كان مهرجان وينكان الذي ترعاه أسرة إيلان يضم أنواعًا شتى من المباريات، غير أنّ أكثرها شعبية كان بلا ريب مسابقة الفنون القتالية.
فالناس كانوا يتهلّلون لمشهد المعارك التي يتطاير فيها الدم، وينتَشون من استعراض المقاتلين لقوتهم وسط الساحة.
ولمسابقات القتال أشكالٌ عديدة: منها بطولة المصارعين التي يشارك فيها المبارزون وحدهم، ومنها بطولة البالغين حيث يتواجه المتبارون بلا تفرقة في الطبقة أو المهنة، في معارك دموية لا هوادة فيها يخاطرون فيها بحياتهم.
وكان الفائز في أيٍّ من هذه البطولات يحصد المجد والشهرة، إضافةً إلى جائزة مالية ضخمة، بل وقد يحالفه الحظ فيُختار حارسًا شخصيًّا لأحد النبلاء.
وبوجه عام، كلما كانت البطولة أعنف وأكثر إثارةً ازدادت شعبيتها بين الجماهير.
ـــ لقد حُسم النزال!
لكن الغريب أنّ البطولة الأوسع شهرة على الإطلاق لم تكن تلك التي يراق فيها الدم، بل على العكس تمامًا؛ إذ كان يُحكم فيها على المتسابق بالخسارة إن حاول القتل أو أحدث جرحًا يهدّد الحياة.
إنها ما كان يُطلق عليها الناس البطولة ذات “الرقيّ” أو كويفونكوفي.
كانت تلك هي البطولة التي سأشارك فيها أنا.
ــ الفائزة في هذه الجولة، المؤَدية الوحيدة لفن استدعاء الأرواح في البطولة، الآنسة جيني كروويل من أكاديمية دريك!
ــ يا للعجب، لم يكن أحد يتوقع أن تؤدي هذه المتسابقة بهذا الشكل المذهل منذ البداية!
ورغم أن معظم المشاركين في البطولة ما زالوا قُصّرًا، ورغم أنّ القتال فيها لا يتسم بدموية أو إثارة زائدة، إلا أنّها كانت تحظى بأكبر قدر من الاهتمام بين كل المسابقات.
والسبب أنّها البطولة الوحيدة التي يحضرها الإمبراطور شخصيًا، ويُقدَّم فيها التكريم باسمه المباشر، مما أضفى عليها مكانة رفيعة وعراقة تاريخية.
ثم إنّ طبيعة المنافسة ــ كونها تجمع عباقرة البلدان المختلفة في مواجهة مباشرة ــ جعلت المتبارين يخوضون النزال بروح التحدي وكأنهم يحملون على عاتقهم كرامة أوطانهم.
وهذا كان يزيد من شعبيتها أيضًا.
وفوق ذلك، كان من المعتاد أن يظفر الفائز في كويفونكوبه بنفوذ قوي يفتح له أبواب السلطة.
حتى قيل إن الفوز فيها يعادل ــ من حيث الأثر ــ الانتصار في حرب، لما له من رفع شأن الدولة ومجدها.
ولهذا، فإن هذه البطولة “البريئة” في ظاهرها، نالت كل هذا الزخم والشعبية.
ــ آنسة كروويل! ما شعورك بعد هذا الفوز؟
“شعوري…………….”
ــ وبهذا تكونين قد تأهلتِ إلى المباراة النهائية! ما شعورك الآن؟ والهدف بالطبع هو الفوز بالبطولة، أليس كذلك؟ هل لديكِ سرّ أو تقنية خاصة وراء ضربتكِ الحاسمة؟
كان المذيع، الذي ارتدى قبعةً مزخرفة وصعد إلى أرض الحلبة، يدفع نحوي عصاه المزوّدة بسحر تضخيم الصوت، وهو ينهال عليّ بالأسئلة دون توقف.
لكنني بدلًا من الرد، أخذت أدور بناظري حول الكولوسيوم الدائري الذي أُقيمت فيه المباراة.
كان بحجم ملعب كرة قدم تقريبًا، وقد امتلأت مدرجاته عن آخرها بالناس. بل إنّ بعضهم وقف لمشاهدة لعدم وجود مقاعد شاغرة. وفي المقابل، لفتتني المقاعد المخصّصة للنبلاء المترفة، ومقصورة الإمبراطور الباذخة.
ــ آنسة، ألا تُسعفينا بكلمة واحدة على الأقل؟
راح المذيع يلحّ عليّ، بينما لم أفعل سوى أن أُقطّب جبيني بامتعاض.
لقد كان الحشد هائلًا، حتى أحسست كأني قرد في حديقة حيوانات، معروض على الأنظار للتسلية. ولم تكن لي أدنى رغبة في أن أكون فرجة للآخرين.
“آسفة، لكنني لا أجيد التحدث أمام الغرباء.”
