يستغرق الأمر ثلاث ثوانٍ فقط ليُكوِّن أحدهم انطباعه الأول عن الآخر.
في غضون ثلاث ثوانٍ فقط، يقرر الناس ما إذا كانوا يُحبون الشخص الذي أمامهم أم لا.
«آه، مرحبًا، يا شاب إيرل سبنسر. أ-أن أحظى بفرصة لقائك هكذا، إنه حقًا… كأنني في ح-حلم تحقق.»
كان صوتها كقطرات ماء تقطر من قطعة قماش مبللة. وبعد أن بلعت ريقها الجاف مرارًا، تمكّنت المرأة أخيرًا من التلعثم بتحيتها، مما جعل وجه ريتشارد سبنسر يتصلّب قليلًا.
بوضوح، عدم إعجاب.
بعيدًا عن التأتأة، لم يكن يتوقّع تحية سخيفة كهذه. لا توجد سيدة واحدة في لايدون تجرؤ على قول شيء كهذا لرجل عند أول لقاء.
وما الذي عنته بكون لقائه “حلمًا تحقق”؟ هل كانت تأمل في إقامة علاقة مع أحد النبلاء ذوي النفوذ؟ أم كانت تحاول كسب ود الليدي ماري مونتاج؟ كلماتها الافتتاحية كانت غير مفهومة إطلاقًا.
لابد أنها هرعت إلى لايدون ما إن وعدتها الليدي مونتاج بتبنّيها كابنة. ربما كانت تتوقع أن تحيا حياة مرفّهة كابنة لنبيلة.
قرر ريتشارد ألا يثق في تقييم الليدي مونتاج لها بأنها “بريئة وطيبة القلب”. وكما توقع تمامًا، كانت المرأة الواقفـة أمامه جريئة بلا شك.
أجبر نفسه على رفع عينيه اللتين كانتا منخفضتين. جفنه الأيسر تحرّك أبطأ من الأيمن، كما لو كان يفتح نوافذ زجاجية مغطاة بطبقة من الصقيع، واحدة تلو الأخرى.
وفي تلك اللحظة، فوجئ ريتشارد مرة أخرى. كانت غريس غيرتون تبتسم ببشاشة. وجهها، المتورد الخدين، كان يشع سعادة لا يمكن كبحها. بدت وكأنها ترغب في الرقص احتفالًا بصعودها من اليُتم إلى مكانة اجتماعية جديدة.
أزعجه هذا كثيرًا. ومع ذلك، أجبر نفسه على توجيه تحية متصلبة، مترددة، لا يرغب في أن يظهر بمظهر الوقح أمام الليدي مونتاج.
«تشرفت بلقائك.»
تذكرت المرأة فجأة شيئًا وقدّمت نفسها، وفي الوقت نفسه، رفعت يدها اليمنى بتردد.
«أ-أنا غريس غيرتون…»
صافح ريتشارد يدها الممتدة بخفة، بدافع المجاملة، ثم تركها على الفور. لقد كان يكره التواصل الجسدي، ومحاولتها المتكلفة في تقليد آداب النبلاء، رغم أنها لم تُتبنَّ رسميًا بعد، جعلته يكبت سخرية على وشك الانفلات.
«ريتشارد سبنسر… الآنسة غيرتون.»
لم يكن ينوي أبدًا أن يناديها بـ«الليدي» غيرتون. فهي ليست جزءًا رسميًا من عائلة مونتاج بعد، ولم يكن ينوي دعم مسألة تبنيها.
سحبت غريس يدها وبدأت تعبث بأصابعها التي لمسها ريتشارد. ثم رفعت بصرها، الذي كان مثبتًا على الأرض، نحوه.
«أ-أنا كنت أذهب كثيرًا لمشاهدة مباريات الرغبي في غرينتابريدج… لأراك، يا شاب الإيرل.»
«……»
عجز ريتشارد عن الكلام. إحدى عينيها كانت بلون بني مائل إلى الحمرة، والأخرى مزيج من الرمادي والبنفسجي.
لقد كانت شكوكه في غرفة الجلوس في محلها. لا يمكن أن يوجد شخصان لهما عينان بتلك الصفات الفريدة.
نعم، الفتى في قاعة المحاضرات، والمرأة في مدرجات الرغبي، وغريس غيرتون، جميعهم شخص واحد. المرأة الجريئة الواقفة أمامه، التي تبتسم الآن بسعادة لا تُقاوم، كانت تدور حوله منذ زمن.
هل اقتربت منه مباشرة لأنها لم تُقدَّم إليه من قبل الليدي مونتاج؟ هل تنكرت في إحدى المرات في هيئة فتى؟ بينما كان ذهنه يربط خيوط الصورة، شعر ريتشارد بتيار من الانزعاج يتصاعد في رأسه.
نظرًا لإقامة زوجَي مونتاج الطويلة خارج البلاد، من المحتمل أنها لم تتمكن من لقائهما بسهولة، فاستهدفته هو بدلًا منهما. ربما ظنت أن تقرّبها منه سيسمح لها بالوصول إلى قلب ريتشارد سبنسر، وبالتالي كسب الفائدة المرجوّة.
النوع الذي يرتاد ملاعب الرغبي من النساء كان يمكن التنبؤ به. العديد من نساء البلدة كنّ يذهبن إلى هناك أملًا في اصطياد نبيل لتحسين وضعهن في الحياة.
المرأة الرزينة والمحترمة لا تطأ مكانًا يهيمن عليه الرجال. هذا أمر مؤكد.
من المؤكد أن تشارلز دودجسون – الأستاذ الغريب الأطوار – لم يكن ليُغرس فيها مثل هذه القيم. ومن خلال مخالطتها النساء الصاخبات والفوضويات في المدرجات، كانت غريس غيرتون تُظهر حقيقتها.
«هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها غريس تتحدث بهذا القدر. والآن، بدلاً من الوقوف، لماذا لا نجلس جميعًا؟»
تحرّكت الليدي مونتاج، التي كانت تراقبهما بعينين متألقتين، وجلست في رأس الطاولة، وجلس ريتشارد سبنسر على يمينها، وغريس غيرتون على يسارها.
«غريس، ريتشارد كابنٍ لي. إنه ابن أخ عزيز جدًا عليّ.» قالت ماري بلطف، وهي تنظر إلى غريس. هزّت غريس رأسها بفخر عدة مرات، غير قادرة على إخفاء فخرها.
«لابد أن ريتشارد كان يتمتع بشعبية كبيرة في غرينتابريدج، أليس كذلك؟»
كان سؤال ماري مازحًا، لكنها كانت تعرف الإجابة مسبقًا. كوريث لعائلة سبنسر وكرجل حسن المظهر، كان ريتشارد سبنسر بالتأكيد شخصية بارزة.
«أظن أن العديد من الفتيات الشابات قد أُعجبن به.»
كدت غريس أن تفقد تحفظها وأجابت بصوت عالٍ موافِق. لكنها ابتلعت حماسها مع رشفة من الشاي. ثم ابتسمت من جديد.
لقد كان ريتشارد سبنسر حلم وأمل غريس غيرتون، كما كان كذلك لكثير من فتيات بلدة غرينتابريدج. ورغم أنه كان بعيد المنال، فقد كان وجوده يُضفي على حياتهن بهجة خفية بمجرد مشاهدته من بعيد.
«هذا لم يحدث، يا عمتي.» أجاب ريتشارد، وكان الانزعاج واضحًا على وجهه. كان يكره المجاملات والمبالغات، وتلك الكراهية انعكست على ملامحه المتصلبة.
«ش-شاب الإيرل كان حقًا موضع إعجاب.» قالت غريس فجأة، مقاطعة ريتشارد. قلة ضبطها لنفسها جعلت حاجب ريتشارد الأيمن يرتجف بانزعاج.
كم هي طائشة.
«حقًا؟»
«ن-نعم. في الواقع، كنت واحدة منهن… أ-أنا أُعجبت بك كثيرًا.»
آه، إذًا هذا هو الأمر. كانت تحاول بوضوح كسب رضا الليدي مونتاج بتظاهرها بالخجل وهي تقول ما تريده تمامًا. كانت أصابعها تعبث بتوتر، لكنها كانت تتكلم بسهولة.
وبينما ينظر إليها وهي ترتدي ثوبًا فاخرًا لامعًا، كاد ريتشارد يتنهّد. في ملاعب الرغبي، كانت تبدو بثياب متواضعة، لكن الآن من الواضح أنها كسبت بالفعل ود الليدي مونتاج واقتنت عدة أثواب باهظة.
«هذا أمر رائع. والآن، لم يتبقَ سوى أن ترى غريس بنظرة إيجابية، ريتشارد.» قالت ماري بابتسامة رفيعة وحاجب مرفوع، موجّهة نظرة خفية إلى ريتشارد.
كان من المحبط أن يرى هذه السيدة الطيبة، الثرية، والطيبة القلب، تقع فريسة لمخادعة واضحة. شعر ريتشارد برغبة عارمة في إنقاذ الليدي مونتاج من براثن غريس – حتى وإن تطلّب الأمر حملها بعيدًا.
«في الواقع، غريس…» قالت ماري وهي تلتفت نحوها تمامًا. منحتها ابتسامة غامضة تحمل مغزى أعمق. «بعد نقاشات طويلة، قرر أنتوني وأنا أن نتبناكِ كابنتنا.»
عندما سمع ريتشارد هذه الكلمات، بالكاد كتم تأوهًا. كان الأمر كأنه يشاهد عذراء بريئة تقع ضحية لعرض زواج من محتال بارع.
حوّل نظره، وحدّق إلى غريس غيرتون الجالسة بأناقة أمامه. لم يكن بحاجة إلى سماع ردّها؛ فقد كان وجهها يقول كل شيء.
كانت غريس تحدّق بدهشة نحو الليدي ماري، تستمع إلى كلماتها بانتباه بالغ. أنفاسها المتسارعة، خدّاها المتورّدان، وأصابعها المتوترة، كانت كلّها إشارات إلى فرحتها التي بالكاد تخفيها. كان من الواضح أنها انتظرت هذا الإعلان بفارغ الصبر.
بالطبع. فالأزواج النبلاء أمثال آل مونتاج كانوا نادرين جدًا في إنغرِنت. وفوق ذلك، كانوا يُعرفون سرًا بثروتهم الهائلة. رغم أن حجم ثروتهم لم يُعلن للناس، فإن قصر تشيلسي، حيث جلس الثلاثة الآن، كان فوق متناول أغلب الثروات.
امرأة تتظاهر بالخجل لا يمكن أن تُغفل مثل هذه الثروة. وإذا كانت قد نشأت تحت رعاية الأستاذ دودجسون، فلا بد أن مهاراتها الحسابية ممتازة.
«آمل أن تمنحنا مباركتك.» أضافت ماري.
كان هذا حتميًا. شعر ريتشارد بأسى داخلي، يتوسل بصمت ألا تُكمِل ماري هذا الطريق.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات