّم بعناية، فإن رائحة الماء كانت مروّعة لدرجة أن وجه ماري بدا أشد شحوباً من المعتاد.
“هل… أنتِ بخير؟”
“أنا بخير. اسألي ما تشائين. يعجبني أن يهتم الناس بمعرفتي. لا أطفال لدي، وريتشارد دائم الانشغال، والنساء اللواتي أصادفهن لا يتحدثن سوى في أمور تافهة.”
لوّحت ماري بيدها لتطمئن غريس، وابتسمت بنعومة.
“لماذا… اخترتِني أنا؟”
“ماذا تعنين؟”
“أنا أكبر… وفوق ذلك… امرأة.”
“وما علاقة ذلك بكونك ابنتي؟”
كانت غريس خجولة، لكنها لم تكن غافلة عن أعراف المجتمع. لذلك بدت لها إجابة ماري مراوغة وغامضة.
“أنتِ ابنة آنابيل.”
“……”
قالت ماري ذلك بثبات وهي تنظر مباشرة إلى عيني غريس المرتبكتين.
“وهذا وحده سبب كافٍ.”
“……”
قررت غريس التوقف عن طرح الأسئلة. لم يكن مبرر “أنت ابنة آنابيل” شيئاً تستوعبه بسهولة.
لكن العالم مليء بما لا يفسَّر أكثر مما يفسَّر.
ولو أن الحياة تترتب كما تُحلّ مسائل الرياضيات، لكانت أبسط بكثير.
“خذي وقتكِ في التفكير.”
“حسناً… سأفعل.”
هزّت غريس رأسها بخضوع. فربتت ماري على يدها قبل أن تضيف عرضاً جديداً.
“بما أنني عدت إلى هنا، أفكر في السفر إلى باث. هل تودّين مرافقتي؟”
“إلى… باث؟”
كان الكثيرون يعرفون أن باث من أبهى المصايف في إنغرينت، وأن فتيات كليّة غرنتابريدج يحلمن بإجازة فيها. لكن تلك الأمنية نادرة التحقق، فباث ليست سوى منتجعٍ مترف يخص الأغنياء.
“هل زرتها من قبل؟”
“لا… أبداً.”
“إذاً فقد حان الوقت.”
صفّقت ماري بأصابعها رضاً.
“في الواقع، إليان، أو بالأحرى الكونتيسة سبنسر، هي من اقترحت هذه الرحلة. إنها والدة ريتشارد.”
“أحقاً؟”
“نعم. خطيبة ريتشارد ستصل قريباً من غاليا. والرحلة للاحتفال بقدومها. إليان لن تسرّ بمشاركتي، لكن فضولي أكبر من قدرتي على الرفض.”
ضحكت ماري بخفّة.
“خطـ…ـيبته؟”
اتّسعت عينا غريس بدهشة.
“نعم. تمّت خطوبتهما قبل أن يولدا. ما زلت أكره والدي لتورّطه في أمر كهذا. ريتشارد، الذي قُرّر زواجه فقط لاختلاف جنسه عن فتاة لم يرها قط، هو الضحية الحقيقية لهذا الاتفاق الغريب.”
“يبدو أن إليان تنوي استغلال رحلة باث لعقد خطوبة ريتشارد نهائياً وتحديد موعد الزفاف.”
“أفهم…”
“ستسميه تخطيطاً، لكنه لا يتجاوز تبادل المصالح.”
صمت آخر.
“أما نحن فسوف نستمتع بالإقامة في الفيلا، وسنلتقي بهم عرضاً بين الحين والآخر.”
صمتت غريس أكثر، فقطعت ماري عليها التفكير.
“هل يزعجك الأمر؟”
“كلّا… بل أودّ الذهاب.”
ابتسمت غريس. فهي فعلاً لا تملك سبباً للقلق. ربما هو مجرد خوف عابر.
وقد يكون في الرحلة فرصة لرؤية ريتشارد من زاوية جديدة. وغريس، بخبرتها الطويلة في الإعجاب من بعيد، تؤمن أن الرجل الوسيم يستحق أن يكون محل إعجاب مهما كانت الظروف.
في تلك اللحظة، تقدّم رجل طويل نحوهما.
“هل لي الشرف… هل أنتِ السيدة ماري مونتيغو؟”
“من أنت؟”
ضيّقت ماري عينيها تحدّق فيه، ثم ابتسمت باعتذار عندما أدركت أنها لا تعرفه.
“المعذرة… غبت طويلاً عن البلاد فنسيت وجوهاً كثيرة.”
“هذا طبيعي. لقد التقيت بك مرة واحدة فقط عندما كنت صغيراً جداً.”
“شكراً لتفهّمك.”
ابتسم الرجل ابتسامة دافئة، بدّدت التوتر.
“وما اسمك؟”
سألت ماري بنبرة لينة.
“ثيريسيوس وِلفورد.”
“وِلفورد؟”
“نعم، من كورنوال.”
“أهذا يعني أنك ابن جوناثان وِلفورد، عضو البرلمان؟ لقد ذكره زوجي أنتوني غير مرة. سررت بلقائك. أبلغه تحياتي.”
ضحك ثيريسيوس بخفّة:
“يشرفني أنك تذكرين اسم والدي.”
وبسرعة، كوّنت عنه انطباعاً طيباً. بدا مهذباً، لطيفاً، ويمكن أن يكون رفيقاً مريحاً لغريس في هذا العالم الجديد.
عرّفته ماري بغريس بحماسة:
“هذه غريس. غريس غورتون. إنها ابنة أخٍ بعيدة لزوجي أنتوني.”
انحنى ثيريسيوس بأدب. انتظر أن تمدّ غريس يدها، لكنها لم تفعل. فاستقام معتذراً في صمت.
“إنها… خجولة فقط.”
قالت ماري، غير قادرة على تجاهل أن غريس لم تتصرف بهذا الخجل يوماً أمام ريتشارد.
هل يعني ذلك أنها معجبة بثيريسيوس؟ ربما هي خجلت من الاقتراب منه أو مخاطبته.
كان المشهد لطيفاً بما يكفي ليجعل ماري تبتسم.
عائلة وِلفورد إحدى العائلات البارزة في كورنوال. وكان والد ثيريسيوس قد دخل السياسة المركزية مؤخراً، مما جعل العائلة ترتفع مكانة.
وسمعت ماري أن الابن الوحيد يدرس في كلية غرنتابريدج، تمهيداً لخلافة أبيه.
قال ثيريسيوس مودّعاً:
“يبدو أنني قطعت عليكنّ نزهتكنّ. اسمحن لي بالانصراف.”
التعليقات لهذا الفصل " 18"