ــ لا يبدو عليكِ ذلك….
“لا شيء عندي لأقوله، فهل تسمح لي بالنزول الآن؟”
لم يكن السبب في انخراطي في أمر لا يوافق طبعي سوى آش وحده.
ذلك الأحمق الذي حمّلني دَينًا من تلقاء نفسه ثم اختفى…
إن وقع في يدي يومًا، سأريه!
ــ لحظة، لحظة فقط! أجيبي عن سؤال واحد قبل أن تغادري، فالناس جميعًا يتشوقون لمعرفة ذلك.
“ما هو؟”
سألت بضجر، إذ كنت أريد العودة إلى غرفة الاستراحة بأسرع وقت.
المذيع حاول أن يختلق شيئًا من الاستعراض، فرفع حاجبيه وخفضهما مصطنعًا ابتسامةً عريضة، لكنه بدا في نظري مجرد مظهر مشوّه.
ــ منافسكِ في المباراة النهائية هو الشاب لاتشامو بيدري، النجم الصاعد من أكاديمية وِنْتيد… ما رأيك؟
“في ماذا بالضبط؟”
ــ هل تظنين أنك قادرة على الفوز هذه المرة أيضًا في أقل من عشر ثوانٍ؟
إلى الآن، كنت قد أنهيت جميع مبارياتي في أقل من عشر ثوانٍ.
لا لأنني كنت الأقوى إلى هذا الحد، بل لأنني ما زلت أعاني من إصابات داخلية لم تشفَ كليًّا، فلم يكن بوسعي إطالة زمن القتال.
في كل مرة كنتُ أُفعِّل فيها المانا، كان صداع حاد وألم مبرح في البطن يعصفان بي، فلم يكن أمامي خيار سوى استخدام تقنيات سريعة، دقيقة… وقاتلة.
بدلًا من خوض نزالٍ صادق مع الخصم، كنتُ ألجأ إلى أسلوب بدا للبعض قليل النبل: أن أطيح بالخصم خارج ساحة القتال مباشرة.
أستدعي أوندين، فتُغلف رأس الخصم بالماء وتلقي به إلى خارج الحلبة.
ولحسن الحظ، أن قوانين كويفونكوبه كانت تعدّ الخروج من ساحة النزال هزيمةً مؤكدة.
ــ “آآخ، ما هذا!”
ــ “غَرغَر…”
لم يسبق لمعظم المتبارين أن قاتلوا مستدعي أرواح من قبل، فصاروا فريسة سهلة.
السحرة كانوا أهونهم؛ إذ بمجرد أن يُحاصروا بالماء لا يعود بوسعهم تلاوة التعاويذ. أما المقاتلون أصحاب الأجساد السريعة فكانوا أحيانًا يتفادون الفقاعة المائية التي تحيط بهم.
لكنني لم أكن بحاجة سوى لانتظارهم حتى يقتربوا مني، وحين يخطون فوق الماء الذي نثرته من حولي، كانت مياه الأرض نفسها تشدّ على كعوبهم وتسحبهم إلى خارج الحلبة.
ولأن الماء لا يمكن قطعه بالسيف أو الفأس، فمتى عُلِّقوا به صاروا بلا حول ولا قوة.
وهكذا كان مستدعي الأرواح، بما يملك من سيطرة دقيقة على عناصر الطبيعة، يتفوّق على الساحر التقليدي بقدرةٍ أعظم، ويُنجز ما لا يستطيع غيره إنجازه.
وقبل أن أعرف ذلك لقد غدا إنهائي للأمور بسرعة خاطفة كأنه علامتي الفارقة.
“ومن يكون ذاك؟”
لاتشامو؟ اسم غريب حقًّا.
حين سألتُ ثانيةً، بدا المذيع مرتبكًا أيّما ارتباك.
فكّر قليلًا… كيف لي أن أعرف مشاهير بلادكم؟
“ألا تعرفينه؟”
“لا، لا أعرفه.”
“إنه نجل دوق بيدري، سيد السيف الأشهر، وممثل مملكة إيلان! إنّه الابن الثاني لفخامته!”
“بل وهو أيضًا شقيق اللورد روبينين بيدري! حقًّا، ألا تعرفينه؟”
“أما الدوق بيدري، سيد السيف، فأعرفه جيّدًا. يظهر اسمه في دروس أنساب النبلاء، بل يأتي في الامتحانات أيضًا.”
“وأمّا السيد لاتشامو…؟”
“قلت لك إني لا أعرفه. روبينين بيدري قد سمعت باسمه فقط.”
كان روبينين بيدري مشهورًا بكونه نابغة النجباء، لا يكاد يُجهل أمره بين من يرتادون الأكاديمية.
ثم ابتسمتُ ابتسامة خفيفة وتابعتُ الكلام.
“وهل يُفترض بي أن أعرف حتى أخاه الأصغر؟”
راودني خاطر يسير، شيءٌ ما عاد يتردّد في ذهني.
فأسرة بيدري تُعَدُّ من بيوتات السيف العريقة، وقد أنجبت عبر تاريخها أكبر عدد من الأبطال الفائزين في هذه البطولة.
مكانتها وسطوتها تكادان تضاهيان مكانة البيت المَلَكي نفسه.
“لكنَّه خصمك في المباراة القادمة. يُعَدّ من أبرز المرشّحين للفوز بالبطولة… ألم تنظري إليه يومًا على أنّه منافس لكِ، يا آنسة جيني؟”
“يا للعجب، كيف لي أن أعتبر منافسًا شخصًا لا أعرفه أصلًا؟”
“إذن أفهم من قولك أن لديك ثقة بالفوز هذه المرة أيضًا.”
“لا فرق عندي مَن يكون الخصم. سأطيح به سريعًا كما فعلتُ دائمًا، وسأفوز بالبطولة. لقد أجبتُ عن سؤالك، فهل يمكنني الانصراف الآن؟”
لقد كان ينظر إليّ بوجهٍ يشي بأنه يراني متعجرفة، وقد بدا ذلك جليًّا للعيان.
“هـ… هاها! نشكرك على إجابتك. إذن لننتقل سريعًا إلى الجولة التالية. المباراة المقبلة هي نصف النهائي لفئة الناشئين!”
وما إن تخلّصتُ من هذا الموقف، حتى غادرت المكان دون أن ألتفت خلفي، متوجّهة إلى غرفة الانتظار المخصّصة لأكاديمية دِريكِ، والمقامة تحت مدرّجات الجمهور.
* * *
“أحسنتِ، جيني!”
عندما عدتُ إلى غرفة الانتظار، ناولتني الأستاذة إيريتو عصيرًا أخضر قالت إنه مفيد للإصابات الداخلية. كان طعمه فظيعًا إلى حدّ الاشمئزاز، لكن مفعوله كان مؤكدًا.
“هيا، لابد أنكِ متعبة. اجلسي هنا.”
“ألا تحتاجين شيئًا آخر؟”
“جيني! تناولي هذا!”
ولأن الأمر مفهوم أسبابه، فقد صار أفراد البعثة، وحتى الفرسان، يتودّدون إليّ فجأة بشكل مبالغ فيه، حتى شعرتُ بغرابة الموقف.
إذا حضرتُ، أخلوا لي أفضل مقعد يطل على الحلبة، وإن بدا أنني أتضايق من الحر، أخذوا يهوون عليّ بمراوحهم، يحاولون بكل وسيلة إرضائي.
لم أكن معتادة على مثل هذه اللطف المفرط، وكان يثقل صدري بعض الشيء، غير أنني تظاهرتُ بالاستعلاء واستمتعتُ به على كل حال.
“إذن، عذرًا.”
جلستُ في أفضل مكان متاح، وأخذت أرتشف العصير الأخضر عبر القشّة.
كان مذاقه مقزّزًا حتى كدت أتقيأ، لكنني علمت أن الامتناع عن شربه سيجعلني أتقيأ حقًا، لذلك أجبرت نفسي على ابتلاعه.
اللعنة على هذه الإصابات البغيضة.
[سيّدتي! أحسنتِ الأداء!]
[معدتي تؤلمني.]
[إنما تتألمين لأنك رغم أنك مريضًة بالإصابات الداخلية تجرؤين على استخدام المانا! إنك تتعذبين لأنكِ تجبرين نفسك على استخدامها، ومع ذلك تواصلين استخدامها… أليس هذا تصرفًا أحمق؟]
[ماذا؟! هل نعتَّني بالحمقاء تَوًّا؟]
[ماذا؟! أبدًا لم أقل ذلك! أهناك دليل على كلامك؟]
[أحضرتك معي بكل عناء، ثم تتجرأ وتتصرف بهذه الوقاحة…!]
لم يكن ثمّة مكان أستطيع أن أتمتم فيه شاكية ألمي سوى عند “راي”. غير أنّه الآن محتجز داخل قفص صغير وضعته فيه الأستاذة إيريتو.
لقد نصحتني بأن أترك “راي” في مقرّ الإقامة، لكنني أصريتُ على اصطحابه معي، فما كان منها إلا أن أحضرت من مكانٍ ما مثل هذا القفص.
يبدو أنها كانت تخشى أن أحمله معي حتى وأنا على أرض المباراة.
ومَن ذا الذي سيصطحب أفعى معه إلى الحلبة؟!
… ولو لم يكن هنالك خطر في انكشاف أمري، لكنتُ فعلت ذلك حقًا.
وضعت القفص، الذي يحوي “راي”، تحت ذراعي، وأخذتُ أتابع المباريات من مقاعد المتفرجين.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات